ارتفاع أسعار الأضاحي وآلام الفقد والنزوح تفسد فرحة السودانيين بالعيد

«الرابع منذ بداية الحرب... والأسوأ على الإطلاق»

ركود يضرب سوق الخراف بـ«ضاحية الثورة» شمال مدينة أم درمان مع اقتراب عيد الأضحى (وكالة أنباء العالم العربي)
ركود يضرب سوق الخراف بـ«ضاحية الثورة» شمال مدينة أم درمان مع اقتراب عيد الأضحى (وكالة أنباء العالم العربي)
TT

ارتفاع أسعار الأضاحي وآلام الفقد والنزوح تفسد فرحة السودانيين بالعيد

ركود يضرب سوق الخراف بـ«ضاحية الثورة» شمال مدينة أم درمان مع اقتراب عيد الأضحى (وكالة أنباء العالم العربي)
ركود يضرب سوق الخراف بـ«ضاحية الثورة» شمال مدينة أم درمان مع اقتراب عيد الأضحى (وكالة أنباء العالم العربي)

يهلّ على السودانيين هذا العام عيد الأضحى الثاني، وهم يكابدون آلام الفقد والنزوح تحت وطأة المعارك الضارية بين قوات الجيش وقوات «الدعم السريع».

وهذا هو العيد الرابع، باحتساب عيدَي الفطر السابقين، الذي تُذهب الحرب فرحته. يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار الأضاحي بشدة، ما يجعلها بعيدة المنال عن معظم البيوت السودانية، بخاصة بعدما فقد الكثيرون وظائفهم ومصادر دخلهم بسبب الحرب.

محمد ميرغني كان ممن اعتادوا على شراء الأضحية في كل عام، لكن هذا لم يعد في مقدوره الآن بعدما اضطر للنزوح من «ضاحية الثورة» شمال مدينة أم درمان بعد تصاعد وتيرة المعارك، وتساقط الرصاص الطائش والقذائف المدفعية على المنازل السكنية في منطقته.

يقول في مقابلة مع «وكالة أنباء العالم العربي» إن مدينة شندي التي نزح إليها بها سوق واحدة للخراف «لكن الأسعار خيالية إذ تتراوح بين 400 و450 ألف جنيه سوداني (من 238 إلى 268 دولاراً) للخروف الواحد، ما يعني أننا لن نستطيع شراء الأضحية في هذا العيد».

منازل مدمرة وسيارات محترقة في منطقة ود نوباوي وسط مدينة أم درمان بالسودان (وكالة أنباء العالم العربي)

وأردف، «هذا العيد هو الرابع منذ بداية الحرب، لكن صراحة هو أسوأ عيد يمر علينا على الإطلاق... يمر العيد ونحن بعيدون عن الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء حيث فرَّقتنا ظروف الحرب والنزوح».

وأضاف «لم ألتق بعض أفراد أسرتي منذ تسعة أشهر. نزحنا هرباً من الموت حيث القصف المدفعي المتبادل. أكثر من 45 قذيفة سقطت في حيّنا ذلك اليوم الذي كان أشبه بالجحيم»، مشيراً إلى اشتباكات عنيفة اندلعت بين الجيش وقوات «الدعم السريع» بعد ثلاثة أشهر من تفجُّر القتال بين الطرفين في أبريل (نيسان) 2023.

استمرت الاشتباكات في ذلك اليوم لأكثر من 12 ساعة، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى وسط السكان... ولا تزال مستمرة.

ووصلت عائلة ميرغني إلى الولاية الشمالية بعد رحلة نزوح شاقة محفوفة بالمخاطر، بينما توجه هو وأسرته الصغيرة إلى ولاية نهر النيل بعد رحلة استمرت يومين.

بدا ميرغني متحسراً على قضاء أيام العيد في مدينة شندي بعيداً عن منطقته وبيته في «حي الثورة» حيث تسيطر قوات «الدعم السريع» على المنطقة التي باتت خالية من السكان منذ سبتمبر (أيلول) الماضي. ودعا قادة طرفي الصراع للجلوس على طاولة التفاوض والوصول إلى وفاق «ينهي هذه الحرب اللعينة».

سوق الخراف في أم درمان (وكالة أنباء العالم العربي)

إيمان حسن نزحت أيضاً مع عائلتها من «حي الجريف» بالعاصمة الخرطوم إلى محلية كرري شمال أم درمان. تقول «هذا عيد الأضحى الثاني الذي يمر علينا ونحن بعيدون عن بيتنا، لا مذاق للعيد ولا أفراح. من قبل كنا نجهز للعيد مبكراً بشراء الاحتياجات، لكن الآن لا طعم ولا حماس لاستقبال العيد».

وقالت لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «نزحنا إلى ضاحية كرري شمال أم درمان ووجدنا الحال واحداً. الناس كلها ما عندها استعداد أو قدرة على شراء الأضحية. صرنا عالة على الناس وضايقناهم، لا هم ارتاحوا ولا نحن مرتاحون».

لكن إيمان تشير إلى صعوبة الأوضاع في منطقتها وتؤكد أنها «سيئة جداً»، حيث تمارس «مجموعات مسلحة منفلتة، السرقة والنهب والقتل وتعذيب الأهالي واعتقال الشباب»، ومن ثم لا تستطيع العودة إلى دارها في الوقت الحالي.

وأضافت، «لا أحد يسأل عن أسعار خراف الأضاحي لأنه لا أحد يملك مالاً لشرائها، وهو حال جميع جيراني الجدد. الناس حالها صعب، والظروف أصبحت واحدة بين الجميع». وتقول إنها إذا حصلت على أي مبلغ مالي فستشتري به مواد غذائية أساسية وسلعاً تموينية، فالأضحية «رفاهية» في الظروف الحالية.

وقالت «المنظمة الدولية للهجرة» الأربعاء إن أكثر من عشرة ملايين سوداني نزحوا داخلياً في ولايات البلاد الثماني عشرة، مشيرة إلى أن نصفهم من النساء والأطفال، وربعهم تقريباً من الأطفال دون سن الخامسة. وذكرت، أن أكثر من مليوني شخص عبروا الحدود إلى دول الجوار: تشاد ومصر وجنوب السودان.

منزل محترق في ود نوباوي وسط مدينة أم درمان (وكالة أنباء العالم العربي)

وأوضحت المنظمة أن 70 في المائة من هؤلاء النازحين يواجهون خطر المجاعة بسبب ارتفاع أسعار الغذاء، وأن الفشل في منع وقوع المجاعة سيعني زيادة قوية في تدفق النازحين عبر الحدود إلى دول الجوار.

* أسعار الخراف الباهظة

ويقول النعيم آدم، وهو تاجر خراف، إن الأسعار ارتفعت إلى الضعف مقارنة بالعام الماضي حيث يبلغ سعر الخروف الواحد بين 300 و400 ألف جنيه سوداني وسط إقبال ضعيف من السكان على الشراء.

وعزا في حديث إلى «وكالة أنباء العالم العربي» أسباب غلاء الأسعار إلى قلّة المعروض من الخراف إلى جانب صعوبة نقلها من إقليم كردفان غرب البلاد إلى الولايات المختلفة بسبب غلق الطرق الرئيسية جراء المعارك.

أشخاص يتسوقون داخل سوق للخضراوات (أ.ف.ب)

وقال إن التجار أصبحوا يسلكون طرقاً بعيدة ووعرة من إقليم كردفان غرب البلاد الذي يضم أكبر مشاريع تربية المواشي التي يكتفي منها السودان داخلياً ويصدرها إلى الخارج، عبر مسار من ولاية شمال كردفان إلى الدبة بالولاية الشمالية ومنها إلى الولايات الشرقية والخرطوم.

وأضاف «هذا المسار الوعر والمكلف اضطر التجار إلى رفع الأسعار لتغطية التكاليف الباهظة».

وأوضح أن غالبية السودانيين أحجموا هذا العام عن شراء الأضاحي ليس لارتفاع الأسعار فحسب، فالجميع فقد مصادر دخله، كما نُهبت معظم الأسواق والمحال التجارية في العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى التي تشهد معارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع». وأكد «الأولوية الآن توفير الأكل والشرب».


مقالات ذات صلة

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
TT

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة، وغازل عمداء البلديات بـ«الخدمات» من خلال إنهاء وتدشين عدة مشروعات في مناطقهم.

واجتمع الدبيبة في مقر الحكومة بطرابلس العاصمة مع 6 عمداء بلديات، هي الأصابعة وككلة والقواليش والمشاشية ويفرن والقلعة، بالإضافة إلى عدد من أعيانها، لمناقشة عدد من الملفات الخدمية والتنموية والاجتماعية.

وتحدث الدبيبة خلال اللقاء عن دعمه لملف التنمية المحلية واللامركزية، وإقرار عدد من اللوائح والقرارات المنظمة لهذا التوجه المهم، مشدداً على ضرورة توحيد الجهود الوطنية للوصول بالبلاد لانتخابات برلمانية ورئاسية، وفق قوانين عادلة ومتفق عليها، وإنهاء المراحل الانتقالية.

الدبيبة مع عدد من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

ووفقاً لمكتب الدبيبة، فقد استعرض رؤساء الأجهزة التنفيذية أهم المشروعات التنموية بالبلديات الحاضرة، ونسب الإنجاز الفنية والمشروعات المعتمدة في الخطة التنموية المقبلة.

ويأتي لقاء الدبيبة بعمداء البلديات الـ6، عقب يوم من لقائه أعضاء المجلس البلدي يفرن وعدداً من أعيان المدينة. وأثار خلال اجتماعه معهم ضرورة «توحيد الجهود الوطنية لإنجاز الدستور والقوانين الانتخابية العادلة، لتكون المرجعية الوطنية التي تتيح إجراء الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية».

وخلال الاجتماعين حرص الدبيبة على توجيه أجهزة حكومته لإنجاز مشاريع معطلة بالبلديات، وقال في اللقاء الذي انتهى، مساء الخميس، إن «عمليات الإمداد المائي لبلديات الجبل تحديداً كانت من أولويات الخطة التنموية، ضمن مشروعات (عودة الحياة)، وما زالت مستمرة حتى استكمالها، تقديراً لظروف المنطقة واحتياجاتها لمياه الشرب».

كما وجّه الدبيبة «الأجهزة التنفيذية بإعطاء الأولوية في المشروعات التنموية لقطاعات المياه والصرف الصحي، والمرافق التعليمية والصحية، وإعطاء الأولوية للمشاريع الجارية لضمان استكمالها».

من جهة ثانية، تتواصل في ليبيا تداعيات إيقاف الدبيبة للقائم بالأعمال في السفارة الليبية لدى مصر، محمد عبد العالي، دون مزيد من الأسباب، لكنه كلف مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية، السفير عبد المطلب إدريس، بتسيير مهام السفارة الليبية.

في غضون ذلك، دعا مجلس النواب الليبي أعضاءه إلى جلسة رسمية، الاثنين المقبل، تُعقد في مدينة بنغازي، لمناقشة بنود جدول أعمال المجلس، حسب عبد الله بليحق المتحدث الرسمي باسم المجلس.

الطاهر الباعور مستقبلاً سفير إيطاليا لدى ليبيا (خارجية الوحدة)

من جهته، التقى الطاهر الباعور، المكلف تسيير وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»، الجمعة، في مكتبه بطرابلس، سفير إيطاليا لدى ليبيا، جيانلوكا البريني، حيث أكد الجانبان على عمق العلاقات الثنائية المتميزة التي تربط البلدين والشعبين الصديقين.

ونقلت الخارجية عن السفير «إشادته بمخرجات منتدى الأعمال الليبي - الإيطالي، الذي عُقد بطرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ حيث نقل خلال اللقاء امتنان وتقدير رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجا ميلوني، لنجاح هذا المنتدى.

وأكد الباعور مشاركته وتمثيل الوفد الليبي في «منتدى حوار المتوسط لبلدان البحر المتوسط»، الذي سيُعقد في روما على المستوى الوزاري، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.