هل فقد رئيس «الوحدة» الليبية دعم مدينة مصراتة؟

بعد اجتماع عقده خصومه في مسقط رأسه للمطالبة بـ«حكومة جديدة»

رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (الحكومة)
رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (الحكومة)
TT

هل فقد رئيس «الوحدة» الليبية دعم مدينة مصراتة؟

رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (الحكومة)
رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (الحكومة)

تباينت ردود أفعال سياسيين ليبيين حول الدعم الذي يتلقاه رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة من مدينته ومسقط رأسه مصراتة (غرب)، وذلك على خلفية اجتماع عقده أعضاء من مجلسي النواب و«الدولة» وقوى سياسية وحزبية ومدنية في مصراتة، نهاية الأسبوع الماضي، جددوا خلالها تمسكهم بالقوانين الانتخابية المقررة من البرلمان، وبتشكيل «حكومة موحدة» لإجراء الانتخابات.

بدايةً، يرى رئيس حزب «التجديد» الليبي، سليمان البيوضي، أن «لعبة الوقت في صالح المعارضة في مصراتة، حيث باتت أكثر نضجاً، واستطاعت معالجة كثير من التباينات بين قياداتها بهدوء وبعيداً عن الإعلام».

وتابع البيوضي في «إدراج» عبر صفحته على «فيسبوك» أنه «خلال عام من اللقاءات والاتصالات بات الجميع يلتقي عند الحاجة للتغيير، وإجراء الانتخابات الوطنية»، معتقداً أن الدبيبة الذي راهن على الوقت «فقد من رصيده الكثير، بل يفقد كل يوم المزيد. والحديث الآن علني وواضح في مسألة احتواء حلفائه السابقين وفق شروط محددة».

الدبيبة خلال زيارة سابقة لمدينة مصراتة (الوحدة)

في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير، أن الدبية «لم يفقد الدعم السياسي أو المساندة في مدينته مصراتة، كما يعتقد البعض في أعقاب عقد هذا الاجتماع». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الدبيبة «ما زال لديه مؤيدون كثر بالمدينة وبعموم ليبيا؛ فعلى المستوى الشعبي فإن الكثير من الليبيين يرون أن ما حصلوا عليه في عهد حكومته، وما أنجزته بقطاعات خدمية لم يتحقق لهم من حكومات سابقة».

ويستدرك المحلل السياسي وابن مدينة مصراتة، قائلاً إن الغالبية بمدينته «ليست مع أو ضد الدبيبة، بل هي مع الانتخابات، وبالتالي لن تؤيد مساعي تمديد المرحلة الانتقالية عبر تغيير الحكومة». مشيراً إلى «وجود رفض واضح صدر من قوى سياسية وعسكرية بالمدينة، مثل (اتحاد ثوار مصراتة) تجاه هذا الاجتماع»، مؤكداً أن أغلب ردود الفعل «لم تكن بدافع الولاء للدبيبة، وإنما لإدراكهم أن المجتمعين يريدون الاستمرار في السلطة، عبر إيجاد حكومة جديدة يتقاسمون مقاعدها، ويبررون الأمر بذريعة ضرورة توحيد السلطة التنفيذية لإجراء الانتخابات».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى تسيطر على غرب البلد ومقرها طرابلس ويرأسها الدبيبة، وأخرى مكلَّفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية، ويرأسها أسامة حمّاد.

وقلل الكبير من مخرجات اجتماع مصراتة، مشيراً إلى أن من قاموا بتنظيمه والمشاركين فيه «لا يملكون أي آليات، أو وسيلة تمكِّنهم من إزاحة الدبيبة من السلطة، وتشكيل حكومة جديدة كونهم ليسوا أصحاب قرار نهائي بمجلسيهما»، في إشارةٍ منه لضرورة توافق رئيسَي المجلسين على القوانين الانتخابية قبل بحث تشكيل «حكومة جديدة».

من جانبه، أوضح الباحث الليبي، مدير «معهد صادق للدراسات السياسية» أنس القماطي، أن عقد الاجتماع في مصراتة «يحمل دلالة رمزية قد تكون شديدة السلبية بالنسبة إلى الدبيبة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الاجتماع «يمثل بالفعل محاولة وخطوة تصعيدية في تغيير الموازين من منافسي وخصوم الدبيبة، الساعين لإزاحته عبر جذب حلفائه إلى صفهم... لكنّ هذا لا يعني بالضرورة نجاحهم في بلوغ هذا الهدف، أو أن حلفاء الأخير، خصوصاً قادة التشكيلات المسلحة الموجودة بالمدينة أو بطرابلس، سوف تتخلى عنه، فعملية اتخاذ القرار في استبدال الدبيبة أكثر تعقيداً مما هو ظاهر على السطح».

ليبيون يتساءلون إن كانت التشكيلات المسلحة الموجودة في مصراتة سوف تتخلى عنه (الشرق الأوسط)

ورغم إقراره بعدم توحّد مدينة مصراتة خلف شخصية سياسية بعينها، فإن القماطي استبعد أن تميل «لمشاريع شخصيات سياسية، وخاصة من أعضاء البرلمان، المعروفين بقربهم من قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر؛ ولذا قد تفضل الاصطفاف مع الدبيية بوصفه رمزاً لمواجهة الأخير، وليس من باب تأييد سياساته».

أما عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، فأكد أن اجتماع مصراتة «لم يكن مفاجأة، وكان معداً له نظراً لتوسط موقع المدينة بين شرق البلاد وغربها؛ ولكثر الداعمين بها لمبادرة أعضاء مجلسي النواب و(الدولة) بإيجاد حكومة جديدة».

مسلحون ضمن قوات موالية لحكومة عبد الحميد الدبيبة في مصراتة (أ.ب)

ورغم تأكيده فقدان الدبيبة «الكثير من أنصاره خلال العام الأخير» بمصراتة وعموم ليبيا، فقد أوضح بن شرادة لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة «لا يزال يتمتع بكتلة غير هينة داعمة له بالمدينة، خصوصاً من طبقة رجال الأعمال التي ترتبط بمصالح مع عائلته، وقادة تشكيلات مسلحة وأيضاً مواطنين».

ورفض بن شرادة الاتهامات التي تتردد بأن هدف أعضاء المجلسين «إزاحة» حكومة الدبيبة، مع بقائهم في مواقعهم واستمرار تلقيهم رواتبهم من الدولة، وشدد على أنه «لا يمكن أن تُتهم الجهة التي تسعى لتشكيل حكومة موحدة، تتعهد بإجراء الانتخابات بمدة زمنية محددة، بالعرقلة والرغبة في تمديد المراحل الانتقالية».

وخلال الاجتماع الأخير لحكومته شنَّ الدبيبة انتقادات لاذعة للاجتماع، قائلاً إن «أعضاء المجلسين اختلفا في كل شيء، واتفقا على بند واحد، وهو كيفية التمديد لأنفسهم وتعطيل الانتخابات». كما رفض بن شرادة ما يطرحه البعض حول أن «اختيار مدينة مصراتة هو جزء من تعويل أعضاء المجلسين على دعم تيار الإسلام السياسي لحراكهم، نظراً لما هو معروف من تمتع هذا التيار بنفوذ واسع في المنطقة الغربية». وانتهى إلى أن مصراتة بها تيارات عدة مدنية وأيضاً ذات خلفية إسلامية؛ وقال إن استمرار البعض في المطالبة بتعديل القوانين الانتخابية لن يقود إلا لاستنزاف مزيد من الوقت، دون الوصول إلى الانتخابات».


مقالات ذات صلة

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

شمال افريقيا المفوضية العليا للانتخابات حسمت الجدل حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

حسمت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا الجدلَ حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

تتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
TT

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

استعادت قوات الجيش السوداني، السبت، مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في جنوب شرقي البلاد، ما يسهل على الجيش السيطرة على كامل الولاية. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، مئات الأشخاص يخرجون إلى الشوارع احتفالاً باستعادة المدينة التي ظلت لأكثر من 5 أشهر تحت سيطرة «قوات الدعم السريع».

وقال مكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش، في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى دخلت رئاسة الفرقة 17 مشاة بمدينة سنجة». ولم يصدر أي تعليق من «قوات الدعم السريع» التي كانت استولت في مطلع يوليو (حزيران) الماضي، على مقر «الفرقة 17 مشاة» في مدينة سنجة بعد انسحاب قوات الجيش منها دون خوض أي معارك. ونشر الجيش السوداني مقاطع فيديو تظهر عناصره برتب مختلفة أمام مقر الفرقة العسكرية الرئيسة.

بدوره، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الثقافة والإعلام، خالد الأعيسر، عودة مدينة سنجة إلى سيطرة الجيش. وقال في منشور على صفحته في «فيسبوك»، نقلته وكالة أنباء السودان الرسمية، إن «العدالة والمحاسبة مقبلتان وستطولان كل من أسهم في جرائم، وستتم معاقبة المجرمين بما يتناسب مع أفعالهم».

وأضاف أن «الشعب السوداني وقواته على موعد مع تحقيق مزيد من الانتصارات التي ستعيد للبلاد أمنها واستقرارها، وتطهرها من الفتن التي زرعها المتمردون والعملاء ومن يقف خلفهم من دول وأطراف متورطة».

وفي وقت سابق، تحدث شهود عيان عن تقدم لقوات الجيش خلال الأيام الماضية في أكثر من محور صوب المدينة، بعد أن استعادت مدينتي الدندر والسوكي الشهر الماضي، إثر انسحاب «قوات الدعم السريع». وقال سكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، إن قوات الجيش وعناصر المقاومة الشعبية انتشروا بكثافة في شوارع سنجة، وإنهم فرحون بذلك الانتصار.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (أرشيفية - مواقع التواصل)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خاض الجيش معارك ضارية ضد «قوات الدعم السريع»، نجح من خلالها في استعادة السيطرة على منطقة «جبل موية» ذات الموقع الاستراتيجي التي تربط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض. وبفقدان سنجة تكون «قوات الدعم السريع» قد خسرت أكثر من 80 في المائة من سيطرتها على ولاية سنار الاستراتيجية، حيث تتركز بقية قواتها في بعض البلدات الصغيرة.

يذكر أن ولاية سنار المتاخمة لولاية الجزيرة في وسط البلاد، لا تزال تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، التي تسيطر أيضاً على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم ومنطقة غرب دارفور الشاسعة، إضافة إلى جزء كبير من ولاية كردفان في جنوب البلاد.

ووفقاً للأمم المتحدة نزح أكثر من نحو 200 ألف من سكان ولاية سنار بعد اجتياحها من قبل «قوات الدعم السريع».

واندلعت الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بعد خلاف حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للانتقال إلى حكم مدني، وبدأ الصراع في العاصمة الخرطوم وامتد سريعاً إلى مناطق أخرى. وأدى الصراع إلى انتشار الجوع في أنحاء البلاد وتسبب في أزمة نزوح ضخمة، كما أشعل موجات من العنف العرقي في أنحاء البلاد.