أزمة النازحين السودانيين تتفاقم جراء معارك الفاشر

«الجنائية الدولية» تبحث عن أدلة على «جرائم دارفور»

نازحون سودانيون يصلون (الاثنين) إلى مدينة القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
نازحون سودانيون يصلون (الاثنين) إلى مدينة القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

أزمة النازحين السودانيين تتفاقم جراء معارك الفاشر

نازحون سودانيون يصلون (الاثنين) إلى مدينة القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
نازحون سودانيون يصلون (الاثنين) إلى مدينة القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

تجدّدت الاشتباكات والقصف المدفعيّ المتبادل بين الجيش السودانيّ و«قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، في الأحياء الغربية لمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور. وبموازاة ذلك تفاقمت أزمة النازحين في شمال دارفور، إذ قال ناشطون محليون يعملون في مجال الإغاثة بالولاية لـ«الشرق الأوسط» إن «الأيام القليلة الماضية شهدت وصول أكثر من 34 ألف نازح إلى محافظة طويلة (80 كيلومتراً غرب الفاشر)» هرباً من المعارك في الفاشر واستمرار حصارها من قبل «الدعم السريع».

وتحدث عناصر من «الدعم السريع» في فيديوهات على منصة «إكس» عما وصفوه بـ«انهيار خطوط المواجهة» للجيش السوداني، وقوات الحركات المسلحة المتحالفة بالفاشر.

وتفرض «الدعم السريع» حصاراً مُحكماً على المدينة في محاولة للسيطرة عليها، بعد أن أحكمت قبضتها على أربعٍ من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، وسط تحذيرات دولية وإقليمية من اجتياح المدينة التي تؤوي ملايين النازحين الفارين من مدن الإقليم المضطرب جرّاء الصراع.

ووفق ما نقل نشطاء في الفاشر على منصات التواصل الاجتماعي، فإن مصدر القصف العشوائي بالأسلحة الثقيلة الذي استهدف مباني سكنية مصدره شرق المدينة، حيث تتمركز «الدعم».

وقال مقيمون بالفاشر لــ«الشرق الأوسط» إن «تجدد الهجوم جاء بعد ساعات من أعنف اشتباكات شهدتها المدينة بين الأطراف المتحاربة منذ اندلاع القتال بينهم قبل أكثر من شهر». وأضافوا أن أصوات القصف المدفعي كانت قوية، وسُمعت في أرجاء واسعة بالمدينة.

وذكر شهود آخرون لـ«وكالة أنباء العالم العربي» أنّ أحياءً عدّة جنوب المدينة تعرّضت لقصف مدفعي مكثّف، مشيرين إلى سماع دويّ انفجارات قويّة وأصوات إطلاق رصاص شمال المدينة وشرقها مع تصاعد كثيف لأعمدة الدخان. وأكد الشهود أنّ شبكات الاتصالات والإنترنت غير متوفّرة في معظم أنحاء الفاشر منذ أيّام مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي.

نساء وأطفال سودانيون يتجمعون في يناير الماضي بمخيم للنازحين في الفاشر (رويترز)

وفي وقت سابق اليوم، أعلنت المحكمة الجنائيّة الدوليّة عبر منصة «إكس» أنّ المدّعي العام للمحكمة أطلق حملة تدعو إلى تقديم المعلومات والتعاون فيما يتعلّق بمزاعم ارتكاب جرائم في دارفور.

ودعا المكتب كلّ من لديه معلومات ذات صلة بالجرائم الدوليّة المزعومة في دارفور إلى تقديمها، بينما قال المدّعي العام إن المحكمة «تحقق بشكل عاجل بشأن مزاعم ارتكاب جرائم دوليّة واسعة النطاق في الفاشر بشمال دارفور والمناطق المحيطة بها».

أزمة النازحين

بدوره قال المتحدث باسم منطمة «اللاجئين والنازحين» الأهلية التي تنشط في الفاشر، آدم رجال، لــ«الشرق الأوسط» إن «قوات الدعم السريع تقدمت ووصلت إلى حي السلام وسط المدينة»، مبدياً تخوفه من أن تؤدي تلك المعارك إلى سقوط قتلى وإصابات جديدة بين المدنيين.

وأضاف رجال أنه خلال الأيام القليلة الماضية استقبلت محافظة طويلة، شمال دارفور، «أكثر من 34 ألف نازح، قدموا إليها عبر سيارات النقل الكبيرة والدواب وبعضهم راجلين»، مشيراً إلى أن «من بين الفارين أعداداً كبيرةً من النساء والأطفال».

ووفق رجال، لجأ الآلاف من النازحين إلى مناطق جبل مرة التي تقع تحت سيطرة قوات زعيم «حركة تحرير السودان»، عبد الواحد محمد أحمد النور، لكن التحدي الأكبر هو توفير المأوي والغذاء.

أطفال سودانيون يتحلقون حول وجبة في مدرسة تؤوي نازحين في بورتسودان (رويترز)

وقال الناشط المحلي إن مراكز الإيواء امتلأت بالنازحين القادمين من الفاشر، مضيفاً أن الأوضاع الإنسانية صعبة للغاية. ورأى أن «الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي غير مؤثرة على الأرض لدفع أطراف النزاع إلى وقف القتال». وطالب بالمزيد من الخطوات التي تضمن عدم تعرض السكان لأعمال عنف تعرض حياتهم لخطر الموت.

وذكر منسق «اللاجئين والنازحين» أن المواجهات بين أطراف النزاع تستهدف المستشفيات والمرافق الحيوية المدنية، ولا تراعي القوانين الدولية الإنسانية فيما يتعلق بقواعد الاشتباكات التي يتضرر منها المدنيون في الأحياء السكنية.

وكان حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، توعد بأن تكون الفاشر «مقبرة» لـ«الدعم السريع» وداعميها، ناصحاً الدول الداعمة لها بالتوقف عن مشاركتها فيما وصفه بـ«الإبادة الجماعية».

وأدت المعارك التي دارت خلال اليومين الماضين إلى إخلاء المستشفى الجنوبي الوحيد الذي يعمل في المدينة من المرضى والكوادر الطبية والأدوية والمعدات الطبية، وتم نقلهم إلى «المستشفى السعودي». ولا توجد مرافق طبية بمدينة الفاشر مهيأة لاستقبال أعداد كبيرة من المصابين.

من ناحية أخرى، اتّهمت ما تسمّى لجان مقاومة مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، «قوات الدعم السريع» بفرض حصار جزئي على قرية العزازي واقتحام وتهجير معظم القرى الواقعة جنوب قرية ود النورة. وتسيطر «قوات الدعم السريع» على المدينة منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.


مقالات ذات صلة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (رويترز)

المبعوث الأميركي للخرطوم: هناك حاجة إلى ممرات إنسانية وهدن في السودان

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، الثلاثاء، إن هناك حاجة إلى مزيد من المساعدات في البلاد فضلاً عن تسريع وصولها من خلال تنفيذ ممرات إنسانية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس وفد التفاوض في «قوات الدعم السريع» عمر حمدان خلال مؤتمر صحافي بنيروبي يوم 18 نوفمبر (الشرق الأوسط)

«قوات الدعم السريع» السودانية: خياراتنا مفتوحة لتشكيل حكومة في مناطق سيطرتنا

أكد رئيس وفد التفاوض في «قوات الدعم السريع» السودانية، عمر حمدان، في مؤتمر صحافي أنهم لا يرفضون السلام، لكن هذا يتوقف على مبادرة جادة وبضمانات دولية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)
علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)
TT

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)
علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

مع اقتراب دفع المحكمة الجنائية الدولية بـ«المرافعات» الختامية في قضية السوداني علي عبد الرحمن، الشهير بـ«علي كوشيب»، المتهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم بدارفور، وصف الدفاع المتهم كوشيب بأنه «كبش فداء» قدّمته الحكومة السودانية للتغطية على المتهمين الرئيسيين، وهم: الرئيس المخلوع عمر البشير، ووزيرا «الدفاع» وقتها عبد الرحيم محمد حسين، و«الداخلية» أحمد هارون.

وقالت المحكمة الجنائية، في «ورشة عمل» عقدتها للصحافيين السودانيين في العاصمة الكينية كمبالا، الجمعة، إن المحكمة قررت تقديم المرافعات الختامية في قضية المدعي العام ضد علي محمد علي عبد الرحمن، الشهير بـ«علي كوشيب»، في الفترة من 11 إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) 2024، بمقر المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية.

ويواجه عبد الرحمن 31 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يُزعم أنها ارتُكبت في إقليم بدارفور السودان، خلال الفترة بين أغسطس (آب) 2003، وأبريل (نيسان) 2004، بمناطق مكجر وبندسي ودليج وكدوم بوسط دارفور.

مطالب بتسليم البشير وهارون

وقال المستشار بمكتب المدعي العام داهيرو سان آنا، عبر تقنية مؤتمر فيديو من لاهاي، إن مكتبه يحقق في أحداث دارفور الناجمة عن الحرب الحالية، وإنه كلف فريقاً يقوم بجمع المعلومات في دارفور يتعلق بالقضايا الجديدة، في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يتحدث الناس أنها تحدث في الإقليم المضطرب، وبنهاية التحقيقات سيجري تقديم طلبات لقضاة المحكمة لتوجيه اتهامات.

عمر البشير خلال محاكمته بالفساد يونيو 2019 (رويترز)

وأوضح أن المتهمين الرئيسيين؛ الرئيس السابق عمر البشير، ووزير دفاعه وقتها عبد الرحيم محمد حسين، ووزير داخليته أحمد محمد هارون، لا يزالون دخل السودان. وأضاف: «وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، يجب تسليمهم للمحكمة، وهو التزام لا يزال قائماً». وتابع أن انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي قاده الجيش صعب الأوضاع المتعلقة بتسليم المتهمين.

وقال داهيرو إن تسليم المتهمين يقع على حكومة السودان التي تَعلم مكان المتهمين. وتابع: «سألناهم، العام الماضي، ولم يعطونا معلومات، وقالوا إنهم يحققون في مكان وجود أحمد هارون». واستطرد: «التحقيقات مع كوشيب أشارت إلى ضلوع هارون في كل الجرائم المرتكبة بواسطة كوشيب، وطالبنا بتسليمه ليحاكَم الرجلان معاً، لكن هذا لم يحدث».

وعادت قضية تسليم أحمد محمد هارون إلى الواجهة مجدداً، بعد تصاعد الصراعات داخل حزب البشير «المؤتمر الوطني»، وانتخاب الرجل رئيساً للحزب، رغم التهم الموجهة له من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، والاتهامات التي يواجهها في القضاء المحلي.

مئات الأشخاص يفرون يومياً من دارفور إلى مخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وبإطاحة حكم الرئيس عمر البشير، يواجه الرجال الثلاثة المحاكمة باتهامات تتعلق بتدبير انقلاب 1989، تصل عقوبتها للإعدام. وعقب اندلاع الحرب، في 15 أبريل، خرج هارون ومتهمون آخرون من السجن، ولا يعلم مكان وجودهم، بينما لا تزال السلطات تقول إن البشير وحسين لا يزالان قيد الحبس، دون أن تكشف عن مكان حبسهما.

اتهامات لحكومة السودان

بدوره، قال المتحدث باسم المحكمة، فادي العبد الله، إن المحكمة لا تستطيع توسيع نطاق اختصاصها إزاء الجرائم التي يزعم أن قوات «الدعم السريع» ترتكبها في مناطق جديدة من السودان؛ لأن السودان ليس عضواً في ميثاق روما المكون للمحكمة الجنائية الدولية، وأن اختصاصها يقتصر على قرار مجلس الأمن 1593 الصادر في 2005، الذي أحال الوضع في دافور للمحكمة.

واتهم محامي المتهم سيريل لاوشي، في إفادته، للصحافيين، «حكومة السودان» بأنها قدمت كوشيب «كبش فداء» للتستر على المتهمين الرئيسيين. وقال: «جاء ممثل السودان، وقال: خذوه وحاكموه، فهذا هو الشخص الذي يجب أن تجري محاكمته، على الرغم من وجود المتهمين الرئيسيين؛ عمر البشير ومساعديْه وزيري الدفاع والداخلية».

وأرجع محامي كوشيب تأخير إجراءات المحاكمة إلى عدم مثول المتهمين الآخرين، وأضاف: «كان يمكن أن تسير الإجراءات بشكل يحقق العدالة، بحضور المتهمين». وأقر المحامي لاوشي بوقوع الجرائم موضوع المحاكمة، وطالب بجبر ضرر الضحايا، بقوله: «للمجني عليهم الحق في جبر الضرر، بغض النظر عن إدانة كوشيب أو تبرئته، وحق الضحايا لن يتأثر بكونه مجرماً أو غير مجرم».

صورة من الدمار الذي خلّفه القتال في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أرشيفية - أ.ف.ب)

ووفقاً للمتحدثين باسم محكمة لاهاي، فإن مكتب المدعي العام والممثلين القانونيين للضحايا، وهيئة الدفاع سيدلون بمرافعاتهم الختامية، في الوقت المحدد، أمام الدائرة الابتدائية الأولى المكونة من القاضية جوانا كورنر «قاضية رئيسة»، والقاضيتين راين ألابيني غانسو وألتيا فيوليت أليكسيس.

وبدأت محاكمة كوشيب أمام الدائرة الابتدائية الأولى، في 5 أبريل 2022، على أثر تسليمه نفسه للمحكمة في يونيو (حزيران) 2020، واستجوبت المحكمة، خلال التقاضي، 56 شاهداً، وقفلت قضية الادعاء في 5 يونيو 2023، وينتظر أن تستمع المحكمة إلى مرافعتَي الاتهام والدفاع الختاميتين، قبل اتخاذ قرار بشأن الرجل المحبوس لدى المحكمة في لاهاي.