ما حقيقة تهريب المهاجرين من ليبيا إلى أميركا؟

مصدر بمطار بنينا يؤكد أن جميع الرحلات التي يتم تنظيمها «قانونية»

«غدامس» شركة طيران ليبية مملوكة للقطاع الخاص (الشرق الأوسط)
«غدامس» شركة طيران ليبية مملوكة للقطاع الخاص (الشرق الأوسط)
TT

ما حقيقة تهريب المهاجرين من ليبيا إلى أميركا؟

«غدامس» شركة طيران ليبية مملوكة للقطاع الخاص (الشرق الأوسط)
«غدامس» شركة طيران ليبية مملوكة للقطاع الخاص (الشرق الأوسط)

دفعت التشديدات الأوروبية العصابات المتاجرة في البشر إلى اللجوء لمسار جديد يُمكّن مئات المهاجرين غير النظاميين من الهرب بعيداً عن الملاحقات الأمنية، وجاءت هذه التشديدات وسط أنباء بأن الولايات المتحدة باتت، على ما يبدو، وجهةً جديدةً لمئات المهاجرين الذين يتخذون من ليبيا منطلقاً لرحلاتهم نحو أميركا.

وتضبط الأجهزة المعنية بالهجرة في ليبيا مئات المهاجرين قبيل هروبهم عبر البحر المتوسط، فتعيدهم منه وتعتقلهم في مراكز إيواء، سواء في شرق البلاد أو غربها لحين ترحيلهم إلى بلدانهم.

مهاجرون جرى اعتراضهم من قبل «خفر السواحل» التونسي في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

وفي ظل تداول تقارير إعلامية غربية بشأن قيام رحلات جوية بنقل مهاجرين من بنغازي إلى مطار ماناغوا عاصمة نيكاراغوا، قال مصدر بمطار بنينا بشرق ليبيا لـ«الشرق الأوسط» إن جميع الرحلات التي يتم تنظيمها «قانونية، ومَن عليها جميعاً يستوفون الإجراءات المتعارف عليها دولياً».

وفي 18 من مايو (أيار) الماضي، حطّت طائرة «بوينغ 777» تابعة لشركة الطيران الليبية «غدامس» بمطار ماناغوا قادمة من مطار بنينا، وعلى متنها 367 راكباً هندياً. ووفق تقرير نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية، قامت الطائرة نفسها برحلة مماثلة في 23 من الشهر ذاته وعلى متنها 298 هندياً. لكن شركة «غدامس» رفضت التعليق على هذه التقارير.

مهاجرون غير نظاميين في أحد شوارع طرابلس (أ.ف.ب)

وباتت الرحلات على هذا الخط فيما يبدو نحو مطار «أوجوستو ساندينو» في نيكاراغوا، وفق «الوكالة الألمانية» «أحدث الخيارات البديلة لدخول المهاجرين غير الشرعيين الولايات المتحدة عبر حدودها الجنوبية». وتظهر إحصاءات الأمم المتحدة أن ليبيا تؤوي قرابة 704 آلاف مهاجر من 43 جنسية، بحسب بيانات جُمعت من 100 بلدية ليبية في منتصف عام 2023. وفي هذا السياق أكدت «المنظمة الدولية للهجرة» في مارس (آذار) الماضي، أن إدارة البحث الجنائي عثرت على جثث 65 مهاجراً على الأقل في مقبرة جماعية جنوب غربي ليبيا.

ووفق المعلومات التي أوردتها «لوموند» عبر موقعها على شبكة «الإنترنت»، فإن الطائرة التي حصلت عليها الشركة الليبية في نهاية 2023، أجرت قبل التوجه إلى نيكاراغوا رحلتين ذهاباً وإياباً إلى مطار طشقند في أوزبكستان

ونقلت الصحيفة عن مواقع متخصصة لمتابعة النقل الجوي أن الطائرة لم تقم سوى بهذه المهمات منذ اقتنائها.

وتمسّك المصدر المسؤول في مطار بنينا بأنهم «يعملون على تشديد الإجراءات لمكافحة الهجرة غير النظامية»، غير أن الصحيفة نقلت عن جلال حرشاوي، الباحث المشارك في «المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن»، حديثه عن «شبكات إجرامية» تُمكّن المهاجرين السريين من الوصول إلى أوروبا وأميركا. وقال: «إن أخذ المهاجرين من أوزبكستان أو الهند، ووعدهم بأنهم سيصلون إلى جنوب الولايات المتحدة، عبر عديد من البلدان والقارات بشكل غير نظامي، لا يمكن أن يتم إلا بفضل الشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، وبتواطؤ بعض الدول».

وتأتي الموجة الجديدة من الرحلات في أعقاب قرار السلطات الفرنسية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي احتجاز طائرة تابعة لشركة «ليجند إيرلاينز» الرومانية بمطار «باريس فاتري»، وعلى متنها أكثر من 300 راكب هندي، للتحقيق في وجود شبهات للاتجار بالبشر.

ومهّد قرار سلطات نيكاراغوا عام 2021 بفتح الأبواب للمهاجرين من دول تعاني صعوبات سياسية، الدخول من دون تأشيرة مقابل دفع رسوم، بقدوم الآلاف إلى البلاد عبر رحلات تجارية من دول أميركا اللاتينية، وأيضاً من المغرب وليبيا.

وفي إحصاءات نشرتها «لوموند»، نقلاً عن مركز «حوار الدول الأميركية»، الذي يوجد مقره بواشنطن، فإن 1145 طائرة من تلك الدول حطّت بمطار ماناغوا منذ مايو 2023.

وحثّت واشنطن دول العبور جنوب القارة على فرض التأشيرة على الدول المصدّرة للمهاجرين، كما أصدرت عقوبات ضد شركات الطيران المتعاونة في تسهيل نقل المهاجرين عبر الرحلات المستأجرة. ومن المتوقع أن يتصدر هذا التدفق اللافت النقاشات العلنية في واشنطن قبل الانتخابات الرئاسية، المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

جانب من المؤتمر الأفريقي - الأوروبي الذي تنظمه حكومة حماد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)

في نهاية مايو الماضي، عقدت سلطات شرق ليبيا المؤتمر الأوروبي - الأفريقي، بحضور وفود رسمية من القارتين، وتمت خلاله مناقشة مقترحات حول كيفية التغلب على هذه الأزمة التي تؤرق ليبيا ودولاً أوروبية. غير أن المتابعين لملف الهجرة يتمسّكون بضرورة «القضاء أولاً على سوق السمسرة في المهاجرين المنتشرة في غالبية المدن الليبية»، ويرون أن هناك «تجارة رائجة تديرها عصابات ومجموعات مسلحة، وأحياناً جهات أمنية رسمية».

ويسعى الاتحاد الأوروبي للحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين، بعقد اتفاقيات مع ليبيا وتونس لمكافحة الظاهرة، وهو ما يفسره بعض المتابعين الليبيين سبباً في تراجع المهاجرين من شرق ليبيا إلى إيطاليا عن ذي قبل.

الرئيس التونسي مع رئيسة الحكومة الإيطالية التي ذهبت لتونس في محاولة للحد من تدفق المهاجرين على بلادها (أ.ب)

وكانت تونس وقّعت مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي، تهدف بصورة جزئية إلى الحد من هذه الظاهرة، بعد أن أصبحت نقطة انطلاق مهمة للمهاجرين باتجاه أوروبا.


مقالات ذات صلة

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

شمال افريقيا وزير الخارجية التركي مستقبلاً بلقاسم نجل حفتر في أنقرة (صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا)

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

خلَّفت زيارة بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، إلى تركيا، نهاية الأسبوع الماضي، التي التقى خلالها وزير الخارجية، هاكان فيدان، قدراً من التساؤلات.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا صورة نشرتها سلطات جنوب أفريقيا لعدد من الليبيين الذين اعتقلتهم (أ.ب)

تباين بين «الوحدة» و«الاستقرار» حول الليبيين المعتقلين في جنوب أفريقيا

أكدت حكومة الوحدة، في بيان مساء الجمعة، أنه «لا صلة لها بإجراءات إرسال 95 شخصاً من حملة الجنسية الليبية»

خالد محمود (القاهرة )
المشرق العربي 
من مخلفات اشتباكات عنيفة بين ميليشيات مسلحة وسط طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

هزّت انفجارات ضخمة مدينة زليتن الساحلية، الواقعة غرب ليبيا، إثر انفجار مخزن للذخيرة، تملكه ميليشيا «كتيبة العيان»، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث، الذي.

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)

«الحوار الوطني» لعرض تعديلات «الحبس الاحتياطي» على الرئيس المصري

مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
TT

«الحوار الوطني» لعرض تعديلات «الحبس الاحتياطي» على الرئيس المصري

مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)

يراجع «مجلس أمناء الحوار الوطني» في مصر مقترحات القوى السياسية وتوصيات على تعديلات بشأن ملف «الحبس الاحتياطي»، عقب مناقشات موسعة؛ وذلك لعرضها على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لاتخاذ ما يلزم بشأنها.

وتوقّع خبراء شاركوا في جلسات «الحوار الوطني» تحقيق «انفراجة في ملف الحبس الاحتياطي، بالإفراج عن أعداد من المحبوسين منذ مدة طويلة»، مشيرين إلى توافق المشاركين حول «عدم استخدام تدابير الحبس الاحتياطي؛ إلا في أضيق الحدود، والتوسع في تدابير بديلة أخرى ضد المتهمين».

وانتهى «الحوار الوطني» أخيراً من مناقشة قضية «الحبس الاحتياطي»، بمشاركة قانونيين وحقوقيين وممثلي القوى والتيارات السياسية، وأشخاص تعرّضوا للحبس الاحتياطي. وتناولت المناقشات سبل «الحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي بصفته أحد إجراءات التحقيق، وليس عقوبة ضد المتهمين».

مشاركون في جلسات ملف «الحبس الاحتياطي» بمصر (الحوار الوطني)

وأشار «مجلس أمناء الحوار الوطني»، في إفادة مساء الجمعة، إلى «تلقيه أوراق عمل من القوى السياسية، ثم تعقبه صياغة تقرير نهائي بالتوصيات، يجري رفعه إلى الرئيس». ولفت بيان المجلس إلى أنه «تم الاستماع خلال جلسات الحوار إلى كل وجهات النظر بشأن الحبس الاحتياطي، والوضع القانوني القائم حالياً، ومقترحات التطوير المختلفة، كما تم استعراض تجارب الدول الأخرى، دون مصادرة لرأي أو حجر على فكرة».

المحامي الحقوقي عضو «مجلس أمناء الحوار الوطني»، نجاد البرعي، قال إن «لجنة حقوق الإنسان والحريات بالحوار الوطني ستُصيغ تقريراً بالتوصيات والمقترحات، التي تم التوافق عليها، والأخرى التي كانت محل خلاف لرفعها إلى الرئيس»، مشيراً إلى أن «هناك أملاً في تحقيق انفراجة بملف الحبس الاحتياطي، مثل الإفراج عن المحبوسين احتياطياً، منذ مدة طويلة».

وأشار البرعي إلى توصيات حظيت بتوافق داخل مناقشات «الحوار الوطني»، منها: «الإفراج عن جميع المحبوسين احتياطياً في السجون حالياً، ووقف الحبس في قضايا الرأي والنشر، مع وضع حد أقصى (مدة زمنية) لإنهاء تحقيقات النيابة المصرية، وإلا يجري إلغاء الدعوى القضائية بعدها»، لافتاً إلى مقترحات جديدة، مثل «تعويض من حُبسوا عن طريق الخطأ بمبلغ يساوي الحد الأدنى للأجور في البلاد (6 آلاف جنيه مصري)، عن كل شهر بمدة الحبس». (الدولار الأميركي يساوي 48.30 جنيه في البنوك المصرية).

وتوقف البرعي مع مقترحات لم تحظ بتوافق المشاركين في «الحوار الوطني»، منها: «حالات الحبس الاحتياطي المكرر، لصعوبة علاجه قانوناً»، إلى جانب «بدائل الحبس الاحتياطي، المطبقة في دول أخرى»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن المشاركين في الجلسات «تداولوا مقترحات تتعلق باستخدام أسورة تتبع ممغنطة، أو تحديد إقامة المتهم، أو تطبيق نظام المراقبة الشرطية»، مبرزاً أنه «لا يستطيع أحد وقف إجراء الحبس الاحتياطي، بصفته (احترازاً قانونياً) في أثناء التحقيقات في القضايا».

وأخلت السلطات المصرية، الأسبوع الماضي، سبيل 79 متهماً من المحبوسين على ذمة قضايا، في خطوة قُوبلت بترحيب قوى سياسية وحزبية.

ورأى رئيس «كتلة الحوار» (كيان سياسي دُشّن من فعاليات الحوار الوطني)، باسل عادل، أن «هناك إرادة سياسية لحلحلة أزمة الحبس الاحتياطي»، متوقعاً «إجراء تعديلات تشريعية على قانون الإجراءات الجنائية، استجابة إلى توصيات مناقشات الحوار الوطني». ولفت لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود إجماع من القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني على الفصل بين إجراء الحبس الاحتياطي ضد (المتهمين الجنائيين)، والسياسيين». وقال إن هناك مطالب بعدم استخدام الحبس الاحتياطي في «قضايا الرأي وحرية التعبير والتظاهر».

جانب من جلسات ملف «الحبس الاحتياطي» في مصر (الحوار الوطني)

ولفت رئيس «المنظمة العربية لحقوق الإنسان»، علاء شلبي، إلى أن مناقشة قضية الحبس الاحتياطي «عبّرت عن إرادة سياسية تتجه إلى الإفراج عن كل المحبوسين احتياطياً في قضايا عامة خلال الأيام المقبلة». وأشار إلى إجماع المشاركين في مناقشات «الحوار الوطني» حول «رد تدابير الحبس الاحتياطي إلى أصلها بصفتها إجراء احترازياً، يجري استخدامها في أضيق الحدود، والإجماع على استبعاد التوسع في تطبيقها كمّاً وكيفاً، وتكثيف استخدام بدائل للحبس».

وأوضح شلبي لـ«الشرق الأوسط»، أن «مناقشة إشكاليات الحبس الاحتياطي في جلسة خاصة من الحوار الوطني ليست بديلاً عن إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد»، لافتاً إلى أن مجلس الوزراء المصري «أقر في ديسمبر (كانون الأول) 2022 تعديلات على القانون، وانتهت اللجنة النيابية الفنية من مراجعته في أبريل (نيسان) الماضي، وتعهّد رئيس مجلس النواب المصري (البرلمان) في يوليو (تموز) الحالي بمناقشة القانون في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل».

وناقش مجلس النواب المصري، في مارس (آذار) الماضي، مشروع قانون بتعديلات تشريعية لتقليص مدد «الحبس الاحتياطي». وتضمّنت التعديلات المقترحة وضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي، وتنظيم التعويض عنه، وتقليص مدة الحبس، لتصبح في «قضايا الجنح» 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وفي «الجنايات» 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً، و18 شهراً بدلاً من عامين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام».