لماذا يتمسك الجيش السوداني برفض العودة للتفاوض مع «الدعم»؟

خبراء يربطون موقفه بتراجع وضعه العسكري الميداني

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)
TT

لماذا يتمسك الجيش السوداني برفض العودة للتفاوض مع «الدعم»؟

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)

في مقابل دعوات دولية وإقليمية عدة ومواعيد محتملة لاستئناف التفاوض، والعودة إلى «منبر جدة»، يظهر مسؤولون في الجيش السوداني رفضاً للعودة إلى المحادثات مع «الدعم السريع» ويتشددون في موقفهم. وعلى الرغم من المخاطر التي تحاصر السودان على مستوى تفشي الأمراض والجوع، فضلاً عن نمو عمليات النزوح، لا تزال الحرب مستعرة في أنحائه كافة منذ أكثر من عام.

ويذهب محللون وخبراء عسكريون إلى تفسير «الموقف المتشدد» لقادة الجيش السوداني ورفض قادته للتفاوض بأنه «مرتبط في الأساس بالوضع العسكري الميداني»، ورهنوا تغيير ذلك الوضع بـ«تحقيق انتصارات» تدفع الجيش للعودة إلى المحادثات.

وكان مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، توعد بتوجيه ضربة عسكرية قوية ضد «الدعم السريع»، لكنه لم يحدد مكانها. وبحسب تصريحاته، فإنها قد تكون في أي منطقة في العاصمة الخرطوم.

وقال العطا لدى مخاطبته جرحى العمليات العسكرية في منطقة كرري العسكرية شمال أم درمان ليل السبت - الأحد، إنه «لا تفاوض ولا هدنة مع (الدعم السريع)». ودأب العطا، الذي يعد أكثر القادة العسكريين دعماً لاستمرار الحرب، على إطلاق تصريحات تبشر بانتصار الجيش.

ويتمركز قادة الجيش السوداني بشكل أساسي في بورتسودان (شرق البلاد)، في حين يتنازع السيطرة على الخرطوم العاصمة (وسط البلاد)، وتفرض «الدعم السريع» سيطرتها على ولاية الجزيرة (وسط) الحيوية، وباتت 4 مدن في إقليم دارفور من أصل 5 مدن تحت سيطرة «الدعم».

استراتيجية عسكرية

وقال مصدر دبلوماسي رفيع المستوى على صلة وثيقة بالملف في السودان لـ«الشرق الأوسط» إن «موقف القادة العسكريين الذي يوصف بـ(المتشدد) من العودة إلى محادثات السلام، ينطلق من استراتيجية عسكرية بحتة، مرتبطة بالتهديد العسكري الذي يشكله الطرف الآخر (أي الدعم السريع)، واستمراره في العمليات الحربية التي تهدد البلاد، ويتلقى الدعم العسكري دون وجود تحرك دولي وإقليمي جاد لوقفه»، وفق المصدر.

وأشار الدبلوماسي الذي طلب حجب هويته، إلى أن «قادة الجيش السوداني يتمسكون بشروطه المتعلقة بالالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في (إعلان مبادئ جدة) في 11 مايو (أيار) من العام الماضي».

وذكر أن الجيش السوداني لديه «بعض التساؤلات حول من أي نقطة يمكن استئناف المفاوضات في منبر جدة». ويقضي الاتفاق بحسب وجهة نظر الجيش السوداني، بخروج «الدعم السريع» من المناطق المدنية والعسكرية التابعة له، وهو الأساس الذي يرتبط بعودته إلى محادثات السلام.

ويتفق المحلل السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ، في أن ما وُصف بـ«الموقف المتشدد» لقيادة الجيش مرتبط بوضعه الميداني، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن أن يذهب الجيش للمفاوضات في حال استطاع تغيير وضعه العسكري على الأرض».

وشرح أنه منذ سيطرة «الدعم السريع» على ولاية الجزيرة (وسط السودان) لم يحقق الجيش الوعود التي أطلقها بتحقيق انتصارات عسكرية سواء كان باسترداد الجزيرة أو إحراز تقدم عسكري في الخرطوم.

وواصل أبو الجوخ: «يضاف إلى صعوبة الأوضاع الحصار المفروض من (الدعم السريع) على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ما يؤكد أن المشهد بكلياته لا يشير إلى أي تحسن في موقف الجيش العسكري، وهذا السبب الرئيسي في عدم قبوله بالعودة إلى المفاوضات».

ويضع كذلك المحلل السياسي عنصري «جذب إيران إلى المنطقة مجدداً، ومحاولة كسب الجانب الروسي» كعاملين مساعدين يدفعان قادة الجيش لرفض عملية التفاوض في الوقت الراهن لكسب المزيد من الوقت لتحسين الموقف العسكري.

تيارات مؤثرة

أما المحلل العسكري حسام الدين بدوي، فيرى أنه «لا يجب التعامل مع الجيش السوداني كمؤسسة واحدة تصدر قراراتها من مجالسها القيادية وتتخذ قراراتها بالصورة التراتبية المتعارف عليها»، مضيفاً: «أصبح داخل الجيش أكثر من مركز قرار واحد، وهذا يتضح جلياً من تصريحات قادة الجيش خصوصاً أعضاء مجلس السيادة».

وأشار إلى أن «التصريحات توضح تنازع التيارات السياسية المسيطرة على الجيش، وعلى وجه الخصوص (الإسلاميون)، وهم الطرف الأكثر تطرفاً بمواجهة مسألة إنهاء الحرب، وأصبحوا الآن المسيطرين الفعليين على مفاصل الدولة»، وفق تقييمه.

وقال بدوي إن «العودة لمنبر التفاوض مرتبطة بفصل قيادة الجيش لقرارهم عن السياسيين المؤثرين عليهم، والذين تزداد قوتهم وتأثيرهم كلما تطاول أمد الحرب».

كما أشار القيادي في «قوى الإجماع الوطني»، كمال بولاد، إلى أن «بعض قادة الجيش متأثرون في موقف الرفض للتفاوض بتيارات (النظام المعزول) الذين يرون أنها (الفرصة الأخيرة) للعودة من جديد للسلطة عبر الجيش».


مقالات ذات صلة

هل يسمح ترمب بقاعدة روسية في السودان؟

خاص هل يسمح ترمب بقاعدة روسية في السودان؟

هل يسمح ترمب بقاعدة روسية في السودان؟

قال الدبلوماسي الأميركي كاميرون هدسون، إن إدارة الرئيس ترمب، ستهتم بمسألة الحرب في السودان، لأنها لا تريد أن يكون ملجأ للإرهاب، أوتشظيه مثل الصومال وليبيا.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا جنود سودانيون في مدينة ود مدني (أ.ف.ب) play-circle

الخارجية السودانية تبلغ الاتحاد الأفريقي بأن الجيش «بسط سيطرته» على البلاد

وجّه وزير الخارجية السوداني، الخميس، رسالة إلى الاتحاد الأفريقي، أبلغه خلالها بأن الجيش والقوات المتحالفة معه «بسطوا سيطرتهم» على ربوع البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
خاص نصر الدين عبد الباري وزير العدل السابق الأبرز تأييداً لقيام حكومة موازية (الشرق الأوسط)

خاص سودان واحد بين حكومتين

أحدث إعلان اقتراب موعد تشكيل حكومة مدعومة من «الدعم السريع» و«موازية» للحكومة التي يترأسها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في بورتسودان، «هزة عنيفة» في السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا اتفاق على «كل التفاصيل» لإنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان

اتفاق على «كل التفاصيل» لإنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان

دشنت موسكو والخرطوم، الأربعاء، مرحلة جديدة في العلاقات والتعاون، بإعلان التوصل إلى «تفاهم كامل» في ملف إنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية في مدينة بورتسودان.

رائد جبر (موسكو)
شمال افريقيا صورة تم توزيعها في يناير 2024 تظهر نساء وأطفالاً في مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور بالسودان (رويترز)

الاتحاد الأفريقي: الحرب السودانية «أسوأ أزمة إنسانية في العالم»

وصف مسؤولون في الاتحاد الأفريقي الحرب الأهلية السودانية بأنها «أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، وحذّروا من أنها تترك مئات آلاف الأطفال يعانون سوء التغذية.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)

التناحر السياسي في ليبيا «يفتت» جهود «المصالحة الوطنية»

وفد المصالحة الليبي في إثيوبيا قبيل توقيع الميثاق (صفحات مقربة من النظام السابق)
وفد المصالحة الليبي في إثيوبيا قبيل توقيع الميثاق (صفحات مقربة من النظام السابق)
TT

التناحر السياسي في ليبيا «يفتت» جهود «المصالحة الوطنية»

وفد المصالحة الليبي في إثيوبيا قبيل توقيع الميثاق (صفحات مقربة من النظام السابق)
وفد المصالحة الليبي في إثيوبيا قبيل توقيع الميثاق (صفحات مقربة من النظام السابق)

تتنازع «الأطراف النافذة» في ليبيا ملف «المصالحة الوطنية»، على نحو وصفه متابعون بأنه «يفتّت» الجهود الرامية لمعالجة جروح الخصام التي تراكمت منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.

وأمام تحركات الأفرقاء السياسيين خارج البلاد وداخلها، تعدّدت الجهات التي تعمل على هذا الملف، لكن في مجملها جاءت محكومة بالانقسامات الحادة بين جبهتي شرق ليبيا وغربها، وعكس المشهد على ما يبدو رغبة الأطراف في «الانفراد» بالملف، كل واحد على حدة دون الآخرين، بحسب سياسيين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط».

المنفي مجتمعاً في لقاء سابق مع وفد الاتحاد الأفريقي (المكتب الإعلامي للدبيبة)

وخلال العامين الماضيين، احتضنت مدن ليبية كثيرة اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة، التي رعاها «المجلس الرئاسي» ودعمها الاتحاد الأفريقي، وظلت المساعي تُبذل على أمل عقد «مؤتمر وطني جامع للمصالحة» بمدينة سرت في 28 أبريل (نيسان) الماضي، لكنها تعثرت بعد تفاقم الخلافات.

وانتظرت ليبيا قانونين لـ«المصالحة الوطنية»، الأول يُعده مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، وكان على وشك إصداره، والثاني سبق ودفع به «المجلس الرئاسي» بقيادة محمد المنفي، إلى البرلمان في فبراير (شباط) 2024، وظل ينتظر الموافقة عليه دون جدوى.

يشار إلى أن الاتحاد الأفريقي الداعم لهذه المصالحة، قطع شوطاً في التقريب بين الأجسام المتناحرة، وأثمر ذلك الدعوة للتوقيع على «ميثاق» في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مساء الجمعة الماضي، لكن غالبية الأطراف المعنية تجاهلت الدعوة، باستثناء ممثلين عن مجلسي النواب و«الدولة»، إضافة إلى ممثلين لسيف الإسلام القذافي.

ويتبنى ملف «المصالحة الوطنية» في ليبيا راهناً المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، ومجلس النواب، والقيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، التي أوفدت الصِدّيق، نجل قائدها المشير خليفة حفتر، إلى الرئيس الكونغولي لدعوته إلى المشاركة في مؤتمر المصالحة الليبية الذي تعد له في سرت.

وسبق أن كلّفت القائد العام للقوات المسلحة، الدكتور الصديق حفتر، بمهام «مكتب الشؤون الاجتماعية بالقيادة العامة، كما جرى تكليفه بمهام الهيئة الوطنية لمشايخ وأعيان ليبيا ولجان المصالحة الوطنية، بالإضافة إلى اللجنة التنسيقية لحراك لم الشمل وتوحيد الصف الوطني».

ولم يُعلن من قبل عن وجود مؤتمر لـ«المصالحة الوطنية» في مدينة سرت، باستثناء المؤتمر الذي كان يدعو له المجلس الرئاسي في أبريل 2024.

واستغرب ليبيون من عدم ذهاب الأطراف السياسية إلى أديس أبابا للتوقيع على «ميثاق المصالحة» وفق الدعوة التي وجهها الاتحاد الأفريقي. وهنا يرى رئيس حزب «صوت الشعب»، فتحي الشبلي، أن ما حدث في إثيوبيا «سيزيد من تعميق الأزمة، بسبب غياب بعض الأطراف»؛ مرجعاً ذلك «لتضمن الميثاق مواد يرفضها حفتر، وهو ما دفع الممثلين عنه إلى عدم الذهاب».

وتحدث الشبلي عن فقرة في «الميثاق» قال إنها تشير إلى «ضرورة أن يكون في ليبيا جيش واحد تحت إدارة مدنية»، وقال: «هذا لن يقبله حفتر على الإطلاق، وهو ما جعله يتجه إلى خطوة استباقية تتمثل في تشكيل جسم جديد لـ(المصالحة) برئاسة نجله»، لافتاً إلى أن المشير «يمثل قوة لا يستهان بها في شرق ليبيا وجنوبها».

ويرى الشبلي أن كل هذه «التحركات المنفردة لا تصب في مصلحة ليبيا، ولا تحل أزمتها السياسية، ولا تحرك ملف المصالحة إلى الأمام»، وعدّه ملفاً «لكسب المواقف وتسجيل النقاط من فريق على آخر».

وانتهى الشبلي إلى أن الليبيين «ليست بينهم خلافات تستدعي المصالحة (...) نحن في حاجة إلى مصالحة سياسية، وأن تغادر هذه الأجسام المشهد وتترك الليبيين يذهبون إلى الانتخابات العامة».

ووجه فريق المصالحة التابع للدكتور سيف الإسلام القذافي انتقادات لاذعة لجهة عدم حضور باقي الأطراف للتوقيع على الميثاق، وتساءل أحد أعضاء الفريق، الذويب الدقالي: «لماذا امتنعت أطراف عن الذهاب إلى أديس أبابا للتوقيع بعد أن وقعت في مدينة الزنتان من قبل». ويرى أن هناك أطرافاً «لديها مصلحة في إبقاء الوضع على ما هو عليه»، مطالباً الذين لم يوقعوا على الميثاق «أن يراجعوا أنفسهم، ويضعوا ليبيا بين أعينهم».

فريق سيف القذافي للمصالحة الوطنية يوقع في أديس أبابا على الميثاق (صفحات موالية للنظام السابق)

وكان مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، أعلن الجمعة، توقيع ميثاق السلام والمصالحة في ليبيا بين أطراف ليبية فاعلة. وأمام عدم ذهاب باقي الأطراف التي تمثل القيادة العامة وحكومة «الوحدة» وجّه موسى الكوني، نائب المجلس الرئاسي، انتقادات لهذه الأطراف، وقال: «أُحمل تقاعس القيادات السياسية، شرقاً وغرباً، عن الحضور لتوقيع ميثاق المصالحة الوطنية في أديس أبابا، مسؤولية تأخر ليبيا عن موعدها مع الصلح ولمّ الشمل، وكأن ذلك هو القصد».

الصديق حفتر مع رئيس الكونغو

ويرى الكوني، أن ليبيا «كان ينتظرها عرس تاريخي للتصالح، التف حوله قادة أفريقيا والعالم... ذلكم يبقى الهدف، والأمانة».

ودخلت السفارة الأميركية في ليبيا على خط لقاء أديس أبابا، وقال مبعوثها الخاص ريتشارد نورلاند عبر حسابه على منصة «إكس»: «لقد أخذنا علماً بالاجتماع الذي استضافه الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا بشأن المصالحة الليبية، ونشيد برئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نغيسو، والاتحاد الأفريقي، على اهتمامهما المستمر بالمصالحة الليبية».

ويرى نورلاند أن «المصالحة الوطنية تعد مفتاحاً لضمان النجاح الدائم للعملية السياسية. وبينما ندرك التحديات التي لا تزال قائمة، فإننا نشيد بجميع الليبيين الذين يعملون على تحقيق المصالحة المحلية والوطنية خدمة لوطنهم».