يتصاعد نفوذ الميليشيات المسلحة المنتشرة في العاصمة الليبية، بشكل متزايد، متجاوزاً تعهداً سابقاً لوزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عماد الطرابلسي، بإخراجها من طرابلس.
وكان الطرابلسي أعلن بمؤتمر صحافي، في 21 فبراير (شباط) الماضي، أنه اتفق مع الأجهزة الأمنية في طرابلس بعد مفاوضات، على إخلاء العاصمة بالكامل من التشكيلات المسلحة، وتوقّع أن تتم هذه الخطوة عقب انتهاء شهر رمضان الماضي.
ووسط تغوّل الميليشيات في طرابلس، وتداخلها في العملية السياسية، وفق محللين ومتابعين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» يتجدد السؤال عن أسباب عدم إخراج هذه العناصر من العاصمة، وهل هذا يعد فشلاً لحكومة «الوحدة» التي تنفق على هذه التشكيلات؟
وتحدث الطرابلسي عن 7 ميليشيات وصفها بـ«الأجهزة الأمنية»، وقال إنه جرى الاتفاق على إخراجها من العاصمة. وعادة ما تطلق السلطات الرسمية اسم «الأجهزة الأمنية» على «التشكيلات المسلحة». وهذه الأجهزة هي: «جهاز قوة الردع»، و«جهاز الأمن العام»، و«الشرطة القضائية»، و«جهاز دعم الاستقرار»، و«اللواء 444 قتال» و«اللواء 111»، بالإضافة إلى «قوة دعم المديريات».
وتتباين آراء المتابعين في ليبيا حيال عدم تفريغ العاصمة من مسلحي الميليشيات، حتى الآن، وإعادتهم إلى ثكناتهم خارجها، بين من عدّ أن الأمر «يحتاج لمزيد من الوقت لإنفاذه»، وبين من عدّه «فشلاً» لحكومة «الوحدة»، ودليلاً على التوتر الذي تشهده الساحة السياسية بين المتصارعين على النفوذ والمال.
وقال أحمد عبد الحكيم حمزة رئيس «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا»، إن حديث الطرابلسي عن إخراج التشكيلات من العاصمة «مجرد وعود جوفاء، ودغدغة لمشاعر الشارع المستاء من هذه المظاهرة المسلحة التي تضيق الخناق على المواطنين».
ورأى حمزة في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن الطرابلسي «لم ولن يتمكن من تنفيذ ما وعد به رغم أن هذا طلب غالبية سكان المدن الرئيسية، بقصد تحقيق الأمن والاستقرار، واستعادة مدنية الحياة».
ويترأس «قوة الردع» التي تحدث عنها الطرابلسي، عبد الرؤوف كارة، ذو التوجه السلفي، وتتخذ من مجمع معيتيقة بطرابلس، الذي يضم المطار الدولي، مقراً لها، وتشرف على سجن يقبع فيه بقايا رموز نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، أشهرهم عبد الله السنوسي مدير الاستخبارات السابق.
ويتمتع كارة بعلاقة جيدة مع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وتمتلك قوته عدة وعتاداً كبيرين، وحلّت خلال السنوات التي تلت «ثورة 17 فبراير» محل الشرطة الرسمية، لكن لاحقتها الانتقادات.
وسبق للطرابلسي أن قال إن جميع قادة وأمراء هذه المجموعات «أبدوا تفهمهم ودعمهم لخطة الإخلاء، وبعد الانتهاء من طرابلس سيتم إخلاء المدن كافة من المظاهر والتشكيلات والبوابات المنتشرة لهذه المجموعات».
وبجانب «قوة الردع»، تحدث الطرابلسي عن «جهاز دعم الاستقرار»، الذي تأسس بموجب قرار حكومي في يناير (كانون الثاني) 2021، ويقوده عبد الغني الككلي، الشهير بـ«غنيوة»، الذي يعد أحد أكثر قادة الميليشيات نفوذاً في طرابلس.
وأمام ما رصدته «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» في ليبيا من «تغوّل هذه المجموعات المسلحة واستمرارها في ترهيب المواطنين كلما اندلعت اشتباكات»، تحدث حمزة عن أن مدناً كثيرة «تحولت إلى معسكرات كبيرة لهذه التشكيلات والمجموعات المسلحة بمختلف أسمائها وتبعياتها، سواء كانت تتبع المجلس الرئاسي أو حكومة الوحدة، أو وزارتي الداخلية والدفاع».
وشمل قرار الإبعاد عن طرابلس، الذي تحدث عنه وزير الداخلية، «اللواء 444 قتال» الذي تم تأسيسه عام 2019، ويتبع منطقة طرابلس العسكرية، ويتمتع قائده محمود حمزة بعلاقة جيدة بالدبيبة.
وسبق أن شهدت طرابلس اشتباكات دامية في منتصف أغسطس (آب) 2023 بين قوات حمزة وقوات كارة، وقد أسفرت عن وقوع عدد من القتلى، على خلفية احتجاز حمزة من قبل «جهاز الردع»، قبل أن يتدخل الدبيبة للإفراج عنه، وإبرام صلح بين التشكيلين المسلحين.
وسبق واستبعد مسؤول أمني سابق بغرب البلاد في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، «تنفيذ اتفاق الطرابلسي مع المجموعات المسلحة»، وأرجع ذلك إلى «قوة هذه المجموعات المسلحة التي تنطلق من وجودها في طرابلس».
ورأى المسؤول الأمني أنه «رغم الإغداق المالي الكبير على هذه التشكيلات من حكومة طرابلس، فإن الأهم هو تفكيكها، وسحب سلاحها بشكل نهائي، وليس إبعادها عن طرابلس»، لافتاً إلى ميليشيات «يتم إحضارها إلى طرابلس حال اندلاع أي اشتباكات مسلحة، كما وقع في السابق».