هل تورطت روسيا في «إغراق» ليبيا بدنانير «مزورة»؟

على خلفية ازدواجية السلطة بين شرق البلاد وغربها

محافظ مصرف ليبيا المركزي (المصرف المركزي)
محافظ مصرف ليبيا المركزي (المصرف المركزي)
TT

هل تورطت روسيا في «إغراق» ليبيا بدنانير «مزورة»؟

محافظ مصرف ليبيا المركزي (المصرف المركزي)
محافظ مصرف ليبيا المركزي (المصرف المركزي)

تجدد الجدل في ليبيا ثانيةً عن مزاعم تتعلق بـ«إغراق» روسيا الأسواق المحلية بملايين الدنانير «المزورة»، وجاء هذا اللغط تأسيساً على قضية الـ«50 ديناراً المزورة»، التي سبق أن أعلن عنها الصديق الكبير، رئيس المصرف المركزي بطرابلس، وهو ما رفضته حكومة شرق ليبيا.

وبدأت قصة الـ«50 ديناراً»، عندما أعاد الكبير الحديث عن وجود ورقة نقدية من «فئة 50 ديناراً مزورة»، رُصد تداولها في الأسواق منذ قرابة عام، وتحمل توقيع علي الحبري، نائب المحافظ بشرق ليبيا المُقال، مبرزاً أن المصرف أحال عينات منها إلى النائب العام، المستشار الصديق الصور.

النائب العام المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)

وفي منتصف أبريل (نيسان) الماضي، كشف المصرف المركزي أنه أصدر قراراً بسحب الإصدارين الأول والثاني من فئة الـ50 ديناراً (ما يزيد قليلاً على 10 دولارات أميركية)، بقصد «محاصرة العملة المزورة من هذه الفئة التي تُستخدم في المضاربة على أسعار العملة في السوق الموازية».

جرى الحديث في ليبيا عن وجود «دنانير مزورة» بعد انقسام المصرف عام 2014، الذي أدى إلى ازدواجية السلطة المالية. وفي نهاية مايو (أيار) 2020 أعلنت «الخارجية الأميركية» أن السلطات المالطية صادرت أوراقاً نقدية ليبية طبعتها شركة «غوزناك» الروسية الرسمية لحساب حكومة شرق ليبيا، بقيمة تقدر بنحو 1.1 مليار دولار، ووصفتها بأنها «مزورة»، وهو الأمر الذي نفته موسكو في حينه، حيث أفادت وزارة الخارجية الروسية حينها بأن روسيا «أرسلت شحنة عملات ليبية إلى طبرق، وفقاً لاتفاق عام 2015 مع البنك المركزي الليبي».

وأعادت مجلة «منبر الدفاع الأفريقي»، التابعة للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، نهاية الأسبوع الماضي، القضية إلى واجهة الأحداث، عندما قالت إن هناك تقارير تشير إلى أن سلطات شرق ليبيا «أغرقت البلاد بنحو 12 مليار دينار ليبي طبعها الروس بين عامي 2015 و2020»، الأمر الذي عدّه سليمان الشحومي، مؤسس ورئيس سوق الأوراق المالية السابق، مجانباً للصواب، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الحديث «لا دليل عليه» يؤكده.

ووفق نشرات سابقة لمصرف ليبيا المركزي، يقدَّر إجمالي العملات النقدية من «ورقة 50 ديناراً المزورة» بـ6.3 مليار دينار حتى نهاية عام 2023.

نموذج من أوراق نقدية من فئة 50 ديناراً (مصرف ليبيا المركزي)

وراجت أحاديث في ليبيا تتهم روسيا بطباعة «الدنانير المزوَّرة» في مزرعة على مشارف بنغازي، واقعة تحت سيطرة «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خلفية حفتر، وذهب الصادق الغرياني، مفتي ليبيا السابق، إلى قول إن «حفتر جلب آلة، ويطبع العملة في منزله».

وأمام تصاعد موجة اللغط، نفت السفارة الروسية لدى ليبيا في مطلع مارس (آذار) الماضي الأنباء المتداولة بشأن وجود مطبعة روسية بمزرعة في ضواحي بنغازي تقوم بتزوير عملات ليبية من فئة الـ50 ديناراً، ووُصفت هذه الأنباء بـ«الأكاذيب»، بهدف «تغيير وجهة نظر وأفكار الشعب الليبي عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ارتفاع سعر الدولار المفاجئ»، ورأت أن «من نشر هذه الشائعات يسعى لإثارة الفتنة، وتعميق الصدع بين الليبيين».

وأوضح الشحومي أنه خلال فترة انقسام المصرف المركزي في سنة 2014 كانت تجري طباعة العملة في روسيا بكميات محددة، وكانت صادرة بحسابات الإصدار بالمصرف، وفق «آليات معروفة وقرارات صادرة بهذا الشأن من قبل مجلس إدارته»، وقال بهذا الخصوص: «بعد توحيد المصرف المركزي الآن جرت مراجعة وإدماج حسابات الإصدار»، منوهاً بأن المصرف المركزي في طرابلس «أصدر بعد تنسيق مع البرلمان قراراً يقضي بسحب إصدارَيِ الـ50 ديناراً التي جرت طباعتها من قِبل طرابلس (غرب) والبيضاء وبنغازي (شرق)».

وأبرز الشحومي أن عملية سحب الإصدارين «ستتطلب بعض الوقت حتى تجري بشكل كامل من السوق؛ وربما يجري تمديد المدة حسب الأوضاع النقدية في السوق الليبية... والقول إن روسيا تغرق السوق الليبية بدنانير مزورة، في تقديري، بعيد عن الحقيقة، ولا دليل عليه فنياً وعملياً».

وبرهن الشحومي على حديثه بأنه «عندما يجري سحب الإصدار من السوق تصبح هذه العملة غير موجودة، وغير قابلة للتداول، وينتهي اللغط بشأنها».

ووسط حالة من اللغط وتباين الآراء، قالت مجلة «منبر الدفاع الأفريقي» إن «(الدنانير المزورة) تُستخدم لدفع مستحقات مقاتلي عناصر (فاغنر) الموالين لحفتر، وبعدها انتشرت في أرجاء ليبيا»، مذكّرة بأنه في سبتمبر (أيلول) 2019، وبعد 5 أشهر على هجومه على طرابلس، اعترض مسؤولون في مالطا شحنة من الدنانير المطبوعة في روسيا كانت في طريقها إلى شرق ليبيا.

وجادلت حكومة حمّاد في بداية الأمر حديث الكبير بشأن الـ«50 ديناراً المزورة». وتجري راهناً عملية سحب الإصدارين الأول والثاني من هذه الفئة، وسيكون آخر موعد لقبولها بنهاية دوام عمل الـ29 من أغسطس (آب) المقبل.

وعرفت ليبيا في أعقاب الانقسام السياسي عام 2014 وجود عملتين للفئة الواحدة لبعض الوقت، بسبب طبعها لدى جهتين مختلفتين. وعقب سقوط النظام السابق عملت المصارف على سحب عملة ورقية من فئة الـ50 ديناراً، ووقف طبعها وإصدارها، بسبب احتوائها على صورة للرئيس الراحل معمر القذافي.


مقالات ذات صلة

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

شمال افريقيا وزير الخارجية التركي مستقبلاً بلقاسم نجل حفتر في أنقرة (صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا)

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

خلَّفت زيارة بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، إلى تركيا، نهاية الأسبوع الماضي، التي التقى خلالها وزير الخارجية، هاكان فيدان، قدراً من التساؤلات.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا صورة نشرتها سلطات جنوب أفريقيا لعدد من الليبيين الذين اعتقلتهم (أ.ب)

تباين بين «الوحدة» و«الاستقرار» حول الليبيين المعتقلين في جنوب أفريقيا

أكدت حكومة الوحدة، في بيان مساء الجمعة، أنه «لا صلة لها بإجراءات إرسال 95 شخصاً من حملة الجنسية الليبية»

خالد محمود (القاهرة )
المشرق العربي 
من مخلفات اشتباكات عنيفة بين ميليشيات مسلحة وسط طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

هزّت انفجارات ضخمة مدينة زليتن الساحلية، الواقعة غرب ليبيا، إثر انفجار مخزن للذخيرة، تملكه ميليشيا «كتيبة العيان»، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث، الذي.

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)

«الحوار الوطني» لعرض تعديلات «الحبس الاحتياطي» على الرئيس المصري

مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
TT

«الحوار الوطني» لعرض تعديلات «الحبس الاحتياطي» على الرئيس المصري

مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)

يراجع «مجلس أمناء الحوار الوطني» في مصر مقترحات القوى السياسية وتوصيات على تعديلات بشأن ملف «الحبس الاحتياطي»، عقب مناقشات موسعة؛ وذلك لعرضها على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لاتخاذ ما يلزم بشأنها.

وتوقّع خبراء شاركوا في جلسات «الحوار الوطني» تحقيق «انفراجة في ملف الحبس الاحتياطي، بالإفراج عن أعداد من المحبوسين منذ مدة طويلة»، مشيرين إلى توافق المشاركين حول «عدم استخدام تدابير الحبس الاحتياطي؛ إلا في أضيق الحدود، والتوسع في تدابير بديلة أخرى ضد المتهمين».

وانتهى «الحوار الوطني» أخيراً من مناقشة قضية «الحبس الاحتياطي»، بمشاركة قانونيين وحقوقيين وممثلي القوى والتيارات السياسية، وأشخاص تعرّضوا للحبس الاحتياطي. وتناولت المناقشات سبل «الحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي بصفته أحد إجراءات التحقيق، وليس عقوبة ضد المتهمين».

مشاركون في جلسات ملف «الحبس الاحتياطي» بمصر (الحوار الوطني)

وأشار «مجلس أمناء الحوار الوطني»، في إفادة مساء الجمعة، إلى «تلقيه أوراق عمل من القوى السياسية، ثم تعقبه صياغة تقرير نهائي بالتوصيات، يجري رفعه إلى الرئيس». ولفت بيان المجلس إلى أنه «تم الاستماع خلال جلسات الحوار إلى كل وجهات النظر بشأن الحبس الاحتياطي، والوضع القانوني القائم حالياً، ومقترحات التطوير المختلفة، كما تم استعراض تجارب الدول الأخرى، دون مصادرة لرأي أو حجر على فكرة».

المحامي الحقوقي عضو «مجلس أمناء الحوار الوطني»، نجاد البرعي، قال إن «لجنة حقوق الإنسان والحريات بالحوار الوطني ستُصيغ تقريراً بالتوصيات والمقترحات، التي تم التوافق عليها، والأخرى التي كانت محل خلاف لرفعها إلى الرئيس»، مشيراً إلى أن «هناك أملاً في تحقيق انفراجة بملف الحبس الاحتياطي، مثل الإفراج عن المحبوسين احتياطياً، منذ مدة طويلة».

وأشار البرعي إلى توصيات حظيت بتوافق داخل مناقشات «الحوار الوطني»، منها: «الإفراج عن جميع المحبوسين احتياطياً في السجون حالياً، ووقف الحبس في قضايا الرأي والنشر، مع وضع حد أقصى (مدة زمنية) لإنهاء تحقيقات النيابة المصرية، وإلا يجري إلغاء الدعوى القضائية بعدها»، لافتاً إلى مقترحات جديدة، مثل «تعويض من حُبسوا عن طريق الخطأ بمبلغ يساوي الحد الأدنى للأجور في البلاد (6 آلاف جنيه مصري)، عن كل شهر بمدة الحبس». (الدولار الأميركي يساوي 48.30 جنيه في البنوك المصرية).

وتوقف البرعي مع مقترحات لم تحظ بتوافق المشاركين في «الحوار الوطني»، منها: «حالات الحبس الاحتياطي المكرر، لصعوبة علاجه قانوناً»، إلى جانب «بدائل الحبس الاحتياطي، المطبقة في دول أخرى»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن المشاركين في الجلسات «تداولوا مقترحات تتعلق باستخدام أسورة تتبع ممغنطة، أو تحديد إقامة المتهم، أو تطبيق نظام المراقبة الشرطية»، مبرزاً أنه «لا يستطيع أحد وقف إجراء الحبس الاحتياطي، بصفته (احترازاً قانونياً) في أثناء التحقيقات في القضايا».

وأخلت السلطات المصرية، الأسبوع الماضي، سبيل 79 متهماً من المحبوسين على ذمة قضايا، في خطوة قُوبلت بترحيب قوى سياسية وحزبية.

ورأى رئيس «كتلة الحوار» (كيان سياسي دُشّن من فعاليات الحوار الوطني)، باسل عادل، أن «هناك إرادة سياسية لحلحلة أزمة الحبس الاحتياطي»، متوقعاً «إجراء تعديلات تشريعية على قانون الإجراءات الجنائية، استجابة إلى توصيات مناقشات الحوار الوطني». ولفت لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود إجماع من القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني على الفصل بين إجراء الحبس الاحتياطي ضد (المتهمين الجنائيين)، والسياسيين». وقال إن هناك مطالب بعدم استخدام الحبس الاحتياطي في «قضايا الرأي وحرية التعبير والتظاهر».

جانب من جلسات ملف «الحبس الاحتياطي» في مصر (الحوار الوطني)

ولفت رئيس «المنظمة العربية لحقوق الإنسان»، علاء شلبي، إلى أن مناقشة قضية الحبس الاحتياطي «عبّرت عن إرادة سياسية تتجه إلى الإفراج عن كل المحبوسين احتياطياً في قضايا عامة خلال الأيام المقبلة». وأشار إلى إجماع المشاركين في مناقشات «الحوار الوطني» حول «رد تدابير الحبس الاحتياطي إلى أصلها بصفتها إجراء احترازياً، يجري استخدامها في أضيق الحدود، والإجماع على استبعاد التوسع في تطبيقها كمّاً وكيفاً، وتكثيف استخدام بدائل للحبس».

وأوضح شلبي لـ«الشرق الأوسط»، أن «مناقشة إشكاليات الحبس الاحتياطي في جلسة خاصة من الحوار الوطني ليست بديلاً عن إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد»، لافتاً إلى أن مجلس الوزراء المصري «أقر في ديسمبر (كانون الأول) 2022 تعديلات على القانون، وانتهت اللجنة النيابية الفنية من مراجعته في أبريل (نيسان) الماضي، وتعهّد رئيس مجلس النواب المصري (البرلمان) في يوليو (تموز) الحالي بمناقشة القانون في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل».

وناقش مجلس النواب المصري، في مارس (آذار) الماضي، مشروع قانون بتعديلات تشريعية لتقليص مدد «الحبس الاحتياطي». وتضمّنت التعديلات المقترحة وضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي، وتنظيم التعويض عنه، وتقليص مدة الحبس، لتصبح في «قضايا الجنح» 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وفي «الجنايات» 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً، و18 شهراً بدلاً من عامين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام».