أثار تعيين محمد فال ولد يوسف عبد الكافي، أميناً عاماً للمرصد الوطني لمراقبة الانتخابات الرئاسية في موريتانيا، المقررة يوم 29 يونيو (حزيران) المقبل، جدلاً واسعاً وانتقادات من المعارضة، وذلك بسبب إدانته سابقاً في قضية فساد. وأصدر الوزير الأول محمد ولد بلال مسعود قراراً في مطلع الأسبوع الحالي، شمل تعيين أمين عام للمرصد ومستشارين له، غير أن معارضين عدّوا تعيين ولد يوسف عبد الكافي «مؤشراً على توجه النظام نحو تزوير الانتخابات الرئاسية»، بحسب ما أوردته «وكالة أنباء العالم العربي».
وتعود قضية الأمين العام الجديد للمرصد إلى عام 2022 عندما أوقفته شرطة الجرائم الاقتصادية، حين كان مديراً لميناء خليج الراحة في نواذيبو، على خلفية تقارير حول فساد، قدمتها المفتشية العامة للدولة، وفق وسائل إعلام محلية. وقالت وسائل الإعلام إن توقيف ولد يوسف جاء بعد أن قدم توضيحات «لم تكن مقنعة» إلى المفتشية التي أحالت الملف إلى الجهات المختصة، ليحال في النهاية إلى شرطة الجرائم الاقتصادية. وخلال قيام المفتشية العامة للدولة بعملية تفتيش روتينية في الميناء اكتشفت اختفاء مبلغ زاد على 270 مليون أوقية قديمة. وبناء على المخالفات التي رصدتها المفتشية، أنهى مجلس الوزراء في يناير (كانون الثاني) 2022 مهام ولد يوسف، بعد ثلاثة أسابيع من توقيف شرطة الجرائم الاقتصادية له. لكن بعد سنتين وبضعة أشهر من إنهاء مهامه، عينته الحكومة على رأس المرصد الوطني لمراقبة الانتخابات الرئاسية الذي تم إنشاؤه عام 2013، ضمن بنود الحوار الوطني الذي نظم في ذلك العام، وكان من أبرز مطالب أحزاب المعارضة في ذلك الوقت.
ضربة لمصداقية الانتخابات
أثار هذا التعيين ردود فعل غاضبة من قبل المعارضة، وعدد من هيئات المجتمع المدني، حيث رأى العديد من السياسيين والنشطاء أن تعيين ولد يوسف في منصب كهذا «يعكس استهتاراً بمعايير الشفافية والمساءلة». وقال النائب المعارض محمد الأمين سيد مولود، في منشور على صفحته في «فيسبوك»، إن النظام «لم يكتف بتعيين متهمين بفساد في المناصب التنفيذية، بل ولّاهم قيادة بعض مؤسسات الرقابة والتفتيش، ليزيد بتوليهم الإشراف على شفافية الانتخابات».
كما رأى الناشط محمد سيدي ولد النمين أن «تعيين شخص مدان بالفساد في منصب حساس مثل هذا يعد ضربة قاسية لمصداقية العملية الانتخابية». وقال ولد النمين لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إن القرار يؤثر بشكل مباشر على شفافية ونزاهة الانتخابات، مشيراً إلى أنه «يعطي إشارة سيئة للمواطنين بأن الفساد يتم التساهل معه بدلاً من مكافحته»، مضيفاً أن هذا التعيين «صفعة في وجه كل الجهود المبذولة لتعزيز الشفافية، ومحاربة الفساد في بلادنا. فكيف يمكننا أن نتحدث عن انتخابات نزيهة وشفافة بينما يتم تعيين شخص مدان بالفساد في منصب محوري كهذا؟».
من جهته، انتقد حزب «الصواب» المعارض ما وصفه بالمسار الأحادي لاختيار رئيس وأعضاء المرصد الوطني لمراقبة الانتخابات، وقال إن «النزاهة مع الشعب الموريتاني كانت تقتضي تسميته مرصد حزب الإنصاف الحاكم ليطابق الاسم مسماه». وأضاف «الصواب» أن الحكومة اختارت شخصيات المرصد من حزبها الحاكم وأعضاء نشطين في هيئاته القيادية، «معززة مسارها الأحادي، ومنهية تشاوراً سياسياً جمع بعض قوى المعارضة وأحزاب الأغلبية»، مبرزاً أن الاتفاق تضمن أن «تلتزم الحكومة بالتشاور مع الأحزاب السياسية بإنشاء مرصد وطني لمراقبة الانتخابات، وإعطائه صلاحيات ووسائل تمكنه من الانتشار والحضور على المستوى الجهوي والمحلي».
وكان الوزير الأول محمد ولد بلال مسعود قد قال في لقاء مع أعضاء المرصد، إن الحكومة لن تدخر جهداً في دعمه من أجل رقابة الانتخابات الرئاسية المقبلة، بشكل يضمن شفافيتها ومصداقيتها لدى كل المشاركين، مضيفاً أن تعهد الحكومة بضمان شفافية الانتخابات جاء طبقاً لتوجيهات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
ويتقدم الرئيس ولد الشيخ الغزواني قائمة من سبعة مرشحين للانتخابات المقبلة، تضم أيضاً المرشح المستقل محمد الأمين المرتجي الوافي، ورئيس حزب «التجمع الوطني للإصلاح والتنمية» (تواصل) حمادي ولد سيدي المختار، والأستاذ الجامعي أوتاما سوماري، ورئيس حزب «التحالف من أجل العدالة والديمقراطية» بامامادو بوكاري، والنائب العيد ولد محمدن ولد امبارك، ورئيس مبادرة «انبعاث الحركة الانعتاقية» بيرام الداه اعبيدي.
كان ولد الشيخ الغزواني قد تعهد بالتزامن مع إعلانه الترشح لولاية ثانية بالتصدي بصرامة لكافة ممارسات الفساد والرشوة، والتعدي على المال العام. كما تعهد الرئيس بأن يتخذ مع بداية ولايته الثانية كل الإجراءات الضرورية لتعبئة الأجهزة الإدارية والرقابية والقضائية من أجل تحقيق هذا الهدف، وأكد أن هدفه الأسمى «كان دائماً وسيظل ترسيخ الوحدة الوطنية، ودعم عوامل الانسجام الاجتماعي، وتقوية وشائج الأخوة والقربى بين مكونات شعبنا».