ليبيا: مؤتمر دولي عن الهجرة يطلق «صندوقاً لتنمية أفريقيا»

أصدر «إعلان بنغازي»... ودعا لتعزيز الشراكة بين دول المصدر وأوروبا

صورة تذكارية للمشاركين في مؤتمر أفريقي - أوروبي عن الهجرة عقد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)
صورة تذكارية للمشاركين في مؤتمر أفريقي - أوروبي عن الهجرة عقد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)
TT

ليبيا: مؤتمر دولي عن الهجرة يطلق «صندوقاً لتنمية أفريقيا»

صورة تذكارية للمشاركين في مؤتمر أفريقي - أوروبي عن الهجرة عقد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)
صورة تذكارية للمشاركين في مؤتمر أفريقي - أوروبي عن الهجرة عقد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)

على وقع تدفق مستمر لموجات من المتسربين عبر الحدود، انتهت فعاليات أعمال المؤتمر الأفريقي - الأوروبي حول الهجرة غير النظامية، بمدينة بنغازي (شرق ليبيا)، إلى جملة من التوصيات من بينها إطلاق «صندوق لتنمية أفريقيا».

وعُقد المؤتمر على مدار 3 أيام برعاية حكومة أسامة حمّاد المكلفة من مجلس النواب، وأصدر ما سماه «إعلان بنغازي»، تضمن عدداً من التوصيات التي يعتقد أنها ستحد من عمليات الهجرة من دول أفريقية وعربية إلى ليبيا، ومنها إلى الشواطئ الأوروبية.

في ختام مؤتمر أفريقي - أوروبي عن الهجرة غير النظامية عقد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)

واتفق مسؤولون حكوميون أفارقة وأوروبيون، على أهمية المقاربة الشاملة لقضية الهجرة المرتكزة على دراسة الأسباب الواقعية للهجرة، التي تنطلق من التنمية الشاملة، والتشغيل، والاستقرار، كما أعلنوا عن تدشين «صندوق تنمية أفريقيا» تتم إدارته بشكل مشترك بين ممثلين عن قارتي أفريقيا وأوروبا، وسيموّل من خلال المساهمات المالية للشركاء الأوروبيـين والأفارقة.

واختتمت فعاليات أعمال المؤتمر الذي جاء تحت شعار «حلول مستدامة للهجرة» مساء الأحد بحضور حماد، ورئيس البرلمان الأفريقي، فورتين زيفانيا شارومبيرا، ومشاركة برلمانية وحكومية من القارتين الأفريقية والأوروبية وممثلي المنظمات الإنسانية الدولية.

وشهد المؤتمر جلسات خاصة بمعالجة ملف الهجرة بكل أشكالها، إذ أكد حمّاد أنه «لا بد من استمرار عقد اللقاءات والمؤتمرات الهادفة حتى تكون مشكلة الهجرة محل الاهتمام الدائم لتقليل الأضرار على المهاجرين ودول المصدر، العبور والمقصد، ولا بد من تضافر الجهود لوضع الحلول المستدامة في أزمة الهجرة بشقيها النظامية وغير النظامية، موضع التنفيذ».

ولفت «بيان بنغازي» إلى أن «صندوق تنمية أفريقيا سيعمل على إعداد وتأهيل الكوادر الطبية الأفريقية من خلال تسهيل الدراسة للشباب للالتحاق بالجامعات الأوروبية، والانخراط في برامج التدريب والمؤتمرات العلمية. كما اتفق على أن الصندوق سيعمل من خلال التخطيط الجيد، على الارتقاء بكفاءة البنية التحتية للمدن والقرى الأفريقية من خلال إنشاء وإصلاح الطرق والصرف الصحي والكهرباء والمياه وشبكات الإنترنت».

وشدد الحضور على أهمية إنشاء «الوكالة الأورو - أفريقية للتشغيل» كإطار للتعاون واستقطاب العمالة ويكون مقرها ببروكسل، بالإضافة إلى الموافقة على إنشاء «المرصد الأفرو - أوروبي للهجرة»، ويكون مقره بمدينة بنغـازي، على أن تكون مهامه مرافقة منظمات المجتمع المدني بكل من أفريقيا وأوروبا في مواضيع التعاون والبرامج الموجهة إلى الهجرة.

وأكد المجتمعون ضرورة إعفاء الدول الأفريقية أو التخفيف من ديونها، بجانب مساعدتها في التخفيف من القيود الصارمة من قبل المؤسسات المالية العالمية للاستفادة من خدماتها ذات الصلة بملف التنمية في الدول الأفريقية.

وحضر فعاليات المؤتمر إلى جانب وزراء من الحكومة، ممثل البرلمانات الأوروبية فؤاد حيدر، وعضو المركز الأوروبي للدعم الانتخابي بيدرو سكربليني، ورئيس المنظمة العالمية للتضامن والصداقة سيدة العقربي، ورئيس المجموعة الدولية للدبلوماسية المدنية بيدرو إيغناسيو، بالإضافة إلى ممثلين لدول أوروبية وأفريقية.

وكان حمّاد تحدث في كلمته أمام المؤتمر، عن «وجود عصابات تستغل خطوط ومسارات الهجرة غير النظامية في تهريب الممنوعات وأفراد الجماعات الإرهابية، وذلك على هيئة مهاجرين»، لافتاً إلى أن «ليبيا وباقي دول شمال أفريقيا هي دول عبور للمهاجرين وطالبي اللجوء بمختلف أسبابه في دول جنوب أوروبا».

وبشكل متكرر، تعلن أجهزة الأمن في شرق ليبيا وغربها عن ضبط مهاجرين غير نظاميين، إما في مخازن لدى عصابات تتاجر في البشر، أو لدى إعادتهم من البحر المتوسط وتسليمهم إلى جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة وإيداعهم مراكزه، التي يوصف بعضها بأنها «سيئة السمعة».

في ختام مؤتمر أفريقي - أوروبي عن الهجرة غير النظامية عقد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)

وقال الحقوقي الليبي طارق لملوم، إن «الأوضاع الصحية والإنسانية تزداد سوءاً داخل مراكز احتجاز المهاجرين»، مشيراً إلى أن «كثيراً من المحتجزين - من بينهم قصّر - يعانون من سوء تغذية وانتشار الأمراض الجلدية ونقص في الرعاية الصحية». وضرب لملوم مثلاً بمركزي «عين زارة» و«بئر الغنم»، مستنداً في ذلك إلى شهادات عائلات محتجزين سابقين «خرجوا بعد أن دفعوا أموالاً مقابل الإفراج عنهم».

وتعمل ليبيا مع «المنظمة الدولية للهجرة» بشكل موسع على ترحيل آلاف المهاجرين إلى بلدانهم وفق برنامج «الهجرة الطوعية». ورصدت المنظمة في وقت سابق، ترحيل 80 ألف مهاجر غير نظامي ينتمون إلى 49 دولة أفريقية وآسيوية، من ليبيا إلى دولهم الأصلية منذ عام 2015، بدعم من البرنامج الأممي.

بموازاة ذلك، بدأت حكومة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من العاصمة طرابلس مستقراً لها، في الحشد لمؤتمر دولي لمكافحة الهجرة غير النظامية وأمن الحدود مزمع عقده في منتصف يوليو (تموز) المقبل بالعاصمة. وكان الدبيبة وجه الدعوة لرئيس تشاد محمد إدريس ديبي، للمشاركة في أعمال المؤتمر خلال زيارته إلى إنجامينا الأسبوع الماضي.


مقالات ذات صلة

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي صورة أرشيفية لمهاجرين على متن زورق بعد محاولة فاشلة للعبور إلى جزيرة ليسبوس اليونانية عندما اقترب منهم قارب لخفر السواحل التركي في مياه شمال بحر إيجه قبالة شواطئ كاناكالي بتركيا في 6 مارس 2020 (رويترز)

فقدان 45 مهاجراً في انقلاب قارب قبالة ساحل اليمن

أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن، اليوم (الخميس)، انقلاب قارب يقل 45 لاجئاً ومهاجراً قبالة ساحل اليمن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا جانب من السياج الحدودي بين اليونان وتركيا في ألكسندروبوليس باليونان في 10 أغسطس 2021 (رويترز)

اليونان تنفي اتهامات أنقرة بدفع مهاجرين إلى الأراضي التركية

نفى خفر السواحل اليوناني اتهامات من وزارة الدفاع التركية، الاثنين، بأنه دفع مهاجرين من قبالة جزيرة ليسبوس إلى تركيا.

«الشرق الأوسط» (أثينا )
شمال افريقيا رانيا المشاط خلال لقاء وفد الاتحاد الأوروبي (مجلس الوزراء المصري)

مصر والاتحاد الأوروبي ينسقان لمجابهة «الهجرة غير الشرعية»

تنسق مصر والاتحاد الأوروبي لمجابهة «الهجرة غير الشرعية»، عبر برامج تعليمية وآليات حماية اجتماعية للشباب والأسر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مهاجرون سريون تم اعتراض قاربهم من طرف خفر السواحل التونسية (أ.ف.ب)

تونس تعترض 74 ألف مهاجر سري حتى يوليو الحالي

الحرس البحري التونسي اعترض أكثر من 74 ألف مهاجر سري في البحر، كانوا في طريقهم إلى السواحل الأوروبية هذا العام وحتى منتصف يوليو (تموز) الحالي.

«الشرق الأوسط» (تونس)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز