وسط مناقشات مستفيضة عن الهجرة غير النظامية وأسبابها، والبحث عن حلول لها، انتهى اليوم الثاني للمؤتمر الأوروبي - الأفريقي الذي عُقد في مدينة بنغازي بـ«شرق ليبيا»، تاركاً تساؤلات كثيرة، حول جدوى مثل هذه المؤتمرات وقدرتها على وقف تدفقات الهجرة من ليبيا إلى الشاطئ الأوروبي، ولا سيما مناطق شرق البلاد.
وكان المؤتمر، الذي دعت إليه الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، قد انطلقت جلساته السبت، بحضور وفود رسمية من دول أوروبا وأفريقيا، تمت خلالها مناقشة مقترحات لكيفية التغلب على هذه الأزمة التي تؤرق ليبيا ودولاً أوروبية.
ويهدف المؤتمر، الذي ينتهي الاثنين، وفقاً لوزير الخارجية بالحكومة عبد الهادي الحويج، إلى «جمع الأطراف المختلفة من الجانب الأفريقي ودول العبور بشمال أفريقيا وأوروبا، لإيجاد حلول غير تقليدية من أجل مقاربات جديدة لمعالجة قضية الهجرة».
وليست هذه المرة الأولى التي تعقد فيها مؤتمرات تأخذ صفة دولية، بقصد البحث في قضية الهجرة غير النظامية، حيث سبق أن عُقدت مؤتمرات مماثلة في شرق ليبيا وغربها، تناولت الظاهرة من جوانب عدة، لكن لا تزال الأزمة تراوح مكانها لأسباب عدة.
ويتمسك المتابعون لملف الهجرة بضرورة «القضاء أولاً على سوق السمسرة في المهاجرين المنتشرة في غالبية المدن الليبية»، ويرون أن هناك «تجارة رائجة تديرها عصابات ومجموعات مسلحة، وأحياناً جهات أمنية رسمية».
وتظهر إحصاءات «الأمم المتحدة» أن ليبيا تؤوي قرابة 704 آلاف مهاجر من 43 جنسية، بحسب بيانات جُمعت من 100 بلدية ليبية في منتصف عام 2023. وفي مارس (آذار) الماضي، قالت «المنظمة الدولية للهجرة» إن إدارة البحث الجنائي عثرت على جثث 65 مهاجراً على الأقل في مقبرة جماعية جنوب غربي ليبيا.
وأمام المؤتمر، قال أسامة حمّاد، رئيس الحكومة، إن «الحلول المستدامة لقضايا الهجرة لا بد أن تتبناها دول المصدر والعبور ودول المقصد أو الاستقبال»، داعياً إلى ضرورة «خلق برامج تطوير وتنمية في دول المصدر، تساعد على توفير حياة آمنة ومستقرة لتفادي خيار الهجرة».
وحضّ حماد جميع الأطراف على «عدم التدخل في الشؤون السياسية والداخلية لدول المصدر من قارة أفريقيا»، وقال إن «التدخل أحياناً ينتج عنه عدم استقرار سياسي واحتراب داخلي بين القوى السياسية، ويؤدي إلى تردي الأوضاع، ومن ثم تتوافر الأسباب التي تدفع إلى الهجرة بحثاً عن الأمن والاستقرار».
وانتقد حماد ما أسماه بـ«السياسات الخاطئة» لبعض دول الاستقبال في الاعتراض والإنقاذ للمهاجرين «ما نتج عنه وأد وقتل أحلام هؤلاء المستضعفين الذين تركوا بلدانهم هرباً من أوضاع اقتصادية سيئة أو حروب، وانتهى الأمر بموت آلاف منهم في عرض البحر».
وشدّد على أنه «لا بد من خلق كيان أوروبي - أفريقي، مهمته مراقبة تشغيل اليد العاملة وفقاً للاشتراطات القانونية، وبشكل يضمن حقوق العاملين من خلال الهجرة النظامية وفقاً لمؤشرات سوق العمل».
وأمام ما تكشفه الأجهزة الأمنية بشرق ليبيا وغربها من وجود «عصابات تتاجر في البشر» من وقت لآخر، لا تزال البلاد تشهد «عمليات واسعة لتهريب المهاجرين من أجل الحصول على الأموال»، وفق إفادات رسمية.
وسبق أن تحدث طارق لملوم، الحقوقي الليبي رئيس مؤسسة «بلادي لحقوق الإنسان»، مع «الشرق الأوسط»، عن «ازدياد المجموعات المسلحة التي تمارس عمليات تهريب المهاجرين».
ورأى أن «عمليات التهريب في ليبيا أصبحت تشهد تسهيلاً كبيراً جداً، ومع الأسف الغالبية متورطة في ذلك، سواء أكان من الغرب أم المنطقة الوسطى أم الشرق»، لافتاً إلى أن تهريب المهاجرين «يزداد في مناطق زوارة وصبراتة، التي تكثر فيها مخازن البشر، وتعلم الأجهزة الأمنية مكانها، لكن يظل موعد الإعلان عنها وكشفها وضبط من فيها يرتبط بسياسة هذه الأجهزة... وهي للأسف حكومية».
وفي مواجهة الاتهامات التي تنتقد تزايد عمليات التهريب من شرق ليبيا، أضاف حمّاد أن «الجيش الوطني والأجهزة الأمنية نفّذا كثيراً من الحملات الأمنية لحماية هؤلاء المستضعفين المهاجرين وتخليصهم من قبضة العصابات»، ودعا إلى إنشاء «المرصد الأوروبي - الأفريقي للهجرة، تكون مهمته مراقبة تشغيل الأيدي العاملة وفقاً للاشتراطات القانونية، بشكل يضمن حقوق العاملين من خلال الهجرة النظامية وفقاً لمؤشرات سوق العمل».
ويرهن مصدر ليبي، مقرب من حكومة حماد، قدرة سلطات شرق ليبيا على التصدي لتدفقات المهاجرين بـ«التعاون المشترك بين الدول المصدرة والمستقبلة»، وقال: «بلدي دولة معبر، ونعاني من هذه الأزمة، ولن نعمل كشرطي لأوروبا. على الجميع أن يعمل معنا لإيجاد حلّ».
وتمكنت قوة أمن ليبية، في 7 مايو (أيار) الحالي، من «تحرير» 107 مهاجرين، من بينهم نساء وأطفال، من الأسر في بلدة بجنوب شرقي ليبيا. وقال وليد العرفي، المتحدث باسم الإدارة العامة للبحث الجنائي في بنغازي، إن المهاجرين، وفقاً لما قاله بعضهم، احتُجزوا لمدة تصل إلى 7 أشهر، وإنهم «كانوا يرغبون في الهجرة إلى أوروبا»، منوهاً إلى أن المهاجرين قادمون من دول مختلفة جنوب الصحراء الكبرى، إلا أن معظمهم من الصومال.
ونهاية الأسبوع الماضي، قالت «المنظمة الدولية للهجرة» إنه جرى إعادة 80 ألف مهاجر غير نظامي إلى بلدانهم عبر «نظام العودة الطوعية الإنسانية» منذ عام 2015.