تباين ليبي حول مغزى اجتماع سفير أميركي بنجلي حفتر في بنغازي

البعض عدّه «إعادة توزان للعلاقات»... وآخرون «متابعة للمستجدات»

TT

تباين ليبي حول مغزى اجتماع سفير أميركي بنجلي حفتر في بنغازي

انشغل الليبيون بمعرفة مغزى لقاءين منفصلين عقدهما القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا، السفير جيريمي برنت، في شرق ليبيا، التقى خلالها خالد وبلقاسم، نجلي المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، وسط تفسيرات متباينة.

سياسيون ومحللون عديدون عدّوا الاجتماعين، اللذين عُقدا منتصف الأسبوع الماضي في بنغازي، محاولات أميركية للتقرب من جبهة حفتر، بينما عدّهما آخرون مجرد لقاءات عادية تستهدف متابعة المستجدات السياسية والعسكرية في البلاد.

بداية، نظر الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، إلى هذين الاجتماعين على أنهما «رسالة واضحة بأن واشنطن تسعى لمزيد من التقارب مع حفتر والمقربين منه فقط؛ ولذا جاء الاختيار الدقيق لتحقيق هذا التقارب بنجليه بلقاسم وخالد، كونهما باتا يلعبان أدواراً بارزة بالمنطقة الشرقية، سواءً في الملف الاقتصادي أو في صفوف المؤسسة العسكرية».

ويشير القماطي إلى ما تداولته وسائل إعلام دولية ومحلية قبل شهر تقريباً عن وصول سفن عسكرية روسية محملة بالأسلحة والمعدات إلى ميناء طبرق شرق البلاد، «ثم خروج هذا العتاد إلى دولة أفريقية مجاورة لبناء فيلق عسكري، يخدم المصالح الروسية هناك»، مرجحاً أن تكون «تلك التحركات الروسية قد دفعت واشنطن للمسارعة بتجديد اتصالاتها مع حفتر، في محاولة ولو متأخرة لعدم انفراد الروس بالمنطقة الشرقية».

القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا وبلقاسم حفتر (السفارة الأميركية على «إكس»)

ويعتقد القماطي أن واشنطن ستعمل في الفترة المقبلة على إيجاد قدر من التوازن في علاقاتها بين شرق ليبيا وغربها، خصوصاً وأنها باتت ترى منافستها موسكو تحاول توسيع تحالفاتها وشراكاتها السياسية والاقتصادية بعموم البلاد»، لافتاً إلى استقبال العاصمة الروسية قبل 10 أيام وفداً من قيادات المنطقة الغربية.

وكان مجلس النواب قد أصدر قانوناً بإنشاء «صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا» في فبراير (شباط) الماضي، أسندت رئاسته إلى بلقاسم حفتر. وهذا الصندوق يتمتع بشخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة، ولا يخضع لسلطة أي جهاز رقابي، فضلاً عن نقل تبعية 10 جهات تنفيذية كبرى لإدارته، وهو ما دفع أوساطاً ليبيةً وخاصةً في المنطقة الغربية لوصف الأمر بكونه «مجاملة لحفتر».

ليبيون يرون أن «أي زيارة من مسؤول أو دبلوماسي غربي لحفتر، أو نجليه تعد رسالة اعتراف بثقل أدوارهم في المنطقة الشرقية» (الجيش الوطني)

وانتهى القماطي إلى أن هذا التقارب بين واشنطن والقيادة العسكرية بالشرق الليبي «يحقق فوائد متبادلة لكليهما»، وقال موضحاً: «أي زيارة من مسؤول أو دبلوماسي غربي لحفتر، أو نجليه، تعد من وجهة نظرهم رسالة اعتراف بثقل أدوارهم ونفوذهم في المنطقة الشرقية»، لافتاً إلى فرصة استفادتهم من مساهمة الشركات الأميركية والأوروبية في مشاريع إعادة الإعمار الجارية بالشرق الليبي، وهو بالفعل ما تمت الإشارة إليه في بيان بلدية بنغازي، التي انعقد بمقرها اجتماع بلقاسم حفتر وبرنت.

ورغم توافقه على أن اجتماع برنت مع نجلي حفتر جاء لـ«امتلاكهما نفوذاً واسعاً كوالدهما»، ذهب المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، إلى أن مثل هذه الاجتماعات أثارت علامات استفهام «حول مدى امتلاك واشنطن خطة واضحة ومتكاملة لمجابهة النفوذ الروسي في ليبيا».

المشير حفتر في لقاء سابق مع رئيسة الحكومة الإيطالية (الجيش الوطني)

ويعتقد محفوظ، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل ما يتردد عن قلق واشنطن وحلفائها من النفوذ الروسي في البلاد، على مدار أكثر من عام ونصف عام، لم يخرج عن دائرة التصريحات الإعلامية التي لا يمكن التعويل عليها».

أما زميل أول «معهد الدراسات الدولية» في جامعة «جونز هوبكنز»، الليبي حافظ الغويل، فقلل بدرجة كبيرة من أهمية اجتماع برنت بنجلي حفتر، وقال إن واشنطن تتعامل مع الأمر في حدود النواحي العسكرية فقط؛ وفي كل الأحوال فإن برنت يشغل منصب قائم بأعمال السفارة الأميركية، وليس دبلوماسياً بارزاً.

ورجح الغويل أن يكون الاجتماع بهدف «متابعة المستجدات السياسية والعسكرية، وليس أكثر من ذلك، ولا يمكن بأي حال تفسيره أو تفسير غيره من الاجتماعات، التي تعقد بين أي مسؤول أميركي وأي طرف ليبي، على أنه محاولة من واشنطن لاستقطاب أو مساندة أو دعم أي طرف محلي»، مشدداً على أن «محدودية المصالح الأميركية في ليبيا، وتمركزها في محور بسط الأمن ومكافحة الإرهاب، لا يدفعها بأي شكل لوضع ثقلها خلف أي طرف».

ولفت الغويل إلى وجود «قلق أميركي بدرجة ما جراء ما يتردد عن احتمال بناء الروس لقاعدة عسكرية بحرية بالمنطقة الشرقية، وإن كان هذا لا يعني بأي حال ترجمة واشنطن هذا القلق لخطوات على الأرض».

ورأى الغويل أنه «لا توجد أعداد ضخمة من الجنود الروس في ليبيا؛ فربما لا يزيد عددهم عن ألفي عنصر، وهذا لا يعد وجوداً ضخماً أو كبيراً، بما يمثل تهديداً للأمن والمصالح الأميركية بشكل مباشر؛ ولذا تكتفي واشنطن بالمراقبة عن بعد، مع مواصلة السعي لتقليص النفوذ الروسي بالقارة السمراء من زاوية الاقتصاد».



«هدنة غزة»: حراك «مفصلي» لإنهاء «النقاط العالقة» بالمفاوضات

دخان تصاعد في وقت سابق بعد غارات إسرائيلية على رفح بالقرب من الحدود الفلسطينية المصرية (أ.ف.ب)
دخان تصاعد في وقت سابق بعد غارات إسرائيلية على رفح بالقرب من الحدود الفلسطينية المصرية (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: حراك «مفصلي» لإنهاء «النقاط العالقة» بالمفاوضات

دخان تصاعد في وقت سابق بعد غارات إسرائيلية على رفح بالقرب من الحدود الفلسطينية المصرية (أ.ف.ب)
دخان تصاعد في وقت سابق بعد غارات إسرائيلية على رفح بالقرب من الحدود الفلسطينية المصرية (أ.ف.ب)

بين القاهرة والدوحة، حراك يتصاعد من جانب الوسطاء، لإنهاء «نقاط عالقة» بمفاوضات وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وسط مخاوف من «عراقيل» قد يضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لإطالة أمد التفاوض وتعطيل صفقة تنهي الحرب التي دخلت شهرها العاشر.

ويرى خبراء أن مستجدات مساعي الهدنة تشهد حراكاً «هاماً ومفصلياً» من الوسطاء لسد الفجوات ونقاط الخلاف، ومن بينها «ضمانات وتعهدات الالتزام بأي اتفاق، وأسماء الأسرى وعددهم، والانسحاب الإسرائيلي، وترتيبات اليوم التالي للحرب».

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، في مقابلة مع «القناة 12» الإسرائيلية، الأحد، إن نتنياهو «لا يريد إعادة المخطوفين»، ولا يريد التوصّل لصفقة تبادل، «لكن ليس ثمة شك لدي أنه بعد يوم من خطابه أمام مجلسي الشيوخ والنواب الأميركي (25 يوليو «تموز» الجاري) (سيقوم بتفجير المفاوضات)»، وإلى ذلك الحين سيدير المفاوضات «دون دفع أي ثمن».

وبعد فترة من الجمود، تحدثت حركة «حماس» في 24 يونيو (حزيران) الماضي، عن تلقّي تعديلات أميركية - لم يجرِ الإعلان عن تفاصيلها - على مقترح الرئيس جو بايدن، وسلّمت الحركة، في 3 يوليو الجاري، ردها الجديد عبر الوسطاء لإسرائيل، ولقي قبولاً بين الأجهزة الأمنية والجيش، ما دفع نتنياهو لعقد اجتماع مع مجلس الوزراء الأمني، ومن ثم الموافقة على إرسال رئيس الموساد، ديفيد برنيع، إلى قطر لاستئناف المفاوضات. وعقب عودة برنيع من قطر، أعلن مكتب نتنياهو، انضمام وفد التفاوض الإسرائيلي لمحادثات بالدوحة، الأسبوع الجاري، مؤكداً أنه «لا تزال هناك فجوات بين الطرفين»، دون مزيد من التفاصيل.

دبابات إسرائيلية بجوار المباني المدمرة خلال عملية برية في جنوب قطاع غزة (رويترز)

ومساء السبت، أعلنت القاهرة أنها «تستضيف وفوداً إسرائيلية وأميركية للتباحث حول النقاط العالقة في اتفاق التهدئة بقطاع غزة، وعقد مشاورات مع (حماس) ولقاءات مكثفة هذا الأسبوع»، وفق ما نقلته فضائية «القاهرة الإخبارية» عن ‏مصدر مصري رفيع المستوى.

وظهر الحديث عن «النقاط العالقة»، و«الفجوات»، بعد حديث مصادر إسرائيلية وأميركية بوسائل إعلام عبرية وغربية، عن «فرصة» لإبرام صفقة بعد تراجع «حماس» المؤقت عن مطلبها بوقف الحرب الدائم مع تنفيذ المرحلة الأولى من مقترح بايدن، الذي يمتد إلى 3 مراحل.

وفسر مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر، الدكتور عمرو الشوبكي، ظهور هذه التباينات عقب التفاؤل بإبرام صفقة، لـ«عدم اقتناع نتنياهو بإبرام صفقة، وأنه لم يكن يرغب في استئناف المفاوضات لولا ضغوط الاحتجاجات في تل أبيب».

بينما رأى السفير الفلسطيني السابق، بركات الفرا، أنه سيكون هناك «حراك هام ومفصلي» من الوسطاء لتفادي أي محاولات لإفساد الصفقة، في ظل ما يعانيه القطاع من أزمات إنسانية كبيرة تحتاج لهدنة.

وتحدثت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، الأحد، عن أن حكومة نتنياهو قدمت مطالب جديدة الجمعة عبر رئيس الموساد، قد تؤدي إلى «عرقلة المفاوضات»، منها أهمية مضي «حماس» في صفقة التبادل بناء على مقترح بايدن، من دون أن تطالب بوضع ضمانات لوقف الحرب.

فلسطينيون ينظرون إلى الدمار بعد غارة إسرائيلية على رفح بقطاع غزة (أ.ب)

ونقلت وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية عن مسؤول في «حماس»، السبت، أن الحركة لا تزال تريد «ضمانات مكتوبة» من الوسطاء بأن «إسرائيل سوف تواصل التفاوض على اتفاق وقف إطلاق نار دائم بمجرد دخول المرحلة الأولى حيز التنفيذ».

ووفق الشوبكي فإن «الضمانات» هي أول البنود المحتملة في النقاط العالقة بين طرفي حرب غزة، حيث ترغب «حماس» في ضمانات من الوسطاء بعدم عودة إسرائيل للعمليات العسكرية.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: ثاني البنود المحتملة، «تتعلق بالأسرى والمحتجزين، فهناك خلاف بشأن الأسماء وعددهم»، فبينما تريد «حماس» طرح أسماء الأسرى المحررين في السجون الإسرائيلية، لا تقبل أيضاً بالإفراج عن جميع المحتجزين لديها كما ترغب تل أبيب، وستكون هناك نقاشات في هذه النقطة، موضحاً: «ستكون ترتيبات اليوم التالي أيضاً أحد البنود العالقة في تلك المفاوضات»، فإسرائيل لا ترغب بوجود «حماس» بعد انتهاء الحرب، والحركة ترفض استبعادها، ويمكن بالنقاش الوصول لحلول وسط.

دخان تصاعد في وقت سابق بعد غارات إسرائيلية على رفح بالقرب من الحدود الفلسطينية المصرية (أ.ف.ب)

أما الفرا فقال لـ«الشرق الأوسط» إنه بخلاف بند الوقف الدائم للحرب الذي تم تجاوزه من جانب «حماس» مؤقتاً، فهناك نقاط عالقة، أهمها «الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وخطط اليوم التالي من الحرب، التي قد تتضمن طرح نزع سلاح (حماس) وليس استبعادها فقط، في ظل رفض الحركة ذلك». ورأى أن بند عودة المواطنين لمنازلهم في شمال غزة دون عراقيل «سيكون إحدى النقاط العالقة».

وكانت تقارير عربية وغربية، تحدثت عن أن رد «حماس» الأخير تضمن مطالبة بأن يكون الانسحاب من محور «فيلادلفيا» ومعبر رفح ضمن المرحلة الأولى.

وبشأن احتمال أن تعرقل تلك النقاط العالقة مسار المفاوضات؛ يتوقع السفير الفلسطيني السابق أن «ينجح الوسطاء في إبرام أولى مراحل تلك الصفقة». وأرجع ذلك إلى «ضغوط ضد نتنياهو من داخل إسرائيل عبر المعارضة والاحتجاجات والمؤسسة العسكرية التي ترغب في إنجاز الصفقة، بجانب أن إدارة بايدن تريد إتمامها بوصفها مكسباً انتخابياً مهماً قبيل الانتخابات الرئاسية». وهو ما يؤيده الشوبكي الذي أشار إلى أن نتنياهو سيذهب إلى توقيع هذه الصفقة «مضطراً» هذه المرة رغم عدم اقتناعه.