القتال حول الفاشر يشتد... واتهامات لـ«الدعم السريع» بالتخطيط لإبادة جماعية

مقتل وإصابة العشرات من المدنيين ونزوح أعداد كبيرة لداخل المدينة

النيران تلتهم سوقاً في الفاشر نتيجة معارك سابقة (أ.ف.ب)
النيران تلتهم سوقاً في الفاشر نتيجة معارك سابقة (أ.ف.ب)
TT

القتال حول الفاشر يشتد... واتهامات لـ«الدعم السريع» بالتخطيط لإبادة جماعية

النيران تلتهم سوقاً في الفاشر نتيجة معارك سابقة (أ.ف.ب)
النيران تلتهم سوقاً في الفاشر نتيجة معارك سابقة (أ.ف.ب)

ازدادت وتيرة القتال في ولاية شمال دارفور (غرب السودان)، ما أسفر عن سقوط المزيد من الضحايا المدنيين وتهجير أعداد كبيرة من النازحين الذين يقطنون في معسكرات اللجوء بأطراف الفاشر.

وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط»، الخميس، إن اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة تدور بالقرب من معسكري (أبوشوك ونيفاشا) للنازحين في الجهة الشمالية للفاشر.

وبحسب الشهود، فإن الوضع ينذر بتصاعد المعارك العسكرية بين الجيش السوداني والفصائل المسلحة المتحالفة معه ضد «قوات الدعم السريع»، وهناك حالة من التوجس من انتقال المواجهات إلى داخل المدينة.

صورة من الدمار الذي خلّفه القتال في الفاشر عاصمة شمال دارفور (أرشيفية - أ.ف.ب)

وتحدث هؤلاء الشهود عن موجات نزوح كبيرة للمواطنين، خصوصاً الفارين من المعسكرات في مناطق الاشتباكات، إلى مراكز الإيواء في الأحياء الآمنة.

وقالت «حركة جيش تحرير السودان»، إن 10 أشخاص قتلوا وأصيب نحو 15 آخرين بجروح خطيرة، جراء قصف «الدعم السريع» بالمدفعية الثقيلة والصواريخ ليل الأربعاء - الخميس، معسكر أبوشوك للنازحين شمال الفاشر.

وبحسب المتحدث باسم الحركة، الصادق علي نور، فإن غالبية الضحايا من النساء والأطفال، وتسبب القصف المكثف في احتراق أعداد كبيرة من المنازل. واتهم في بيان له، «ميليشيات (الدعم السريع) بالسعي لخلق حالة من الفوضى والتخريب بهدف التهجير القسري لمعسكرات النازحين في الولاية، والتخطيط لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ربما تكون أسوأ جريمة في تاريخ البشرية».

وذكر البيان أن الجيش السوداني والقوات المشتركة للحركات المسلحة تصدت للهجوم «المروع والغادر، وكبدت قوات العدو خسائر فادحة في الأرواح والآليات العسكرية».

دخان كثيف يتصاعد في مدينة الفاشر بإقليم دارفور غرب البلاد (أرشيفية - د.ب.أ)

وناشدت الحركة التي يرأسها حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، جميع الأطراف الإقليمية والدولية «تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب السوداني والمنطقة بأكملها».

وقال «إن (قوات الدعم السريع) تستهدف أحياء بعينها على أساس عرقي؛ بغرض ترويع السكان وتهجيرهم من منازلهم».

والثلاثاء، أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» إجلاء بعض أعضاء طاقمها الإداري من الفاشر بسبب القتال العنيف المستمر في المدينة، مشيرة إلى أن عودتهم مرتبطة بحدوث استقرار في الوضع.

وتدعم المنظمة أقسام الجراحة والأمومة في المستشفى الجنوبي الوحيد الذي يعمل على استقبال ضحايا الاشتباكات العسكرية بين الأطراف المتحاربة.

ومن جهة ثانية، قالت مصادر طبية ونشطاء إن المستشفى يعاني من نقص كبير في المستلزمات الجراحية (الشاش والخيوط) لإجراء العمليات الصغيرة للمصابين بالذخيرة الحية وشظايا القذائف المدفعية. وأضافت أن «الأوضاع صعبة في المستشفى بعد توقف عدد من المرافق الطبية المساندة جراء قصفها بالمدفعية خلال الأيام الماضية».

لاجئون سودانيون في مخيم زمزم خارج مدينة الفاشر بدارفور (أ.ب)

ويشتد القتال في الفاشر بعد تكثيف «قوات الدعم السريع» عملياتها العسكرية من أجل السيطرة عليها، لكنها تقول إنها تدافع عن المواقع التي تقع تحت سيطرتها في المدينة.

وبلغت حصيلة الضحايا منذ اندلاع الاشتباكات بين الأطراف المتحاربة قبل شهر، أكثر من 85 قتيلاً ومئات الجرحى، غالبتهم من المدنيين العزل.

ونشرت حسابات تابعة لـ«الدعم السريع» على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو عن دخول قواتها إلى معسكر نيفاشا، بعد انسحاب الدفاعات المتقدمة لقوات الجيش والحركات المسلحة.

بدوره، اتهم المتحدث باسم «قوات الدعم السريع»، الفاتح قرشي، الجيش السوداني بشن غارات جوية عشوائية على مدينة كبكابية بولاية شمال دارفور، ما أدى إلى مقتل العديد من النساء والأطفال وتدمير المنازل، و«دفن السكان المسالمين تحت الأنقاض».

آلية للجيش السوداني (أرشيفية - رويترز)

وقال في بيان، الخميس، نشر على منصة «إكس»، إن تلك الضربات الجوية المتعمدة على المدنيين الأبرياء هي «إرهاب... وتنتهك القانون الدولي الإنساني والمعايير الأخلاقية».

كما أعلنت «الدعم السريع» وصول دعم من قواتها إلى مدينة أم درمان، أكبر مدن العاصمة الخرطوم، وهو ثاني دعم لها يدخل المدينة خلال أقل من أسبوعين.


مقالات ذات صلة

السودان: سقوط سنجة بيد «الدعم السريع» قد يفتح طريق تمددها أكثر

تحليل إخباري صورة أرشيفية لقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو مع قواته في جنوب دارفور (أ.ف.ب)

السودان: سقوط سنجة بيد «الدعم السريع» قد يفتح طريق تمددها أكثر

استيلاء «الدعم السريع» على سنجة، يحقق لها انتصاراً سياسياً جديداً إلى جانب الانتصار العسكري، وقد يغير الموقف التفاوضي، ويجعلها تضع شروطاً تفاوضية جديدة.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا البرهان بين قواته في سنار (موقع مجلس السيادة في «فيسبوك»)

«الدعم السريع» يهاجم «سنجة» بالتزامن مع زيارة البرهان للولاية

بالتزامن مع زيارة يجريها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى ولاية سنار وسط البلاد، هاجمت «قوات الدعم السريع» مدينة سنجة، عاصمة الولاية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا امتحانات الطلاب السودانيين في القاهرة (السفارة السودانية)

غلق بعض المدارس السودانية في مصر يُربك طلابها

أربك إغلاق السلطات المصرية عدداً من المدارس السودانية العاملة في مصر، لحين توافر «الاشتراطات القانونية»، طلاب الجالية السودانية في البلاد.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا قائدا الجيش عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو في أثناء تحالفهما سابقاً (أرشيفية)

غموض حول مصير لقاء البرهان و«حميدتي» في كامبالا

توقع سياسيون سودانيون إجراء لقاء وشيك بين قيادة الجيش السوداني وقيادة «قوات الدعم السريع»، استجابة إلى قرار «مجلس السلم والأمن الأفريقي» بقيادة الرئيس الأوغندي.

أحمد يونس (أديس أبابا)
شمال افريقيا امرأة تحمل طفلاً في مخيم زمزم للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان في يناير 2024 (رويترز)

مناشدات لحماية المدنيين في حرب السودان

تباينت آراء عدد من الخبراء القانونيين والعسكريين السودانيين بشأن الدعوة التي أطلقتها منظمة «هيومن رايتس ووتش» لنشر بعثة أممية لحماية المدنيين في السودان.

وجدان طلحة (بورتسودان)

«مذبحة سجن أبو سليم» لا تزال تطارد نظام القذافي

«بانر» يضم عدداً من ضحايا «سجن أبو سليم» (رابطة أسر شهداء سجن أبو سليم)
«بانر» يضم عدداً من ضحايا «سجن أبو سليم» (رابطة أسر شهداء سجن أبو سليم)
TT

«مذبحة سجن أبو سليم» لا تزال تطارد نظام القذافي

«بانر» يضم عدداً من ضحايا «سجن أبو سليم» (رابطة أسر شهداء سجن أبو سليم)
«بانر» يضم عدداً من ضحايا «سجن أبو سليم» (رابطة أسر شهداء سجن أبو سليم)

تُحيي أُسر ضحايا «مذبحة سجن أبو سليم» في العاصمة الليبية طرابلس، هذه الأيام الذكرى الـ28 للواقعة المروعة التي جرت في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، وسط دعوات متجددة إلى «إنصاف» مئات الضحايا، و«الثأر» لهم.

تجمع في ميدان الشهداء بطرابلس لأسر ضحايا «مذبحة سجن أبو سليم» (رابطة أسر شهداء سجن أبو سليم)

وقبل 28 عاماً، اقتحمت مجموعة من «القوات الخاصة» التابعة لنظام القذافي، زنازين «سجن أبو سليم»، بضواحي العاصمة، الذي كان يضم حينها 1269 سجيناً، وفتحت النيران عليهم فأردتهم قتلى، في قضية شهيرة لا تزال متداولة في المحاكم حتى الآن.

وتحتشد أفراد الأسر المكلومة في ميدان الشهداء بوسط طرابلس منذ بداية الأسبوع الحالي، للتذكير بقضية أبنائهم، وحضّ السلطات القضائية على التسريع بمحاكمة الجناة، ملوّحين بالعلم الليبي، ورافعين صور الضحايا وشعارات تطالب «بسرعة العدالة».

وعبّرت رابطة أهالي «شهداء مذبحة سجن أبو سليم» عن غضبها لـ«عدم إنجاز القضية حتى الآن وتحقيق العدالة»، متسائلة: «أما آن لضحايا المذبحة أن يُؤخذ بثأرهم، وأن يُنصفوا أمواتاً، بعد أن ظُلموا وقُهروا أحياءً؟».

وطالبت الرابطة «بكشف خبايا الجريمة وإحقاق الحق ووقوع القصاص، وأن ينال كل من شارك في هذه المذبحة المريعة الآثمة جزاءه العادل».

ونقلت الرابطة عن أسر الضحايا: «أنه لا يعقل بعد مرور 28 عاماً على المذبحة، و13 عاماً على سقوط نظام القذافي، الذي ارتكبت الجريمة في عهده، أن يظلّ القانون عاجزاً عن قول كلمته العادلة الناجزة في هذه المأساة الفادحة، وإبراء ذمته منها ومن تبعاتها».

وفي مطلع مارس (آذار) الماضي، أعادت المحكمة العليا في العاصمة الليبية، قضية «مذبحة سجن أبو سليم» إلى «استئناف طرابلس» ثانيةً للنظر فيها من قبل هيئة قضائية جديدة، لتتواصل «دوامة التقاضي»، في دهاليز وردهات المحاكم.

وقال مصطفى المجذوب، المستشار القانوني للرابطة: «لا نزال نطالب الجهات القانونية بالإسراع في الفصل بالقضية بعد سنوات من المماطلة»، مشدداً على «معرفة الحقيقة الغائبة من 28 سنة».

وطالب المجذوب - في تصريح صحافي «القضاء الوطني بسرعة الفصل في القضية لإنهاء ارتباطات متعلقة بحقوق الميراث لأسر الضحايا»، لافتاً إلى أن أسرهم يعيشون على أمل معرفة ماذا جرى لأبنائهم في السجن منذ عام 1996.

ووفق المجدوب، فإن هناك 86 متهماً في القضية، أبرزهم عبد الله السنوسي، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في عهد القذافي، إضافة إلى منصور ضو، رئيس الحرس الخاص بالنظام السابق.

جانب من معرض لصور ومتعلقات الضحايا (رابطة أسر شهداء سجن أبو سليم)

ونظمت الرابطة معرضاً في ذكرى المذبحة، ضمّ متعلقات الضحايا التي وصلت إليهم من السجن، إضافة إلى صورهم الشخصية، وسط حالة من الألم والحسرة انعكست في تمسكهم بـ«القصاص» رغم مرور 28 عاماً.

وينظر إلى الجريمة، التي روّعت الليبيين، وشغلتهم منذ ارتكابها في 29 يونيو (حزيران) عام، 1996 على أنها «واحدة من جرائم القتل الجماعي، الكاشفة لما يجري داخل ردهات وزنازين سجون ومعتقلات ليبيا، قديماً وحديثاً، قبل إسقاط نظام القذافي وبعده».

وقال علاء الرقيق، نائب رئيس الرابطة في تصريح صحافي: «في الذكري الثامنة والعشرين للمذبحة، ننتظر الإنصاف في المسار القانوني والقصاص والمحاكمة العادلة من الجناة، وهذه مطالب لن نتنازل عنها».

«بانر» يضم عدداً من ضحايا «سجن أبو سليم» (رابطة أسر شهداء سجن أبو سليم)

واستنكرت الرابطة الإبقاء على «المجرمين في سجون 7 نجوم آمنين متمتعين بحقوق ومزايا لم يكن لسجنائهم الأبرياء في سجن أبو سليم شيئاً منها»، وذلك في إشارة إلى بعض رموز نظام القذافي الموقوفين في «سجن معيتيقة» بطرابلس.

وفي عام 2015، صدر حكم الإعدام بحق السنوسي، المسجون راهناً في طرابلس، في قضية «قتل ثوار 17 فبراير (شباط)». وبعد مداولات عدة قضت محكمة استئناف طرابلس في منتصف ديسمبر (كانون الأول)، 2019 بإسقاط التهمة عن المدانين «لانقضاء مدة الخصومة»، لكن المحكمة العليا بالبلاد نقضت الحكم قبل نحو عام، وأعادت المحاكمة بإسنادها لدائرة جنايات جديدة.

وبعد مداولات كثيرة، قضت محكمة استئناف طرابلس في منتصف يونيو (حزيران) 2022، بعدم اختصاصها بالنظر في قضية «المذبحة»، وأحالت ملفها إلى القضاء العسكري «لعدم الاختصاص الولائي للمحكمة المدنية». ووفق ما أفادت هيئة الدفاع الموكلة من قِبل أسر الضحايا لـ«الشرق الأوسط»، آنذاك، فإن هيئة المحكمة رأت أن «حيثيات القضية في مجملها ذات طابع عسكري، وجرى إحالة ملفها إلى القضاء العسكري للاختصاص والنظر فيها».

غير أن الدائرة الجنائية بالمحكمة العليا بطرابلس، قررت مطلع مارس (آذار) الماضي، إعادة قضية «مذبحة سجن أبو سليم» إلى محكمة استئناف طرابلس، وطالبت بالنظر فيها مجدداً، لتستمر «دوامة التقاضي»، وسط مطالب أسرة الضحايا بـ«القصاص العادل».

السنوسي مدير الاستخبارات العسكرية في عهد القذافي (أرشيفية من رويترز)

وشُيّد «سجن أبو سليم» في عهد القذافي عام 1984، ليحل محل سجن «الحصان الأسود»، الباقي من فترة الاحتلال الإيطالي. ويقع داخل أسوار معسكر قيادة الشرطة العسكرية في العاصمة، ويتكون من سجنين عسكري ومركزي.