العملية الإسرائيلية في «رفح» تهدد 45 عاماً من السلام مع القاهرة

مصادر تحدثت عن تلويح مصر بخفض العلاقات الدبلوماسية

أطفال فروا مع أسرهم بسبب القصف الإسرائيلي يحتمون بالقرب من الحدود مع مصر في رفح جنوب غزة (إ.ب.أ)
أطفال فروا مع أسرهم بسبب القصف الإسرائيلي يحتمون بالقرب من الحدود مع مصر في رفح جنوب غزة (إ.ب.أ)
TT

العملية الإسرائيلية في «رفح» تهدد 45 عاماً من السلام مع القاهرة

أطفال فروا مع أسرهم بسبب القصف الإسرائيلي يحتمون بالقرب من الحدود مع مصر في رفح جنوب غزة (إ.ب.أ)
أطفال فروا مع أسرهم بسبب القصف الإسرائيلي يحتمون بالقرب من الحدود مع مصر في رفح جنوب غزة (إ.ب.أ)

بشكل سريع ومفاجئ، تستنزف العملية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، نحو 45 عاماً من السلام بين القاهرة وتل أبيب، وسط «تصعيد مصري تدريجي» يقترب من محطة خفض العلاقات، وفق مصادر.

التصعيد المصري مر حتى الآن بمحطتي تعليق التنسيق في معبر رفح، وانضمام القاهرة لدعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، حول ممارسات إسرائيل في غزة، في المقابل تطالب تل أبيب القاهرة بفتح المعبر والقبول بالأمر الواقع.

وفي أحدث حلقة، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الثلاثاء، عن مسؤولين مصريين لم تكشف عن هويتهم، أن القاهرة «تدرس خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، من خلال سحب سفيرها في تل أبيب».

متظاهر يحمل صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال تظاهرة مؤيدة لفلسطين بالقرب من نقابة الصحافيين المصريين في القاهرة (إ.ب.أ)

وتلوح هذه الخطوة التصعيدية في الأفق بعد يومين من حديث صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، عن مطالبة مسؤولين مصريين، واشنطن بالضغط على تل أبيب للانسحاب من رفح والعودة لمفاوضات جادة، وإلا فستقوم القاهرة بتجميد أو إنهاء معاهدة السلام.

وفي اليوم ذاته، الأحد، وصف وزير الخارجية المصري سامح شكري، الاتفاقية بأنها «خيار استراتيجي»، وأي «مخالفات لها سيتم تناولها عبر آليات».

تصعيد تدريجي

واتخذت القاهرة خطوات تصعيدية تدريجية، منذ 7 مايو (أيار) الجاري عقب سيطرة إسرائيل على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، منها رفض التنسيق مع إسرائيل، وإبلاغ جميع الأطراف المعنية بتحمل تل أبيب مسؤولية التدهور الحالي، وفق مصدر مصري رفيع المستوى تحدث السبت الماضي لقناة «القاهرة الإخبارية» الحكومية.

والأحد، أعلنت الخارجية المصرية، في بيان، عزمها على دعم دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، التي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة في غزة.

وفي مقابل التصعيد المصري التدريجي، غرد وزير خارجية إسرائيل، يسرائيل كاتس، الثلاثاء، قائلاً: «يتعين على مصر إعادة فتح معبر رفح، لتفادي حدوث أزمة إنسانية في غزة»، في حين رفض نظيره المصري سامح شكري ذلك، مؤكداً رفض سياسة «ليّ الحقائق والتنصل من المسؤولية»، مشدداً على «تحمل تل أبيب مسؤولية ما يحدث».

وزير الخارجية المصري سامح شكري (د.ب.أ)

واستنكر وزير الخارجية المصري بشدة «محاولات الجانب الإسرائيلي اليائسة تحميل مصر المسؤولية عن الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي يواجهها قطاع غزة، والتي هي نتاج مباشر للاعتداءات الإسرائيلية العشوائية ضد الفلسطينيين لأكثر من سبعة أشهر».

أهداف إسرائيل

وحول شكل التصعيد المحتمل، يتوقع حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، «تصعيداً مُداراً»؛ إذ قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر لن تقدم على إلغاء معاهدة السلام، ولا تخفيض التمثيل الدبلوماسي، وخاصة أن المعاهدة تنص على تبادل السفراء، لكن يمكن أن تقلل عدد الدبلوماسيين وتستدعي السفير».

هريدي يمضي موضحاً أن «ما تقدم إسرائيل عليه في رفح الفلسطينية أمر كبير»، متوقعاً «استمرار تل أبيب في ذلك بهدف سياسي هو نجاة حكومة بنيامين نتنياهو، وهدف استراتيجي هو السيطرة على معبر رفح».

ومتفقاً مع الطرح السابق، يقول الدكتور بشير عبد الفتاح خبير العلاقات الدولية في «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية» (بحثي)، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما يثار عن إلغاء معاهدة السلام يحمل قدراً من المبالغة»، لافتاً إلى أن «محاولات إسرائيل لاستفزاز مصر وعدم مراعاة حساباتها تم الرد عليها مصرياً بشكل دبلوماسي وقانوني».

وشملت الردود المصرية، دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، ورفض التنسيق في معبر رفح، أما «الخروج من المعاهدة وقطع العلاقات، فهو أمر مستبعد وغير وارد»، على حد قول عبد الفتاح.

الخبير في «مركز الأهرام» يشير إلى أن «معاهدة السلام لها آلية داخلية لمعالجة أي خلاف عبر لجنة تنسيق مصرية - أميركية - إسرائيلية، وواشنطن باعتبارها راعية وضامنة للمعاهدة لن تسمح بانهيارها؛ لأنها ركن ركين في استقرار المنطقة وبداية اتفاقيات السلام بها».

ويرى عبد الفتاح أن «استدعاء السفير سيكون هو الإجراء الدبلوماسي الطبيعي للتعبير عن أن العلاقات لم تمضِ في المستوى الصحيح، ومحاولة الضغط على الطرف الآخر مع تصعيد صانع القرار برسائل قانونية وسياسية».

ضغوط متبادلة

أما عاطف سعداوي، الخبير في «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، فيرى أن تصريحات مصر وإسرائيل منذ رفض التنسيق وحتى مطالبة تل أبيب القاهرة بفتح المعبر، هي «ممارسة لأقصى أنواع الضغوط لتحقيق تنازلات».

وسيكون التصعيد الدبلوماسي المصري، وفق حديث سعداوي لـ«الشرق الأوسط»، «متدرجاً»، و«لن يصل لفكرة انسحاب من معاهدة السلام؛ لأن بديل ذلك حديث عن معاهدة جديدة بشروط جديدة، وهذا ليس وارداً».

ربما يصل التصعيد المصري إلى «استدعاء السفير، وهذا أيضاً في نطاق ممارسة الضغوط، وكذلك إسرائيل سترد بمواقف ترد فيها الضغط على القاهرة».

خطوات دبلوماسية

خالد سعيد، الباحث في الشؤون الإسرائيلية والتاريخ العبري، يرى أن إسرائيل «خالفت اتفاقية كامب ديفيد، بتهديد الأمن والسلم مع مصر بطريقة مباشرة عقب 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عبر الإصرار على تهجير الفلسطينيين، وبطريقة غير مباشرة عبر العمليات برفح وتحريك دباباتها أمام الحدود».

ولا يستبعد سعيد أن «تجمد مصر الاتفاقية أو تهدد بالإلغاء»، لكنه يرى أن «القاهرة أقرب لاتخاذ خطوات دبلوماسية أكثر تدير فيها معركة دبلوماسية مع تل أبيب، مثلما تم في خطوة دعم جنوب أفريقيا؛ لما تتمتع به القاهرة من صبر وعقلانية، وسيكون سحب السفير أو استدعاؤه خطوة مؤجلة».

في المقابل، سيواصل نتنياهو، وفق سعيد، «تصعيده في رفح، لاستفزاز القاهرة، وربما يرسل وفداً إليها لمحاولة التهدئة، وقد لا تستقبله مصر على غرار رفض التنسيق في معبر رفح».


مقالات ذات صلة

«غزيو مصر» لم يحملوا الغربة في حقائبهم

شمال افريقيا مائدة تجمع مصريين وغزيين داخل شقة في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)

«غزيو مصر» لم يحملوا الغربة في حقائبهم

بينما يجمع الغزيون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في مصر، على رغبتهم في العودة إلى القطاع، فإن أحداً منهم لم يشر إلى «الغربة»، أو يشكو «الوحشة والقلق».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي وزير الخارجية المصري يلتقي وزيرة الدولة للتعاون الدولي القطرية الاثنين في القاهرة (الخارجية المصرية)

تنسيق مصري - قطري بشأن جهود وقف إطلاق النار في غزة

ناقش وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ووزيرة الدولة للتعاون الدولي بقطر لولوة بنت راشد، الاثنين، جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري صورة جماعية للمشاركين بـ«قمة السلام» في أكتوبر العام الماضي (رويترز)

تحليل إخباري عام على حرب غزة... تفاعل مصري «نشط ومتوازن»

تفاعلت مصر بـ«نشاط وتوازن» مع تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولعبت دوراً بارزاً في «تحصين الجبهة الفلسطينية»، و«مواجهة مخططات التهجير وتصفية القضية».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
تحليل إخباري فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

مساعٍ وجولات كثيرة قادها الوسطاء، مصر وقطر والولايات المتحدة، لإنهاء أطول حرب شهدها قطاع غزة، أسفرت عن هدنة نهاية نوفمبر 2023 استمرت أسبوعاً واحداً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس أركان الجيش المصري يتفقد منظومة التأمين لخط الحدود الشمالية الشرقية ومعبر رفح البري (المتحدث العسكري)

رسائل مصرية حادة لإسرائيل تنذر بمزيد من التصعيد

بعثت مصر بـ«رسائل حادة» إلى إسرائيل رداً على تصعيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتمسكه بالبقاء في محور «فيلادلفيا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر تدعو إلى «حلول سلمية» للنزاعات في القارة السمراء

وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)
TT

مصر تدعو إلى «حلول سلمية» للنزاعات في القارة السمراء

وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

دعت مصر إلى ضرورة التوصل لحلول سلمية ومستدامة بشأن الأزمات والنزاعات القائمة في قارة أفريقيا، وأكدت تعاونها مع الاتحاد الأفريقي بشأن إعادة الإعمار والتنمية.

جاء ذلك خلال كلمة لوزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، السبت، بمناسبة فعاليات النسخة الرابعة لـ«أسبوع التوعية بملف إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات»، الذي ينعقد في أديس أبابا. وقال عبد العاطي إن النسخة الرابعة من «أسبوع إعادة الإعمار» تأتي في وقت «تتزايد فيه التحديات الأمنية والتنموية التي تواجه القارة الأفريقية».

وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال فعاليات النسخة الثانية عشرة من «المنتدى الحضري العالمي» الذي استضافته القاهرة مطلع الشهر الحالي، «ضرورة حشد الجهود الدولية لوقف النزاعات والصراعات والحروب في المنطقة، والتركيز على إعادة الإعمار والبناء والتنمية»، مشيراً إلى «حرص بلاده على تقديم الدعم لدول المنطقة التي تواجه صراعات وحروباً».

ووفق «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية في مصر، فقد أكد عبد العاطي في كلمته أن رؤية بلاده ارتكزت على التعامل مع التحديات بشكل عاجل وشامل، يراعي الأسباب الجذرية للنزاعات، ويُسهم في تعزيز قدرات ودور المؤسسات الوطنية والإقليمية والقارية على الصمود لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية المعقدة، سعياً نحو التوصل إلى حلول سلمية ومستدامة للأزمات والنزاعات القائمة، وبما يحول دون اندلاعها مجدداً.

كما تحدّث عبد العاطي عن التزام بلاده الثابت، تحت قيادة الرئيس السيسي، بـ«العمل بشكل وثيق مع مفوضية الاتحاد الأفريقي، وكل الأطراف أصحاب المصلحة، لتنفيذ ركائز سياسة الاتحاد الجديدة لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات».

ووفق الوزير عبد العاطي، فإن مصر تحرص خلال استضافتها لـ«منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة» على تناول تلك الرؤية بشكل مستفيض، وإبراز أهمية الملكية الوطنية والتضامن الأفريقي في تحقيق السلم والأمن المستدامين، فضلاً عن تسليط الضوء على العلاقة الترابطية بين السلم والأمن والتنمية.

وقال بهذا الخصوص: «إن مصر انخرطت بفاعلية في مسار اعتماد سياسة الاتحاد الأفريقي المنقحة لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات في فبراير (شباط) الماضي، تجسيداً لرؤيتها الوطنية؛ إذ تُثمن مصر التعاون والتنسيق المستمرين مع مفوضية الاتحاد الأفريقي للترويج لسياسة الاتحاد لإعادة الإعمار، بما يسهم في رفع مستوى الوعي، وتعزيز انخراط دول القارة والشركاء والمجتمع المدني في تنفيذ أهداف إعادة الإعمار».

وزير النقل المصري خلال تفقده عدداً من المشروعات التي تنفذها شركات مصرية في العراق سبتمر الماضي (النقل المصرية)

وتُشارك مصر في مشروعات إعادة الإعمار بالعراق، وفي هذا السياق، زار نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير النقل المصري، كامل الوزير، بغداد في سبتمبر (أيلول) الماضي، على رأس وفد رسمي، ضم رؤساء 13 شركة متخصصة في مشروعات البنية التحتية والطرق والكباري والسكك الحديدية والموانئ والإسكان، لبحث «المشاركة في تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار بالعراق»، وفق إفادة لوزارة النقل المصرية.

ودعا بدر عبد العاطي، السبت، شركاء القارة الأفريقية إلى الانخراط بفاعلية، خلال أعمال النسخة الرابعة من «أسبوع إعادة الإعمار»، والوفاء بتعهداتهم والتزاماتهم تجاه جهود إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات في أفريقيا، ومواءمة جهودهم في هذا الملف الحيوي مع الجهود الوطنية والإقليمية والقارية الجارية بغية تحقيق آمال وتطلعات أبناء القارة الأفريقية نحو مستقبل عنوانه «السلم والأمن المستدامان».

وكان وزير الخارجية والهجرة المصري قد ذكر في وقت سابق أنه «من بين أولويات السياسة المصرية في أفريقيا، دفع إقامة مشروعات البنية التحتية والتنمية بدول القارة»، لافتاً إلى تنفيذ بلاده «مشروعات ضخمة في عدد من الدول الأفريقية، مثل السد التنزاني، ومشروع توسيع وتجهيز الرصيف الرئيس لميناء جزر القمر».