عام على حرب غزة... تفاعل مصري «نشط ومتوازن»

صورة جماعية للمشاركين بـ«قمة السلام» في أكتوبر العام الماضي (رويترز)
صورة جماعية للمشاركين بـ«قمة السلام» في أكتوبر العام الماضي (رويترز)
TT

عام على حرب غزة... تفاعل مصري «نشط ومتوازن»

صورة جماعية للمشاركين بـ«قمة السلام» في أكتوبر العام الماضي (رويترز)
صورة جماعية للمشاركين بـ«قمة السلام» في أكتوبر العام الماضي (رويترز)

عبر تحركات سياسية ودبلوماسية مكثفة متواصلة، ترافقت مع جهود إنسانية، ومساعٍ للوساطة على المستويات الأمنية والاستخباراتية لم تتوقف لحظة، تفاعلت مصر بـ«نشاط وتوازن» مع تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولعبت دوراً بارزاً في «تحصين الجبهة الفلسطينية»، و«مواجهة مخططات التهجير وتصفية القضية»، وفق مراقبين.

وضعت طبيعة الجوار الجغرافي، القاهرة في صدارة المشهد، ودفعتها لمواجهة أولى معضلات الحرب؛ فمع بدء الهجمات الإسرائيلية طالبت دول أجنبية، بينها الولايات المتحدة، بفتح معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، لخروج الأجانب ومزدوجي الجنسية من القطاع. وبينما أكدت مصر مراراً أن المعبر «مفتوح» من جانبها، رفضت في الوقت ذاته السماح للرعايا الأجانب بالعبور، مشترطة «تسهيل وصول وعبور المساعدات لقطاع غزة أولاً».

وكانت المساعدات الإنسانية توافدت على مطار العريش في سيناء المصرية، من كافة دول العالم، وتكدست على الحدود في انتظار الإذن بالدخول، الذي جاء عقب اتفاق بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والأميركي جو بايدن في 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وحرصت القاهرة على مدار العام على تسهيل نفاذ المساعدات، حتى إنها شاركت في عمليات إنزال جوي عندما تعذر إدخالها من معبر رفح.

رفض التهجير

الموقف المصري ارتبط أيضاً بجهود دؤوبة لمواجهة مخطط «تهجير الفلسطينيين»؛ فمنذ اليوم الأول للحرب ترددت في أوساط إسرائيلية وغربية مقترحات تستهدف دفع الفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما رفضته القاهرة بشدة، وعدّته «تصفية للقضية»، وتضامنت معها فلسطين ودول عربية أخرى.

ويعد «الحفاظ على القضية الفلسطينية»، هو الملمح الأبرز في الدور المصري خلال حرب غزة، بحسب وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي، الذي أوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «القضية عبارة عن أرض وشعب، والقاهرة أصرت على بقاء الشعب في أرضه للحفاظ على القضية ضد مخططات إسرائيل الواضحة لتصفيتها».

يتفق معه أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «مصر بذلت جهداً فوق العادة وتصدرت المشهد، ورفضت التهجير القسري والطوعي». وأضاف أن «موقف القاهرة حصّن القضية».

ويرى الرقب أن «مصر اتخذت موقفاً متقدماً، ودفعت الجميع لتبني سرديتها منذ بيانها الأول للحرب الذي حمّل إسرائيل المسؤولية عن التصعيد وانفجار الأوضاع».

دبلوماسياً، لم يتوقف الدور المصري لحظة طوال العام الماضي؛ إذ حرصت القاهرة على التواصل مع جميع الأطراف المعنية، واستضافت بعد أيام قليلة من بدء الحرب «قمة السلام» بعد نحو أسبوعين من الحرب.

ورغم الحضور الدولي الواسع، لم يستطع المشاركون في تلك القمة التوافق على «إدانة العدوان الإسرائيلي»، أو حتى الدعوة لوقف إطلاق النار، وفتح ممر آمن مستدام لإدخال المساعدات لسكان غزة. لكن القمة أسهمت في تأكيد الموقف العربي الرافض لمخطط التهجير. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، آنذاك، إن «العالم لا يجب أن يقبل استخدام الضغط الإنساني للإجبار على التهجير».

تفاعلت مصر أيضاً مع كل التحركات الدولية التي استهدفت وضع حد للحرب وتحقيق حل عادل ومنطقي للصراع؛ إذ شاركت في القمة العربية - الإسلامية الطارئة التي عُقدت في الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كما كانت عضواً في اللجنة الوزارية المنبثقة عن هذه القمة، والتي جابت دولاً عدة حول العالم في محاولة لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب.

وانخرطت مصر مع قطر والولايات المتحدة في جهود وساطة لتحقيق «تهدئة» في غزة، لم تسفر عن اتفاق رغم الجولات المتعددة منذ نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي. وكانت «الهدنة» الوحيدة التي شهدتها غزة في نوفمبر الماضي، بوساطة مصرية - قطرية.

على المستوى القانوني، ألقت مصر في فبراير (شباط) الماضي، كلمة أمام محكمة العدل الدولية، في إطار جلسات الاستماع التي عقدتها المحكمة بشأن التداعيات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967.

كما أعلنت في مايو (أيار) الماضي «الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية»، للنظر في «انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والمعاقبة عليها في قطاع غزة».

دور فاعل

ويرى الأكاديمي المصري المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإسرائيلية، الدكتور طارق فهمي، أن «مصر لعبت أدواراً متعددة ونشطة ومتوازنة على جميع المستويات الإنسانية والسياسية والأمنية والاستخباراتية، لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي للبلاد»، وشاركت في «جهود للتهدئة استهدفت تحقيق حل عادل ومنطقي للطرفين».

ويعتقد فهمي أن «الدور المصري كان فاعلاً رغم العثرات والتجاوزات الإسرائيلية»، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «القاهرة التزمت بمعاهدة السلام، في حين أصرت تل أبيب على احتلال معبر رفح ومحور فيلادلفيا وتغيير ديموغرافية قطاع غزة، ومضت في اتخاذ إجراءات أحادية وفتح جبهات عدة للحرب».

ومنذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي أصبح «محور فيلادلفيا» مثار تجاذبات بين القاهرة وتل أبيب، عقب تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لمّح فيها إلى رغبته في «السيطرة على الشريط الحدودي»، ما عدّته القاهرة «خطاً أحمر يهدد العلاقات بين البلدين».

وتصاعد الخلاف بشأن المحور الحدودي في مايو الماضي، مع سيطرة إسرائيل على معبر رفح، وادعائها تهريب السلاح إلى حركة «حماس» عبر الحدود المصرية، وهو ما نفته مصر مراراً. وهذه الادعاءات وصفها العرابي بأنها «سطحية، أدرك العالم عدم صحتها»، مشيراً إلى أن «إسرائيل لا تجرؤ على أن تجر مصر لنزاع عسكري». وأكد فهمي أن «مصر حريصة على السلام، لكنها لا تستبعد أي خيار في التعامل مع إسرائيل».


مقالات ذات صلة

خليفة «أبو شباب» يتعهد بمواصلة مقاومة «حماس»

المشرق العربي ياسر أبو شباب في صورة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (أرشيفية)

خليفة «أبو شباب» يتعهد بمواصلة مقاومة «حماس»

أكدت «القوات الشعبية» التي كان يتزعمها ياسر أبو شباب، مقتله خلال محاولته فض نزاع عائلي، مشددةً على أنه لم يكن لحركة «حماس» أي علاقة بظروف مقتله.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

يُتوقع أن يُسلم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب "جائزة الفيفا للسلام" عند إجراء قرعة كأس العالم يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية 144 مليار شيقل وحصلت على 112 بما يزيد بنحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس براك خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في بيروت - لبنان - 22 يوليو 2025 (رويترز)

براك: على لبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»

قال المبعوث الأميركي توم براك، اليوم (الجمعة)، إنه ينبغي للبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»، معبّراً عن أمله في ألا توسع إسرائيل هجماتها على لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

إسرائيل ترسل وفداً إلى القاهرة لبحث إعادة رفات آخر رهينة في غزة

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، أن وفداً يضم ممثلين للجيش وأجهزة أمنية، زار مصر للبحث في إعادة رفات آخر الرهائن المحتجزين بقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.


قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
TT

قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)

رأى الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الجمعة، أن تسمية السلطات اللبنانية مدنياً في اللجنة المكلفة مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، هي بمثابة «سقطة» تضاف إلى «خطيئة» الحكومة بقرارها نزع سلاح الحزب.

وخلال حفل حزبي، قال قاسم في خطاب عبر الشاشة: «نرى أن هذا الإجراء هو سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة قرار الخامس» من أغسطس (آب)، في إشارة إلى القرار الحكومي بنزع سلاح الحزب، لكنه أكد في الوقت نفسه تأييده خيار الدبلوماسية الذي تتبعه السلطات لوقف الهجمات الإسرائيلية.

وانضم، الأربعاء، مندوبان مدنيان لبناني وإسرائيلي إلى اجتماعات اللجنة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، في أول لقاء مباشر منذ عقود، قالت الرئاسة اللبنانية إن هدفه «إبعاد شبح حرب ثانية» عن لبنان.