السودان: مقتل 38 مدنياً في معارك عنيفة بالفاشر

الجيش و«الدعم السريع» يتبادلان القصف المدفعي

سودانيون في إقليم دارفور (أرشيفية - رويترز)
سودانيون في إقليم دارفور (أرشيفية - رويترز)
TT

السودان: مقتل 38 مدنياً في معارك عنيفة بالفاشر

سودانيون في إقليم دارفور (أرشيفية - رويترز)
سودانيون في إقليم دارفور (أرشيفية - رويترز)

اتسعت الاشتباكات واشتدّ القتال العنيف بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب البلاد)، في وقت أفاد مسؤولون في قطاع الصحة بالولاية بمقتل 38 مدنياً جراء المعارك.

وأفاد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» بزيادة وتيرة القصف المدفعي المتبادل في أنحاء الفاشر التي تعد المعقل الأخير للجيش السوداني وحلفائه من الحركات المسلحة في إقليم دارفور، وتحاول «الدعم السريع» السيطرة عليها لإحكام نفوذها على الإقليم الذي باتت 4 من أصل 5 ولايات تشكله تحت إمرتها.

في السياق، أعلنت السلطات الصحية بولاية شمال دارفور ارتفاع عدد القتلى المدنيين إلى 38 شخصاً، وإصابة 280 آخرين في الاشتباكات.

ويعاني المستشفى الجنوبي وهو الوحيد الذي يعمل في الفاشر، نقصاً في الأدوية والمستلزمات الطبية إلى جانب قلة الكوادر الطبية.

وقال الشهود إن «القصف بالدانات والأسلحة الثقيلة يأتي من اتجاه (الدعم السريع) التي ترتكز في الأحياء الشرقية للمدينة». وأضافوا أنهم يسمعون كذلك «دوي انفجارات قوية في أنحاء متفرقة».

وأشار مقيمون في الفاشر إلى أن «الأسواق الرئيسية والمحال التجارية، أغلقت أبوابها، فيما فرّ المواطنون للاحتماء بمنازلهم بسبب القصف العشوائي». وأضافوا أن «القصف يستهدف بشكل مباشر الأحياء الجنوبية المكتظة بالسكان».

صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق مدينة الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

ونقل شهود عيان أن المدينة «تشهد موجات نزوح داخلي من مناطق الاشتباكات إلى الأحياء الآمنة». وعبَّروا عن مخاوف من «وقوع ضحايا بأعداد كبيرة وسط المدنيين حال تصاعدت وتيرة المعارك العسكرية بين الأطراف المتحاربة».

ونفَّذ الجيش السوداني، الاثنين، إسقاطاً جوياً وُصف بـــ«الناجح» لإيصال أسلحة وذخائر ومواد غذائية لقواته في مقر «الفرقة السادسة مشاة»، وهي ثالث عملية إسقاط خلال أقل من شهر.

وتجدد القصف بالأسلحة الثقيلة في المدينة بعد هدوء خيّم على المنطقة خلال اليومين الماضيين.

وفي أثناء ذلك تواصل «الدعم السريع» حشد الآلاف من المقاتلين على مشارف الفاشر والمناطق المحيطة.

وتبادل طرفا النزاع في السودان الاتهامات حول مسؤولية بدء الهجوم واشتعال المواجهات في الفاشر. وأكد المتحدث باسم الجيش السوداني، نبيل عبد الله، أن قوات الجيش السوداني تقوم بصدّ هجمات «الدعم السريع» بعد تعرضها لاعتداءات في مواقع عدة، وخاصة في الفاشر. لكن مصطفى إبراهيم، مستشار قائد «قوات الدعم السريع»، رأى أن المواجهات الأخيرة في الفاشر كانت رداً على هجوم قامت به الحركات المسلحة والجيش، واستهدف «قوات الدعم السريع» المتمركزة في أطراف الفاشر.

وقال عبد الله لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، (الثلاثاء): «قواتنا موجودة في مواقعها وتتعرض للهجوم، والشيء المنطقي والمتوقع بالطبع هو أن نقوم بالردّ على هذا الهجوم وصدّه، وهذا هو ما يحدث في الفاشر أو في أي مواقع أخرى».

وتابع: «ما يقوم به (الدعم السريع) هو ببساطة شديدة الهجوم على مختلف المواقع، خاصة مدينة الفاشر، لكن يجري التصدي لذلك، ويجري دفعهم وصدّهم، والقوات الموجودة هناك هي قواتنا، القوات المسلحة والقوات المشتركة».

وأوضح عبد الله أن المقصود بالقوات المشتركة هو «قوات الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، التي انحازت لصفّ الوطن وتعمل جنباً إلى جنب مع تشكيلات القوات المسلحة في المنطقة، وتقوم بواجبها الوطني في الدفاع عن ولاية شمال دارفور، وعاصمتها مدينة الفاشر».

في المقابل، قال مصطفى إبراهيم، مستشار قائد «قوات الدعم السريع»، لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن «(قوات الدعم السريع) الموجودة في ولاية شمال دارفور موجودة فقط في مراكزها منذ توقيع اتفاق مع الحركات المسلحة التي كانت على الحياد تماماً، ولم تدخل في هذه الحرب، واتفقنا معهم على عدم مهاجمة مدينة الفاشر وعدم مهاجمة قوات الجيش الموجودة هناك».

وأضاف: «لكن عندما خرجت هذه الحركات المسلحة عن الحياد، وأعلنت انضمامها للجيش في هذه الحرب، أصبح هذا الاتفاق غير ملزم لنا، وعلى الرغم من ذلك لم نهاجم مدينة الفاشر على الإطلاق».

وأشار إلى أنه «ما تم من عمليات في الأيام الماضية كان هجوماً لقوات الحركات المسلحة والجيش على قواتنا المتمركزة في أطراف الفاشر، وقواتنا ردّت عليهم وكبّدتهم خسائر كبيرة جداً، ودحرتهم وأرجعتهم إلى مواقعهم الرئيسية داخل مدينة الفاشر».

وقال إبراهيم: «ما زلنا ملتزمين، لأن الفاشر بها عدد كبير جداً من المواطنين، ولا يمكن أن نهاجمها أبداً إلا في حالة هجوم قوات الحركات المسلحة على قواتنا، ولذلك نحن من حقّنا أن نرد على هذه الحركات وندافع عن أنفسنا».

وأضاف: «نحن نقدر كل الجهود المبذولة لتجنيب مدينة الفاشر الحرب، إلا أن الحركات المسلحة متعنتة، وتصرّ على الحرب».

آلية للجيش السوداني في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

واتهمت «حركة جيش تحرير السودان»، يوم الثلاثاء، «قوات الدعم السريع» بتنفيذ قصف مدفعي «عشوائي» على مدينة الفاشر، ودعت المجتمع الدولي إلى إدانة «الفظائع الهمجية» التي تمارسها.

وقالت الحركة، في بيان على «فيسبوك»، إن «قوات الدعم السريع» شنّت قصفاً مدفعياً عشوائياً «تجاه أحياء جنوب شرقي الفاشر المكتظة بالسكان والنازحين الذين نزحوا من الاتجاه الشمالي».

على صعيد المساعدات الإنسانية، قال نائب رئيس مجلس السيادة في السودان مالك عقار، اليوم (الثلاثاء)، إن بلاده منفتحة على كافة مبادرات المنظمات الدولية الخاصة بالمساعدات الإنسانية. وأكد عقار، خلال لقاء مع رئيس بعثة «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» بالسودان، بيار دوربس، «سعي الحكومة وحرصها على إيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها وتسهيل عمل الفرق الإغاثية». وأشار مجلس السيادة إلى أن دوربس شدّد خلال الاجتماع على «ضرورة الاتفاق وتكامل الأدوار مع الحكومة في تنفيذ الأنشطة والعمليات الإنسانية»، مؤكداً حرص «الصليب الأحمر» على دعم وحماية ضحايا النزاعات المسلحة.

واندلع القتال بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) العام الماضي بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين بسبب خلافات حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش.


مقالات ذات صلة

قوات «الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة حدودية بين السودان وجنوب السودان

العالم العربي نزوح نحو 10 ملايين شخص داخل البلاد وخارجها منذ اندلاع المعارك في السودان (أ.ف.ب)

قوات «الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة حدودية بين السودان وجنوب السودان

أعلنت قوات «الدعم السريع» التي تحارب الجيش في السودان منذ أكثر من عام عن سيطرتها على منطقة الميرم الحدودية مع جنوب السودان التي تضم أحد اللواءات التابعة للجيش.

«الشرق الأوسط» (بورت سودان)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» السودانية (أ.ب)

السودان: مصرع 25 شخصاً غرقاً خلال محاولة الفرار من سنار

لقي 25 شخصاً على الأقل مصرعهم غرقاً في نهر النيل الأزرق جنوب شرقي السودان في أثناء محاولتهم الفرار في زورق خشبي من ولاية سنّار.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
شمال افريقيا سودانيات ينتظرن في طابور للحصول على مساعدات من الصليب الأحمر في ضواحي مدينة أدري التشادية بعد فرارهن من الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

«الدعم السريع» تستولي على منطقة استراتيجية قرب حدود جنوب السودان

تصاعدت حدة المواجهات بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، في عدد من المناطق الاستراتيجية.

أحمد يونس (كمبالا)
الخليج وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الشرق الأوسط)

فيصل بن فرحان وبلينكن يبحثان مستجدات غزة والسودان

بحث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن التطورات في قطاع غزة والسودان.

شمال افريقيا دبابة مدمَّرة نتيجة الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في أم درمان (رويترز)

التراجعات المتكرّرة للجيش السوداني «تهز الثقة» في أدائه

زادت تراجعات الجيش السوداني في مدن عدة أمام تقدّم قوات «الدعم السريع» الشكوك في أداء قواته، و«هزّت الثقة» في إمكانية استعادتها، وفق تقييم خبراء وعسكريين سابقين.

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))

مصر: سير ذاتية لوزراء ومحافظين تجلب انتقادات

الوزراء الجدد في صورة جماعية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الحكومة المصرية)
الوزراء الجدد في صورة جماعية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الحكومة المصرية)
TT

مصر: سير ذاتية لوزراء ومحافظين تجلب انتقادات

الوزراء الجدد في صورة جماعية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الحكومة المصرية)
الوزراء الجدد في صورة جماعية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الحكومة المصرية)

بينما حظي الوزراء الجدد في مصر باستقبال وترحيب في دواوين وزاراتهم، مع أول يوم عمل لهم بعد أدائهم اليمين الدستورية، الأربعاء، تسببت السير الذاتية لبعضهم في موجة من الانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي.

فعقب الإعلان عن التشكيل الوزاري الجديد، وأداء الوزراء لليمين الدستورية أمام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، التقط رواد «السوشيال ميديا» أسماء الوزراء الجدد لتصعد إلى صدارة «التريند»، كما تداول مستخدمون سيراً ذاتية لعدد من الوزراء والمحافظين، وتوقفوا أمام معلومات أثارت تساؤلات وانتقادات حولها.

وحاز وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الجديد، الدكتور محمد عبد اللطيف، النصيب الأكبر من تعليقات رواد «السوشيال ميديا»، بالتركيز على أن أبرز خبراته المهنية أنه كان «مديراً لمدارس خاصة شهيرة تمتلكها والدته». إذ ذهب البعض إلى أن «اختياره على هذا الأساس سيلغي التعليم الحكومي المجاني، ويؤثر على النهوض بالعملية التعليمية».

بينما قال آخرون إنه جاء للوزارة لأنه حفيد المشير أحمد إسماعيل علي، القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الحربية خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973.

وزير التعليم المصري الجديد في أول يوم عمل له (وزارة التربية والتعليم)

وتداول البعض ردّ رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحافي، الخميس، على سؤال مرتبط باختيار وزير التعليم الجديد، حيث قال: «نحن نبحث عن شخص متخصص في الملف، ليس من المهم أن يكون من القطاع الحكومي، طالما نجح...»، وعقب: «أرجوكم امنحوهم فرصة قبل تقييمهم».

في السياق ذاته، أثار اختيار وزير المالية الجديد، أحمد كوجك، تساؤلاً حول معنى اسم «كوجك».

بينما انتقد آخرون اختياره وزيراً بعد أن كان نائباً للوزير السابق، وعدّوا ذلك مكافأة له رغم ما أثير حول السياسات المالية للأخير.

كما جلب البيان الأول لـ«كوجك» حول «الفائض الأولي»، الذي قال فيه: «ملتزمون خلال العام المالي الحالي بتحقيق الانضباط المالي بالحفاظ على تسجيل فائض أولي كبير 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ووضع معدلات الدين والعجز في مسار نزولي مستدام»، كثيراً من الانتقادات اللاذعة إليه، مع ربطه بالحالة الاقتصادية للبلاد.

أحمد كوجك وزير المالية الجديد (وزارة المالية)

وتناقل كثيرون «تغريدة» كتبها الخبير الاقتصادي المصري والعضو السابق باللجنة الاقتصادية في البرلمان المصري، محمد فؤاد، علّق فيها على مصطلح «الفائض الأولي»، الذي ذكره الوزير في بيانه.

ووفق الدكتور رامي عطا، أستاذ الصحافة بالمعهد الدولي العالي للإعلام بأكاديمية الشروق، فإن «شبكات التواصل الاجتماعي أدت إلى خلق مساحة كبيرة للكتابة والنقد والسخرية، كما أضافت أنماطاً وسلوكيات جديدة، مثل المُساءلة والحساب، وهو ما رأيناه مع الوزراء الجدد».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «مع توسع وسائل الإعلام في أساليب عرض المعلومات مثل نشر الـ(إنفوغراف) والـ(فيديو غراف)، لاحظ البعض أخطاءً في السير الذاتية أو التقطوا ملاحظات جذبت انتباههم، فتوقفوا أمامها بالنقد أحياناً، وبالسخرية أحياناً أخرى».

في السياق ذاته، أثارت سنة حصول محافظ البحيرة الجديد، الدكتورة جاكلين عازر، على الدكتوراه، حالة كبيرة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تناقل سيرتها الذاتية عبر المواقع الإخبارية المصرية، حيث نشرت مواقع إخبارية أنها حصلت على درجة الماجستير عام 2015، ثم حصلت على الدكتوراة عام 2016، ما أثار تساؤلات حول كيفية حصولها على الدكتوراة في الطب في عام واحد فقط.

إلا أن صحفاً محلية ومنصات التحقق من الأخبار عادت لتؤكد أنه بالرجوع إلى موقع Linkedin، تبين أن «عازر» سجلت الدكتوراه في عام 2016 وحصلت على الدرجة العلمية في 2021، وتم اختيارها محاضراً في كلية الطب جامعة الإسكندرية عام 2022.

ويشير أستاذ الصحافة إلى أن «ما قام به رواد (السوشيال ميديا) مع الوزراء الجدد ينّم عن وعي بما يدور حولهم من أحداث، كما أن ظهور حقيقة المعلومات المتداولة فيما بعد، أعطى مؤشراً بأهمية التحقق من المعلومات التي تنشر وعدم السير وراء الشائعات».