ضوابط جزائية مشددة في قانون العقوبات الجزائري الجديد

تتناول جرائم «الخيانة» و«تسريب الأسرار» و«إضعاف معنويات الجيش»

وزير العدل ووزيرة العلاقات مع البرلمان أثناء مناقشة تعديل قانون العقوبات فبراير 2024 (البرلمان)
وزير العدل ووزيرة العلاقات مع البرلمان أثناء مناقشة تعديل قانون العقوبات فبراير 2024 (البرلمان)
TT

ضوابط جزائية مشددة في قانون العقوبات الجزائري الجديد

وزير العدل ووزيرة العلاقات مع البرلمان أثناء مناقشة تعديل قانون العقوبات فبراير 2024 (البرلمان)
وزير العدل ووزيرة العلاقات مع البرلمان أثناء مناقشة تعديل قانون العقوبات فبراير 2024 (البرلمان)

دخل قانون العقوبات الجزائري الجديد حيّز التطبيق منذ (الأحد)، محمّلاً بجرعة مشددة من الضوابط الجزائية، تخص قضايا مرتبطة بـ«تسريب الوثائق المصنفة ضمن أسرار الدفاع»، والأفعال ذات الصلة بـ«الخيانة»، و«المسّ بمعنويات الجيش»، و«إلحاق الضرر بمؤسسات الدولة وأمن البلاد»، و«الانخراط في الإرهاب».

وصدرت الصيغة المعدّلة للقانون في العدد الأخير لـ«الجريدة الرسمية»، وتشمل عقوبة بالسجن تصل إلى المؤبد، وأدناها 30 سنة، ضد كل شخص تثبت ضده تهمة «الخيانة الوطنية المتمثلة في تسريب معلومات، أو وثائق سرية تخص الأمن أو الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني، عبر وسائل التواصل الاجتماعي لفائدة دولة أجنبية أو أحد عملائها».

كما ينص القانون على السجن بين 5 و10 سنوات مع التنفيذ، وغرامة تصل إلى مليون دينار (حوالي 4 آلاف دولار)، ضد «من يسهم وقت السلم في مشروع لإضعاف الروح المعنوية للجيش أو الأسلاك الأمنية بغرض الإضرار بالدفاع أو الأمن الوطنيين». كما يتناول السجن بين سنة وثلاث سنوات مع التنفيذ، ضد من «يقوم بتمويل وتموين المدرجين في قوائم الأشخاص والكيانات الإرهابية».

وزير العدل الجزائري أثناء عرض تعديلات قانون العقوبات (البرلمان)

ويتعامل القانون الجديد مع جرائم «استهداف أمن الدولة والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي»، على أنها «أعمال إرهابية أو تخريبية».

ودافع وزير العدل عبد الرشيد طبي عن القانون أمام نواب غرفتي البرلمان في فبراير (شباط) الماضي، عندما كان مشروعاً، واستفاد من تأييد قوي لنواب ما يسمى «الموالاة»، المنتمين لـ«جبهة التحرير الوطني»، و«التجمع الوطني الديمقراطي»، و«حركة البناء الوطني»، وكتلة النواب المستقلين. أما نواب «حركة مجتمع السلم» الإسلامية، فقد تحفظوا عليه بشدة، وكانوا الصوت المعارض الوحيد للنص.

يشار إلى أن قانون العقوبات صدر عام 1966، ومنذ ذلك التاريخ جرى تعديله 27 مرة، خمس منها في الفترة بين 2020 و2024. وعندما عرضت الحكومة آخر تعديل على البرلمان، علّق رئيس نقابة القضاة سابقاً يسعد مبروك متسائلاً: «هل هي مرونة تشريعية لمسايرة الظواهر الاجتماعية المستجدة، أم تضييق لمجال الحريات؟».

النواب المؤيدون لتعديل قانون العقوبات (البرلمان)

ومن أهم المواد التي طالها التعديل، المادة «49 مكرر» التي أثارت جدلاً كبيراً، والتي تقول: «تعدّ مبررة الأفعال التي يرتكبها أفراد القوة العمومية، أثناء أو بمناسبة ممارسة مهامهم، لوضع حد للجريمة، إذا أفضت التحقيقات التي تباشرها السلطة القضائية إلى إثبات قيام عناصرها بالدفاع المشروع عن النفس».

واحتج قطاع من النواب بشدّة على هذا التعديل، بحجة أنه «يطلق أيدي رجال الأمن على المجتمع، ويعطيهم حصانة في استعمال السلاح، أثناء التعامل مع الأوضاع في الميدان. ومبرراتهم بهذا الخصوص تعدّ مقبولة، قانوناً». وأمام هذه المخاوف، تعهد وزير العدل بـ«وضع أدوات قانونية تردع عناصر الأمن عن أي استخدام مفرط للسلاح بحجة الدفاع عن النفس». غير أن هذا الوعد لم يكن مقنعاً، بالنسبة لنواب.

النواب الإسلاميون المعارضون لقانون العقوبات الجديد (البرلمان)

وسعت المعارضة الإسلامية، خلال عرض القانون على «اللجنة القانونية البرلمانية»، إلى إدراج نص في «المادة 46»، يعاقب بالسجن من سنة إلى 3 سنوات «كل شخص تورط في سبّ وشتم النواب»، وكان يقصد بذلك وسائل الإعلام. وقد رفضه وزير العدل بذريعة أن المادة القانونية 46 «تعني الهيئات وليس الأشخاص»، وأكد أن «حماية أعضاء البرلمان (من الإساءة) مجالها القانون الخاص بالنائب».

وقد شهد القانون عام 2021 أهم تعديل، مسّ «المادة 87» باستحداث «مكرر 13» لها، تعلق بإطلاق «لائحة وطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية». وبررت الحكومة الخطوة بـ«حرص الجزائر على الانخراط في جهود المجتمع الدولي، لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتمويلهما وغسل الأموال».

وضمت هذه اللائحة، عند استحداثها، أسماء ناشطين في «حركة الحكم الذاتي بمنطقة القبائل»، وتنظيم «رشاد»، وفتحت الباب لسجن العشرات منهم بناء على تهمتي «الانخراط في جماعة إرهابية»، و«الإشادة بالإرهاب». غير أن المحاكم برَأت الكثير منهم لعدم كفاية الأدلة على جنوحهم إلى الإرهاب، فيما لا يزال العشرات في الحبس الاحتياطي يترقبون المحاكمة.


مقالات ذات صلة

الجزائر: قائد الجيش يشدد على «تعزيز المناعة الأمنية» للبلاد

شمال افريقيا قائد الجيش خلال زيارته مركز الهندسة الميكانيكية العسكرية (وزارة الدفاع)

الجزائر: قائد الجيش يشدد على «تعزيز المناعة الأمنية» للبلاد

شنقريحة يؤكد على «وضع الركائز الأساسية لصناعة عسكرية جزائرية، واعدة ومتكيفة مع متطلبات الدفاع عن الوطن وبأيادٍ جزائرية خالصة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا قائدا الجيشين الجزائري والموريتاني يوقعان على اتفاق استخباري بنواكشوط (وزارة الدفاع الجزائرية)

اتفاق استخباري بين الجزائر وموريتانيا لتعزيز أمن الحدود

الجزائر وموريتانيا توقعان على اتفاق تعاون وتنسيق في مجال الاستخبارات، توج مساراً طويلاً من التعاون وتبادل الخبرات.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا أشخاص اعتقلهم الجيش بشبهة التهريب (وزارة الدفاع الجزائرية)

اعتقال 5 جزائريين بشبهة «دعم الإرهاب»

أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، في بيان، عن اعتقال خمسة أشخاص بشبهة «دعم الجماعات الإرهابية»، وذلك خلال عمليات متفرقة عبر التراب الوطني نفذتها قوات الجيش.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة (وزارة الدفاع)

ضباط الجيش الجزائري لتسيير المؤسسات والإدارات الحكومية

يجري حالياً تسيير مؤسستين عموميتين كبيرتين هما «الجمارك الجزائرية» و«مطار هواري بومدين الدولي» في العاصمة، من قِبل ضابطين كبيرين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا تبون وإلى يمينه شنقريحة (وكالة الأنباء الجزائرية)

الجزائر: تبون يقلد رئيس الأركان «وسام الشجاعة»

شنقريحة: الدعم المستمر الذي يقدمه رئيس الجمهورية للمؤسسة العسكرية سيزيد إطاراتها ومستخدميها عزماً على مواصلة تطوير وعصرنة منظومتنا الدفاعية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مصر والبرازيل... ماذا يعني ترفيع العلاقات إلى «شراكة استراتيجية»؟

الرئيس المصري ونظيره البرازيلي خلال تدشين شراكة استراتيجية بين البلدين (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري ونظيره البرازيلي خلال تدشين شراكة استراتيجية بين البلدين (الرئاسة المصرية)
TT

مصر والبرازيل... ماذا يعني ترفيع العلاقات إلى «شراكة استراتيجية»؟

الرئيس المصري ونظيره البرازيلي خلال تدشين شراكة استراتيجية بين البلدين (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري ونظيره البرازيلي خلال تدشين شراكة استراتيجية بين البلدين (الرئاسة المصرية)

في مسعى لتعزيز التعاون الثنائي، رفعت مصر والبرازيل مستوى العلاقات إلى «شراكة استراتيجية»، بالتزامن مع مرور 100 عام على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فيما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره البرازيلي لولا دا سيلفا، على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين المنعقدة بريو دي جانيرو البرازيلية، رفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية.

ترفيع مستوى العلاقات إلى مستوى «شراكة استراتيجية»، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يتيح مزيداً من التعاون في كافة المجالات، وعقد الاجتماعات على المستوى الرئاسي والمتابعة على المستوى الوزاري، مؤكدين أن علاقات البلدين وتقاربهما في ضوء هذا المسار الجديد ستشهد تعزيزاً على المستوى التجاري والاستثماري، بخلاف تعزيز المواقف السياسية لا سيما المتعلقة بدعم القضية الفلسطينية.

وأفادت الرئاسة المصرية، في بيان صحافي الاثنين، بأن السيسي ولولا دا سيلفا، بحثا خلال لقائهما في سبل تعزيز العلاقات الثنائية، مع «إدراك البلدين لأهمية تعزيز التعاون في ضوء تقارب مصالحهما ومواقفهما من مختلف القضايا»، وقاما في هذا الإطار بالتوقيع على بيان مشترك بشأن «ترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بما يحقق مصالح وتطلعات الشعبين الصديقين».

السيسي ولولا دا سيلفا على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين بريو دي جانيرو (الرئاسة المصرية)

وأشار البيان المشترك إلى «مرور 100 عام على العلاقات الدبلوماسية بين مصر والبرازيل»، وإلى «تعزيز التنوع وتعميق العلاقات الثنائية، وسط أواصر صداقة تجمع شعبي البلدين؛ وعضوية للبلدين في تجمع بريكس».

وجاءت الشراكة وفق البيان المشترك «تأكيداً لرغبة البلدين في العمل معاً لترسيخ السلام، وتعزيز نظام دولي أكثر تمثيلاً وعدالة، وتجديد وإصلاح النظام متعدد الأطراف، وتحقيق تنمية مستدامة ونمو شامل».

واستندت الشراكة إلى 7 مبادئ أبرزها «تعزيز الحوار والتفاهم من خلال تكثيف العلاقات الدبلوماسية واللقاءات الثنائية وتبادل الزيارات بين المسؤولين رفيعي المستوى من البلدين والقطاعات الوطنية الأخرى»، و«التركيز على احتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية لكلا البلدين، والسعي لتحقيق المنفعة المتبادلة».

ويضاف لتلك المبادئ «تعزيز المشاورات والتنسيق حول القضايا المدرجة على جدول الأعمال الثنائي، وكذلك حول القضايا الإقليمية والمتعددة الأطراف ذات الاهتمام المشترك، على أساس أهداف السياسة الخارجية المشتركة بين البلدين».

وتشمل تلك المبادئ أيضاً «تكثيف التعاون في المجالات السياسية والدبلوماسية ومجالات السلام والأمن والدفاع والاقتصاد والتجارة والاستثمار والبيئة والزراعة والعلوم والتعليم والتعاون التنموي والثقافي والرياضي والسياحي، بجانب وضع خطة عمل، من خلال القنوات الدبلوماسية، تحدد المبادرات اللازمة لتنفيذ الشراكة الاستراتيجية».

وترفيع العلاقات لمستوى «الشراكة الاستراتيجية»، وفق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير رخا أحمد حسن، مصطلح جرى استخدامه في السنوات الأخيرة في العلاقات بين الدول، وهو في حد ذاته يعني شمول التعاون في كافة المجالات سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً وفنياً وتكنولوجياً ويرأسه عادة رئيسا البلدين، وتعقد اجتماعاته على المستوى الرئاسي وتتابع على المستوى الوزاري من وزراء الخارجية.

ويعني هذا المستوى أيضاً «إعطاء مزيد من الاهتمام للعلاقات مع البرازيل التي تجمعها بمصر علاقات تعاون في معظم المجالات»، وفق السفير حسن، لافتاً إلى أن البلدين يشتركان في تكتل «بريكس»، وهذا سيسهل التبادل التجاري ويعزز من مزاياه، ويسرع من فرص ضخ الاستثمارات البرازيلية في مشاريع مصر أو التوسع فيها.

وبخلاف المسار الاقتصادي، تعزز الشراكة الاستراتيجية مسار التشاور السياسي، خاصة ورئيسها الحالي يساري يدعم الطبقات المهمشة، والقضية الفلسطينية، مما يعزز جهود مصر لمواجهة الفقر في أفريقيا ومساعيها لوقف الحرب بالمنطقة، وفق رخا.

مزايا ترفيع العلاقات إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية» يؤكدها أيضاً مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال بيومي، لافتاً إلى أنها تعطي دفعة كبيرة لأي مشاورات بين البلدين في كافة المجالات، خاصة أنها تتابع على المستوى الرئاسي، لافتاً إلى أن مصر والبرازيل تجمعهما علاقات جيدة فكلتاهما تاريخيا حاربت الاستعمار، وتتفقان على السعي لتسريع معدلات النمو.

ويعول بيومي على أن يسهم تدشين رفع العلاقات لمستوى الشراكة الاستراتيجية إلى توثيق وتعميق التعاون المشترك، متوقعاً أن يترتب على ذلك مزيد من زيادة التعاون التجاري، خاصة أن مصر لديها الكثير الذي يمكن أن تصدره للبرازيل، فضلاً عن تعزيز الاستثمارات البرازيلية بمصر باعتبارها بوابة لأفريقيا وأوروبا.

وكشفت الرئاسة المصرية أن المقابلة شهدت توجيه الشكر للرئيس البرازيلي على دعوة مصر للمشاركة في فعاليات مجموعة العشرين العام الجاري، «بما يعكس تقدير البرازيل لثقل مصر في منطقة الشرق الأوسط وفي قارة أفريقيا والحرص على تضمين أولويات الدول النامية في جدول الأعمال، في ظل تنامي التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى العالمي».

وبحث الرئيسان خلال المقابلة في الأوضاع الإقليمية، واستعرض الرئيس المصري «الجهود المصرية لاستعادة الاستقرار في الشرق الأوسط، والوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة ولبنان»، مشيداً بالمواقف البرازيلية التي تدعم القضية الفلسطينية.

وتوافق الجانبان على «ضرورة تنفيذ حل الدولتين وتوسيع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، ورفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية»، وفق البيان ذاته.