حرب السودان... بعد قطع الرؤوس انتزاع الأحشاء

شكوك في وجود خلايا إرهابية لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»

حرب السودان قتلت الآلاف ودمرت كثيراً من المرافق العامة (رويترز)
حرب السودان قتلت الآلاف ودمرت كثيراً من المرافق العامة (رويترز)
TT

حرب السودان... بعد قطع الرؤوس انتزاع الأحشاء

حرب السودان قتلت الآلاف ودمرت كثيراً من المرافق العامة (رويترز)
حرب السودان قتلت الآلاف ودمرت كثيراً من المرافق العامة (رويترز)

صُدم السودانيون بمشاهد مروعة توثق جريمة وحشية ارتكبها أفراد يرتدون أزياء الجيش، بحق فرد ادعوا أنه ينتمي إلى قوات «الدعم السريع»، حيث انتزعوا أحشاءه بعد قتله والتمثيل بجثته، وراحوا يلوحون بها أمام جمع غفير من المواطنين وهم «يكبرون ويهللون بشكل هستيري».

وتعزز الواقعة الأخيرة ما يتردد على نطاق واسع في السودان بأن مجموعات متطرفة تنتمي إلى تنظيمي «القاعدة» و«داعش» أصبحت تشارك في حرب السودان. وتزيد هذه الواقعة المخاوف، داخلياً وإقليمياً ودولياً، من أن تؤدي الفوضى والاضطراب الأمني إلى تشجيع الجماعات الإرهابية على نقل نشاطها إلى السودان.

وأعادت مشاهد تلك الجريمة، التي وصفت بالبشعة، إلى الأذهان حادثة صادمة أخرى وقعت قبل أشهر ارتكبها أيضاً أفراد يرتدون زي الجيش، حينما أقدموا على قطع رأس عنصرين من «الدعم السريع» والتلويح بهما، في رسالة فسرها البعض بأن هذا سيكون مصير كل من يقع في أياديهم.

قوة للجيش السوداني في أحد شوارع العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)

وأظهر مقطع الفيديو المتداول بكثافة على منصات التواصل، في منطقة ريفية بولاية الجزيرة في وسط السودان، «أحد أفراد الجيش وهو يستعرض الأحشاء ويقربها من فمه كأنه يكاد يمضغها، في صورة وصفها رواد منصات التواصل الاجتماعي بأنها تجاوزت حد العنف الذي يمكن تصوره». وأثارت الحادثة من فرط بشاعتها كثيراً من التساؤلات وردود الفعل في أوساط المجتمع السوداني، الذي استنكر بشدة أن تصدر مثل تلك «الأفعال البشعة» من أفراد يرتدون الزي العسكري الرسمي.

وكانت حادثة مشابهة قد وقعت بالقرب من مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، عندما أوقفت مجموعة من العسكريين بلباس الجيش، يقودهم ضابط كبير، 4 أشخاص، وقطعتهم بالأسلحة البيضاء بمزاعم انتمائهم لقوات «الدعم السريع»، بينما شكّك البعض في أن تكون لهم أي صلة بـ«الدعم السريع».

ويذهب البعض إلى حد اليقين أن مثل هذه الأفعال تحمل بصمة الجماعات الإسلامية الإرهابية المتطرفة التي تقاتل بجانب الجيش. وكان الجيش قد وعد بالتحقيق في حادثة قطع الرؤوس السابقة، وبمحاسبة المتورطين إذا ثبت أنهم يتبعون قواته، لكن نتائج التحقيق لم ترَ النور رغم مرور أكثر من شهر على الواقعة. ومن جانبها، وصفت قوات «الدعم السريع» ذبح الأشخاص الثلاثة بأنه «سلوك إجراميّ متطرف من ميليشيا البرهان وكتائب النظام البائد الذي ترأسه عمر البشير».

قوات «الدعم السريع» التي تقاتل الجيش (أ.ف.ب)

وقال القيادي في حزب «المؤتمر السوداني»، خالد عمر يوسف، إن التسجيلات المصورة الوحشية التي توثق لعسكريين «يتلذذون بسلخ الناس وتمزيق أحشائهم خرجت من كونها ممارسات فردية لتصبح أفعالاً متكررة ترسخ لنسق إرهابي يمزق البلاد ويقودها نحو دوامة لن تخرج منها أبداً». وأضاف، في صفحته على منصة «فيسبوك»، أن «هذه الأفعال التي لا تمت للإنسانية بصلة مدانة بأشد العبارات، ويجب أن يحاسب مرتكبوها، وألا يسمح لهم بالإفلات من العقاب. فاستمرار هذه الحرب التي لا خير فيها سيرمي ببلدنا إلى هاوية سحيقة».

كما يتخوف نشطاء في مجال حقوق الإنسان من أن تأخذ الحرب في البلاد مساراً مختلفاً بحيث تُستهدف بعض المجموعات السكانية على الأساس العرقي أو الجهوي، ويعزز تلك المخاوف وقوع كثير من حوادث القتل لعدد من المواطنين، لا صلة لهم بالنزاع الدائر بين الجيش وقوات «الدعم السريع».


مقالات ذات صلة

السودان يسعى للعودة إلى الاتحاد الأفريقي وهيئة «إيغاد»

شمال افريقيا أعلام دول «الاتحاد الأفريقي» الـ55 خلال القمة الـ38 في أديس أبابا الشهر الماضي (أ.ف.ب)

السودان يسعى للعودة إلى الاتحاد الأفريقي وهيئة «إيغاد»

أبدى السودان رغبته في استئناف نشاط عضويته في كل من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا، المعروفة اختصاراً بـ«إيغاد».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عودة نحو 400 ألف سوداني إلى ديارهم (رويترز)

مئات آلاف النازحين يعودون إلى ديارهم في السودان

عاد نحو 400 ألف سوداني إلى ديارهم خلال الشهرين ونصف الشهر الماضيين بعد نزوحهم بسبب النزاع المستمر، حسبما أعلنت المنظمة الدولية للهجرة، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لدى استقباله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في جدة يونيو 2024 (واس)

السعودية ترسِّخ مكانتها وسيطاً موثوقاً في الدبلوماسية العالمية

تعيد المملكة العربية السعودية رسم ملامح دورها في الدبلوماسية العالمية، وسيطاً موثوقاً ومنصةً رئيسيةً للمفاوضات الحساسة بين القوى الإقليمية والدولية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن تحقيق تقدم كبير في «النيل الأبيض»

قال قائد «الفرقة 18 مشاة» التابعة للجيش اللواء الركن جمال جمعة، إن قواته خاضت معارك متزامنة في ثلاثة محاور هي: سنار والنيل الأزرق والنيل الأبيض، وحققت انتصارات.

أحمد يونس (كمبالا)
المشرق العربي مريضة سودانية بأحد المستشفيات التي تشرف عليها «أطباء بلا حدود» (حساب المنظمة عبر منصة «إكس»)

منظمة: الكوليرا تحصد أرواح نحو 100 شخص في أسبوعين بولاية سودانية

أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود»، يوم الجمعة، أن الكوليرا حصدت أرواح نحو 100 شخص، على الأقل، في غضون أسبوعين، منذ بدء تفشي المرض بولاية النيل الأبيض بالسودان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

لماذا تندلع النار في الأصابعة الليبية؟... 3 سيناريوهات متضاربة

فريق من «المركز الوطني لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث» في ليبيا يعاين حرائق الأصابعة (المركز)
فريق من «المركز الوطني لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث» في ليبيا يعاين حرائق الأصابعة (المركز)
TT

لماذا تندلع النار في الأصابعة الليبية؟... 3 سيناريوهات متضاربة

فريق من «المركز الوطني لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث» في ليبيا يعاين حرائق الأصابعة (المركز)
فريق من «المركز الوطني لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث» في ليبيا يعاين حرائق الأصابعة (المركز)

لم تفلح عمليات فك «السحر والطلاسم» في وقف اندلاع «الحرائق الغامضة» بمدينة الأصابعة الليبية، كما لم تتمكن جولات فريق «المركز الوطني لإدارة الطوارئ» في كشف السر وراء ذلك. وظل السؤال حائراً من يقف وراء هذه النيران التي أتت على 160 منزلاً حتى الآن.

فريق من برنامج «حصين لمكافحة أعمال السحرة والمُشعوذين» يصل للأصابعة (البرنامج)

بعض من الهدوء يسيطر راهناً على المدينة الواقعة (غربي ليبيا)، لكن المخاوف لا تزال حاضرة من النيران «التي تتجدد» وتزحف على جدران منازلها كحية رقطاء دفعت عدداً من المواطنين إلى هجر ديارهم، انتظاراً لوقوف الأجهزة المعنية على الأسباب الحقيقية.

ومنذ اشتعال ألسنة اللهب في أول منزل بالأصابعة في 19 فبراير (شباط) الماضي، وحتى الآن، لا يزال البعض يتهم «الجن» بالضلوع في هذه الحوادث، غير أن هذا السيناريو لم يصمد أمام تفسيرات أخرى يرى أصحابها أنها تستند إلى العلم وتدحض الخرافة.

وفيما تحركت فرق الإطفاء بعد قرابة أسبوع على اندلاع الحرائق، وبدأ جهاز المباحث الجنائية هو الآخر في التحقيقات، كانت النيران تجولت على أكثر من 110 منازل، ومن وقتها تحولت الأنظار إلى الأصابعة فتعددت السيناريوهات المتضاربة وتداخلت التأويلات.

ومن هناك، نشطت لجنة تابعة لـ«برنامج حصين لمكافحة أعمال السحرة والمُشعوذين»، وهي لجنة رسمية تتبع الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بغرب ليبيا.

وقال أعضاء في اللجنة إنهم ذهبوا إلى الأصابعة «لمؤازرة إخوانهم والوقوف إلى جانبهم في هذه المحنة»، وانتظر مواطنو المدينة انتهاء المحنة، لكن بعد أسبوعين من بدئها، أطلّت النيران من منازل جديدة في مناطق عديدة.

فريق من «المركز الوطني لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث» في ليبيا يعاين حرائق الأصابعة (المركز)

وكما أن لسيناريو تورط «الجن» من يدعمه في الأصابعة ومن حولها، فهناك من يشكك فيه، بالنظر إلى أن «الشياطين تصفد في رمضان»، وبالتالي ذهبوا إلى أن تحميل «الجن» مسؤولية هذه الحرائق ليس إلا «دجلاً».

ودخل على خط الأزمة الشيخ علي أبو سبيحة رئيس «المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان»، وقال إنه «لم يتناول هذه المسألة بسبب الغموض الذي أحاط بها؛ لكن نبينا عليه الصلاة والسلام يقول تصفد الشياطين في الليلة الأولى من رمضان، وما زالت النيران تندلع بمنازل أهلنا في الأصابعة»؛ منتقداً ما تمارسه لجنة «حصين».

وأمام عجز «حصين» عن وقف اندلاع النيران، تبنى وزير التعليم العالي عمران القيب، «تفسيراً علمياً»، بعيداً عن «الظواهر الخارقة»، وأرجع الأمر إلى تسرّب «غاز الميثان».

وكان القيب قال إنه تم رصد هزة أرضية بقوة 3.5 على مقياس «ريختر» على عمق 5 كيلومترات بالقرب من الرحيبات؛ «وأن تلك الهزة تسببت في تشققات أرضية أسهمت في انبعاث غاز الميثان القابل للاشتعال والذي تم رصده بشكل كبير عبر الأجهزة بالأصابعة».

غير أن ما ذهب إليه القيب لم يرق لرئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، الذي عنّف الوزير وانتقد تصريحاته وعدّها «متسرعة ولا تستند إلى تحقيقات نهائية»، بل إن الدبيبة توعّد «المتسرعين» في التصريحات بـ«المساءلة القانونية».

المركز الوطني لإدارة الطوارئ يجري بعض التجارب في الأصابعة الليبية (المركز)

ولا تزال السلطات المحلية تحقق في أسباب الحرائق، بعد 21 يوماً من اندلاعها في ظل غموض يحيط بالحادثة، وذهاب البعض إلى أن اشتعال هذه النيران «بفعل فاعل»، وهو السيناريو الثالث الذي لم تثبته أو تنفه جهات التحقيق.

ويقول «المركز الوطني لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث» إنه يواصل جهوده لكشف أسباب وتداعيات حرائق الأصابعة، مشيراً إلى أن الفريق الميداني التابع له، والمكون من خبراء وفنيين مختصين، يتفقدون العديد من المواقع داخل المدينة والمناطق المجاورة لها.

وأوضح الجهاز أن الفريق أخذ قياسات ميدانية تهدف إلى تقييم تأثير الحرائق على البيئة والصحة العامة، ودراسة الأسباب المحتملة لاندلاع هذه الحرائق.

وكان فريق من «مركز بحوث النفط» برفقة بعض الجهات الأمنية أجرى جولة ميدانية في مناطق عدة بالأصابعة وجمع أدلة من مواقع مختلفة بالمنطقة، لافتاً إلى أنه يجري راهناً تحليل بقايا المواد المحترقة، ومحاولة تحديد مصدر النيران، وذلك باستخدام «تقنيات متقدمة في هذا المجال لتسهيل عملية التحقق والاستكشاف».

المركز الوطني لإدارة الطوارئ يجري بعض التجارب في الأصابعة الليبية (المركز)

وطالب رئيس «المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان» لجنة «حصين» بمغادرة مدينة الأصابعة، داعياً حكومة الدبيبة إلى تحمّل مسؤولياتها و«الاستعانة بالخبرات العلمية التطبيقية لدراسة هذه الظاهرة بعيداً عن الدجل».

وسبق وأمر الدبيبة بتخصيص 70 مليون دينار لتعويض المتضررين من الحرائق، وتشكيل لجنة تتولى تنفيذ عملية التعويض. و(الدولار يساوي 4.82 دينار في السوق الرسمية).

وتشتكي البلدية من ضعف الإمكانات التي تساعدها على مواجهة الحرائق، وأعلنت أن «هيئة السلامة الوطنية تعاني من نقص السيارات والمعدات... ولا توجد غير سيارة إطفاء واحدة بالبلدية، وبالتالي لا يمكنها إطفاء جميع الحرائق في الوقت ذاته».