زيارة بوغدانوف إلى بورتسودان تخلط أوراق موسكو وكييف في السودان

روسيا عينها على البحر الأحمر... وأوكرانيا تلاحق نفوذها الأفريقي

الفريق البرهان مستقبلاً المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف في بورتسودان الأحد الماضي (سونا)
الفريق البرهان مستقبلاً المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف في بورتسودان الأحد الماضي (سونا)
TT

زيارة بوغدانوف إلى بورتسودان تخلط أوراق موسكو وكييف في السودان

الفريق البرهان مستقبلاً المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف في بورتسودان الأحد الماضي (سونا)
الفريق البرهان مستقبلاً المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف في بورتسودان الأحد الماضي (سونا)

أعادت زيارة المبعوث الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، إلى بورتسودان، السبت الماضي، خلط الأوراق على الساحة السودانية، خاصة بعد تصريحاته المؤيدة لمجلس السيادة السوداني الذي يرأسه قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وإعلانه أن زيارته قد تؤدي إلى زيادة التعاون في عدد من المجالات. فالجيش السوداني المدعوم أيضاً من أوكرانيا، بات يحظى بدعم الدولتين المتحاربتين، روسيا وأوكرانيا، في تناقض مصالح مدهش.

وزار بوغدانوف بورتسودان ليومين متتاليين، التقى خلالهما معظم المسؤولين السودانيين، بمن فيهم رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، ونائبيه في الجيش، الفريق شمس الدين كباشي والمجلس السيادي، مالك عقار، ووزير الخارجية، فضلاً عن شخصيات اجتماعية وبعثات دبلوماسية عربية، حيث دارت مباحثاته معهم حول العلاقات بين البلدين في ظل الحرب.

اعتراف بشرعية «مجلس السيادة»

واقتصرت تصريحات بوغدانوف على القول إن بلاده «تعترف» بشرعية مجلس السيادة وتدعم الحكومة، وإن زيارته جاءت «للتعبير عن الموقف الرافض للتدخلات الأجنبية وتحكم القوى الغربية بمصائر الشعوب». ونقلت عنه وزارة الخارجية السودانية تعهده للبرهان بأن تكون لزيارته «ما بعدها»، ومساندة موسكو للسودان في المحافل الدولية، وتطوير الشراكة السودانية الروسية إلى شراكة استراتيجية.

الخارجية الروسية أكدت من جانبها، أن موسكو تولي اهتماماً كبيراً لتطوير العلاقات مع السودان في كل المجالات، وشددت على ضرورة التوصل إلى تسوية للأزمة العسكرية عبر الحوار بين السودانيين، ومن دون تدخل خارجي.

ورأت وسائل إعلام أن زيارة نائب الوزير الروسي إلى بورتسودان واللقاءات التي أجراها مع المسؤولين السودانيين هدفت إلى إعادة ترتيب العلاقات التي شابها نوع من الغموض على خلفية تقارير حول الدعم الروسي لأحد طرفي الصراع القائم في السودان، وكذلك ما يتعلق بالدور الذي قامت به مجموعات «فاغنر» في هذا البلد.

الفريق البرهان لدى لقائه الوفد الروسي برئاسة بوغدانوف في بورتسودان (سونا)

ونقلت وسائل إعلام تفاصيل حول مجريات الزيارة، ورأى معلقون أن زيارة بوغدانوف عكست محاولة لاستعادة النفوذ الروسي في السودان من خلال عرض المزيد من التعاون مع السلطات الشرعية.

ووفقاً لتحليلات، فقد عكست تصريحات بوغدانوف، مسعى من جانب موسكو لتبديد الالتباس في العلاقة مع السودان، على خلفية تقارير حول تقديم موسكو دعماً عسكرياً إلى قوات الدعم السريع، الذي زار موسكو في وقت سابق. كما أشارت تقارير، إلى أن نشاط مجموعة «فاغنر» في السودان، وخصوصاً في قطاع تعدين الذهب كان عنصر توتر في وقت سابق.

يشار إلى أن هناك حالة من عدم اليقين إزاء مواقف روسيا في السودان، بسبب علاقاتها مع قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»، الذي زار موسكو عشية الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.

ومعروف بشكل واسع أن مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة، تدعم «قوات الدعم السريع»، ومتورطة في تعدين الذهب بشكل غير قانوني في السودان، حسب تصريحات لدبلوماسيين غربيين في الخرطوم. وقالت «فاغنر» العام الماضي إنها لم تعد تعمل في السودان.

وبدأت روسيا تسليم وقود الديزل إلى السودان هذا الشهر، وفقاً لبيانات مجموعة بورصات لندن.

سر الغزل الروسي

وكانت موسكو قد أبدت اهتماماً بقاعدة بحرية على ساحل السودان على البحر الأحمر. ورست سفن حربية روسية في بورتسودان في فبراير (شباط) 2021، وشرعت الفرقاطة الروسية «أدميرال غريغورفيتش» في إنزال معدات لإقامة منشأة عسكرية في قاعدة «فلامنغو» البحرية السودانية شمال بورتسودان، كما رست المدمرة الأميركية «يو إس إس ونستون تشرشل»، في بورتسودان في توقيت قريب من وصول الفرقاطة الروسية.

ونتيجة للتوتر الذي صاحب عملية «فلامنغو»، أبلغت الحكومة السودانية قائد القوة الروسية أنها علقت الاتفاق الذي تم في عام 2017 بين الرئيس السابق عمر البشير، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بشأن القاعدة العسكرية، لحين مصادقة البرلمان المنتخب عليها، فانسحبت القوة الروسية، لكن موسكو ما تزال متمسكة بالاتفاقية من جهتها.

الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الخرطوم فبراير 2023 (أ.ف.ب)

وفي مواصلة «الغزل الروسي»، أعلن بوغدانوف دعمه للجيش السوداني، في الوقت الذي تدعم فيه مجموعة «فاغنر» الروسية قوات «الدعم السريع» قبل مقتل زعيمها يفغيني بريغوجين.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن قوات خاصة أوكرانية تقاتل مع الجيش ضد «الدعم السريع»، استجابة لطلب وجههه البرهان إلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي لمساعدته في حربه مع «الدعم السريع».

وذكرت الصحيفة أن الدافع الفعلي لقتال القوات الأوكرانية إلى جانب الجيش، هو استهداف مصالح روسيا في السودان، لذلك أرسلت 100 من قواتها الخاصة لاستهداف «فاغنر» في الخرطوم، شاركت في القتال وساعدت على إخراج البرهان من حصار فرضته «قوات الدعم السريع» على القيادة العامة، كما ساهمت لاحقاً في استرداد مباني هيئة الإذاعة والتلفزيون في أم درمان.

طمع روسي في البحر الأحمر

وإزاء تنافس الدولتين المتحاربتين، فإن المحللين يذهبون إلى أنهما نقلتا حربهما إلى السودان بالفعل. إذ إن «فاغنر» ما تزال متهمة بمساندة «الدعم السريع»، وأوكرانيا متهمة بدعم الجيش.

لكن تصريحات بوغدانوف أربكت المشهد. فموسكو الرسمية أعلنت دعمها للجيش، بينما ظلت مجموعة «فاغنر» مع «الدعم السريع»، مع أنها صارت من أدوات الجيش الروسي بعد مقتل زعيمها.

يقول المحامي والمحلل السياسي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن إشهار روسيا دعمها للجيش السوداني ينطلق من طمعها في البحر الأحمر، وإنفاذ وعد الرئيس السابق عمر البشير، ومن خلفه الإسلاميون السودانيون، مرجحاً وجود تفاهمات بين الإسلاميين والروس.

ويشير إلياس إلى التقارب الآيديولوجي بين الإسلاميين السودانيين وإيران، الذي يجعلهم يتوجهون نحو حلف «إيران روسيا»، وينظرون إليه من خلال مصالحهم المشتركة في الدعم مقابل النفوذ في البحر الأحمر. ويتابع: «يبدو أنهم يريدون تنفيذ وعدهم للحليفين الروسي والإيراني الذي أُبرم في عهد البشير، بقواعد عسكرية على البحر الأحمر».

خشية من قاعدة روسية

ويصف الصحافي المتخصص في الشؤون الدولية، الفاتح وديدي، تصريحات بوغدانوف بأنها إشارات روسية بتوفير الدعم للجيش مقابل قاعدة بحرية على الساحل السوداني. ويقول: «لقاءات بوغدانوف لها أهمية خاصة لموسكو، لأنها تبدي اهتماماً بإنشاء قاعدة على ساحل البحر الأحمر».

ووفقاً لوديدي، تقوم السياسات السودانية بشأن الوجود الدولي على البحر الأحمر على «مناورة» مع موسكو. فهي لا ترفض الوجود الروسي من حيث المبدأ، لكنها لا تستطيع قبوله ضمن التقاطعات الحالية، فتلجأ لتأجيله والإبقاء على العلاقة بحجة أن قيام قاعدة روسية في البحر الأحمر يتطلب مصادقة «برلمان منتخب». ويتابع: «السياسات السودانية، برغم المغانم التي قد تحصل عليها، لكنها في الوقت ذاته تخشى خطورة وعواقب الأمر».

ويرى وديدي أن «جيوسياسات السودان» وارتباطاتها بالأمن الإقليمي والدولي ما زالت تحمل وصمة نظام الإسلاميين. ويقول: «المجلس العسكري، لا يزال يستلهم الكاتالوغ القديم ودفاتر الرئيس السابق عمر البشير، الذي كان يجيد لعبة الرقص على كل الحبال».

لقاء البرهان وزيلينسكي في مطار «شانون» الآيرلندي 23 سبتمبر (أ.ف.ب)

ويرى وديدي أن تصريحات بوغدانوف في بورتسودان امتداد لـ«غزل سياسي روسي» ابتدأه بوتين في العقد الأخير، ضمن بحثه عن شراكة تفتح له مجاهل أفريقيا، وتضخ دماء جديدة في شرايين اقتصاد بلاده، مقابل الوعد بغطاء دبلوماسي للدول الأفريقية في المحافل الأممية.

ويشير إلى القمم الأفريقية الروسية العديدة التي نظمتها روسيا بوصفها شريكاً تجارياً، بقوله: «موسكو تغازل القادة الأفارقة بحمايتهم من التدخلات في شؤون دول ذات سيادة»، ويتابع: «شراكات روسيا الأفريقية تواجه انتقادات غربية مباشرة، بجانب إضرارها بمواطني البلدان المعنية، ويعدُّها الغرب شراكات فوقية عبَّد الطريق لها (طباخ بوتين) زعيم (فاغنر) السابق».

الشراكات الروسية في أفريقيا

ويقطع وديدي بأن الشراكات الروسية الأفريقية أضرت بأمن واقتصاديات بلدان العالم الثالث، وجرفت مواردها، سيما المعادن والذهب، وفاقمت انتهاكات حقوق الإنسان وتفشي الفساد وتآكل دمقرطة تلك المجتمعات.

ويرى وديدي أن السودان تحول لشريك لروسيا في مواجهة عزلتها، وإنه صوت وحيداً من بين 17 دولة أفريقية ضد قرار أممي يطالب روسيا بوقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا، ومقابله حصل على دعم سياسي كبير من الكرملين، خاصة في معركة خروج بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) وطرد رئيسها فولكر بيرتيس.

وحسب وديدي، فإن أوكرانيا تنطلق في مساندتها للجيش السوداني من تكتيكات حربها ضد المرتزقة الروس، مستخدمة تكتيك «عمليات الذراع الطويلة»، في مطاردة المصالح الروسية الأفريقية، لذلك استجابت لطلب البرهان من زيلينسكي، فهدفها الرئيسي محاربة الجماعات الممولة روسياً.

ويقول محلل سياسي، طلب عدم كشف اسمه: «هذه أغرب زيارة يقوم بها مسؤول أجنبي، فهو التقى بعدد من القادة السودانيين كل على حدة، كأنه يعلم أن هناك رؤى متصارعة بينهم، وإن ما أخفي من الزيارة أكثر بكثير من المعلن».


مقالات ذات صلة

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

شمال افريقيا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي: «الأزمة الإنسانية في السودان تعد الأكبر في زمننا، والتدخلات الخارجية في الحرب الدائرة يجب أن تتوقف».

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

أعلن الرئيس الإريتري آسياس أفورقي وقوف بلاده مع السودان لتحقيق الأمن والاستقرار في أعقاب مباحثات أجراها في أسمرة مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا عقار وفليتشر خلال لقائهما في الخرطوم أمس (إكس)

ترحيب أممي بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات سودانية

رحب المسؤول الأممي توم فليتشر الثلاثاء بإعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بالسماح لمنظمات الأمم المتحدة بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات بالبلاد

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته بالجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع في إيطاليا (واس)

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

شددت السعودية، الاثنين، خلال الجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع (G7)، على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (فيوجي)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

وجه رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

«هدنة غزة»: تحركات مصرية جديدة بحثاً عن «اتفاق جزئي»

رد فعل فلسطيني يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية قرب المستشفى الأهلي بغزة (رويترز)
رد فعل فلسطيني يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية قرب المستشفى الأهلي بغزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: تحركات مصرية جديدة بحثاً عن «اتفاق جزئي»

رد فعل فلسطيني يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية قرب المستشفى الأهلي بغزة (رويترز)
رد فعل فلسطيني يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية قرب المستشفى الأهلي بغزة (رويترز)

تحركات جديدة للقاهرة في جبهة مفاوضات الهدنة بقطاع غزة التي تراوح مكانها منذ أشهر، مع حديث إعلام عبري عن وصول وفد مصري لإسرائيل لبحث إنهاء الحرب، وإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن ضم تركيا إلى جهود للوساطة «ستبذل الأيام المقبلة» مع مصر وقطر و«دول أخرى» لم يسمّها.

تلك التحركات، بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تستهدف بها القاهرة «عقد اتفاق ولو جزئياً بهدف إدخال المساعدات وإغاثة القطاع لحين وصول دونالد ترمب للسلطة يناير (كانون الثاني) المقبل، ومن ثم يبدأ مسار الحديث عن سلام شامل»، وسط ترجيحات بأن تكلل بالنجاح مع دخول الجانب التركي بالوساطة، حيث تجمعه علاقات جيدة مع «حماس»، كما أكدوا أن أي عرقلة ستكون من قِبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يتمسك بالإفراج عن كل الرهائن، وسط رفض من «حماس» التي تطالب بضمانات لعدم عودته للحرب.

ووسط عدم تأكيد أو نفي مصري، نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، الخميس، عن مصادر أمنية أن «وفداً مصرياً وصل إلى إسرائيل لبحث إنهاء الحرب في قطاع غزة»، في زيارة تأتي بعد بدء إسرائيل ولبنان، الأربعاء، تنفيذ اتفاق هدنة لمدة 60 يوماً برعاية أميركية وفرنسية.

في حين أفادت هيئة «البث الإسرائيلية»، الخميس، نقلاً عن مصادر، بأن «هناك تحركات من جهات عدة بمن فيها واشنطن والقاهرة من أجل إرساء الهدوء على لبنان والتوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في غزة وإعادة الرهائن»، مؤكدة أن «الوفد الأمني المصري سيلتقي مسؤولين إسرائيليين لمناقشة مخطط جديد تمت صياغته في القاهرة يتضمن، مقترحات لإطلاق سراح الرهائن مقابل هدنة وزيادة المساعدات لقطاع غزة».

دخان يتصاعد من مبنى سكني ضربته غارة إسرائيلية في مخيم النصيرات للاجئين (رويترز)

كما نقلت قناة «الحرة» الأميركية، الخميس، تقارير قالت إنها إسرائيلية تتحدث عن أن الوفد المصري «سيطرح مقترحاً يشمل وقف إطلاق نار لمدة تتراوح بين شهر وشهرين، يتم خلاله إطلاق سراح الرهائن تدريجياً مع إعطاء الأولوية لكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة».

الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، اللواء سمير فرج، أكد أن «وفداً مصرياً في إسرائيل بالفعل لبحث الوصول لاتفاق قريب، خصوصاً في ظل وضع كارثي تواجهه غزة مع بدء فصل الشتاء».

ويحمل الوفد المصري، «تصوراً مشابهاً لما تم في لبنان عبر هدنة لشهرين»، وفق معلومات فرج، مؤكداً أن «المشكلة الحالية أن نتنياهو يريد عودة كل الرهائن مرة واحدة، و(حماس) تقول من سيضمن أنه عقب تسلم كل الرهائن لا يعود للحرب، وتريد ضامناً وقد يكون الحل كما حدث في لبنان بأن تكون واشنطن ضامناً».

كذلك، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه «بعد أن وضعت الحرب أوزارها في لبنان، هناك تحركات بشكل كبير نحو هدنة جزئية بالقطاع، خصوصاً مع إعلان إعلام إسرائيلي عن وصول وفد مصري لإسرائيل»، لافتاً إلى أن تلك «الإعلانات المتتالية قد تكشف عن رغبة إسرائيلية في تكرار اتفاق كلبنان قد يصل لنحو 40 أو 45 يوماً ويشهد إطلاق سراح بعض الأسرى من الجانبين».

فلسطينية مع أطفالها تخرج من مخيم جنين متجهة إلى مكان أكثر أماناً (إ.ب.أ)

وباعتقاد المحلل السياسي الفلسطيني المقرب من «حماس»، إبراهيم المدهون، فإن الحركة «أولوياتها وقف الحرب بأي ثمن وانسحاب إسرائيلي، ونتنياهو غير معني بقبول ذلك؛ إلا إذا تم الضغط عليه»، مؤكداً أنه «لن تكون هناك صفقة دون وقف الحرب إما بشكل دائم أو على الأقل طويل في أولى مراحلها ما بين 30 و45 و60 يوماً».

تلك الأنباء التي تحدث عنها الإعلام الإسرائيلي بشأن التحركات الجديدة، تتزامن مع رغبة أميركية تكررت بشأن أهمية عقد صفقة بغزة، وغرَّد بايدن عقب اتفاق لبنان في منشور على «إكس» قائلاً: «خلال الأيام المقبلة، ستبذل أمريكا جهداً آخر مع تركيا ومصر وقطر وإسرائيل وآخرين للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب دون وجود حماس في السلطة»، في حين قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إن تركيا مستعدة للمساهمة «بأي طريقة ممكنة».

ويرى المدهون، إيجابية التواجد التركي في جهود وقف الحرب، خصوصاً مع ما يجمعه من علاقات مقدرة لدى «حماس».

وبحسب الرقب، فإن الرغبة الأميركية وإلحاحها على ذلك الاتفاق الجديد يأتيان في «ظل حالة انتصار يعيشها بايدن بعد تمكنه من وقف الحرب بلبنان، ويرى أنه قد يستطيع استكمال التهدئة في المنطقة ويتوقف الأمر على استجابة نتنياهو له مجدداً»، معتقداً أنه «بتصريح بايدن بضم تركيا للجهود، أصبحت أنقرة جزءاً من الوساطة، خصوصاً وهي دولة محورية ولها علاقات جيدة مع (حماس)، وقد تستكمل مع مصر وقطر جهود حلحلة الأزمة على نحو أفضل».

وتزامناً مع بدء اتفاق لبنان، بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، في القاهرة مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني «الجهود المشتركة الرامية لوقف إطلاق النار في غزة»، وفق بيان للرئاسة.

رجل يتفقد الدمار في مصنع استهدفته غارة جوية إسرائيلية ليلية ببلدة الشويفات جنوب بيروت (أ.ف.ب)

ونقلت قناة «الحرة»، الأربعاء، عن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، جويل روبن، قوله إن «(حماس) بلا قيادة، وغزة تعرَّضت إلى دمار، وإيران أدارت ظهرها لـ(حماس) وطلبت من (حزب الله) الموافقة على شروط وقف إطلاق النار، وكل هذه التطورات قد تفتح نافذة جديدة للدبلوماسية لإنهاء هذه الحرب».

وباعتقاد روبن، فإن «تركيا ومصر وقطر دول إقليمية قوية وذات نفوذ ودورها محوري الآن في التدخل وإقناع (حماس) على أنها خسرت الحرب»، بينما يرى القيادي في «حماس» سامي أبو زهري، أن إسرائيل ليست لديها مرونة، قائلاً في تصريحات لـ«رويترز» الأربعاء، إن الحركة لا تزال تريد التوصل إلى اتفاق.

ودعت «حماس» في بيان، الخميس، إلى «تصعيد الحراك الجماهيري أيام الجمعة والسبت والأحد في عواصم العالم حتى وقف العدوان على غزة».

وفي ضوء تلك التحركات والمتغيرات، يتوقع سمير فرج، أن يكون هناك اتفاق هدنة قبل وصول ترمب للسلطة استعدادا لسلام بالمنطقة مع تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، مؤكداً أن إبرام هدنة في غزة قريباً سيجبر الحوثيين أيضاً باليمن على وقف التصعيد ويعود الهدوء لتلك الجبهات وللمنطقة مؤقتاً.

وكذلك، يميل أيمن الرقب إلى احتمال حدوث هدنة جزئية قبل أن يتسلم ترمب السلطة على أن تكون في بداية أو منتصف ديسمبر (كانون الأول) المقبل، على أن يتسلم الرئيس الأميركي مهام منصبه الجديد والهدنة الجزئية في حيز التنفيذ.