«هدنة غزة»: القاهرة ترى «أجواءً إيجابية» في المشاورات الصعبة

مباحثات مصرية - فرنسية في القاهرة تتطرق لـ«تهدئة مماثلة» بلبنان

سامح شكري خلال مباحثات مع وزير خارجية فرنسا في القاهرة (الخارجية المصرية)
سامح شكري خلال مباحثات مع وزير خارجية فرنسا في القاهرة (الخارجية المصرية)
TT

«هدنة غزة»: القاهرة ترى «أجواءً إيجابية» في المشاورات الصعبة

سامح شكري خلال مباحثات مع وزير خارجية فرنسا في القاهرة (الخارجية المصرية)
سامح شكري خلال مباحثات مع وزير خارجية فرنسا في القاهرة (الخارجية المصرية)

تواصل مصر جهودها الرامية إلى تحقيق «هدنة» بين إسرائيل و«حركة حماس» في قطاع غزة. وبينما ترى القاهرة «أجواءً إيجابية» في «المشاورات الصعبة المستمرة منذ عدة أشهر»، طالب وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الأربعاء، بـ«إبداء قدر من المرونة» لإنجاز الاتفاق.

وأكد مصدر مصري «استمرار جهود الوصول إلى اتفاق لهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية». ونقلت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، الأربعاء، عن المصدر المصري - الذي وصفته برفيع المستوى - قوله إن «هناك مشاورات مصرية مع جميع الأطراف المعنية لحسم بعض النقاط الخلافية بين الطرفين»، في إشارة إلى «إسرائيل و(حركة حماس)».

وكان وفد من «حماس» قد أجرى مباحثات موسعة مع مسؤولين أمنيين مصريين، الاثنين الماضي، تناولت مقترحاً جديداً قدمته القاهرة، وناقشته مع مسؤولين إسرائيليين خلال زيارة قام بها وفد أمني مصري إلى تل أبيب، الجمعة الماضي.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية المصري، الأربعاء، إن «بلاده تبذل جهوداً مضنية للوصول لاتفاق (هدنة) من خلال طرحها لمقترحات قابلة للتنفيذ». وأكد شكري خلال لقاء نظيره الفرنسي، ستيفان سيجورنيه، في القاهرة، «أهمية إبداء الأطراف للمرونة اللازمة للوصول إلى اتفاق يحقن دماء الفلسطينيين ويدفع نحو التهدئة، وصولاً إلى وقف كامل لإطلاق النار»، وفق إفادة رسمية للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد.

وتأتي زيارة وزير الخارجية الفرنسي «الخاطفة» للقاهرة، في إطار «استكمال التشاور والتنسيق الوثيق بين البلدين لحلحلة الوضع المتأزم في قطاع غزة واحتواء التصعيد الإقليمي بالمنطقة»، فضلاً عن «رغبة الوزير الفرنسي في إطلاع نظيره المصري على محصلة اتصالاته ولقاءاته خلال زياراته الأخيرة لإسرائيل ولبنان»، وفق متحدث «الخارجية المصرية». وأشار أبو زيد إلى أن «المحادثات بين الوزيرين تناولت تبادل التقييمات بشأن مفاوضات الهدنة الجارية بين (حماس) وإسرائيل بوساطة مصرية للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين».

وكانت وكالة «رويترز» للأنباء قد نقلت عن مصدر دبلوماسي فرنسي، قوله قبيل الزيارة، إن «القاهرة لم تكن مقررة سلفاً خلال جولة سيجورنيه في الشرق الأوسط، لكن تم إدراجها، مع وصول الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق هدنة بين إسرائيل و(حركة حماس)، وإطلاق سراح المحتجزين في غزة إلى مرحلة حاسمة».

أدخنة تصاعدت من خان يونس جراء الغارات الإسرائيلية في وقت سابق (د.ب.أ)

ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي يسعى الوسطاء في مصر وقطر والولايات المتحدة إلى إنجاز هدنة في غزة، لكن جولات المفاوضات الماراثونية الصعبة لم تسفر عن اتفاق حتى الآن بسبب تمسك كل من إسرائيل و«حركة حماس»، بمطالبهما.

بدوره، قال وزير الخارجية الفرنسي، الأربعاء، إنه «لا يزال هناك عمل يتعين القيام به للتوصل إلى هدنة بين إسرائيل و(حركة حماس)». وأضاف عقب لقاء مع نظيره المصري: «جئنا لتنسيق جهودنا من أجل التوصل إلى هدنة. والرسائل التي وجهتها فرنسا وشركاؤها العرب في المنطقة هي أن تتراجع إسرائيل عن شن الهجوم في رفح»، وفق ما نقلته «رويترز».

ورفض سيجورنيه الكشف عن مدى تفاؤله بشأن التوصل إلى اتفاق، لكنه أشار إلى أنه «يأمل في إدراج الرهائن الـ3 الفرنسيين - الإسرائيليين على قائمة من سيتم الإفراج عنهم في حالة التوصل إلى هدنة».

ولا يزال ثلاثة من مواطني فرنسا محتجزين لدى «حماس» منذ السابع من أكتوبر (كانون الأول) الماضي. وتأتي زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى مصر بعد أن توقف في كل من لبنان والمملكة العربية السعودية، وإسرائيل.

وتنتظر القاهرة «رداً مكتوباً» من «حماس» على المقترح الذي وصفته الولايات المتحدة الأميركية في وقت سابق بأنه «سخي». ونقلت «وكالة الأنباء الفرنسية» عن القيادي في الحركة، سهيل الهندي، قوله الأربعاء، إن «(حماس) سوف تسلم ردها بشكل واضح خلال فترة قريبة جداً»، مشدداً على «ضرورة التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار». وأضاف: «هناك ملاحظات حول ما تم تقديمه للحركة من قبل مصر، والحركة بيّنت هذه الملاحظات، وهناك مزيد من النقاشات داخل أروقة الحركة، لا نريد أن نتحدث هل هناك تقدم أم لا؟ فالأمر سابق لأوانه». بينما رجح مصدر مطلع على المفاوضات، أن «الوسطاء القطريين يتوقعون رداً من (حماس) خلال يوم أو اثنين على الأكثر»، بحسب «وكالة الأنباء الفرنسية».

وترفض إسرائيل الموافقة على وقف دائم لإطلاق النار، حيث شدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، على أن إنهاء الحرب قبل تحقيق جميع أهداف إسرائيل «غير مقبول».

فلسطينيون نازحون فروا من شمال قطاع غزة يسيرون على طول طريق الرشيد أثناء محاولتهم العودة (إ.ب.أ)

في السياق أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، رخا أحمد حسن، أن «إنجاز اتفاق هدنة من عدمه أصبح مرتبطاً الآن بما سيتضمنه رد حركة (حماس)»، موضحاً أن «الولايات المتحدة طالبت (حماس) بقبول ما وصفته بالعرض (السخي)، وتقديم تنازلات في حين تستمر في دعم موقف إسرائيل». وقال حسن لـ«الشرق الأوسط» إن «تل أبيب متمسكة بالإبقاء على الشريط الفاصل بين شمال وجنوب قطاع غزة، لتفتيش العائدين إلى الشمال، وهي نقطة خلاف رئيسية تضاف إلى الخلاف المتعلق بعدد ونوعية المفرج عنهم في إطار صفقة التبادل». وأضاف أن «الجميع يريد اتفاقاً لوقف إطلاق النار في ظل الوضع المأساوي في غزة، والأيام المقبلة ستكشف عما إذا كانت هناك بارقة أمل أم أن الجمود سيظل متحكما في المشهد».

وبشأن الدور الفرنسي، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إن «باريس تسعى لإرضاء الرأي العام الداخلي بإظهار محاولتها وقف إطلاق النار أو حتى إطلاق سراح محتجزين فرنسيين، إضافة إلى محاولة إيجاد دور في لبنان».

بالفعل، تطرقت المباحثات بين شكري وسيجورنيه، الأربعاء، أيضاً إلى الوضع «المحتدم» على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، حيث استعرض وزير الخارجية الفرنسي نتائج زيارته الأخيرة إلى لبنان وجهود بلاده لاحتواء التصعيد في جنوب لبنان للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع في المنطقة، وتجنيب لبنان المزيد من عوامل عدم الاستقرار على خلفية الوضع في غزة. وأكد سيجورنيه أن «الهدنة المحتملة في غزة يتعين أن تقترن بهدنة مماثلة في لبنان»، بحسب بيان «الخارجية المصرية».

وخلال اللقاء، أعاد شكري وسيجورنيه التأكيد على «الرفض المُطلق لأي محاولات إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة، وجعل القطاع منطقة غير قابلة للحياة». وتوافق الوزيران على «الرفض الكامل لأي عملية عسكرية برية في رفح الفلسطينية لمخاطرها الإنسانية غير المحتملة، وتهديدها لاستقرار المنطقة، نتيجة وجود أكثر من 1.4 مليون فلسطيني نازح يوجدون في جنوب القطاع كونها باتت المنطقة الآمنة نسبياً الوحيدة في القطاع»، وفق متحدث «الخارجية المصرية».

فلسطينيون يقودون سياراتهم بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية بخان يونس (إ.ب.أ)

وسبق أن أكدت مصر أكثر من مرة رفضها «تهجير الفلسطينيين» داخل أو خارج أراضيهم، وعدته «تصفية للقضية الفلسطينية». وتزايدت المخاوف من تنفيذ «مخطط التهجير» مع تهديدات إسرائيلية متكررة بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في مدينة رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، يخشى أن تتسبب في دفع الفلسطينيين تجاه الحدود المصرية.

كما بحث شكري وسيجورنيه، الأربعاء، في القاهرة، الأوضاع الإنسانية المأساوية في قطاع غزة، حيث شدّد شكري على «ضرورة توفير مزيد من المساعدات الإنسانية في ظل تلك الأوضاع المتردية، فضلاً عن حتمية الضغط على إسرائيل لفتح المعابر البرية، وتعزيز نفاذ تلك المساعدات إلى داخل القطاع». وأكد الوزيران أهمية دعم جهود كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، سيغريد كاخ، لتنفيذ المهام الموكلة إليها بموجب قرار مجلس الأمن (2720) لتسهيل وتنسيق ومراقبة عملية إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. واتفق الوزيران على استمرار التشاور الوثيق حول تطورات الأوضاع في غزة وما يرتبط بها من تطورات إقليمية، وكذا تعزيز الجهود لتحقيق وقف إطلاق النار، واستعادة المسار السياسي للتسوية الشاملة للقضية الفلسطينية من خلال إعادة تفعيل حل الدولتين.

وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الفرنسي «حرص بلاده على دعم الجهود العربية من أجل التوصل إلى أفق حقيقي لحل القضية الفلسطينية، استناداً لمكانة فرنسا بصفتها عضوة دائمة في مجلس الأمن ودولة داعمة للقضايا العربية، وفي مقدمتها الحقوق الفلسطينية»، وفق متحدث «الخارجية المصرية».


مقالات ذات صلة

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على رفح في غزة (د.ب.أ)

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

قُتل خمسة فلسطينيين وأصيب آخرون، اليوم (السبت)، في قصف إسرائيلي استهدف شمال مدينة رفح في جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ 
ترمب ونتنياهو قبل بدء اجتماعهما أمس (د.ب.أ)

نتنياهو يستكمل «مظلته» الأميركية بلقاء ترمب

بلقائه الرئيس الأميركي السابق، وربما اللاحق، دونالد ترمب، أكمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس، مظلته الأميركية، التي شملت وقفة في الكونغرس

هبة القدسي (واشنطن) نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 25 يوليو (أ.ب)

البيت الأبيض يحذّر نتنياهو من خطورة تنازلاته للمتطرفين في حكومته

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن أن اللقاءات الثلاثة التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في واشنطن مع بايدن وهاريس وسوليفان، كانت صعبة للغاية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي امرأة فلسطينية تحمل ابنتها بجوار أنقاض منازل دمرت خلال غارات إسرائيلية على جنوب قطاع غزة (رويترز)

«هدنة غزة»: ضغط دولي يُعزز جهود الوسطاء نحو صفقة المحتجزين

ضغوط دولية تتصاعد لوقف الحرب في غزة والدفع نحو هدنة ثانية بالقطاع تعززها دعوة أسترالية - كندية - نيوزيلندية لإنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي نهر السين في باريس (أ.ف.ب)

رياضيون مؤيدون للقضية الفلسطينية يستعدون لإظهار «التضامن» في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية

يستعد رياضيون لإظهار تضامنهم مع القضية الفلسطينية خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية الذي سيقام في العاصمة الفرنسية باريس.

«الشرق الأوسط» (لندن)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز