هل حان وقت إعادة إعمار الجنوب الليبي؟

وسط ازدياد تعقيد المشهد السياسي وتساؤلات حول «آليات التمويل»

حمّاد وبلقاسم حفتر خلال زيارة إلى مدينة سبها بجنوب ليبيا منتصف أبريل (حكومة حماد)
حمّاد وبلقاسم حفتر خلال زيارة إلى مدينة سبها بجنوب ليبيا منتصف أبريل (حكومة حماد)
TT

هل حان وقت إعادة إعمار الجنوب الليبي؟

حمّاد وبلقاسم حفتر خلال زيارة إلى مدينة سبها بجنوب ليبيا منتصف أبريل (حكومة حماد)
حمّاد وبلقاسم حفتر خلال زيارة إلى مدينة سبها بجنوب ليبيا منتصف أبريل (حكومة حماد)

قُوبل التعهدُ الذي قطعه مدير «صندوق إعادة إعمار ليبيا»، بلقاسم حفتر، نجل قائد «الجيش الوطني» الليبي، خليفة حفتر، على نفسه، بأن تكون مدينة سبها «نقطة البداية لانطلاق قطار التنمية بمدن الجنوب»، بشكوك كبيرة تتعلق بمدى القدرة على الالتزام بذلك.

وتركز جانب كبير من هذه الشكوك حول هذا التعهد، الذي أطلقه بلقاسم خلال زيارته إلى سبها منتصف الشهر الماضي، رفقة رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، أسامة حماد، بالتساؤل حول «آليات التمويل» التي تتطلبها عملية التنمية، إلى جانب الجدل المحتدم حول الصلاحيات الواسعة للصندوق.

في البداية، دافع عضو مجلس النواب الليبي، صلاح أبو شلبي، عن مشاريع التنمية المستهدف إنجازها، وقال إنه «لو ظل الجميع يتحدث عن التحديات الراهنة في البلاد فلن تتم أي خطوة على أي صعيد».

ورأى أبو شلبي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «حان الوقت للبدء في توظيف مقومات الاستثمار، التي توجد في الجنوب، بدل الاعتماد على إيرادات النفط فقط»، مبرزاً أن «ارتباط حدود جنوب ليبيا مع عدد من دول الجوار الأفريقي يرشحه للتحول إلى ممر رئيسي داخل القارة السمراء، إذا ما أنشئت به طرق برية أو مواني جوية».

ودعا أبو شلبي إلى «التفكير خارج الصندوق بشأن قضية تمويل مشاريع التنمية، والابتعاد عن فكرة التعويل على الدولة لوحدها، أو اللجوء لصندوق النقد الدولي»، متسائلاً: «لماذا لا نفكر في وضع بيئة تشريعية جاذبة يتم بها استقطاب الاستثمارات، ونفتح المجال لشراكة استثمارية محلية ودولية، أو تخصيص جزء من الإيرادات النفطية لمدة زمنية محدودة لهذا الهدف؟».

وخلال اجتماعه مع مسؤولي القطاعات الخدمية والتعليمية والأمنية والعسكرية بمدينة سبها، تحدث بلقاسم حفتر عن افتقار بعض مناطق الجنوب إلى الإنارة والمياه الصالحة للشرب، متعهداً «بمعالجة الأمر».

أبو شلبي رفض أن يكون اهتمام الصندوق والحكومة بالجنوب لزيادة شعبية المشير حفتر ببعض مدنها (الجيش الوطني)

ورفض أبو شلبي أن يكون اهتمام الصندوق والحكومة بالجنوب لأهداف سياسية، كتوطيد نفوذ الحكومة، وزيادة شعبية المشير حفتر ببعض مدنها، التي تعرف بكونها منطقة نفوذ لأنصار الرئيس الراحل معمر القذافي ونجله سيف الإسلام. وقال إن «الجنوب لا يمثل خزاناً انتخابياً ضخماً، ذلك أن تعداد سكانه يتراوح ما بين 600 و700 ألف نسمة فقط، ومن يحق لهم التصويت لا يتجاوز عددهم 250 ألف شخص».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي تسيطر على غرب البلاد ومقرها طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان، ويرأسها أسامة حماد، وتسيطر على شرق البلاد.

تشهد مدن الجنوب التي تشتهر بمساحتها الشاسعة بنشاط مكثف لعصابات تهريب المهاجرين (الشرق الأوسط)

من جهته، عدّ عضو «ملتقى الحوار السياسي الليبي»، أحمد الشركسي، ما «أنجزته حكومة حماد وصندوق إعادة الإعمار ببعض مدن المنطقة الشرقية، تحديداً في كل من بنغازي ودرنة، من تشييد طرق وجسور رئيسية وتأهيل مبانٍ عامة، يمنح تعهداتهما بتنمية الجنوب درجة كبيرة من المصداقية».

واستبعد الشركسي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، وجود أهداف سياسية وراء الاهتمام بتنمية الجنوب، لافتاً إلى أن إعماره، إلى جانب محاربة الفقر بشكل عام، قد يقللان من إمكانية تحوله منصة عبور توظّف من قبل بعض الدول الإقليمية والغربية لاختراق القارة السمراء، كما تضعف فرص وجود التنظيمات الإرهابية بأراضيه، وموضحاً أن أوضاع البلاد في ظل تنازع حكومتين على السلطة، وعدم التوافق حول إدارة نزيهة وعادلة لتوزيع إيرادات النفط، ستظل عاملاً معرقلاً لأي مشروع تنموي، وتوقع أن تكون المشروعات التنموية المستهدفة «عبارة عن رصف طرق وتأهيل مبانٍ حكومية، وصيانة مرافق، وبناء بعض المدراس والمستشفيات، وليس مشروعات إعمار ضخمة».

الشركسي عدَّ ما «أنجزته حكومة حماد يمنح تعهداتهما بتنمية الجنوب درجة كبيرة من المصداقية» (الاستقرار)

بالمقابل، سلط المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، الضوء على الجدل المحتدم حتى الآن حول إصدار البرلمان قانوناً في فبراير (شباط) الماضي بإنشاء «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، وإسناد رئاسته لنجل حفتر، ومنحه صلاحيات استثنائية كعدم الخضوع لأي جهاز رقابي.

وقال محفوظ لـ«الشرق الأوسط»: «بالطبع لا أحد يعارض تنمية الجنوب، ولكن لا بد من وجود سلطة متعاونة تباشر تلك المشروعات التنموية، وليس أفرقاء متصارعين، لا يكتفون بتبادل الاتهامات بالمسؤولية عن أي خلل يقع بالبلاد؛ بل يحاول كل منهم عرقلة جهود خصمه أو التشويش والمزايدة عليه»، مشدداً على ضرورة «اختيار الجهة المناسبة للإشراف على أي مشاريع تنموية، التي لن تكون بأي حال صندوق تنمية وإعمار، الذي لا يخضع وفقاً لقانون تأسيسه، لأي رقابة أو متابعة من قبل الأجهزة الرقابية في البلاد».

وانتهى محفوظ إلى أن معالجة معاناة الجنوب الحقيقية تبدأ «بوضع دراسة وحلول عملية للقضايا التي تكثر شكاوى المواطنين منها، ومن بينها نقص الوقود، وضعف الوضع الاقتصادي، والتحقق من حدوث التغيير الديموغرافي ببعض مناطقه».


مقالات ذات صلة

ليبيون يتساءلون حول جدوى «شرعنة» الميليشيات المسلحة

شمال افريقيا الدبيبة خلال لقاء سابق مع الطرابلسي في حضور وزير شؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الوحدة)

ليبيون يتساءلون حول جدوى «شرعنة» الميليشيات المسلحة

رئيس «الوحدة» الليبية قال إن حكومته «لا تزال تعمل على معالجة الخلافات والاشتباكات بين المجموعات المسلحة».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء حفتر مع نائب وزير الدفاع الروسي في بنغازي (الجيش الوطني)

قتلى وجرحى في «اشتباكات مفاجئة» بالعاصمة الليبية

أسفرت اشتباكات مفاجئة، الأربعاء، في العاصمة الليبية طرابلس، عن سقوط قتلى وجرحى.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

يعتقد ليبيون بأن «نفوذاً روسياً يتمدد في جنوب البلاد ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند الأخيرة إلى سبها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)

الدبيبة يسعى لاستعادة «أكبر مزرعة» ليبية في غينيا

المزرعة الليبية في غينيا تبلغ مساحتها 2150 هكتاراً ومخصصة لإنتاج المانجو والأناناس وملحق بها مصنع للعصائر وسبع بحيرات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع المنفي ولجنة الحدود (المجلس الرئاسي الليبي)

مقتل 3 مواطنين في اشتباكات بالزاوية الليبية

توقفت الاشتباكات التي جرت بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في جزيرة الركينة، بالقرب من مصفاة الزاوية الليبية مخلفة 3 قتلى و5 جرحى.

خالد محمود (القاهرة)

وزير خارجية فرنسا: توقيف الكاتب صنصال في الجزائر «غير مقبول»

الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

وزير خارجية فرنسا: توقيف الكاتب صنصال في الجزائر «غير مقبول»

الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

عَدّ وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الأربعاء، أن الاعتقال «غير المبرر» للكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال في الجزائر «غير مقبول».

وقال بارو في تصريحات لقناة «فرانس إنفو تي في» الإخبارية: «إنه لا شيء في أنشطة بوعلام صنصال يعطي صدقية للاتهامات، التي أدت إلى سجنه» في الجزائر، إثر توقيفه في مطار العاصمة أواسط الشهر الحالي، مضيفاً أن «اعتقال كاتب فرنسي بشكل غير مبرر أمر غير مقبول».

كما أعلن بارو أن «خدمات الدولة في الجزائر وباريس على السواء في حالة استنفار كامل لمراقبة وضعه، والسماح له بنيل الحماية القنصلية». وقد استجوب المُدعي العام لمكافحة الإرهاب في الجزائر، الكاتب الفرنسي الجزائري، وأُصدر في حقه مذكرة توقيف، وفق ما أعلن محاميه فرنسوا زيمراي.

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

ووفق بيان زيمراي، فإن صنصال الذي «توجّه بثقة إلى الجزائر العاصمة، هو اليوم رهن الاحتجاز بموجب المادة (87 مكرر) من قانون العقوبات الجزائري، التي تُعاقب مجمل الاعتداءات على أمن الدولة». واعتُقل بوعلام صنصال، الذي انتقد القادة الجزائريين في مناسبات عدة، منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي لدى وصوله إلى وطنه قادماً من فرنسا.

وأكدت «وكالة الأنباء الجزائرية»، الجمعة، «توقيف» الكاتب، من دون أن تُحدد التاريخ ولا الأسباب.

وأضاف المحامي زيمراي أن «حرمان كاتب يبلغ من العمر 80 عاماً من حريّته بسبب كتاباته هو إجراء خطير». مضيفاً في تصريحات نقلتها «وكالة الصحافة الفرنسية» أنه «مهما كانت الجراح التي جرى التذرع بها، والحساسيات التي أسيء إليها، فهي لا يمكن فصلها عن فكرة الحرية نفسها، التي تم دفع ثمن غال لنيلها في الجزائر... هناك تفاوت واضح هنا... وإذا كان لا بد من إجراء تحقيق، فهذا لا يبرر بأي حال من الأحوال تمديد احتجاز بوعلام صنصال».

ولدى استجوابها، الثلاثاء، في الجمعية الوطنية حول إمكانية معاقبة مسؤولين جزائريين في هذه القضية بالغة الحساسية، وفق مراقبين، قالت الوزيرة المكلفة بشؤون الفرنسيين في الخارج، صوفي بريما: «في هذه المرحلة لا أستطيع أن أقول لكم المزيد، لأن الدبلوماسية تحتاج إلى التصرف في صمت، وليس أن تصمت».

وأكدت الوزيرة أن «مصالح الدولة في حالة تعبئة كاملة لمتابعة قضية مواطننا، وتمكينه من الاستفادة من الحماية القنصلية التي ينص عليها القانون».