وسط تباين ملحوظ في الآراء، استقبل سياسيون ليبيون إعلان استقالة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي من منصبه، محملينه مسؤولية الجمود السياسي الذي اعترى أزمتهم السياسية خلال مدة مهمته بالبلاد.
وكان باتيلي قد وجه انتقادات خلال إحاطته الأخيرة للقادة الليبيين، واتهمهم بـ«تفضيل مصالحهم الشخصية على مصالح البلاد»، وهو الأمر الذي لم يرق لكثير من السياسيين.
وعدّ رئيس الهيئة التأسيسية لـ«حزب التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، الإحاطة الأخيرة للمبعوث الذي أعلن استقالته بـ«محاولة من باتيلي لإبراء ذمته من أي مسؤولية عن استمرار الانسداد السياسي الراهن». ورأى زهيو في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن المبعوث، الذي تولى منصبه في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 لمدة عام، «لم يقدم شيئاً سوى الحديث عن لجنة رفيعة المستوى، ولم يعرف أي ليبي حتى الآن أي شيء عن ملامحها»، باستثناء عقد لقاءات مع من يصفهم بـ«القادة الرئيسيين أو الخمسة الكبار بالساحة»، إلى جانب لقاءات محدودة مع بعض الأحزاب وقادة ونشطاء المجتمع المدني.
وكان باتيلي قد دعا رؤساء مجالس الرئاسي والبرلمان، والأعلى للدولة، وحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، والقيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، للمشاركة في طاولة خماسية، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية للقضايا الخلافية التي تعوق إجراء الانتخابات.
وفيما ركّزت تعليقات سياسيين ليبيين على أداء باتيلي والمبعوثين السابقين وربطوها بأزمة بلادهم التي لا تزال مستمرة، توقع بعضهم تولي نائبته الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري مهام رئاسة البعثة بالإنابة.
وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان، الأولى هي «الوحدة» التي تسيطر على غرب البلاد ومقرها طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان، ويرأسها أسامة حماد، وتسيطر على شرق البلاد.
وبخصوص الموقف الليبي من استقالة باتيلي، أوضح مدير مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية، محمد الأسمر، أن الشارع الليبي «بات لا يبالي بمواقف وتحركات الأمم المتحدة، ويرى أن أداء مبعوثيها جميعاً يركز بطريقة ما حول إدارة الأزمة وليس حلها». وقال الأسمر لـ«الشرق الأوسط» معلقاً على ما أورده باتيلي في إحاطته: «إنها لم تختلف عن إحاطته في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وعن تصريحاته الأخيرة كافة، سواء من حيث توجيه الانتقادات للمسؤولين الليبيين، أو رصد تداعيات الانسداد السياسي على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية»، عادّاً أن انتقادات باتيلي للقادة السياسيين «لم تخصم من رصيدهم، بقدر ما برهنت على عدم قدرته على التعاطي معهم، ومع تعقيدات المشهد السياسي، والصراعات على السلطة والثروة بشكل صائب».
وأضاف الأسمر موضحاً أن «الأطراف الرئيسية بالصراع التي دخل بعضها في خلاف علني مع باتيلي، والتي اتهمته بالانحياز لقوى بعينها دون غيرها، هي فقط من ستهتم باستقالة الرجل، والشخصية التي ستخلفه وخلفياتها ومواقفها».
وفي منتصف فبراير (شباط) الماضي، وعبر خطاب وجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اتهمت حكومة حماد باتيلي بـ«الانحياز» إلى منافستها «الوحدة الوطنية»، واستشهدت بـ«إقصائه لها» من طاولة الحوار الخماسي للتأكيد على صحة اتهامها، وطالبت غوتيريش بإبعاده عن المشهد الليبي.
من جانبه، سلّط أستاذ العلاقات الدولية، إبراهيم هيبة، الضوء على ما وصفه بـ«تزايد الوجود الأميركي السياسي والأمني بالساحة الليبية في الشهور الأخيرة»، متوقعاً أن يتعزز هذا الوجود مع احتمال تولي الدبلوماسية الأميركية خوري مسؤولية رئاسة البعثة بالإنابة، نظراً لتعذر اختيار مبعوث جديد في ظل ما هو معروف من اشتداد الخلاف بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين وبين موسكو وبكين.
كما توقع هيبة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تمارس خوري «ضغوطاً قوية تلزم الأطراف الليبية بالذهاب لتسوية سياسية وإجراء الانتخابات»، معتقداً أن باتيلي من وجهة نظر كثيرين بالساحة الليبية «يفتقد إلى ثقل دولي يدعم تنفيذ مبادراته».