ماذا ينتظر الليبيون من إحاطة باتيلي أمام مجلس الأمن الدولي؟

بعد تعطّل تشكيل حكومة جديدة وجمع «الخمسة الكبار» لحلحلة الخلافات

جانب من اجتماع مجلس الأمن حول ليبيا (رويترز)
جانب من اجتماع مجلس الأمن حول ليبيا (رويترز)
TT

ماذا ينتظر الليبيون من إحاطة باتيلي أمام مجلس الأمن الدولي؟

جانب من اجتماع مجلس الأمن حول ليبيا (رويترز)
جانب من اجتماع مجلس الأمن حول ليبيا (رويترز)

تتجه أنظار الليبيين صوب جلسة يعقدها مجلس الأمن الدولي، اليوم (الثلاثاء)، لمتابعة الإحاطة التي يقدمها عبد الله باتيلي، المبعوث الأممي إلى البلاد، آملين في أن تسفر الجهود الدولية والإقليمية عن إنهاء حالة الجمود المسيطرة على العملية السياسية.

وقبل أن يغادر باتيلي إلى نيويورك، أجرى جولات عدة، التقى خلالها بأطراف محلية للتباحث حول الأزمة السياسية التي تحول دون عقد الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة منذ نهاية عام 2021.

عبد الله باتيلي دعا الفرقاء الليبيين إلى تجاوز خلافاتهم لتحقيق الاستقرار والتنمية (البعثة الأممية)

وتعيش ليبيا «جموداً سياسياً» على وقع تمسك الأطراف جميعها بما تراه ملائماً لها ولجبهتها، وهو ما عكس خلال الأشهر الثلاثة الماضية حالة من الجدل حول تشكيل «حكومة جديدة موحدة» انتهت راهناً إلى لا شيء. ومع تكلس الأوضاع في ليبيا، تنقسم آراء قطاع من السياسيين حيال البعثة الأممية، وما قد ينتج عن إحاطة رئيسها اليوم (الثلاثاء) أمام مجلس الأمن، فمنهم من يحمّلها تبعات ما يحدث في البلاد، من تراجع وانقسام.

ويرى رمضان التويجر، أستاذ القانون والباحث السياسي، أن الليبيين «لا ينتظرون الكثير من إحاطة المبعوث الأممي، بغضّ النظر عن نواياه»، وقال موضحاً: «على مدار العقد الماضي، اعتدنا من خلال إحاطة العشرات من المبعوثين السابقين أنه لا حلّ للأزمة تأتي به (الأمم المتحدة)».

واستبعد التويجر، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، إجراء انتخابات تؤدي إلى استقرار البلاد «في القريب العاجل»، ورأى أن الحلّ في ليبيا «لا بد أن يكون ليبياً خالصاً عندما تهيئ الظروف دولياً ومحلياً».

من لقاء سابق بين باتيلي وحفتر لبحث الانتخابات الليبية (الجيش الوطني)

وفيما نوّه التويجر إلى أن الشعب هو صاحب المصلحة الوحيد في أن تكون ليبيا بلداً موحداً قوياً وصاحب سيادة، قال إن «الظرف المواتي والبيئة المناسبة ستأتي يوماً ما، ويستعيد الشعب زمام المبادرة».

وسبق لباتيلي، الذي التقى نائبته ستيفاني خوري، ورئيس بعثة ليبيا لدى «الأمم المتحدة» الطاهر السني في نيويورك، أن أكد على «التزام بعثة (الأمم المتحدة) للدعم في ليبيا، بمساندة تطلعات جميع الليبيين للمشاركة الشاملة والتنمية»، كما شدّد على «ضرورة أن يستمع القادة الرئيسيون إلى مطالب الشعب، وأن ينخرطوا في الحوار لإيجاد تسوية سياسية تمهد الطريق لإجراء الانتخابات».

وتستند رؤية باتيلي على أهمية أن «يبني الفرقاء الليبيون الرئيسيون على الاتفاقات القائمة، لتجنب مزيد من التأخير في الوصول إلى تسوية سياسية»، كما يعوّل «على الدور الهام الذي ينبغي للشركاء الإقليميين والدوليين الاضطلاعُ به في دعم الحوار بين الليبيين».

وبموازاة ما ذهب إليه التويجر، قالت عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي، رانيا الصيد، إن الليبيين «يتوقعون جهوداً أوسع من بعثة (الأمم المتحدة) لتوحيد الحكومة، والاتجاه لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، مع ضرورة الاستفتاء على مشروع الدستور الليبي».

ودعت الصيد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى العمل على «توحيد البلاد في أقرب وقت لتجنب الصراعات المسلحة، وتفادي الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، التي أثّرت على الشعب مؤخراً، والتي قد تخلق عزوفاً عن المشاركة السياسية».

باتيلي في لقاء سابق مع بعض شيوخ القبائل لبحث الانتخابات الليبية (الشرق الأوسط)

وخلال الأشهر الماضية، ظلّ المبعوث الأممي يحشد محلياً ودولياً لاجتماع «الأطراف الرئيسية»، أو ما سمّاهم «الخمسة الكبار» على طاولة الحوار، بغية التوصل إلى تسوية سياسية حول خلافات الانتخابات المُنتظرة. لكن دون تحرك إيجابي لجهة تشكيل «حكومة موحدة».

و«الخمسة الكبار» هم: القائد العام لـ«الجيش الوطني» خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بالإضافة إلى محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إلى جانب محمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة.

ومن باب التقريب بين الليبيين لتجاوز العقبة السياسية، يسعى المجلس الرئاسي لحشد الأطراف السياسية والاجتماعية إلى مؤتمر «المصالحة الوطنية الجامع»، المزمع عقده في مدينة سرت، نهاية أبريل (نيسان) المقبل، وهو الأمر الذي أكدت عليه الصيد، الأكاديمية الليبية، التي شددت على «ضرورة الاهتمام بشكل جدي بملف المصالحة الوطنية، والإعلان عن مؤتمر ليبي جامع لكل الليبيين بكل الأطياف، على أن يتضمن ذلك عقد ميثاق وطني يتم الاتفاق فيه على الثوابت الوطنية، وهي وحدة البلاد واستقلالها، وتطبيق العدالة الانتقالية دون إقصاء لأحد أو تهميش».

ودعا باتيلي، الذي يجوب ليبيا غرباً وشرقاً، ويلتقي الفرقاء كافة، حتى الذين نالوا منه واتهموه بـ«الانحياز»، إلى حثّ القادة الليبيين على «أخذ العبر من التاريخ لتفادي تكرار فصوله القاتمة»، متمسكاً بأن «التوصّل إلى اتفاق سياسي من خلال الحوار»، بما في ذلك حول حكومة موحدة، «أمر ضروري لإجراء الانتخابات، وإعادة الشرعية للمؤسسات الليبية، وضمان سلام مستدام».

وكان رؤساء المجالس الرئيسية الثلاثة في ليبيا (الرئاسي والنواب والدولة) قد توافقوا خلال اجتماعهم بجامعة الدول العربية في القاهرة، برعاية أمينها العام أحمد أبو الغيط، على «وجوب تشكيل حكومة موحدة»، مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية، وتقديم الخدمات الضرورية للمواطن، بالإضافة إلى «توحيد المناصب السيادية، بما يضمن تفعيل دورها المناط بها على مستوى الدولة الليبية».

غير أنه منذ اتفاق الأطراف الثلاثة على حلحلة الأزمة المستعصية خلال اجتماعهم في 10 مارس (آذار) الماضي، لا تزال الأوضاع السياسية تراوح مكانها، بين من يعوّل على دور أممي ودولي أكبر، وبين من يحمّل الأطراف المتداخلة في الملف الليبي مسؤولية «تردي الأوضاع».

وهنا، يشدد سياسيون ليبيون على ضرورة أن تقدم «الأطراف الرئيسية» المتحكمة في المشهد السياسي تنازلاً يسمح باتجاه البلاد إلى عقد الانتخابات العامة، محذرين من «انزلاق البلاد إلى الفوضى وعودة الاقتتال، إذا لم يتم التوافق بينهم في أقرب وقت».


مقالات ذات صلة

ليبيا ترفض أن تكون «شرطياً لأوروبا» لصد تدفقات «المهاجرين»

شمال افريقيا الحويج خلال مشاركته في طاولة مستديرة في جامعة بنغازي عن الهجرة (وزارة الخارجية بحكومة حمّاد)

ليبيا ترفض أن تكون «شرطياً لأوروبا» لصد تدفقات «المهاجرين»

دعت وزارة الخارجية في حكومة شرق ليبيا الدول المطلة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط إلى ضرورة التعاون لحل أزمة تدفقات المهاجرين غير النظاميين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الكوني مستقبلاً خوري في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)

ستيفاني خوري تُطلع «الرئاسي» على تحركها دولياً لحلحلة الأزمة الليبية

قال المجلس الرئاسي الليبي إن نائبه موسى الكوني التقى المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري لبحث آخر مستجدات الأوضاع على كل الأصعدة لا سيما حالة الجمود السياسي.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا الصحافي الليبي محمد الصريط قرقر (صفحته الشخصية على «فيسبوك»)

اعتقال صحافي في بنغازي الليبية يثير مخاوف من «قمع الحريات»

تبدي الجماعة الحقوقية في بنغازي الليبية مخاوفها من توقيف الصحافي محمد قرقر، متحدثين عن ازدياد عمليات الاعتقالات بشرق البلاد، ما عدّوه «ممارسات تعسفية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)

حكومتا ليبيا لبحث أزمة إدراج كتاب ديني بالمناهج التعليمية

تصاعدت وتيرة الجدل بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة في ليبيا بشأن قرار السلطات في بنغازي (شرق البلاد) إدراج كتاب ديني في المقررات الدراسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من تظاهر عائلات مرضى الأورام في مدينة الزاوية غرب ليبيا (الشرق الأوسط)

مرضى الأورام في ليبيا... شكاوى من «الإهمال الحكومي ونقص العلاج»

يتّهم قطاع من مرضى الأورام في ليبيا السلطات الحاكمة بـ«إهمالهم»، وعدم توفير العلاج لهم، لكن الحكومتين المتنازعتين في البلاد تشيران إلى بذل جهود في هذا الملف.

جمال جوهر (القاهرة)

مقتل 49 شخصاً بقصف جوي على العاصمة السودانية

أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)
أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)
TT

مقتل 49 شخصاً بقصف جوي على العاصمة السودانية

أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)
أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)

قتل 49 شخصاً وأصيب آخرون، ودُمر أكثر من 160 مسكناً، جراء قصف جوي نفذه طيران الجيش السوداني على منطقة العامرية غرب مدينة أم درمان، وهي منطقة تقع تحت سيطرة «قوات الدعم السريع». وفي الوقت ذاته شهدت مدينة النهود بولاية غرب كردفان اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة من جهة؛ وقوات الاحتياط التابعة للجيش و«المستنفرين» المؤيدين للجيش من الجهة الأخرى، أدت إلى مقتل 3 أشخاص؛ هم: اثنان من قادة قوات الاحتياط التابعة للجيش، وضابط من الشرطة.

وقالت «لجان المقاومة الشعبية» إن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني ألقى 11 برميلاً متفجراً على ضاحية العامرية مساء الأحد، ما أدى إلى مقتل 49 شخصاً معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال، وأصيب المئات بجراح، وإن القصف الجوي دمر نحو 160 منزلاً، وإن عشرات الضحايا ما زالوا تحت الأنقاض.

ولم يعلق الجيش على تلك الأحداث كالعادة، بينما تداولتها منصات موالية لـ«قوات الدعم السريع» بكثافة، خصوصاً أن المنطقة التي قصفها الطيران تقع تحت سيطرة هذه القوات، فيما قالت منصات موالين للجيش إن ما حدث كان استهدافاً لـ«قوات الدعم السريع».

دبابة مُدمَّرة نتيجة الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في أم درمان (رويترز)

إدانة الغارة الجوية

وأدانت «غرفة طوارئ أحياء العامرية ودار السلام» في غرب مدينة أم درمان الغارة، وعدّتها «جريمة حرب؛ إذ إن تنفيذ طيران الجيش هذه المجازر يعيد إلى الأذهان قصص وروايات القتل والإبادة الجماعية في جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة، وجرائم الحرب الحالية في الكومة ومليط والجزيرة وسنار».

ودعت «غرفة الطوارئ» الجهات الإنسانية والصحية إلى التحرك للمنطقة، وتقديم الدعم الطبي العاجل للجرحى والمصابين من المدنيين، وإنقاذ العالقين وسط نيران الحرب في أم درمان. ودعت المجتمع الدولي إلى القيام بدوره، و«فرض حظر طيران شامل لحماية المدنيين، والضغط على الأطراف لوقف الحرب».

وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمشاهد صادمة لجثث النساء والأطفال المتفحمة، فيما عدّت «مبادرة دارفور للعدالة»، وهي منظمة طوعية، ما حدث في العامرية تعميقاً للأزمة والمأساة الإنسانية، وقالت إن «طيران الجيش استهدف المدنيين بضراوة، وألحق دماراً كبيراً بالأعيان المدنية والصحية، خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».

وعقب مطالبة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، خلال زيارته بريطانيا لبحث موضوع حظر الطيران وتحديد مناطق آمنة للمدنيين، أكدت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوورد، أن بريطانيا ستقدم مسودة قرار تهدف إلى ضمان امتثال الأطراف المتحاربة لالتزاماتها السابقة بحماية المدنيين، ودعم جهود الوساطة لوقف إطلاق النار تدريجياً.

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال ولاية كردفان (أ.ف.ب)

غرب كردفان

وفي مدينة النهود بولاية غرب كردفان، دارت اشتباكات عنيفة بين قوات تابعة للشرطة، وقوات تابعة للجيش، أدت إلى مقتل 3؛ هم: ضابط شرطة، واثنان من قادة قوات الاحتياطي «المستنفرين» للقتال مع الجيش ضد «قوات الدعم السريع».

وتسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم مناطق ولاية غرب كردفان، باستثناء مدينتي بابنوسة، والنهود التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» من جميع الجهات. وقالت مصادر إن سبب المعركة هو اختلاف على سيارة من نوع «لاند كروزر» تتبع شرطة الجمارك، وقد استولى عليها «المستنفرون» بناء على قرار لجنة الأمن تسخير عربات المؤسسات الحكومية في العمليات الحربية.

ووفقاً لمصادر، فإن شرطة الجمارك طالبت باسترداد السيارة، لكن «المستنفرين» رفضوا إعادتها، ونتيجة لذلك، هاجمت قوة مسلحة من شرطة الجمارك اجتماعاً أمنياً، وأطلقت عليه النار من رشاشات متوسطة. وأوضحت المصادر أن بقية أفراد الشرطة تدخلوا لمصلحة زملائهم في شرطة الجمارك، وأن الأوضاع تحولت إلى قتال بين الطرفين.

وقال شهود عيان إن «الأوضاع لا تزال مضطربة في المدينة، فيما فرضت الشرطة حظر التجوال فيها»، وإن «عدداً من المواطنين الذين أصابهم الرعب الناتج عن تبادل إطلاق النار نزحوا من المدينة إلى المناطق القريبة؛ بما في ذلك مدينة غبيش التي تسيطر عليها (قوات الدعم السريع)».