أعادت الاشتباكات التي اندلعت بين تشكيلين مسلحين بطرابلس الليبية نهاية الأسبوع الماضي، التساؤل حول إصرار قيادات أغلب المجموعات المسلحة على التمركز بالعاصمة مقارنة بغيرها من المدن، مما حولها خلال السنوات الماضية إلى مسرح مستمر لصراعاتها.
وفي معرض إجابته عن هذا التساؤل، ذكّر وزير الداخلية الليبي الأسبق عاشور شوايل، بقرار حكومة «الوفاق الوطني» السابقة برئاسة فائز السراج، بدمج عدد من تشكيلات المنطقة الغربية بوزارتي الداخلية والدفاع التابعتين لحكومته، «ما أنهى أي فرصة لإخراج تلك التشكيلات من العاصمة، رغم انتماء كثير منها لمدن ومناطق أخرى».
وأوضح شوايل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن قرار «شرعنة التشكيلات لم يرسخ وجودها في العاصمة بالقرب من مؤسسات صناعة القرار السياسي والمالي فقط، وإنما أفقد أي حكومة فيما بعد، القدرة على تأسيس وامتلاك قوة مسلحة منظمة واحترافية خاصة بها، توازي قوة تلك التشكيلات لتستطيع عبرها فرض قراراتها وتنفيذ القانون».
ورأى أن «كل تشكيل يعرف جيداً حدود نفوذه داخل العاصمة، والأغلب أنهم يتحركون وفقاً لأجندة من يمولهم من شخصيات تتشبث بمواقعها وتحاول إزاحة منافسين لها في إطار الصراع المستمر على السلطة».
ونوه بأنهم «ربما يتحركون أيضاً وفقاً لأجندة سياسية وآيديولوجية لشخصيات ودول تريد إبقاء الوضع الراهن بكل انقساماته للاستفادة منه».
وانتهى شوايل إلى أن «الحل الرئيسي، لمعالجة تلك المعضلة في عموم ليبيا، يكمن في توحيد السلطة التنفيذية وكل المؤسسات، خصوصاً الأمنية والعسكرية».
أما الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، فأرجع تفضيل كثير من التشكيلات التمترس بالعاصمة قرب المؤسسات السيادية المالية والإدارية الكبرى، «إلى رغبة بعضهم في ابتزاز تلك المؤسسات وغيرها من الشركات والمصارف بالحصول على أموال أو اعتماد، ووظائف عليا للمقربين منهم».
ولفت القماطي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن حساسية وضع العاصمة - بما تحتويه من سفارات وبعثات وشركات طيران، ومقرات لشركات النفط العالمية - «دفع أغلب الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد بعد (ثورة 17 فبراير/شباط) للاستجابة سريعاً لمطالب تلك التشكيلات»، لافتاً لقيامها «بإغلاق الطرق الرئيسية بالعاصمة أو الدفع بتحشيدات بهدف الحصول على مبالغ مالية أو امتيازات ما».
واستبعد القماطي ما يتردد عن وجود «حاضنة اجتماعية لتلك التشكيلات»، موضحاً: «هذا النهج بإثارة الاشتباكات وتحرك الأرتال والسيارات المعززة بالأسلحة الثقيلة يقلق الأهالي ويحد من نشاطهم الاقتصادي».
ورغم تعهد عماد الطرابلسي، وزير الداخلية في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إخلاء العاصمة من جميع التشكيلات المسلحة، يرى القماطي أن هذا التعهد «غير قابل للتطبيق».
وأرجع ذلك «لعدم وجود رغبة سياسية من قبل حكومة عبد الحميد الدبيبة بتنفيذه، كونها تميل للاعتماد عليها لحمايتها من أي محاولة إزاحة».