السودان... الحرب المنسية تدخل عامها الثاني دون منتصر

بحصيلة 15 ألف قتيل... وشلل خدمات التعليم والصحة... وخراب شامل للبنية التحتية

TT

السودان... الحرب المنسية تدخل عامها الثاني دون منتصر

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)
قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)

بحصيلة تقارب 15 ألف قتيل وعدد غير محدود من الجرحى والمصابين، وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، تدخل الحرب السودانية، التي اندلعت 15 أبريل (نيسان)، عامها الثاني، بعد عام عصيب عاش خلاله السودانيون أهوالاً مروعة من قصف مدفعي وجوي عشوائي دمر البنية التحتية الهزيلة أصلاً، في أنحاء واسعة من البلاد، لا سيما في إقليم دارفور وكردفان والجزيرة والعاصمة الكبرى الخرطوم.

خلّفت الحرب خراباً مفجعاً، فانهارت الخدمات الصحية، وخرجت المشافي عن الخدمة، وشح الدواء، ودُمرت المصانع والمعامل والمنشآت العامة، وعلى رأسها القصر الجمهوري والوزارات بالقصف الجوي والمدفعي، وأصبحت خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات شبه معدومة، وخسر ملايين الأطفال والشباب عاماً كاملاً من أعمارهم، وتوقفت العملية التعليمية في المدارس والجامعات، ولم يصرف موظفو الدولة رواتبهم لعام كامل.

خربت الحرب البيئة، فدفن الناس موتاهم في بيوتهم لأن الطرق إلى المقابر محفوفة بالمخاطر، ويقول شهود على وسائط التواصل الاجتماعي، إن كثيرين من كبار السن والمرضى ماتوا جوعاً وهم على أسرَّتهم، بعد أن حصدت الرصاصات والقذائف من كان يوفر لهم الطعام والدواء، بل امتلأت الشوارع بالجثث المتحللة التي لم تجد من يدفنها، وجذبت رائحتها الكلاب الضالة، بينما يتداول الناس روايات عن جرذان وقطط، وكلاب مسعورة عادت للتوحش بعد أن تغذت على اللحم الآدمي عاماً كاملاً.

لاجئون سودانيون في غرب دارفور بالسودان (رويترز)

آلاف القتلى والجرحى

ووفقاً لـ«سجل مشروع بيانات أحداث ومواقع النزاعات المسلحة» بلغ عدد قتلى الحرب نحو 14790 حالة جرى الإبلاغ عنها، بينها 800 حالة خلال الفترة من 10 فبراير (شباط) إلى 8 مارس (آذار) الماضيين، في ولايتي الخرطوم والجزيرة.

ووفقاً للمشروع فإن أعمال العنف ضد المدنيين ازدادت بصورة مطردة خلال الشهر الماضي، ورغم انخفاض عدد المعارك، فإن أحداث العنف ضد المدنيين زادت بنسبة 89 في المائة. ويؤكد المتابعون أن عدد القتلى أكثر كثيراً مما هو مدوَّن، وأن الحرب حين تنتهي ستبدو الأعداد المعلنة ضئيلة مقارنة بالأعداد الحقيقية، إذ إن هناك من دُفن في منزله لأن ذويه لم يجدوا من يعينهم على نقله إلى مقابر المدينة، أو من دُفنوا في الطرقات العامة أو في مقابر جماعية مرتجلة.

أما القتلى من العسكريين من الطرفين المتحاربين، الجيش و«قوات الدعم السريع»، فلا أحد يذكر لهم سيرة، إذ إن كل طرف يقلل من ضحاياه، ويضخم ضحايا خصمه، لكن الراجح حين تنتهي الحرب أن ملايين الأسر ستكتشف أنها فقدت كثيراً من أبنائها العسكريين، وهو ما أشارت إليه وأكدته منظمات دولية، مثل «مشروع بيانات أحداث ومواقع النزاعات المسلحة» بقوله: «أعداد الوفيات المبلغ عنها تقديرات متحفظة، بسبب القيود المنهجية للإبلاغ الناتج عن النزاع سريع الحركة».

أطفال فرّوا من الصراع في منطقة دارفور يركبون عربة في أثناء عبور الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)

«أسوأ كارثة نزوح في العالم»

وفي آخر تقرير محدث في 5 أبريل (نيسان) الحالي، ذكرت الفرق الميدانية لـ«مصفوفة تتبع النزوح» التابعة لـ«منظمة الهجرة الدولية»، أن ازدياد حدة النزاع بين الجيش و«قوات الدعم السريع» أدت إلى نزوح نحو 6.5 مليون شخص داخل السودان منذ بداية الحرب في 15 أبريل (نيسان) 2023، في ولايات السودان المختلفة البالغ عددها 18 ولاية، حظيت منها ولايات جنوب دارفور بأعلى النسب، بينما بلغ عدد اللاجئين إلى دول الجوار 1.96 مليون، وفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وأدت أزمة النزوح التي وصفتها الأمم المتحدة بـ«أسوأ كارثة نزوح في العالم»، إلى أزمة إنسانية طاحنة، وقد حذرت «شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة» من مجاعة طاحنة في ولايات غرب دارفور والخرطوم ودارفور الكبرى.

وقالت الشبكة إن الاحتياجات الإنسانية بلغت مستويات عالية، وظلت تتصاعد باستمرار وبشكل حاد، خصوصاً مع بداية موسم الجفاف، وتوقعت أن تبلغ مستويات أزمة انعدام الغذاء خلال الفترة من فبراير إلى سبتمبر الماضي (أيلول) المقبل «المرحلة 3 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي»، وأن ترتفع إلى «المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل في جميع أنحاء دارفور وكردفان والخرطوم والبحر الأحمر وكسلا، وأجزاء من جنوب شرقي البلاد».

وحذرت الشبكة من مستويات كارثية تصل إلى «المرحلة 5 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي» بين الأسر في أجزاء من ولايتي غرب دارفور والخرطوم وبين السكان النازحين على نطاق أوسع، لا سيما في المناطق التي يصعب الوصول إليها في إقليم دارفور، ومن خطر وفاة نحو 230 ألف طفل وأم بالجوع، حال عدم اتخاذ الإجراءات الحاسمة، والإيفاء بتمويل عاجل لإنقاذ حياتهم.

أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة تؤوي نازحين سودانيين فروا من العنف في السودان... الصورة بالقرب من مدينة القضارف الشرقية في 10 مارس 2024 (أ.ف.ب)

شبح المجاعة

وقالت منظمة إنقاذ الطفولة في فبراير الماضي، إن أكثر من 2.9 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، و729 ألف طفل إضافي دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد، وهو أخطر أشكال الجوع الشديد وأكثرها فتكاً.

وتوقعت أن يعاني 109 آلاف طفل من مضاعفات طبية مثل الجفاف وانخفاض حرارة الجسم ونقص السكر في الدم، وأن يموت نحو 222 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحاد الشديد، وأكثر من 7 آلاف أم جديدة خلال الأشهر المقبلة ما لم تلبَّ احتياجاتهم الصحية.

وقالت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل إن نحو 24 مليون طفل سوداني، ربما يتعرضون لما سمته «خطر كارثة جيلية»، بينهم 14 مليون بحاجة ماسة للدعم الإنساني، ولظروف النقص الحاد المروعة في الغذاء ومياه الشرب النظيفة.

ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو» تراجع إنتاج الحبوب في البلاد بنسبة 40 في المائة عن متوسطه خلال 5 سنوات، وذلك بسبب تأثير الحرب وانعدام الأمن على العمليات الزراعية، ما أدى لتضاعف أسعارها 3 مرات عن مستوياتها في يناير (كانون الثاني) 2023، وفقاً لـ«شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة»، وذكرت أن أسعار القمح تضاعفت 3 مرات في عدد من المناطق، وأسعار حبوب الدُّخن بأكثر من الضعف، وتعد الذرة الرفيعة والدُّخن والقمح هي المحاصيل الغذائية الرئيسية في السودان، ما يهدد بأشكال كارثية من المجاعة في المواسم المقبلة في حال استمرار الحرب.

وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم (رويترز)

وزير المالية

ومن جانبه، رفض وزير المالية جبريل إبراهيم، في تصريحات صحافية في مارس (آذار) الكشف عن الخسائر الفعلية للحرب، جازماً بصعوبة تقديم تقديرات دقيقة للخسائر أثناء النزاع، لكنه أكد أن «الاقتصاد السوداني متماسك رغم الدمار كبير والخسائر الجمة». وأقر إبراهيم بتراجع احتياطات العملة الأجنبية وخسارة الجنية السوداني كثيراً من قيمته بسبب الحرب، نتيجة لتعطل الإنتاج، وتراجع حركة الصادر، وسحب رجال الأعمال مدخراتهم بالعملات الصعبة إلى خارج البلاد.

وأضاف: «دعنا لا نتحدث عن أرقام»، لكنه ذكر في تصريحات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن خسائر الاقتصاد السوداني من الحرب تفوق 26 مليار دولار.

وكان الخبير الاقتصادي إبراهيم البدوي الذي شغل منصب وزير المالية في عهد الحكومة المدنية، قد قدر خسائر السودان التي لحقت بالبنية التحتية أنها بلغت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نحو 60 مليار دولار، بينما نقلت وسائل إعلام محلية أن المعهد الدولي لبحوث السياسة الغذائية قدر خسائر السودان بسبب الحرب بنحو 15 مليار دولار؛ ما يعادل 48 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتوقع البدوي تراجع الناتج المحلي بنحو 20 في المائة حال استمرار الحرب، وهو ما اقتربت منه تقديرات صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والذي قدر أن يبلغ الانكماش في الاقتصاد بنحو 18.3 في المائة خلال العام الحالي. وتسببت الحرب في ارتفاع معدل البطالة إلى 117.3 في المائة.

مواطنون بانتظار العلاج بمستشفى في ولاية القضارف بالسودان (أ.ف.ب)

الصحة والدواء

تعرض عدد كبير من المستشفيات والمراكز الصحية في البلاد لدمار كبير، بل استخدمت بعضها ملاذات للمقاتلين. وقالت منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 25 في المائة من المستشفيات في البلاد البالغ عددها 702، منها 540 تعمل جزئياً، بنسبة 75 في المائة بسبب الحرب، بينما اضطُر الأطباء والكوادر الطبية للنزوح والهجرة حفاظاً على أنفسهم وذويهم، أو بسبب عجزهم عن تقديم الخدمة المطلوبة منهم بسبب انعدام المعينات والأدوية، وتذكر تقارير أن عشرات الأطباء والكوادر الطبية قُتلوا نتيجة القصف الذي تعرضت له المستشفيات.

وتقول التقارير إن المرافق الصحية العاملة تستقبل أكثر من 4 أضعاف عدد المرضى في الحالات العادية، في وقت دُمرت فيه محطات توزيع المياه والآبار التي توفر مياهاً صالحة للشرب، بعضها بسبب القتال المباشر، وبعضها الأخرى بسبب شح الوقود أو نهب آلياتها.

وتبلغ خسائر القطاع الصحي، وفق وزير الصحة المكلف هيثم إبراهيم، 11 مليار دولار، وتسعى وزارته حالياً لتأهيل وإعمار 25 في المائة من المستشفيات، وعلى وجه الخصوص المستشفيات المرجعية التي تضمن تخصصات زراعة الكلى والرنين المغناطيسي والأورام.

وأدى انهيار المنظومة الصحية في البلاد إلى انتشار الأمراض والأوبئة، حيث دونت 10 آلاف و800 إصابة بـ«الكوليرا»، في 12 ولاية، بينما بلغت إصابات حمى الضنك 7500 حالة في 11 ولاية من جملة الولايات البالغة 18 ولاية.

عناصر مسلحة تابعة للجيش السوداني (أ.ف.ب)

ضحايا الاتصالات

فاقمت العزلة التي تسبب فيها انقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت في أجزاء واسعة من البلاد معاناة الشعب السوداني من حرب الجيش و«قوات الدعم السريع» التي مضى عامها الأول، فمنذ الأشهر الأولى للحرب خرجت 3 من مدن إقليم دارفور، وهي نيالا وزالنجي والجنينة عن تغطية خدمات الاتصالات والإنترنت، قبل أن تتوقف الخدمة بشكل كلي عن البلاد في 7 فبراير الماضي، استعاض الناس عن قطوعات الاتصالات باللجوء للإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية «شبكة ستارلنك» المملوكة لرجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، وانتشرت أطباقها وأجهزتها في البلاد.

لكن الجنرالين المتحاربين، الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، والفريق محمد حمدان دقلو «حميدتي» قائد «قوات الدعم السريع»، حرما الناس من التواصل، إذ أصدرت الحكومة في بورتسودان قراراً منعت بموجبه استخدام تلك الأجهزة، وشرعت في مصادرتها بمناطق سيطرتها.

أما في مناطق سيطرة «قوات الدعم» فقد تحولت لتجارة، إما أن يدفع صاحب الطبق «إتاوة»، أو أن يكون مملوكاً لأحد رجال الميليشيات، وفي كل الأحوال فإن الساعة الواحدة من الاتصالات تكلف نحو دولارين ونصف، ويضطر الناس صاغرين لدفعها.

مئات الآلاف من أطفال السودان باتوا من النازحين (اليونيسيف)

أطفال دون مدارس

‏أدت الحرب إلى أزمة تعليمية كبيرة وصفتها ممثلة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في السودان «يونسكو» مانديب أوبراين بأنها «أسوأ أزمة تعليمية في العالم»، بينما قال عنها الأستاذ بكلية التربية في جامعة الخرطوم، الزين الخليفة الخضر، إن ما أصاب التعليم في السودان سابقة منذ استقلال البلاد.

وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» أن 19 مليون طفل أصبحوا غير ملتحقين بالمدارس، بينهم 4 ملايين نازح، بما يجعل السودان إحدى أكبر أزمات نزوح الأطفال في العالم.

ووفق «اليونيسيف»، فقد غادر نحو 19 مليون طفل أسوار المدارس حتى تاريخ الدراسة، فضلاً عن التدمير الممنهج لقطاع التعليم، وتشرد التلاميذ والطلاب والمعلمين وأساتذة الجامعات بين لاجئ ونازح.

وقال الخضر إن آلاف المدارس الحكومية والخاصة وعشرات الجامعات والمعاهد والكليات دُمرت كلياً، وتعرضت أثاثاتها وأجهزتها التعليمية وسياراتها، بل تهدم بعضها واحترقت الأخرى، وتحولت المدارس وداخليات الجامعات إلى مراكز لإيواء النازحين الذين فروا من منازلهم بسبب القتال.

وأدى تدمير المدارس إلى تغيب الشهادة السودانية لعام كامل، ما يعني أن هناك دفعة كاملة لن تجد طريقها للجامعات المغلقة طوال العام، بينما لجأت جامعات لعقد امتحاناتها خارج السودان، وفتحت المدارس الخاصة فروعاً لها في دول الجوار. وتقول اللجنة التسييرية لنقابة المعلمين، ونقابة أساتذة الجامعات إن المدرسين وأساتذة الجامعات لم يصرفوا رواتبهم لمدة عام كامل.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

قُتل 5 أشخاص وأصيب آخرون بالرصاص في قرية في ولاية الجزيرة (وسط السودان) إثر هجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» الأربعاء، ليضاف إلى 40 آخرين قُتلوا في بلدات أخرى بالولاية التي تشهد أعمال عنف منذ نحو شهر في وسط البلاد الذي دمّرته الحرب الدائرة منذ عام ونصف العام، على ما أفادت مصادر طبية ومحلية في الولاية، الأربعاء.

ولليوم الثاني على التوالي، عاود عناصر من «قوات الدعم السريع» الهجوم على قرية «التكينة» (وسط الجزيرة)، مستخدمة بعض الأسلحة الثقيلة، مخلّفة 5 قتلى، كما نفذ الطيران الحربي للجيش ضربات جوية لوقف تقدمها من اقتحام المنطقة. وفي وقت سابق، حذَّر كيان «مؤتمر الجزيرة» الذي يرصد انتهاكات الحرب، من وقوع مجزرة وشيكة تخطط لها «قوات الدعم السريع» تستهدف أهالي المنطقة، التي تحتضن أعداداً كبيرة من النازحين الفارين من القرى المجاورة. وقال سكان في التكينة إن المسلحين من أبناء المنطقة تصدُّوا للقوة التي حاولت التوغل من جهة الحي الغربي.

«الدعم»: مؤامرة لخلق مواجهة مع المدنيين

بدورها، قالت «قوات الدعم السريع»، إنها ترصد أبعاد مؤامرة يقودها عناصر من النظام السابق (الحركة الإسلامية) وما تسميه «ميليشيات البرهان» تقوم بحشد المواطنين وتسليحهم في ولاية الجزيرة بهدف «خلق مواجهة بين قواتنا والمدنيين». وأضافت في بيان باسم المتحدث الرسمي، الفاتح قرشي، أن هناك فيديوهات موثقة على وسائل التواصل الاجتماعي تكشف عن وجود «مخطط لتسليح المواطنين في قرى الجزيرة وتظهر الفلول (عناصر النظام السابق) وبعض المخدوعين من قرية التكينة وقرى أخرى، يتوعدون بمهاجمة قواتنا».

عائلة نازحة بعد مغادرتها منزلها في جزيرة توتي في الخرطوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

وناشدت أهالي القرى النأي بأنفسهم عن «مخطط الفلول ومحاولات الزج بالمواطنين في القتال باسم المقاومة الشعبية»، مؤكدة أنها لن تتهاون في التعامل بحزم مع المسلحين و«كتائب فلول الحركة الإسلامية».

في هذا السياق، أكد طبيب في مستشفى ود رواح إلى الشمال من قرية ود عشيب التي تعرضت للهجوم، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» مقتل 40، مشيراً إلى أن «القتلى الأربعين أصيبوا إصابة مباشرة بالرصاص». وطلب الطبيب عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته بعد تعرّض الفرق الطبية لهجمات. وقال شهود في قرية ود عشيب إن «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً مع الجيش السوداني منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، شنَّت هجومها مساء الثلاثاء على القرية الواقعة على بعد 100 كلم شمال عاصمة الولاية ود مدني. وقال شاهد في اتصال هاتفي مع الوكالة إن «الهجوم استُؤنف صباح» الأربعاء، موضحاً أن المهاجمين يرتكبون «أعمال نهب».

الأمم المتحدة قلقة

ويندرج الهجوم الأخير في سلسلة هجمات نفذتها «قوات الدعم السريع» خلال الشهر الماضي على قرى بولاية الجزيرة، في أعقاب انشقاق قائد كبير فيها انضم إلى الجيش في أكتوبر (تشرين الأول).

مشهد للدمار في أحد شوارع أم درمان القديمة نتيجة الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» (رويترز)

ومنذ ذلك التاريخ، وثَّقت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 340 ألف شخص من سكان الولاية وهي منطقة زراعية رئيسة كانت تُعدّ سلة الخبز في السودان. وحذَّر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الجمعة، من أن اندلاع أعمال العنف هناك «يعرّض حياة عشرات الآلاف من الأشخاص للخطر».

وتعرَّضت قرى شرق محافظة الجزيرة لحصار كامل في الأسابيع الأخيرة؛ مما تسبب بكارثة إنسانية فيها، بحسب الأمم المتحدة وشهود عيان وجماعات حقوقية. وفي قرية الهلالية، لم يعد بإمكان السكان الحصول على الضروريات الأساسية وأُصيب العشرات منهم بالمرض. ويصل الكثير من النازحين إلى الولايات المجاورة بعد «السير لأيام عدة... وليس عليهم سوى الملابس التي يرتدونها»، وفق ما قال دوجاريك، الجمعة. وحتى في المناطق التي نجت من القتال، يواجه مئات الآلاف من النازحين الأوبئة، بما في ذلك الكوليرا والمجاعة الوشيكة، في غياب المأوى الملائم أو وسائل الرعاية. وقال دوجاريك: «إنهم مضطرون إلى النوم في العراء، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى».

80 % من المرافق الصحية مغلقة

وتقدّر الأمم المتحدة ومسؤولون صحيون أن النزاع تسبب بإغلاق 80 في المائة من المرافق الصحية في المناطق المتضررة. وتقول الأمم المتحدة إن السودان يواجه حالياً واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة، حيث يعاني 26 مليون شخص الجوع الحاد.

من جهة ثانية، شنَّ الطيران الحربي للجيش السوداني سلسلة من الغارات الجوية على مواقع «الدعم السريع» شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وفقاً لمصادر محلية. وعاد الهدوء النسبي، الأربعاء، إلى الفاشر التي تشهد منذ أسابيع مستمرة معارك ضارية بعد توغل «قوات الدعم السريع» إلى وسط الفاشر.

مشروع توطين ألماني

من جهة ثانية، قالت وزيرة التنمية الألمانية، سفينيا شولتسه، خلال زيارتها لتشاد، الأربعاء، إن برلين تعتزم دعم مشروع يهدف إلى دمج اللاجئين السودانيين في تشاد. وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، تعتزم حكومة تشاد تخصيص 100 ألف هكتار من الأراضي مجاناً، ليتم منح نصفها لأسر اللاجئين والنصف الآخر للأسر المعوزة في المجتمعات المضيفة. ومن المقرر أن يتم تخصيص هكتار واحد لكل أسرة.

صورة جوية لملاجئ مؤقتة للسودانيين الذين فرّوا من الصراع بدارفور بأدري في تشاد (رويترز)

ومن المقرر أن يقدم برنامج الأغذية العالمي الدعم لهذه الأسر؛ لجعل الأراضي صالحة للاستخدام. وقالت شولتسه، خلال زيارتها لمعبر أدري الحدودي شرق تشاد: «للأسف، علينا أن نفترض أن العودة إلى السودان لن تكون ممكنة لمعظم اللاجئين في المستقبل المنظور». وأضافت شولتسه أن المساعدات الإنسانية ليست حلاً دائماً. وقالت: «لهذا السبب يُعدّ هذا النهج، الذي يمنح اللاجئين والمجتمعات المضيفة الأراضي ويجعلها صالحة للاستخدام مجدداً كالحقول والمراعي، خطوة رائدة، حيث إن الذين يمتلكون أراضي خصبة يمكنهم توفير احتياجاتهم بأنفسهم». وقالت مديرة منظمة «وورلد فيجن ألمانيا»، جانين ليتماير، إن نحو 250 ألف لاجئ يعيشون حالياً ظروفاً صعبة، بمساكن مؤقتة بدائية في منطقة أدري وحدها. وأضافت ليتماير أن الأشخاص في كثير من الحالات يعيشون تحت أغطية من القماش المشمع المشدود على جذوع الأشجار أو الأعمدة.