السودان بالأرقام: 25 مليون محتاج و8 ملايين نازح ومخاوف من مجاعة وشيكة

غريفيث لـ«الشرق الأوسط»: سنة كاملة من الحرب سببت معاناة تفوق كل تصور

لاجئون سودانيون يجمعون المياه من بئر في مخيم «أدريه» على الحدود السودانية - التشادية (إ.ب.أ)
لاجئون سودانيون يجمعون المياه من بئر في مخيم «أدريه» على الحدود السودانية - التشادية (إ.ب.أ)
TT

السودان بالأرقام: 25 مليون محتاج و8 ملايين نازح ومخاوف من مجاعة وشيكة

لاجئون سودانيون يجمعون المياه من بئر في مخيم «أدريه» على الحدود السودانية - التشادية (إ.ب.أ)
لاجئون سودانيون يجمعون المياه من بئر في مخيم «أدريه» على الحدود السودانية - التشادية (إ.ب.أ)

قلبت الحرب في السودان حياة سكانه رأساً على عقب، فقد أدت خلال الأيام الـ365 الماضية إلى مقتل الآلاف، ونزوح الملايين عن ديارهم، ولجوء مئات الآلاف، خصوصاً إلى كل من تشاد في الغرب ودولة جنوب السودان في الجنوب ومصر شمالاً، ليضع هذا البلد الشاسع أمام خطر التفكك، ونقل شرارة النزاع إلى الإقليم الأوسع، بينما لا يزال العالم مركزاً بدرجة عالية على حربين أُخريين في أوكرانيا وغزة.

وإذا كانت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد قد كتبت عن «الصمت الذي لا يغتفر حيال السودان»، فإن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة مارتن غريفيث قال، لـ«الشرق الأوسط»، إن «سنة كاملة من الحرب في السودان تسببت بمعاناة على نطاق يفوق كل تصور»، موضحاً أن «هذه المعاناة، الناجمة عن العنف والجوع والنزوح والمرض، ستتفاقم ما لم يجرِ توسيع نطاق العمل الذي يتألف من ثلاثة أجزاء: الدبلوماسية لوقف القتال، والوصول إلى المحتاجين، وتمويل دعم الاستجابة الإنسانية». وحذر من أن هذه الأمور الثلاثة ضرورية لـ«تجنب كارثة مع دخول هذه الحرب عامها الثاني».

عائلة سودانية فرت من الصراع بمنطقة دارفور تجلس بجانب ممتلكاتها أثناء انتظار تسجيلها من قبل المفوضية عند عبور الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)

25 مليوناً من المحتاجين

وتفيد أفضل التقديرات بأن أكثر من 15 ألفاً قُتلوا حتى الآن في هذه الحرب. ولفتت غرينفيلد إلى أن «نحو 25 مليون سوداني يعيشون اليوم في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والحماية، ويواجه ثلاثة أرباعهم انعدام الأمن الغذائي الحاد». وأضافت أن «نحو 8 ملايين شخص اضطروا الى إلى الفرار من بيوتهم، فيما أصبحت أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم».

وهذا ما دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من «كارثة وشيكة» في السودان الذي «يمثل حالياً أكبر أزمة نزوح في العالم، ويمكن أن يصبح قريباً من أسوأ أزمات الجوع في العالم»، إذ يواجه «أكثر من ثلث السكان، أي 18 مليون شخص، انعدام الأمن الغذائي الحاد. كما يشارف 5 ملايين شخص على حافة المجاعة في المناطق المتضررة من النزاع». ويعاني 3.5 مليون طفل من سوء التغذية الحاد. وتحذر منظمة الصحة العالمية من «احتمال وفاة 230 ألف طفل وامرأة حامل وأم جديدة، خلال الأشهر المقبلة بسبب الجوع ما لم يجرِ الحصول على التمويل والمساعدات العاجلة المنقذة للحياة».

مئات الآلاف من أطفال السودان باتوا من النازحين (اليونيسيف)

ملايين خارج المدارس

وعلاوة على ذلك، لا يزال نحو 19 مليون طفل خارج المدارس، بينما تشير التقديرات أيضاً إلى أن ربع مستشفيات السودان لم تعد تعمل، بينما تفيد منظمات الإغاثة بأن «النساء والأطفال يتحملون أسوأ ما في النزاع». وتحققت منظمة الصحة العالمية من 62 هجوماً استهدفت مؤسسات الرعاية الصحية خلال العام الماضي، محذرة من أن النظام الصحي ينهار، لا سيما في المناطق التي يصعب الوصول إليها، حيث أصاب الدمار المرافق الصحية، أو نهبت، أو أنها تعاني نقصاً حاداً في الموظفين والأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات.

وحتى بالنسبة إلى من يعبرون الحدود، وعددهم وصل خلال العام الماضي فقط إلى نحو 570 ألفاً، «تعاني الموارد من استنزاف شديد»، بينما يؤدي نقص المياه وطرق الحفاظ على النظافة إلى ازدياد خطر الإصابة بالأمراض، بما فيها المضاعفات الرئوية عند الأطفال وارتفاع حالات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي، الذي يمكن أن يكون مميتاً للنساء الحوامل «نتيجة البيئة القاسية».

لاجئون سودانيون ينتظرون دورهم لجلب المياه من الآبار التي توفرها منظمة «أطباء بلا حدود» غير الحكومية في مخيم فرشانا للاجئين (إ.ب.أ)

أوضاع «صعبة للغاية»

وتفيد التقارير بأن أكثر من 16 ألف طفل تقل أعمارهم عن 5 سنوات وصلوا إلى تشاد قادمين من السودان يعانون من سوء التغذية الحاد، وهي مرحلة تظهر فيها آثار الجوع بوضوح. ويتوقع أن تتفاقم الظروف في الموسم المقبل بين مواسم الحصاد، عندما تُستنزف الاحتياطات الغذائية وتؤدي الأمطار إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالملاريا.

وبينما تشكو المنظمات الدولية من عدم اهتمام المجتمع الدولي بما يكفي حتى الآن بإنهاء الحرب، ذهب دبلوماسي رفيع، من إحدى الدول الخمس دائمة العضوية، طلب عدم نشر اسمه، إلى القول إن أعضاء مجلس الأمن «يتابعون من كثب» القتال الدائر بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، مشيراً إلى اتصالات أُجريت في شأن إحياء محادثات جدة.

وأوضح أن الأمر «صعب للغاية»، مشيراً أيضاً إلى اجتماع عقده سفراء الدول الخمس الكبرى أخيراً مع الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش الذي أطلعهم على الوضع في السودان «بقدر كبير من التفصيل». وأكد الدبلوماسي الغربي أن «التركيز لا يزال متواصلاً بشكل كبير على المسألة الحاسمة المتمثلة في توصيل المساعدات الإنسانية إلى الأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة إليها»، داعياً إلى «عدم نسيان هذا الصراع أيضاً».

قوات الأمن السودانية تنتشر بأحد شوارع مدينة القضارف في 3 أبريل الحالي (أ.ف.ب)

سد فجوة التمويل

وأكد الدبلوماسي أن الدول والجهات المانحة تعمل من أجل تمويل أفضل للاستجابة الإنسانية في مؤتمر باريس، الذي سيستمر 4 أيام بدءاً من الاثنين، في محاولة لـ«سد الفجوة» في المبالغ المطلوبة من الأمم المتحدة، البالغة 2.7 مليار دولار، في ظل وضع إنساني «مروع» بسبب «ضراوة القتال وصعوبة إدخال المساعدات»، بما في ذلك عبر ميناء بورتسودان.

واقترح خيارات أخرى للإمدادات عبر تشاد. ولكن ذلك «يمكن أن يستوجب قراراً من مجلس الأمن على غرار القرار 2139» لإدخال المساعدات الإنسانية في سوريا «عبر كل الطرق، بما في ذلك عبر الجبهات وعبر الحدود». وعبّر عن «القلق البالغ» من استخدام الطائرات المسيرة الإيرانية. وحتى انعقاد المؤتمر الإنساني في باريس، لم تتجاوز الاستجابة الإنسانية مبلغ 155 مليون دولار، أي 6 في المائة فقط من المبلغ الكلي.

في الوقت ذاته، تفيد تقارير بأن القتال يستعر بين الجيش و«قوات الدعم السريع» والجهات الموالية لكل منهما، من أجل السيطرة على الموارد المعدنية، بما في ذلك الذهب، وغيرها من الثروات الزراعية الضخمة، بالإضافة إلى السيطرة على سكان البلاد الذين يزيد عددهم على 45 مليون نسمة.

مقاتلون من تجمع «قوى تحرير السودان» (أ.ف.ب)

خطورة وضع دارفور

وعلى الرغم من احتدام المعارك في العديد من الولايات، تتجه الأنظار خصوصاً إلى دارفور، حيث أحيت الهجمات التي شنتها «قوات الدعم السريع» على أساس عرقي ذكريات الإبادة الجماعية قبل عقدين، حين قُتل ما يصل إلى 300 ألف شخص وهُجر 2.7 مليون من منازلهم على يد الميليشيات المدعومة آنذاك من حكومة الرئيس المعزول عمر حسن أحمد البشير.

والآن، يقول ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية إن هناك أسباباً للاعتقاد بأن كلا الجانبين في الصراع الحالي يرتكب جرائم حرب.

وشهدت ولاية غرب دارفور، خصوصاً عاصمتها الجنينة، بعضاً من أسوأ الفظائع، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي والعنف الجنسي المتفشي ضد قبيلة المساليت الأفريقية، وفقاً لخبراء الأمم المتحدة.


مقالات ذات صلة

​ما سر خلاف الجيش السوداني و«الدعم السريع» حول معبر «أدري»؟

شمال افريقيا سودانيات ينتظرن في طابور للحصول على مساعدات بمدينة أدري التشادية بعد فرارهن من دارفور (رويترز)

​ما سر خلاف الجيش السوداني و«الدعم السريع» حول معبر «أدري»؟

أعلنت الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية عاصمة مؤقتة الاستجابة لمطلب تمديد فتح معبر «أدري» الحدودي مع تشاد

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أفريقيا مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

اتهمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، حلفاء القوى المتحاربة في السودان بـ«تمكين المجازر» بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
شمال افريقيا مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط مجلس الأمن في نقاشات حول مشروع قرار بريطاني لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال فوراً والسماح بتسليم المساعدات الإنسانية.

علي بردى (واشنطن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

مصدر مصري مسؤول قال لـ«الشرق الأوسط» إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة ضمن آلية رباعية لتنسيق مساعٍ لحلحلة الأزمة السودانية»

أحمد إمبابي (القاهرة)

مقديشو: مقتل 3 جنود صوماليين وأكثر من 20 إرهابياً من «حركة الشباب»

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
TT

مقديشو: مقتل 3 جنود صوماليين وأكثر من 20 إرهابياً من «حركة الشباب»

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

لقي ثلاثة جنود على الأقل مصرعهم، وأصيب ثلاثة آخرون من القوات الصومالية جراء انفجار لغم أرضي استهدف مركبة عسكرية في مديرية دينيلي بالعاصمة مقديشو.

وأفادت مصادر عسكرية بأن الهجوم وقع أثناء مرور مركبة تابعة لـ«الكتيبة 77» التي تتمركز في معسكر بالمنطقة. مع الإشارة إلى أن «حركة الشباب» الإرهابية لا تزال تستخدم الألغام الأرضية والقنابل المزروعة على جوانب الطرق في شن هجماتها ضد القوات الحكومية والأفريقية والمسؤولين في مختلف مناطق الصومال، على الرغم من تراجع هذه الهجمات في العاصمة مقديشو في الآونة الأخيرة.

دورية للشرطة الصومالية بالقرب من موقع هجوم انتحاري في مقهى بمقديشو في الصومال الخميس 17 أكتوبر (أ.ب)

وسبق الحادث إعلان السلطات الصومالية مقتل أكثر من 20 عنصراً من «حركة الشباب» الإرهابية في عملية عسكرية للجيش بإقليم غلغدود وسط البلاد.

وقال بيان عسكري: «أكثر من 20 عنصراً من الشباب قتلوا في عملية عسكرية واسعة النطاق نفذتها قوات تابعة للجيش الصومالي في منطقة طراوين بإقليم غلغدود». وأضاف، أن القوات «نجحت في تدمير وحرق ثلاث مركبات كانت تقل معدات عسكرية بينها الرصاص والأسلحة التي تستخدمها الحركة».

وتأتي هذه العملية بعد أسابيع من مقتل 59 عنصراً من مسلحي «حركة الشباب» الإرهابية في عمليتين عسكريتين وسط البلاد.