اتهامات للسلطة القضائية بـ«الفساد» تفجر غضباً في ليبيا

تتضمن «التغاضي عن مخالفات» أسرة الدبيبة

الدبيبة مستقبلاً الصور في لقاء سابق بطرابلس (مكتب رئيس حكومة الوحدة)
الدبيبة مستقبلاً الصور في لقاء سابق بطرابلس (مكتب رئيس حكومة الوحدة)
TT

اتهامات للسلطة القضائية بـ«الفساد» تفجر غضباً في ليبيا

الدبيبة مستقبلاً الصور في لقاء سابق بطرابلس (مكتب رئيس حكومة الوحدة)
الدبيبة مستقبلاً الصور في لقاء سابق بطرابلس (مكتب رئيس حكومة الوحدة)

فجَّرت اتهامات للسلطة القضائية في ليبيا بـ«الفساد والرشوة» حالة من الغضب العارم، بعدما تحولت إلى قضية رأي عام، وسط مطالب بإجراء تحقيق «عاجل وشفاف»، حفاظاً على «الهيئة الوحيدة غير المنقسمة في البلاد».

وكان الصحافي والإعلامي الليبي خليل الحاسي قد وجَّه اتهامات للنائب العام الصديق الصور بـ«ارتكاب مخالفات عديدة» من بينها إلغاء «النشرة الحمراء» الصادرة بحق علي الدبيبة، ابن عم عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وزوج شقيقته. كما اتهمه بإلغاء «الإنابة القضائية» التي طلبها النائب العام السابق الراحل عبد القادر رضوان ضد علي ونجله إبراهيم في بريطانيا.

واتهامات الحاسي التي جاءت عبر برنامج يقدمه على «الإنترنت» ويحظى بمتابعة واسعة، أحدثت صدمة كبيرة في الأوساط السياسية والاجتماعية، قبل أن تتصدى النيابة العامة لها بالرد.

وعلي الدبيبة، كان المدير السابق لجهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، وأحد رموز نظام الرئيس الراحل معمر القذافي. ويشغل نجله إبراهيم مستشاراً سياسياً لخاله عبد الحميد الدبيبة. وفي مايو (أيار) عام 2014، أصدرت الشرطة الدولية (الإنتربول) مذكرة توقيف ضد علي.

ووفق «نشرة الإنتربول الحمراء»، فإن علي أو (الحاج علي) كما يلقبه الليبيون، كان مطلوباً على خلفية تهم عديدة من بينها «اختلاس أموال عامة سلمت إليه بحكم وظيفته، والإضرار الجسيم بالمال العام، وغسل الأموال».

علي الدبيبة خلال مشاركته في فعالية المؤتمر الدولي منظومة تشريعات العدالة الجنائية بطرابلس (المكتب الإعلامي للنائب العام الليبي)

وسارع مجلس إدارة الجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية بعقد اجتماع طارئ واستثنائي، مساء الخميس، على خلفية ما عدَّته «إساءة للمؤسسة القضائية». وقالت إنها «تابعت ما جرى تداوله من اتهامات للمؤسسة القضائية والتصريح بمعلومات ووثائق تتعلق بقضايا جنائية واتهام للجهاز القضائي بالرشوة والفساد والتزوير إلى الحد الذي تجاوز النقد المباح وحرية التعبير إلى الإساءة الشخصية لأعضاء ومسؤولي السلطة القضائية».

وبعد أن قالت إن «حرية الرأي يجب ألا تؤدي إلى الإساءة والتشويه وتصفية الحسابات، أو تحقيق مصالح سياسية»، تساءلت الجمعية عن أن «سبب نشر هذه الاتهامات في هذا الوقت الذي أظهر فيه القضاء وحدته، خصوصاً مع إقدام النيابة العامة على التحقيق في قضايا كان يتعذر التحقيق فيها خلال السنوات الماضية لاعتبارات أمنية.

ودعت الجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية مكتب النائب العام إلى «فتح تحقيق عاجل في هذه الاتهامات، ودحض الاتهامات بأدلة قطعية حتى تتأكد نزاهة القضاء، وتجري محاسبة كل من أساء إليه»، كما حثت أعضاء الهيئات القضائية «على المضي قدماً في سبيل إحقاق الحق، ورد المظالم».

ولم يتوقف الحاسي في اتهاماته عند عائلة الدبيبة، بل تحدث عن علاقات بين النائب العام وعبد الغني الككلي الشهير بـ«غنيوة» أحد أكثر قادة الميليشيات نفوذاً في طرابلس ورئيس «جهاز دعم الاستقرار» الذي شكله المجلس الرئاسي السابق. كما اتهم مكتب النائب العام بـ«التورط» في قضية عبد الرحيم الفيتوري المحكوم مرتين بالمؤبد، والذي وصفه بـأنه «بابلو إسكوبار أفريقيا».

وأشعلت الاتهامات غضباً واسعاً في ليبيا، بين مدافعين عن القضاء الليبي وبين مطالبين بالتحقيق لـ«معرفة الحقيقة»، بينما سارع وكيل النيابة في مكتب النائب العام المستشار علي زبيدة، بالرد على ما وصفه بــ«افتراءات» الحاسي، وقال إن «قضية علي الدبيبة، جرى التحقيق فيها خلال فترة ولاية النائب العام السابق المستشار عبد القادر رضوان مارس (آذار) 2014، حتى 30 يونيو (تموز) 2014، وذلك بمعرفة المستشار الهادي رحاب، وقد قرر الإفراج عنه وشطب اسمه من منظومة (الإنتربول)».

وأضاف زبيدة في تصريحات صحافية، أن الحاسي «الذي لا نقيم له وزناً»، تحدث كذلك عن «تاجر المخدرات عبد الرحيم الفيتوري، الذي كان مقيماً خارج ليبيا»، متابعاً: «المستشار الصور أمر بضبط المتهم عن طريق (الإنتربول) وجرى ترحيله إلى ليبيا وتسليمه إلى وزارة الداخلية، ونحن بانتظار إحالته لمكتب النائب العام لمباشرة التحقيق معه».

علي الدبيبة في لقاء سابق مع قيادات أمنية رفيعة في ليبيا لمناقشة رفع رفع كفاءة الأداء الضبطي والقضائي (مكتب النائب العام الليبي)

وبشأن ما ردده الحاسي، عن «اختراق» مكتب النائب العام من قبل موالي «غنيوة»، أو مطالبته بالإفراج عن أي مسؤول، قال زبيدة في معرض دفاعه: «لم نسمع بأحد تَجرّأ، واتصل بالنائب العام يطالبه بالإفراج عن مسؤول محبوس، ولكنه كان يصدر تعليمات جازمة حازمة بعدم التراخي في محاسبة المسؤولين أَياً كانت مراتبهم أو مشاربهم أو مذاهبهم فيستوي لدينا الوزير والخفير».

وعدّ القانوني الليبي بشير عمر، الاتهامات الموجهة للنيابة الليبية للصور، بأنها «خطيرة جداً»، لكونها تمس رمزاً من رموز السلطة القضائية، وقال: «ينبغي ألا تمر مرور الكرام»، و«جهات الاختصاص ملزمة بنفي أو إثبات صحة اتهامات الحاسي، خصوصاً أنها أصبحت قضية رأي عام».

ونوه بأنه «ليس هناك سبب وجيه يدفعنا لتصديق أو تكذيب الحاسي، أو لتصديق أو تكذيب كل من تطوع للدفاع عن (السيد) النائب العام»، وبعدما رأى أنه «لا توجد أي جهة محلية ذات قدرة ومصداقية يمكنها التحقيق بشأن الاتهامات»، قال: «لا بد من إجراء تحقيق محايد، من تشكيل البعثة الأممية لجنة مختصة للتحقيق في هذه القضية».

الدبيبة مستقبلاً الصور في لقاء سابق بطرابلس (مكتب رئيس حكومة الوحدة)

ومع اتساع حدة الجدل والسجال في ليبيا بين مؤيد ومعارض للنائب العام، قال رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أحمد عبد الحكيم حمزة، إن الصور هو «الوحيد الذي وقف في وجه عائلة الدبيبة، وحارب فسادهم في كثير من القضايا الخطيرة كان آخرها قضية تطوير حقل الحمادة».

وأضاف حمزة في تصريح صحافي، أن الصور «هو أول نائب عام في ليبيا يحبس 3 وزراء والعديد من السفراء ووكلاء وزارات وجميعهم من حكومة الدبيبة»، متابعاً: «فلو كان متحالفاً معهم أو في صفهم ما أقدم على مواجهة ضد فساد هذه الجهات».

ولمزيد من نفي الاتهامات عن الصور، قال زبيدة: «أنا المختص في مكتب النائب العام بـ(النشرات الحمراء) وهنا أقول بشهادتي بعدم إلغاء الصديق الصور لأية (نشرة حمراء)، وكذلك عدم إصدارنا لأية نشرة إلا بناءً على قضية بحق متهم هارب في دعوى جنائية تتسم بالخطورة وجدية الاتهام».


مقالات ذات صلة

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)

حوادث مرورية متكرّرة تفجع مصريين

الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
TT

حوادث مرورية متكرّرة تفجع مصريين

الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)

شهدت مناطق متفرقة في مصر حوادث مرورية مفجعة، أخيراً؛ مما أثار تساؤلات حول أسباب تكرارها، في حين رأى خبراء أن «غالبية تلك الحوادث تقع نتيجة لأخطاء من العنصر البشري».

وشهدت مصر، الجمعة، حادثاً أُصيب خلاله نحو 52 شخصاً، إثر انقلاب حافلة (أتوبيس رحلات) على طريق «الجلالة - الزعفرانة» (شمال محافظة البحر الأحمر - جنوب مصر)، قبل توجهها إلى دير الأنبا أنطونيوس بالمحافظة.

وأعلنت وزارة الصحة المصرية «خروج جميع المصابين من المستشفى، بعد تحسّن حالاتهم»، وقالت في إفادة لها، الجمعة، إن «الحادث أسفر عن إصابة 52 راكباً؛ نُقل 31 منهم إلى مستشفى (رأس غارب) التخصصي، في حين تم إسعاف 21 مصاباً آخرين بموقع الحادث».

واحتجزت الأجهزة الأمنية سائق «الحافلة» المتسبّب في الحادث، في حين كلّفت السلطات القضائية لجنة فنية بفحص أسباب وقوع الحادث حول ما إذا كان عطلاً فنياً أم خطأ بشرياً نتيجة للقيادة الخاطئة، حسب وسائل إعلام محلية.

وأعاد انقلاب الحافلة بطريق «الجلالة - الزعفرانة» إلى الأذهان حادث انقلاب حافلة تابعة لجامعة «الجلالة الأهلية»، على الطريق السريع «الجلالة - العين السخنة»، في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ مما أدّى إلى وفاة 7 أشخاص، وإصابة نحو 25 آخرين.

وشهدت منطقة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة) حادث «دهس» سيارة، دراجةً نارية كان يستقلها عامل «دليفري» (التوصيل المنزلي)؛ مما أدى إلى مقتله.

كما شهدت محافظة الفيوم (جنوب القاهرة) حادث انقلاب سيارة نقل ركاب، الخميس، على الطريق الصحراوي السريع؛ مما أدى إلى إصابة 14 شخصاً.

وأظهرت التحريات الأولية للحادث أن السيارة تعرّضت للانقلاب، نتيجة السرعة الزائدة، وفقدان السائق السيطرة عليها.

وسجّلت إصابات حوادث الطرق في مصر ارتفاعاً بنسبة 27 في المائة، على أساس سنوي، بواقع 71016 إصابة عام 2023، في حين بلغ عدد المتوفين في حوادث الطرق خلال العام نفسه 5861 حالة وفاة، بنسبة انخفاض 24.5 في المائة، وفقاً للنشرة السنوية لنتائج حوادث السيارات والقطارات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، في شهر مايو (أيار) الماضي.

طريق الجلالة (وزارة النقل المصرية)

وباعتقاد رئيس الجمعية المصرية لرعايا ضحايا الطرق (منظمة مدنية)، سامي مختار، أن «نحو 80 في المائة من حوادث الطرق يحدّث نتيجة لأخطاء من العنصر البشري»، مشيراً إلى أن «تكرار الحوادث المرورية يستوجب مزيداً من الاهتمام من جهات حكومية؛ للحد من وقوعها، وتعزيز السلامة على الطرق».

ودعا مختار، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى «ضرورة تكثيف حملات التوعية بالسلامة المرورية، لجميع مستخدمي الطرق، من سائقي السيارات والركاب»، قائلاً إن حملات التوعية يجب أن تشمل «التعريف بقواعد وآداب السير على الطرق، وإجراءات السلامة، والكشف على تعاطي المخدرات للسائقين في أثناء السير»، ومشدداً على ضرورة «تكثيف حملات الرقابة بخصوص تعاطي المخدرات في أثناء القيادة».

ولقي حادث انقلاب حافلة طريق «الجلالة» تفاعلاً من رواد منصات التواصل الاجتماعي في مصر؛ حيث دعوا إلى «مراجعة الحالة الفنية للطريق، بعد تكرار حوادث انقلاب حافلات الركاب عليه».

بينما يستبعد أستاذ هندسة الطرق بجامعة عين شمس، حسن مهدي، فرضية أن يكون وقوع الحوادث بسبب الحالة الفنية للطريق، مرجعاً ذلك إلى «عدم تكرار الحوادث في مكان واحد على الطريق»، ومشيراً إلى أن «وقوع الحوادث المرورية في مناطق متفرقة يعني أن السبب قد يكون فنياً؛ بسبب (المركبة)، أو لخطأ بشري من السائق».

وأشار مهدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى ضرورة «تطبيق منظومة النقل الذكي، للحد من الحوادث، خصوصاً على الطرق السريعة»، مضيفاً أن «التوسع في المراقبة الذكية لحركة السير سيقلّل من الأخطاء، ويُسهم في التزام السائقين بإجراءات السلامة في أثناء القيادة»، وموضحاً أن «مشروع قانون المرور الجديد، المعروض أمام البرلمان ينص على تطبيق هذه المنظومة بشكل موسع».

وتضع الحكومة المصرية «قانون المرور الجديد» ضمن أولوياتها في الأجندة التشريعية لدور الانعقاد الحالي للبرلمان، وناقش مجلس النواب، في شهر أكتوبر الماضي «بعض التعديلات على قانون المرور، تضمّنت عقوبات مغلظة على مخالفات السير، والقيادة دون ترخيص».