فتاوى دينية على خط مواجهة الغلاء بمصر

«البحوث الإسلامية» حدد «معاملات محرمة» في أوقات الأزمات

صلاة التراويح في الجامع الأزهر بمصر (المركز الإعلامي للأزهر)
صلاة التراويح في الجامع الأزهر بمصر (المركز الإعلامي للأزهر)
TT

فتاوى دينية على خط مواجهة الغلاء بمصر

صلاة التراويح في الجامع الأزهر بمصر (المركز الإعلامي للأزهر)
صلاة التراويح في الجامع الأزهر بمصر (المركز الإعلامي للأزهر)

دخلت فتاوى وآراء دينية على خط الجهود المصرية لمواجهة الغلاء وارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية في البلاد، إذ برز خلال الآونة الأخيرة تكثيف الرسائل ذات الصبغة الدينية، سواء في المساجد أو عبر وسائل الإعلام التي تحث على «التماسك في مواجهة الأزمات»، فيما انضمت مؤسسات دينية رسمية إلى هذا المسعى عبر إصدار فتاوى تؤكد «تحريم الاحتكار»، و«تأثيم التلاعب بالأسعار».

ووصف «مجمع البحوث الإسلامية»، التابع لمؤسسة الأزهر في مصر، في بيان، السبت، لجوء البعض خاصة من فئة التجار إلى استغلال أوقات الأزمات لتحقيق مزيد من الأرباح وتضخيم ثرواتهم، والمتاجرة بآلام الناس ومعاناتهم، بأنه «سلوك مخالف لما دعا إليه الدين من التراحم والتكافل والإحساس بالآخرين». وأشار المجمع إلى أن الاحتكار «ظلم»، وهو أمر محرم شرعاً بدليل قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ». ولفت بيان المجمع إلى أن الاحتكار لا يقتصر على منع السلع من التداول، بل يشمل تواطؤ البائعين مع بعضهم للبيع بسعر مرتفع، أو عبر ترويج الشائعات بوجود نقص في إحدى السلع لزيادة الطلب عليها خوفاً من نفادها.

ووصل التضخم في مصر إلى مستوى قياسي يزيد على 35 في المائة خلال 2023، وتضاعفت أسعار السلع الأساسية مثل السكر، مما دفع السلطات إلى اتخاذ تدابير لتجنب ما تقول إنه «تلاعب في الأسعار من قبل التجار أو الموزعين».

معرض «أهلاً رمضان» الحكومي لعرض السلع (وزارة التموين والتجارة الداخلية في مصر)

وخلال فبراير (شباط) الماضي، قفزت أسعار المستهلكين في مصر بنسبة 35.7 في المائة على أساس سنوي، مقابل 29.8 في المائة في يناير (كانون الثاني) الماضي على أساس شهري، وزادت وتيرة التضخم إلى 11.4 في المائة من 1.6 في المائة في يناير الماضي، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر. وأشارت بيانات الجهاز إلى أن تكلفة الطعام زادت بنحو 16 في المائة خلال فبراير الماضي على أساس شهري، واللحوم والدواجن 25 في المائة، والخبز 14.2 في المائة، والألبان 12.8 في المائة، والزيوت 14.1 في المائة.

وفي محاولة لتخفيف الضغوط على الأسر منخفضة الدخل، أعلنت الحكومة المصرية، الشهر الماضي، رفع الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة بنسبة 50 في المائة، ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهرياً (الدولار يساوي 47.39 جنيه في البنوك المصرية)، ضمن ما وصفته الحكومة المصرية بأنه «أكبر حزمة لتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين بقيمة 180 مليار جنيه».

وخلال الشهور الماضية، برز تكثيف الخطاب الديني المتعلق بأزمة الغلاء، سواء عبر خطب الجمعة أو الدروس الدعوية التي تقدم في المساجد التي تشرف عليها وزارة الأوقاف المصرية، أو من خلال التصريحات والبرامج الدينية التي تبث عبر القنوات التلفزيونية؛ إذ تبنى ذلك الخطاب مجموعة من الرسائل الداعية إلى «التحذير من عمليات الاحتكار».

وأشار الدكتور محمد حرز الله، أحد علماء وزارة الأوقاف المصرية، إلى أهمية تفاعل الخطاب الديني مع قضايا الناس وأولوياتهم، مؤكداً أن دور المؤسسات الدينية في التوعية والتنبيه إلى أهمية مواجهة الاحتكار والتلاعب بأقوات الناس «مسألة بالغة الأهمية». وأوضح حرز الله لـ«الشرق الأوسط» أن الإسلام أولى المعاملات التجارية أهمية خاصة، وحث على مراعاة عدم المبالغة من جانب التجار على استغلال الأزمات، بل دعم «التجارة الشريفة» القائمة على توفير احتياجات المستهلكين بأسعار مناسبة. كما شدد على أهمية دور الخطاب الديني في إطلاق حملات التوعية التي تساند جهود الدولة المصرية من أجل «التحذير من المحتكرين، والتعاون والتكاتف من أجل تجاوز الأزمات».

ولجأت الحكومة المصرية خلال الأشهر الأخيرة إلى تشديد إجراءاتها لمواجهة عمليات تخزين بعض السلع الغذائية، ومن بينها السكر الذي شهد نقصاً حاداً خلال الأشهر الأخيرة؛ إذ شنت السلطات الأمنية وأجهزة وزارة التموين العديد من الحملات لضبط أي عمليات تخزين للسلع.

وتوقع رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، في 18 مارس الحالي، أن «تشهد الأسواق المصرية انخفاضاً في الأسعار مع توافر العملة الأجنبية».

المصريون يأملون تراجع أسعار السلع (الشرق الأوسط)

وأكدت دار الإفتاء المصرية في فتوى، يناير الماضي، أن «من يستغل ظروف الناس ويحتكر السلع ويبيعها بأسعار مبالغ فيها فقد ارتكب محرماً؛ للضرر الناجم عن استغلاله احتياج الناس إلى مثل هذه السلع».

كما قال مفتي مصر، الدكتور شوقي علام، إن «قضية الاحتكار من أخطر القضايا، وفيها أذى مباشر للناس، خاصة إذا وقع هذا الاحتكار في قوت الناس وطعامهم، فالاحتكار وقتها أصاب أهم مقومات الحياة»، مؤكداً في تصريحات أخيراً أن «احتكار السلع وحجبها عن الناس حرام شرعاً».

في السياق، شدد رئيس اللجنة التشريعية والدستورية في مجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان)، النائب إبراهيم الهنيدي، على «ضرورة ضرب الاحتكارات وبخاصة للسلع الأساسية، التي تؤدي إلى التلاعب بالأسعار وتحميل المواطنين بأعباء إضافية»، موضحاً أن القوانين المتعلقة بضبط الأسواق ومنع الاحتكار تكفي، ولكنها بحاجة إلى «تطبيق فعال وأكثر قوة».

وطالب الهنيدي في تصريحات لوسائل إعلام محلية، السبت، بضرورة تشديد الرقابة على الأسواق، وتعزيز الوعي بحقوق المستهلكين». وتطبق مصر قانوناً لحماية المستهلك، يتضمن عقوبات مغلظة لاحتكار السلع الأساسية في الأسواق، تتراوح ما بين الحبس والغرامة التي تصل لنحو 3 ملايين جنيه، وتتضاعف في حالة العودة لتصل لنحو 6 ملايين جنيه.


مقالات ذات صلة

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا أثار قرار تحديث قوائم الإرهاب جدلاً واسعاً (أ.ف.ب)

استبعاد المئات من «قوائم الإرهاب» بمصر يجدد الجدل بشأن «مصالحة الإخوان»

أدى قرار استبعاد المئات من الإدراج على «قوائم الإرهاب» في مصر، بقرار من محكمة الجنايات، إلى إعادة الجدل بشأن إمكانية «المصالحة» مع جماعة «الإخوان».

أحمد عدلي (القاهرة)
رياضة عالمية أشرف صبحي (وزارة الشباب والرياضة المصرية)

مصر: لم نرخص لشركات المراهنات في كرة القدم

أكدت وزارة الرياضة المصرية أن جميع اللوائح المنظمة لإجراءات إشهار الشركات الرياضية تمنع تماماً إشهار أي شركة يتعلق مجال عملها بالمراهنات في كرة القدم أو غيرها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يتحدث خلال مؤتمر حوارات المتوسط ​​في روما بإيطاليا 25 نوفمبر 2024 (رويترز)

مصر تشدد على ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية لاستعادة وضعها في قطاع غزة

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية من استعادة وضعها في قطاع غزة، قائلاً إن مصر ترفض تماماً تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.

«الشرق الأوسط» (روما)
شمال افريقيا اللنش السياحي «سي ستوري» (محافظة البحر الأحمر - فيسبوك)

إنقاذ 28 شخصاً والبحث عن 17 آخرين بعد غرق مركب سياحي في مصر

أفادت وسائل إعلام مصرية، اليوم (الاثنين)، بغرق أحد اللنشات السياحية بأحد مناطق الشعاب المرجانية بمرسي علم بالبحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»
TT

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

حمّلت مصر مجدداً «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»، الذي تقيمه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويواجه باعتراضات دولتي المصب (مصر والسودان). وقال وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، الاثنين، إن «التصرفات الأحادية الإثيوبية تتسبب في تخبط كبير في منظومة إدارة المياه بنظام النهر، وارتباك في منظومة إدارة السدود».

واستعرض سويلم، خلال لقائه عدداً من أعضاء دورة التمثيل الدبلوماسي العسكري المصري بالخارج، رؤية مصر للتعامل مع قضية «سد النهضة»، وتاريخ المفاوضات، ونقاط الاختلاف مع إثيوبيا، مع «إبراز أوجه التعنت الإثيوبي خلال العملية التفاوضية، وخطورة التصرفات الإثيوبية الأحادية».

سويلم يلتقي عدداً من أعضاء دورة التمثيل الدبلوماسي العسكري المصري بالخارج (وزارة الري المصرية)

وفشلت آخر جولة مفاوضات بشأن «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا والسودان في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي دون التوصل لاتفاق.

وقال الوزير المصري إن «دول منابع حوض النيل تتمتع بوفرة في مواردها المائية، إذ يصل حجم الأمطار المتساقطة على حوض نهر النيل إلى حوالى 1600 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يصل حجم الأمطار المتساقطة على دول حوض النيل - داخل حوض نهر النيل أو غيره من الأحواض بهذه الدول - إلى حوالي 7000 مليار متر مكعب سنوياً، في وقت تصل حصة مصر من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، تعتمد عليها مصر بنسبة 98 في المائة لتوفير مواردها المائية».

وحذر خبراء مصريون من عدم التوصل لاتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» يضمن حقوق دولتي المصب، وقال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «خطورة عدم التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة لا تتوقف عند ما يثيره السد من مخاوف، إذ إنه قد يتحول لسابقة تدفع دولاً أخرى من دول المصب إلى إنشاء سدود دون اتفاقيات ودون التشاور مع دولتي المصب».

وأكد شراقي أن «النهج الإثيوبي في بناء سد النهضة في كل مراحله ينطوي على قدر كبير من التخبط وعدم الوضوح، ففي الوقت الراهن مثلاً لا نعرف متى تعمل توربينات توليد الكهرباء ومتى تتوقف». وحسب شراقي، فإن «الممارسات الإثيوبية بشأن سد النهضة تعمق الخلافات بين دول حوض النيل وتتسبب في توترات».

وتحرص مصر، وفق وزير الري، على دعم جهود التنمية المستدامة في دول حوض النيل بتنفيذ «العديد من المشروعات في مجال المياه لخدمة المواطنين في هذه الدول مثل مشروعات تطهير المجاري المائية من الحشائش، وإنشاء سدود لحصاد مياه الأمطار، وآبار جوفية تعمل بالطاقة الشمسية بالمناطق النائية، وإنشاء مراكز للتنبؤ بالأمطار وقياس نوعية المياه بتكلفة إجمالية 100 مليون دولار لكافة المشروعات».

وزير الموارد المائية والري المصري يلقي كلمة عن التحديات المائية لبلاده (وزارة الري المصرية)

ويرى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر الدكتور أيمن عبد الوهاب أن «استمرار السياسات الإثيوبية الأحادية يزيد مخاطر توتر العلاقات بين دول حوض النيل، ويحول قضية المياه إلى أداة للصراع، خصوصاً مع ازدياد متطلبات التنمية بالعديد من دول الحوض»، وحسب تصريحات عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط»، فإنه «لا يمكن إدارة ملف المياه بين دول حوض النيل دون اتفاق قانوني بشأن سد النهضة».

بدورها، أشارت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتورة أماني الطويل، إلى خلاف آخر بين مصر وإثيوبيا يتعلق بما يعرف بـ«اتفاقية عنتيبي»، وهي الاتفاقية التي أبرمت عام 2010، وتعارضها مصر والسودان، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية دون التوافق مع دولتي المصب.

وقالت الطويل لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتفاقية أحدثت شرخاً في العلاقات بين دول المنابع والمصب، وهو ما سيؤدي إلى عرقلة أي جهود تنموية أو مشروعات مائية بدول حوض النيل، لأن الشرط الأساسي للمؤسسات الدولية المانحة هو وجود توافق وإجماع بين دول الحوض حول هذه المشروعات».

ووفق الطويل، فإن «السياسات الإثيوبية الإقليمية في مجملها تؤثر سلباً على العلاقات بين دول حوض النيل».