البرلمان الفرنسي يطالب بإحياء ذكرى اغتيال عشرات الجزائريين قبل 63 عاماً بباريس

تعرّض خلالها 30 ألف جزائري جاؤوا للتظاهر سلمياً في باريس لقمع عنيف

من إحدى جلسات البرلمان الفرنسي (أ.ف.ب)
من إحدى جلسات البرلمان الفرنسي (أ.ف.ب)
TT

البرلمان الفرنسي يطالب بإحياء ذكرى اغتيال عشرات الجزائريين قبل 63 عاماً بباريس

من إحدى جلسات البرلمان الفرنسي (أ.ف.ب)
من إحدى جلسات البرلمان الفرنسي (أ.ف.ب)

قبل 63 عاماً،، تعرّض 30 ألف جزائري جاؤوا للتظاهر سلمياً في باريس لقمع عنيف، فسقط ثلاثة قتلى ونحو 60 جريحاً وفق الحصيلة الرسمية، لكن مؤرخين يقدّرون عدد القتلى بـ«العشرات على الأقل» جراء عنف الشرطة. ومن المقرر أن يُناقش البرلمان الفرنسي، مساء اليوم الأربعاء، أو غداً الخميس، مشروع قرار يدعمه حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، يطالب فيه الحكومة بتخصيص يوم لإحياء ذكرى هذه المجزرة.

اعتقال عدد من الجزائريين في منطقة بيتو غرب باريس خلال احتجاجات 17 من أكتوبر 1967 (أ.ف.ب)

في 17 من أكتوبر (تشرين الأول) 1967، وقبل ستة أشهر على تكريس اتفاقات (إيفيان) استقلال الجزائر عن فرنسا، توافد «مسلمو فرنسا الجزائريون» كما كان يُطلق عليهم آنذاك، من أحياء فقيرة في الضواحي وأحياء شعبية في باريس حيث كانوا يعيشون. وبدعوة من فرع «جبهة التحرير الوطني» في فرنسا، وهي حزب سياسي جزائري، تحدوا الحظر الذي فرضه مدير الشرطة موريس بابون، الذي أُدين لاحقاً في عام 1998 بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، لدوره في ترحيل اليهود بين العامين 1942 و1944.

عدد من الجزائريين بعد اعتقالهم من طرف عناصر الشرطة (أ.ف.ب)

وواجه هؤلاء المتظاهرون القمع الأكثر حصداً للأرواح في أوروبا الغربية منذ عام 1945، وفقاً للمؤرخ إيمانويل بلانشار. واقتادت الشرطة في ذلك اليوم نحو 12 ألف متظاهر. وانتُشلت جثث مصابة برصاصات عدة، أو تحمل آثار ضرب من نهر السين في الأيام التالية. في عام 1988، قدر مستشار في مكتب رئيس الوزراء خلال حرب الجزائر أن «اعتداءات» الشرطة تسبّبت بمقتل نحو مائة شخص، في حين أحصى تقرير للحكومة في عام 1998 مقتل 48 شخصاً.

في 17 من أكتوبر 1967 توافد «مسلمو فرنسا الجزائريون» على أحياء شعبية في باريس للتظاهر (أ.ف.ب)

وفي أرشيف رُفعت عنه السرية، ونشره موقع «ميديابارت» الفرنسي في عام 2022، تفيد مذكرة من مسؤول رفيع المستوى، كان يعمل مستشاراً لدى شارل ديغول، مؤرخة في 28 من أكتوبر 1961، رئيس الدولة بوقوع «54 قتيلاً». لكن يظل من الصعب تحديد العدد بدقة؛ إذ تراوحت الحصيلة التي قدمها مؤرخون على مر السنوات بين نحو 30 قتيلاً وأكثر من 200 قتيل. واتفق هؤلاء على أن العدد «لا يقل عن عشرات القتلى» سقطوا على أيدي عناصر الشرطة في 17 من أكتوبر، وفقاً لبلانشار.

حملة اعتقالات مخطط لها

في عام 1961، كانت الحرب الجزائرية مستمرة منذ سبع سنوات، وفُرض حظر تجول في باريس منذ 5 من أكتوبر على «مسلمي فرنسا الجزائريين»، الذين كانوا يعانون منذ أشهر من مداهمات الشرطة ورقابتها، ومن عنف جسدي قاتل تمارسه فرق غير نظامية موالية للجزائر الفرنسية. وفي 17 من أكتوبر، أراد المتظاهرون الاحتجاج على نطاق واسع ضد حظر التجول هذا، وإظهار تضامنهم بأعداد كبيرة مع الجزائريين الذين يقاتلون في بلادهم من أجل الاستقلال. وبين سبتمبر (أيلول) ومطلع أكتوبر قُتل عناصر من الشرطة، «خمسة على الأقل»، بحسب بلانشار، في هجمات متفرقة نُسبت إلى «جبهة التحرير الوطني» في منطقة باريس.

مجموعة من الجزائريين الذين تم اعتقالهم في 17 من أكتوبر عام 1961 وتعرضوا لعنف شديد (أ.ف.ب)

ورأى رئيس الوزراء ميشال ديبري، آنذاك، أن حظر التجول مساء يمنع «جبهة التحرير الوطني» من جمع الأموال المخصصة لقتالها. ومنذ صباح يوم 17، سيطرت إدارة الشرطة على مركز معارض واسع شمال باريس، ما دل على أنها كانت «تستعد لحملة اعتقالات واسعة»، وفقاً لبلانشار. وفي غضون ساعات قليلة، اقتيد آلاف الجزائريين بعنف، وتم تكديسهم في سيارات للشرطة أو حافلات، وجُمّعوا في أماكن عدة في باريس أو في ضواح قريبة للتحقّق من هوياتهم. ووصف جاك سيمونيه، الذي كان طالباً آنذاك، أمام المحكمة في عام 1999 ما رآه قائلاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أُخرج الجزائريون من الحافلات بتوجيه اللكمات لهم، وكانوا يقعون أرضاً، وهناك مروا بين صف من عناصر الشرطة الذين استقبلوهم بالركلات، واللكمات والعصي والأحذية». ولم ينقل غالبية المصابين إلى المستشفيات. وبمجرد التحقق من هوياتهم، تم طرد بعضهم إلى الجزائر، واحتجاز آخرين في معسكرات، وأُرسل آخرون إلى منازلهم.

«قمع استعماري»

يتذكر بلانشار أنه منذ بدء وصول أول المتظاهرين إلى جسر نويي غرب باريس، أطلقت قوات الأمن الرصاص القاتل على حشد هادئ، ضم عائلات. وازداد عنف عناصر الشرطة مع سماعهم رسائل إذاعية كاذبة نشرتها الشرطة تعلن زوراً مقتل عناصر من الشرطة بالرصاص. كما حصلت عمليات إطلاق نار في أماكن عدة في العاصمة. وفي هذا السياق قال متحف «تاريخ الهجرة» على موقعه على الإنترنت: «مات الكثير من الضحايا تحت ضربات أدوات (هراوات) حملها العناصر، وأُلقي عشرات آخرون في نهر السين، ولقي الكثير حتفهم اختناقاً بعد إلقائهم على الأرض، وتغطيتهم بأكوام من الجثث»، موضحاً أن عنف القمع «يحاكي أساليب القمع الاستعماري السائدة في الإمبراطورية». لكن لم يُعترف بهذه الانتهاكات قبل عام 2012، عندما أحيا رئيس فرنسي للمرة الأولى، وهو الاشتراكي فرنسوا هولاند، «ذكرى ضحايا القمع الدامي»، الذي تعرّض له هؤلاء بينما كانوا يتظاهرون من أجل «الحق في الاستقلال». وفي عام 2021، تحدث إيمانويل ماكرون عن «جرائم لا تُغتفر» ارتكبت «تحت سلطة موريس بابون».


مقالات ذات صلة

فرنسا: جدل بشأن اقتراح قانون يحظر على القاصرين حضور عروض مصارعة الثيران

أوروبا الجمعية الوطنية الفرنسية (أ.ف.ب)

فرنسا: جدل بشأن اقتراح قانون يحظر على القاصرين حضور عروض مصارعة الثيران

يدرس مجلس الشيوخ الفرنسي الخميس اقتراح قانون يرمي إلى حظر «مصارعة الثيران ومصارعة الديوك بحضور مَن هم تحت سن السادسة عشرة» من أجل «حمايتهم من مشاهد العنف»

«الشرق الأوسط» (بويارغ)
أوروبا مارين لوبن (رويترز)

مارين لوبن تدفع ببراءتها في قضية اختلاس أموال أوروبية

دفعت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن، المتّهمة باختلاس أموال البرلمان الأوروبي، ببراءتها الاثنين أمام المحكمة في إطار استجوابها للمرة الأولى في قضية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا رئيس الحكومة الفرنسية ميشال بارنييه (إ.ب.أ)

فرنسا: الجمعية الوطنية تُسقط مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة

أُسقطت مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة الفرنسية في الجمعية الوطنية، قدّمها ائتلاف اليسار والاشتراكيين والخضر واليسار الراديكالي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

فرنسا «تضمحل»... فهل يستطيع ماكرون استعادة مكانته على الساحة الدولية؟

سيسعى الرئيس ماكرون لإعادة إثبات موقع فرنسا القوي على الساحة الدولية، بعد شهرين من الفوضى السياسية التي شهدتها بلاده، وذلك في الأمم المتحدة، ثم في كندا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا رئيس الوزراء الفرنسي الجديد ميشال بارنييه ورئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بباريس (أ.ب)

بارنييه يأمل إعلان تشكيل حكومته وتظاهرات لليسار في فرنسا

يأمل رئيس الوزراء الفرنسي الجديد ميشال بارنييه أن يعلن تشكيل حكومته «قبل الأحد»، في حين يتظاهر قسم من اليسار مجدداً، اليوم، للتنديد بالتوجهات السياسية للحكومة.


الجزائر: تبون يهاجم فترة حكم بوتفليقة في ملف «محاسبة المسيرين النزهاء»

تبون يلقي خطاباً أمام القضاة (الرئاسة)
تبون يلقي خطاباً أمام القضاة (الرئاسة)
TT

الجزائر: تبون يهاجم فترة حكم بوتفليقة في ملف «محاسبة المسيرين النزهاء»

تبون يلقي خطاباً أمام القضاة (الرئاسة)
تبون يلقي خطاباً أمام القضاة (الرئاسة)

هاجم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وجهاء النظام من فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من دون تسمية أحدهم، قائلاً إن «العصابة وأبواقها سممت الأوضاع على المسيرين النزهاء في الجزائر».

وكان الرئيس يتحدث إلى جمع من القضاة ورجال القانون، الاثنين، بمقر «المحكمة العليا» بالعاصمة، بمناسبة بدء «السنة القضائية»، حيث أكد أن «الجزائر استكملت بناء منظومة قضائية جمهورية، مُحصّنة بثقة الشعب»، في إشارة إلى مؤسسات جديدة جاء بها دستور سنة 2020، تتمثل أساساً في «المحكمة الدستورية» التي استخلفت «المجلس الدستوري»، وهي أعلى هيئة قضائية مكلفة بدارسة مدى مطابقة القوانين مع الدستور.

تبون أثناء خطابه في المحكمة العليا (الرئاسة)

وعندما أشار إلى «العصابة» و«المسيرين النزهاء»، فهو يقصد سجن عشرات الكوادر في الشركات والأجهزة الحكومية، بتهم «اختلاس مال عام»، و«استعمال النفوذ بغرض التربح غير المشروع»، وبأن ذلك تم بسبب «مؤامرات ودسائس»، كان وراءها مسؤولون في الحكم، بينما هم بريئون من هذه التهم، في تقدير الرئيس.

وأكد تبون بهذا الخصوص: «منذ سريان الدستور الجديد، تعززت مكانة العدالة وتجذرت بأحكامه استقلالية القضاء».

ويشار إلى أن كثيراً من المحامين والمنظمات الحقوقية، ترى عكس ما يقول تبون، فغالباً ما احتجت على «خضوع القضاة لإملاءات فوقية»، بشأن معالجة ملفات فساد وملاحقة مسؤولين بارزين من فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2019). زيادة على التنديد بسجن نحو 200 ناشط من الحراك الشعبي، فهم في نظرهم سجناء رأي، بينما تبون نفسه يرفض التسليم لهم بهذه الصفة، وبأن التهم التي وجهتها لهم النيابة ليست سياسية، كما تقول أحزاب المعارضة.

وبحسب تبون، فإن «مؤسسات الجمهورية قوية بالنساء والرجال المخلصين النزهاء، ومنهم أنتم السادة القضاة... فلكم مني أفضل تحية». وأضاف: «يمكنني التحدث باطمئنان عن الخطوات التي قطعناها، لاستعادة ثقة الدولة وتوطيد مقتضيات الحوكمة».

الرئيس أثناء إطلاقه السنة القضائية الجديدة (الرئاسة)

ويأتي حديث تبون عن أداء القضاء، في سياق جدل حول إطلاق متابعة قضائية ضد الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، بتهمة «سرقة قصة» امرأة جزائرية من ضحايا الإرهاب، وإسقاطها في روايته «حوريات» التي نال بها جائزة «غونكور» الفرنسية المرموقة.

وتناول تبون في خطابه، نصوصاً تشريعية كثيرة صدرت هذا العام، عددها 12، وأبرزها تعديل قانون العقوبات، فقال إنه «جسّد وعوده التي تعهد بها أمام الشعب بخصوص أخلقة الحياة العامة، ومكافحة الفساد والانحرافات بلا هوادة»، مشيداً «بالتزام المنتسبين لقطاع العدالة وبحرصهم على أداء الواجب الأخلاقي والمهني، وإدراكهم للأمانة الملقاة عليهم في سبيل إرساء دولة القانون».

ووفق تبون، فقد بذلت الحكومة «جهوداً من أجل تحديث ورقمنة قطاع العدالة»، وأن ذلك تجلى، حسبه، في «حسن مستوى الأداء، وتجاوز الأساليب التقليدية البيروقراطية... ويحذوني اليقين بمزيد من الإنجازات في قطاع العدالة بالفترة المقبلة، وبخاصة في مجالي التحديث والرقمنة». وتابع أنه يتعهد «بحل كل المشاكل الاجتماعية والشخصية والعائلية للقضاة، ليؤدوا مهامهم النبيلة على أكمل وجه».

وتطرق تبون إلى مذكرات الاعتقال التي أصدرتها حديثاً، المحكمة الجنائية الدولية، ضد مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، بناء على تهم تخص الجرائم التي ارتكبوها في غزة، مؤكداً أن «نداء الجزائر سمع من طرف قتلة الشعب الفلسطيني... فالشكر لهؤلاء الرجال النزهاء عبر العالم، ومنهم إخواننا في جنوب أفريقيا».