لماذا تفجرت احتجاجات طرابلس على المساواة بين «شهداء» الجيش الليبي؟

وسط تخوفات من تأثيرها على جهود «المصالحة»

المنفي خلال زيارة سابقة لمقر الكلية العسكرية في طرابلس (المجلس الرئاسي)
المنفي خلال زيارة سابقة لمقر الكلية العسكرية في طرابلس (المجلس الرئاسي)
TT

لماذا تفجرت احتجاجات طرابلس على المساواة بين «شهداء» الجيش الليبي؟

المنفي خلال زيارة سابقة لمقر الكلية العسكرية في طرابلس (المجلس الرئاسي)
المنفي خلال زيارة سابقة لمقر الكلية العسكرية في طرابلس (المجلس الرئاسي)

فجّر اقتحام بعض المحتجين مقر المجلس الرئاسي بالعاصمة الليبية، الأحد الماضي، عدة تساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى ذلك، ومدى تأثيره على جهود «المصالحة الوطنية». وجاءت الاحتجاجات عقب توجيه رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بحصر «جرحى وشهداء الجيش الوطني» المتمركز في شرق ليبيا، بقيادة المشير خليفة حفتر، ومنحهم المزايا المادية والمعنوية المقررة قانوناً، أسوة بباقي أفراد الجيش التابع لحكومة «الوحدة» بطرابلس.

وعلى الرغم من عدم نشر قرار المنفي حتى الآن، فإن الاعتراضات طرحت سؤالاً جوهرياً يتعلق بعدم تمكن جهود المصالحة من إنهاء الخصومة بين العناصر المسلحة في شرق البلاد وغربها، لا سيما مع مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحرب، التي شنها «الجيش الوطني» على طرابلس.

المشير خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني» الليبي (الجيش)

بداية، يرى رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي، طلال الميهوب، أن تيار الإسلام السياسي بالعاصمة يقف وراء اقتحام بعض المحتجين لمقر المجلس الرئاسي، بحسب ما أظهرت بعض مقاطع الفيديو المتداولة. ورأى الميهوب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا التيار «هو المسيطر» على المشهد السياسي في غرب ليبيا، كما اتهمه بـ«عرقلة التوصل لمصالحة وطنية، وبالتالي إجراء الانتخابات، ومن ثم استقرار البلاد».

ورغم إشارته لقيام حفتر بصرف المكافآت والمنح لعناصر الجيش من الجرحى وأسر الشهداء، شدد الميهوب على أن ذلك «لا يلغي حق تلك العناصر في الحصول على مزايا أو معاشات دائمة من الدولة، خاصة أن الجميع يعرف دورهم في محاربة التنظيمات الإرهابية في شرق البلاد».

وكانت وسائل إعلام محلية أشارت إلى أن نائب المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، طالب المنفي بسحب طلبه الذي وجهه لرئيس «هيئة رعاية أسر الشهداء» بشأن حصر «جرحى وشهداء الجيش الوطني»، وقال إنه لم يحصل على موافقة المجلس الرئاسي مجتمعاً، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، بحسب ما نصت عليه مخرجات «ملتقى الحوار السياسي» الليبي، الصادرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

بالمقابل، وصف مصطفى المجعي، المتحدث باسم «بركان الغضب»، العملية العسكرية التي تشكلت لصد هجوم قوات «الجيش الوطني» على طرابلس في أبريل (نيسان) 2019، قرار المجلس الرئاسي بكونه «مساواة بين الضحية والجلاد». وتساءل المجعي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كيف نقبل بالمساواة بين من دفع حياته لحماية طرابلس بمن شن الهجوم عليها؟».

عناصر تشكيلات مسلحة في طرابلس (الشرق الأوسط)

كما طالب المجعي بتأجيل إصدار مثل هذه القرارات، التي وصفها بـ«البالغة الحساسية والأهمية» لحين إجراء الانتخابات، لافتاً إلى أن السلطة التشريعية الجديدة من شأنها «حسم مثل هذه القضايا، التي من بينها تعريف من هو الجريح أو الشهيد الذي يستحق اعتراف الدولة به».

أما رئيس حزب «تجمع تكنوقراط ليبيا»، أشرف بلها، وعلى الرغم من تأكيده حسن نوايا المجلس الرئاسي في سعيه لضبط «منظومة الشهداء والجرحى» بعموم البلاد على المستوى المالي والإداري»، فإنه رأى أن «توقيت صدور القرار لم يكن ملائماً للكثير من الظروف التي تمر بها ليبيا» حالياً.

وقال بلها إن أجواء الخصام بين الأطراف التي تحاربت قبل سنوات «لا تزال موجودة، خاصة في ظل غياب توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية»، مضيفاً: «كان من الأفضل أن يسبق قرار المنفي محاولات للحوار بين الأطراف العسكرية في شرق البلاد وغربها بهذا الشأن، وأن يتم التأكيد على المصالحة بينهما، حتى لا يعد إجراء استفزازياً لأهالي الغرب الليبي وخاصة العاصمة». كما رأى أنه «كان ربما من الأفضل أيضاً أن يصدر الطرفان تعهداً بنبذ العنف، وعدم اللجوء للسلاح مرة أخرى؛ لكن في ظل استمرار تباعد المواقف، لا توجد نتيجة متوقعة سوى الرفض».

ووفقاً لرؤية بلها فقد أظهرت الاحتجاجات على هذا القرار «ضعف جهود المصالحة على أرض الواقع وعدم جديتها»، ورأى أن استراتيجية المجلس الرئاسي لإدارة ملف المصالحة «ربما انحصرت في الدعوة كل عدة أشهر لاجتماع أو ملتقى يرفع عنوان المصالحة، وهو ما لا يتناسب مع أهمية هذا الملف، الذي كان يتطلب تعبئة حقيقة من الجميع».

من جهته، سلط وزير الدفاع الليبي الأسبق، محمد البرغثي، الضوء على عدد من العوامل التي أدت بتقديره لزيادة الغضب تجاه قرار «الرئاسي»، ومن بينها «انزعاج البعض بالمنطقة الغربية من المناورة العسكرية التي أجراها الجيش الوطني قبل أيام بمدينة سرت».

وأبدى البرغثي تفهمه «لغضب أهالي المنطقة الغربية من القرار»، إلا أنه دعا بالمقابل «لتفهم وإدراك سقوط العديد من عناصر (الجيش الوطني) في الحرب على التنظيمات المتطرفة، واستحقاق ذويهم لتعويضات من الدولة».

واقترح البرغثي أن تسعى «هيئة الجرحى والشهداء» بـ(الجيش الوطني) إلى «التنسيق مع لجان البرلمان للحوار مع الأطراف المختلفة بغرب ليبيا؛ للتوافق على أي قرارات قد تصدر بشأنهم مستقبلاً، لتفادي ظهور تلك الاحتجاجات».


مقالات ذات صلة

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

شمال افريقيا زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

يعتقد ليبيون بأن «نفوذاً روسياً يتمدد في جنوب البلاد ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند الأخيرة إلى سبها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)

الدبيبة يسعى لاستعادة «أكبر مزرعة» ليبية في غينيا

المزرعة الليبية في غينيا تبلغ مساحتها 2150 هكتاراً ومخصصة لإنتاج المانجو والأناناس وملحق بها مصنع للعصائر وسبع بحيرات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع المنفي ولجنة الحدود (المجلس الرئاسي الليبي)

مقتل 3 مواطنين في اشتباكات بالزاوية الليبية

توقفت الاشتباكات التي جرت بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في جزيرة الركينة، بالقرب من مصفاة الزاوية الليبية مخلفة 3 قتلى و5 جرحى.

خالد محمود (القاهرة)
يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا يرى ليبيون أن «خطاب الكراهية يعد عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي» (البعثة الأممية)

ليبيون يتخوفون من تصاعد «خطاب الكراهية» على خلفية سياسية

قالت سميرة بوسلامة، عضو فريق حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، إنه «يجب على أصحاب المناصب اختيار كلماتهم بعناية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)
أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)
TT

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)
أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)

أعلن الرئيس الإريتري آسياس أفورقي وقوف حكومته مع السودان لتحقيق الأمن والاستقرار، في أعقاب جولة مباحثات أجراها في العاصمة أسمرة مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي وصل إلى بلاده في زيارة رسمية.

وتأتي زيارة البرهان إلى إريتريا، بعد وقت قصير من إعلان أفورقي دعمه المباشر للجيش السوداني في حربه ضد قوات «الدعم السريع»، وعدّ أفورقي الحرب الدائرة بأنها حرب إقليمية تهدد أمن بلاده، وهدد بالتدخل بجيشه وإمكانياته لنصرة الجيش السوداني، حال اقتراب الحرب من ولايات «البحر الأحمر، وكسلا، والقضارف، والنيل الأزرق»، كونها امتداداً للأمن القومي لبلاده.

وأجرى البرهان جولة مباحثات مع أفورقي، تناولت علاقات البلدين، وتطور الأوضاع في السودان، وجهود إحلال الأمن والاستقرار، واستمع خلالها المضيف لتنوير من البرهان بشأن مستجدات الأوضاع في السودان، والانتهاكات التي «ارتكبتها الميليشيا الإرهابية المتمردة ضد المواطنين، والتدمير الممنهج للدولة السودانية ومؤسساتها»، وعزمه على «القضاء على الميليشيا ودحرها وهزيمتها»، وذلك وفقاً لنص إعلام مجلس السيادة.

أفورقي لدى استقباله البرهان في مطار أسمرة الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)

ونقل إعلام السيادة عن الرئيس أفورقي، أن بلاده تقف بثبات ورسوخ إلى جانب السودان من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، وهو ما يعد امتداداً للعلاقات الأزلية بين شعبي البلدين: «سنعمل على تعزيز آفاق التعاون المشترك بما يخدم مصالح البلدين والشعبين».

إريتريا لن تقف على الحياد

وكان الرئيس آسياس أفورقي قد هدد قبل أيام، بأن بلاده ستتدخل لصالح الجيش السوداني إذا اقتربت الحرب من أربع ولايات حدودية، هي: القضارف وكسلا والبحر الأحمر والنيل الأزرق، وأضاف في تصريحات نقلتها صحيفة «التيار» السودانية: «إذا وصلت الحرب إلى هذه الولايات، فإن إريتريا لن تقف مكتوفة الأيدي، وستصبح طرفاً في الحرب بكل ما تملك من جيوش وإمكانيات، لأن أمنها القومي سيصبح في المحك».

ووفق عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة «التيار» السودانية، الذي زار أسمرة، ضمن وفد صحافي سوداني، الشهر الماضي، فإن الرئيس الإريتري أبلغهم بأن بلاده «تنظر إلى الحرب الدائرة بوصفها حرباً إقليمية تستهدف السودان»، داعياً للتعامل معها بالجدية الكافية، وقال أيضاً: «ما كان يجب السماح بقيامها (الحرب) ابتداءً، سواء كان ذلك سلماً أو حرباً، وعدم السماح باستمرارها لأكثر من عام ونصف العام، وكان يجب توجيه ضربة استباقية لـ(الدعم السريع)».

وأوضح ميرغني على «فيسبوك»، أن أفورقي أبلغهم بأهمية بلوغ الدولة السودانية ما سماه «بر الأمان»، عادّاً ذلك «أولوية الأولويات»، وقال أفورقي أيضاً: «الدولة السودانية تواجه تحدي البقاء أو الفناء، وإنقاذها من هذا المصير يتطلب اتحاد كلمة الشعب السوداني مع الجيش».

دعوة بوتين لزيارة بورتسودان

من جهة أخرى، سير مئات السودانيين في العاصمة الإدارية «بورتسودان» موكباً إلى السفارة الروسية، تأييداً وشكراً على «الفيتو» الروسي في مجلس الأمن، وإسقاط مشروع القرار الذي تقدمت به بريطانيا وسيراليون، لوقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية، وحملوا لافتات كتب عليها: «شكراً روسيا، روسيا تدعم السلام والاستقرار في السودان».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لدى لقائهما في منتجع سوتشي على البحر الأسود أكتوبر 2019 (أ.ب)

وقال السفير الروسي في بورتسودان، أندريه تشيرنوفول، لدى استقباله المسيرة، إن حكومته صديقة وستظل صديقة للشعب السوداني، وأضاف: «الكل يعرف الوضع الداخلي في السودان، وأن الشعب يقف مع الجيش ومع الحكومة الشرعية، وهذا واقع معروف في كل العالم».

وأوضح أن استخدام بلاده لحق النقض «فيتو» يأتي احتراماً لخيار الشعب السوداني، وأضاف: «نحترم خيار الشعب السوداني، ومن أجل ذلك رفعنا صوتنا في مجلس الأمن ضد الوجود الأجنبي على أراضي السودان». ووجهت «المبادرة السودانية الشعبية»، وهي الجهة التي نظمت الموكب الدعوة للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، لزيارة السودان لتكريمه من قبل الشعب، وكرّمت سفير بلاده في بورتسودان.