ما دلالات استعادة الجيش السوداني السيطرة على «الإذاعة»؟

البرهان يتجول في أم درمان والمهندسين لأول مرة منذ بداية الحرب

البرهان وقيادات من الجيش يتناولون الإفطار (مغرب الثلاثاء) مع مواطنين في أم درمان (الجيش السوداني)
البرهان وقيادات من الجيش يتناولون الإفطار (مغرب الثلاثاء) مع مواطنين في أم درمان (الجيش السوداني)
TT

ما دلالات استعادة الجيش السوداني السيطرة على «الإذاعة»؟

البرهان وقيادات من الجيش يتناولون الإفطار (مغرب الثلاثاء) مع مواطنين في أم درمان (الجيش السوداني)
البرهان وقيادات من الجيش يتناولون الإفطار (مغرب الثلاثاء) مع مواطنين في أم درمان (الجيش السوداني)

تفقد قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، قيادة «سلاح المهندسين» في العاصمة الخرطوم، وذلك للمرة الأولى التي يصل فيها إلى هذه المنطقة منذ «إخراجه» من مقر قيادة الجيش وسط العاصمة في أغسطس (آب) الماضي، وإقامته في بورتسودان (شرق السودان).

وجاءت جولة البرهان غير المسبوقة منذ شهور لتضاف إلى إعلان الجيش، الثلاثاء، استعادته لمقر «الإذاعة والتلفزيون» من قبضة «قوات الدعم السريع» التي كانت تسيطر على المقر منذ عام تقريباً.

وبثّت منصات رسمية تابعة للجيش السوداني، الأربعاء، صوراً ومقاطع فيديو تظهر تجول البرهان، الثلاثاء، في أم درمان ومنطقة سلاح المهندسين، فضلاً عن تجمعات لمواطنين عبروا عن «فرحة غامرة» باستعادة الجيش للسيطرة على مبنى «الإذاعة»، وهو ما عده محللون «نصراً معنوياً» أكثر من كونه «مكسباً عسكرياً»، ورأوا أن المنطقة «ليست لها تأثير تكتيكي مادي كبير»، لكنهم ذهبوا إلى أن ذلك «يدفع بالجيش إلى مائدة التفاوض بموقف أفضل».

ووفق ما بثت منصات «مجلس السيادة الانتقالي»، فقد ظهر البرهان في تصوير تم ليل الثلاثاء، وهو في طريقه إلى «قيادة سلاح المهندسين»، الواقع في المدخل الشرقي لمدينة أم درمان وعند جسر «الفتيحاب» الذي تسيطر على مدخله الشرقي من جهة الخرطوم «الدعم السريع»، وكان ذلك بعد ساعات قليلة من وصوله لمنطقة كرري العسكرية، في أعقاب إعلان الجيش السوداني السيطرة على مقر «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون».

وكانت «الدعم السريع» تسيطر على مناطق واسعة من أم درمان، وتتضمن الأحياء الجنوبية والغربية وأم درمان القديمة والإذاعة والتلفزيون وغيرها من المناطق، بينما كان الجيش يسيطر على منطقة شمال المدينة «محلية كرري» بما فيها المنطقة العسكرية ومطار وادي سيدنا الحربي، إضافة إلى «قيادة سلاح المهندسين» التي استطاع الجيش «فك الحصار» عنها في 16 فبراير (شباط) الماضي، بعد حصار «الدعم السريع» لها طوال أكثر من 10 أشهر.

وبثت الصفحات الموالية للجيش، بما فيها صفحته الرسمية، صوراً لجنود وهم داخل المبنى التاريخي، وبدا لافتاً وجود قائد «كتيبة البراء الإخوانية»، المصباح طلحة، بينهم بزيه العسكري، وأثار ظهوره ضجة واسعة بين مؤيد لدور «كتائب الإخوان»، بوصفها مسانداً للجيش، ورافض عدّها «ميليشيا جديدة» تتكون في رحم الجيش السوداني.

قائد كتيبة البراء الإخوانية المصباح طلحة (أقصى اليمين) داخل مبنى الإذاعة (فيسبوك)

معنوي ورمزي

ويقول المحلل السياسي محمد لطيف لـ«الشرق الأوسط» إن «استرداد القوات المسلحة للإذاعة شغل الرأي العام بين من يقللون منه على مستوى جغرافي مقارنة بالمساحات التي يسيطر عليها الدعم، ومن يرى أنه انتصار كبير لأن للإذاعة والتلفزيون قيمتها المعنوية ورمزيتها، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي والمهم في خاصرة أم درمان».

ويعدّ لطيف أي تقدم عسكري «انتصاراً لا ينكره إلا مكابر»، ويضيف: «ما حدث في محيط الإذاعة والتلفزيون، بغض النظر عن كيف تم، هو انتصار للقوات المسلحة»، ويضيف: «نلاحظ (بوصفنا) مراقبين اختلالاً في ميزان القوى لصالح (الدعم السريع) منذ بداية الحرب».

ويرى لطيف أن استعادة هيئة الإذاعة والتلفزيون «متغير يخدم دعاة وقف الحرب». ويقول: «في المسكوت عنه، القوات المسلحة ظلت في حالة تراجع مستمرة، ما يصعب عليها الذهاب إلى المائدة وهي خاسرة، وبموقف تفاوضي ضعيف»، ويستطرد: «موضوعياً، فإن أي تقدم للجيش يقوي موقفه ويدفعه للتفاوض، ومن مصلحة دعاة وقف الحرب تحسن موقفه العسكري، بما يحقق توازن القوتين».

ويقول لطيف: «نأمل ألا يصل الطرفان إلى النقطة صفر، والعجز عن أي عمل عسكري، فتنهار الدولة»، ويضيف: «يتفاوض الطرفان حتى إذا وصلا إلى مرحلة توازن الضعف سيجدان نفسيهما مجبرَين على الجلوس حول مائدة التفاوض».

وصل القوات

من جهته، يرى الخبير العسكري المقدم مهندس متقاعد الطيب المالكابي، ما حدث في أم درمان، أنه «تقدم تكتيكي مهم، يربط المساحة بين منطقة وادي سيدنا العسكرية شمالاً، وقيادة سلاح المهندسين جنوباً؛ لأن قواعد ومعسكرات الجيش أصبحت جزراً معزولة لا تواصل أرضياً بينها».

ويضيف: «سلاح المهندسين كان معزولاً عن منطقة كرري العسكرية، والاثنان معزولان عن القيادة العامة، وسلاح المدرعات، وسلاح الإشارة، المعزولة عن بعضها بعضاً».

ويوضح المالكابي أن «وصل سلاح المهندسين وقيادة منطقة وادي سيدنا العسكرية يفتح طريق الإمداد القادم من جهتي الشمال والشرق لسلاح المهندسين، بل يمكن أن يؤثر ميدانياً على الأوضاع في الخرطوم وأم درمان».

بيد أن المقدم المالكابي لا يرى «أهمية عسكرية وميدانية في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أكثر من كونها انتصاراً معنوياً، بالنسبة لكوادر الإسلاميين المشاركين في الحرب الذين ظلوا يرون بقاءها تحت سيطرة (الدعم السريع) هزيمة معنوية لهم». ويقول: «هي مجرد معركة وجدانية استراتيجية، لا تأثير مادياً لها؛ لأنها لا تسد الطريق بين المهندسين ووادي سيدنا».

ويرى المقدم المالكابي أن منطقة الإذاعة أصبحت بعد تدمير جسر شمبات، منطقة هشاشة و«عجز» لـ«قوات الدعم السريع»، والقوات الموجودة حالها كحال قوات الجيش معزولة في شبه جزر، ويتابع: «الإذاعة كانت نقطة ضعيفة بالنسبة لـ(الدعم السريع)»


مقالات ذات صلة

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سودانيات ينتظرن في طابور للحصول على مساعدات بمدينة أدري التشادية بعد فرارهن من دارفور (رويترز)

​ما سر خلاف الجيش السوداني و«الدعم السريع» حول معبر «أدري»؟

أعلنت الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية عاصمة مؤقتة الاستجابة لمطلب تمديد فتح معبر «أدري» الحدودي مع تشاد

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط مجلس الأمن في نقاشات حول مشروع قرار بريطاني لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال فوراً والسماح بتسليم المساعدات الإنسانية.

علي بردى (واشنطن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان (رويترز)

البرهان يجري تعديلات شملت 4 وزارات

أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان مراسيم رئاسية مفاجئة، أقال بموجبها 4 وزراء، وعيّن بدلاء لهم، أبرزهم وزيرا الخارجية والإعلام، وذلك قبل ساعات.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (قناة مجلس السيادة الانتقالي عبر «تلغرام»)

البرهان يقيل وزيري الخارجية والإعلام

أعلن مجلس السيادة السوداني، اليوم، أن  قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، أصدر قراراً بإقالة وزيري الخارجية والإعلام.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
TT

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)

تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي لدعم وتعزيز «الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة»، يوم الاثنين المقبل، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة.

وأعلن وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عن استضافة «مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة»، يوم 2 ديسمبر (كانون الأول)، وقال خلال مشاركته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا الاثنين: «المؤتمر سيبحث إجراءات تعزيز الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة»، حسب إفادة للخارجية المصرية.

وأعاد عبد العاطي التأكيد على محددات الموقف المصري تجاه التطورات الإقليمية، التي تتضمن «ضرورة وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، ونفاذ المساعدات الإنسانية دون عوائق، فضلاً عن أهمية الانتقال لإيجاد أُفق سياسي لتنفيذ حل الدولتين».

وكشفت مصادر مصرية مطلعة أن «المؤتمر سيعقد على مستوى وزراء الخارجية»، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الحضور سيشمل تمثيلاً إقليمياً، من دول المنطقة، ودولياً، من المجتمع الدولي»، إلى جانب «تمثيل المؤسسات الدولية، ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسها (الأونروا)».

وتجري القاهرة استعداداتها المكثفة لاستضافة المؤتمر، لضمان مشاركة واسعة فيه إقليمياً ودولياً، وفق المصادر، التي أشارت إلى أن «مصر ما زالت تتلقى تأكيدات من الدول التي ستشارك»، وأوضحت أن «المؤتمر سيناقش الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية للوضع في قطاع غزة»، وأن «دعم عمل وكالة (الأونروا)، سيكون من فعاليات المؤتمر».

ويعقد المؤتمر في ظل مطالبات عربية رسمية برفع القيود الإسرائيلية على مرور المساعدات لقطاع غزة، بعد قرار إسرائيل بحظر عمل أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ويتوقف رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين، صلاح عبد العاطي، عند عقد المؤتمر بالتزامن مع الأوضاع الإنسانية الصعبة في قطاع غزة، وقال إن «الفلسطينيين ينظرون بإيجابية لمؤتمر القاهرة الوزاري، أملاً في تحقيق اختراق لأزمة المساعدات الإنسانية، والتدخل لإنفاذ الدعم لسكان القطاع»، مشيراً إلى أن «استمرار الوضع الحالي، مع حلول موسم الشتاء، يفاقم من المعاناة الإنسانية للسكان بغزة».

وتحدث عبد العاطي عن الأهداف التي يأمل الفلسطينيون أن يحققها المؤتمر، ودعا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة أن يحقق المؤتمر استجابة إنسانية سريعة لسكان القطاع، كما حدث في التدخلات المصرية السابقة»، إلى جانب «ممارسة ضغوط على الجانب الإسرائيلي لفتح المعابر أمام المساعدات الإغاثية»، كما طالب بـ«تشكيل تحالف دولي إنساني لدعم الإغاثة الإنسانية لغزة».

وتقول الحكومة المصرية إنها قدمت نحو 80 في المائة من حجم المساعدات الإنسانية المقدمة لقطاع غزة، وفق تصريحات لوزير التموين المصري في شهر مايو (أيار) الماضي.

واستضافت القاهرة، في أكتوبر من العام الماضي، «قمة القاهرة للسلام»، بمشاركة دولية واسعة، بهدف «دفع جهود المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار، والعمل على تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».

وباعتقاد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، طارق فهمي، أن «مؤتمر القاهرة الوزاري يستهدف إعادة تقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية، مرة أخرى، في ضوء التطورات الإقليمية»، وقال إن «توقيت ومستوى التمثيل في المؤتمر، يقدمان رسائل تنبيه مبكرة لخطورة الوضع في القطاع، والمسار المستقبلي للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي».

وستتجاوز مناقشات المؤتمر حدود الدعم الإنساني والإغاثي لسكان قطاع غزة، وفقاً لفهمي، الذي قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «المؤتمر سياسي بالدرجة الأولى، ويستهدف استعراض الجهود المبذولة، خصوصاً من الدول العربية، لوقف الحرب في القطاع»، مشيراً إلى أن «المؤتمر سيسعى لصياغة مقاربات جديدة للتعاطي مع الأزمة في غزة، والقضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع تولي إدارة دونالد ترمب مهامها الرسمية في أميركا».