هل بدأ دور الأحزاب السياسية يتلاشى في تونس؟

سياسيون يرون أن إجراءات السلطة خلقت «بيئة غير مواتية للعمل الحزبي»

مؤيدون لحزب الجمهورية في مظاهرة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين (إ.ب.أ)
مؤيدون لحزب الجمهورية في مظاهرة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين (إ.ب.أ)
TT

هل بدأ دور الأحزاب السياسية يتلاشى في تونس؟

مؤيدون لحزب الجمهورية في مظاهرة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين (إ.ب.أ)
مؤيدون لحزب الجمهورية في مظاهرة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين (إ.ب.أ)

خفت بريق الأحزاب السياسية في تونس، بعد عقد من الزخم رافق بداية الانتقال الديمقراطي إبان ثورة 2011، قبل أن يحدث الرئيس قيس سعيد مجموعة من التغييرات السياسية المهمة؛ أبرزها إطاحته بالبرلمان والنظام السياسي في 25 يوليو (تموز) 2011.

وتوارت الأحزاب بشكل لافت منذ إعلان الرئيس سعيد التدابير الاستثنائية في 25 يوليو 2021، ومن ثم إرساء نظام سياسي بديل عزز بشكل كبير من صلاحياته على رأس السلطة، في دستور وضعه بنفسه وعرضه على الاستفتاء الشعبي في 2022. ونتيجة لهذه التغييرات، جاءت مشاركة الأحزاب في الانتخابات البرلمانية المبكرة في 2022 محدودة للغاية، واقتصرت على طبقة سياسية داعمة للرئيس سعيد، وأخرى وافدة على السياسة. لكن الانتكاسة السياسية لاحقاً طالت غالبية الأحزاب، بما في ذلك الداعمة لمسار 25 يوليو.

شيطنة الأحزاب

اعترف زهير المغزاوي، أمين حزب «حركة الشعب» الممثل في البرلمان منذ 2011، والداعم للرئيس قيس سعيد، بتفشي موجة «شيطنة» للأحزاب بسبب أدائها في الحكم طيلة العشرية الأخيرة. وقال، في تصريحه لوكالة الأنباء الألمانية، إن «أفكار الرئيس سعيد أيضاً تنطلق من نظرية إلغاء الأجسام الوسيطة في الحكم، ومن بينها الأحزاب. لكن لا يجب التذرع بالقيود. الأحزاب كانت تنشط أيضاً في زمن الديكتاتورية».

راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة (إ.ب.أ)

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إن إجراءات الرئيس سعيد خلقت بيئة غير مواتية للعمل الحزبي والسياسي. ومنعت السلطات الأمنية حركة «النهضة» الإسلامية، أكبر حزب في البلاد منذ أبريل (نيسان) 2023 من تنظيم اجتماعاتها، وأغلقت جميع مقارها في البلاد، كما يقبع عدد من قيادييها البارزين، ومن بينهم زعيم الحركة راشد الغنوشي في السجن بشبهة «التآمر على أمن الدولة». وقال الجورشي بهذا الخصوص: «تعاني الأحزاب أيضاً من مشاكل منذ القدم لأنها لم تتأسس وتتطور في مناخ ديمقراطي، وأحياناً هي مشلولة وعاجزة عن إدارة الشأن العام، وقد ثبت هذا بعد ثورة 2011 عندما توفرت لها الفرصة للحكم لكنها عجزت وفشلت».

تلاشي حضور الأحزاب

تلاشى حضور الأحزاب تدريجياً مع نظام «الحكم القاعدي»، الذي أرساه الرئيس سعيد بعد 2021، بدءاً بنظام انتخابي يعتمد الاقتراع على الأفراد في الانتخابات البرلمانية، بدل الاقتراع على القوائم، وهو ما ضاعف من تهميش دور الأحزاب. لكن على الجانب الآخر، يلقي محللون باللائمة على الأحزاب نفسها في انحسار دورها، وضرب مصداقيتها لدى الناخبين. وأرجع المغزاوي «تآكل» الأحزاب السياسية إلى «بنيتها الهشة أصلاً، بدليل اندثار أحزاب عدة قبل حتى قرارات 25 يوليو، رغم فوزها في انتخابات ديمقراطية في 2011». وقال المغزاوي موضحاً: «لقد اعتمدت هذه الأحزاب على أشخاص، وليس على رأس مال سياسي، ولهذا اندثرت».

عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر (موقع الحزب)

وبعد فترة وردية أعقبت سقوط حكم الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي في 2011، بلغ فيها النشاط الحزبي ذروته، حيث ناهز عددها 250 حزباً حتى عام 2020، وهو عدد ضخم مقارنة بعدد السكان، جاءت الانتكاسة الكبرى في عام 2021. وبهذا الخصوص قال الجورشي إن «هناك فجوة في علاقة الأحزاب بالجمهور، الذي لم يتعود على نظام تعددي، ولذلك هو في حالة اضطراب إزاء تغير الحكومات»، مضيفاً أنه «يتعين على الأحزاب أن تعيد بناء الثقة مع المواطنين لكسب المصداقية».

أحمد نجيب الشابي زعيم جبهة الخلاص المعارضة (موقع الجبهة)

وبينما يقبع قياديون بارزون من أحزاب معارضة للرئيس سعيد في السجن، ومع انحسار دور الأحزاب المؤيدة للسلطة، فإن الأحزاب بشقيها باتت تواجه مصيراً مجهولاً. وليس واضحاً ما إذا كان هذا الوضع سيستمر طيلة حكم الرئيس سعيد، الذي من المرجح أن يتقدم في خريف العام الحالي لولاية رئاسية ثانية من 5 سنوات.

إقصاء الأحزاب من اتخاذ القرارات

يقول عبيد البريكي، الأمين العام لحركة «تونس الأمام»، وهو أحد الداعمين للرئيس سعيد: «لا وجود لديمقراطية دون أحزاب سياسية». ومع أن البريكي أشار إلى مشاركة الأحزاب في محطات من خريطة الطريق التي وضعها الرئيس سعيد بعد 2021، مثل الاستشارة الوطنية حول الإصلاحات السياسية والانتخابات البرلمانية في 2022، فإنه لفت إلى أن «الإشكال اليوم يكمن في عدم (إشراك) الأحزاب في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمصير البلاد». وقال البريكي إن رئيس الجمهورية «لا يستمع لا لمعارضيه ولا لمسانديه». واستفاد الرئيس سعيد من اهتزاز صورة الأحزاب بعد عقد من الحكم المتعثر، وردد في خطاباته أنه يريد مكافحة الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة وتصحيح مسار ثورة 2011. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أعلنت رئاسة الحكومة حل 97 حزباً، بسبب عدم تقديمها تقاريرها المالية منذ عام 2018، من بين 150 حزباً وجهت لها تنبيهات لتسوية أوضاعها المالية. وأوضح ديوان رئاسة الحكومة أن القضاء أصدر قرارات بين عامي 2020 و2022 بحل 15 حزباً، بينما قرر 14 حزباً حل نفسها.

مؤيدون لحزب الجمهورية في مظاهرة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين (إ.ب.أ)

ومع ذلك لا يرى عبد اللطيف المكي، أمين عام «حزب العمل والإنجاز»، الذي أعلن عن تأسيسه رسمياً في فبراير (شباط) الماضي، مستقبلاً مظلماً للأحزاب السياسية في تونس. وقال إن «السلطة محاصرة بسياساتها، من اعتقالات وتضييقات على الإعلام، وافتقادها رؤية اقتصادية، ولذلك فالأحزاب في وضع مريح كي تستأنف دورها، شريطة التقييم الصارم وإصلاح العلاقة مع الرأي العام». في هذا السياق يقول الجورشي إنه «يتعين على الأحزاب أن تبادر بالإصلاح وإعادة بناء نفسها، أو تأسيس أحزاب جديدة تقودها قيادات شابة ببرامج سياسية». لكن الجورشي لفت أيضاً إلى أن عودة الأحزاب «تتطلب تصحيحاً للعلاقة بين الرئيس سعيد والطبقة السياسية»، مؤكداً أنه «من دون ذلك فإن الأحزاب ستبقى عاجزة عن لعب دورها السياسي والرقابي».



الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
TT

الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)

تعوّل الحكومة الجزائرية على تحسّن معدلات الصناعة العسكرية، بغرض رفع نسبة النمو في قطاع الصناعة وإنعاش الاقتصاد التابع تبعية مطلقة لإيرادات النفط والغاز.

وبرزت أهمية التصنيع الحربي في «معرض الإنتاج الوطني» السنوي الذي انطلق الخميس الماضي. ففي الجناح المخصص لوزارة الدفاع في المعرض الذي يقام بالضاحية الشرقية للعاصمة، يتم تقديم مختلف المنتجات الخاصة بالقوات المسلحة، والترويج لها على أساس أنها «قاطرة الصناعة في البلاد».

تصنيع عربات عسكرية بالشراكة مع شركة «مرسيدس» الألمانية (وزارة الدفاع)

وأبرز الرئيس عبد المجيد تبون، خلال افتتاح التظاهرة الاقتصادية والتجارية، «أهمية الصناعة العسكرية كنموذج يجب اتباعه وكرافعة للصناعة الوطنية». وأكد أن الجيش «حقق مستويات في الصناعة، أتمنى أن تصل إليها الشركات الأخرى»، وهنّأ القائمين على جناح وزارة الدفاع بالمعرض، لـ«معدل التكامل العالي الذي أنجزته الصناعة العسكرية»، من دون أن يقدم أي رقم فيما يخص التصنيع الحربي.

ولفت تبون إلى أن «السياسة التي تبنتها الدولة في السنوات الأخيرة، الهادفة إلى تشجيع الإنتاج المحلي، ساهمت في تقليص فاتورة الواردات بنسبة 40 في المائة»، داعياً إلى «عدم التفريق بين الشركات التي تتبع للجيش، وبين الشركات الحكومية والخاصة؛ إذ تساهم جميعها في رفع شأن الإنتاج الجزائري».

وتشارك في «معرض الإنتاج الوطني 2024» مئات المؤسسات الحكومية والخاصة. وغالباً ما تستعرض الحكومة «عضلاتها» من خلال هذا الحدث الاقتصادي، للتأكيد على «قدرة المنتوج الجزائري على المنافسة في الأسواق الدولية»، علماً أن الجزائر حققت الاكتفاء الذاتي في قطاع من المنتجات الزراعية، في حين تستورد كل حاجاتها من المواد المصنّعة ونصف المصنّعة.

الرئيس تبون يستمع إلى خطة عمل مؤسسات خاصة (الرئاسة)

ويقول مصدر حكومي، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن الصناعة العسكرية في الجزائر «أصبحت اليوم نموذجاً يحتذى به في التنظيم والحوكمة، وكذلك في الجودة والأداء. إنه قطاع تمكن بفضل صرامته من التكيّف مع متطلبات ومعايير الإنتاج في عدة مجالات، بدءاً من صناعة الأسلحة ووصولاً إلى وسائل النقل واللوجستيات والملابس».

وأوضح المصدر ذاته، أن قطاع التصنيع العسكري «يواجه اليوم تحديات جديدة، تتمثل في التحكم في مجالات ذات قيمة تكنولوجية عالية، مثل صناعة المسيّرات ومعدات الاتصالات. ويتمثل التحدي الآخر في تحسين نسب الاندماج، من خلال الاعتماد على الإنتاج والمناولة المحلية، بهدف رفع مستويات الاندماج إلى أكثر من 60 في المائة في السنوات المقبلة».

ووفق المصدر ذاته، فإنه «يجب الإشادة بجهود والتزامات المؤسسة العسكرية في تحديث وتطوير هذه الصناعة الحربية التي تم تصنيفها كأولوية استراتيجية؛ نظراً لتأثيرها في تعزيز القوة العسكرية؛ كونها ركيزة أساسية للسيادة الوطنية». واللافت أنه لا تتوفر بيانات محددة حول نسبة مساهمة الصناعة العسكرية في نمو الصناعة الجزائرية بشكل عام.

رئيس البلاد مع مسؤولين من وزارة الدفاع في جناح الإنتاج الحربي في معرض الإنتاج الوطني (الرئاسة)

ويشار إلى أن موازنة الجيش لعام 2025 محددة بـ22 مليار دولار (الموازنة العامة مقدرة بـ126 مليار دولار)، وهي في زيادة مستمرة منذ 5 سنوات. وتبرر الحكومة حجم الإنفاق العسكري العالي بـ«التهديدات والمخاطر المحيطة بالجزائر»، وتقصد، ضمناً، الاضطرابات في مالي والنيجر، وفي ليبيا أيضاً، وتعاظم تجارة السلاح والمخدرات ونشاط المهربين في جنوب الجزائر الفسيح.

وكان تبون صرّح بنهاية 2023 بأن نسبة الاندماج في مجال الصناعات الميكانيكية العسكرية تجاوزت 40 في المائة؛ ما يدل على تقدم ملحوظ في هذا القطاع في تقدير السلطات. بالإضافة إلى ذلك، نجحت المؤسسات الصناعية التابعة للجيش الوطني الشعبي في أن تكون داعماً مهماً للنسيج الصناعي الجزائري، بعد أن وسعت دائرة اهتماماتها لتشمل مختلف المجالات الصناعية.

وعلى الرغم من هذه التطورات، لا تزال الصناعات العسكرية الجزائرية ناشئة، وفق خبراء مستقلين. فهي بحاجة إلى المزيد من الوقت لتطوير قدراتها الإنتاجية والتكنولوجية، خاصة في مجالات الأسلحة المتطورة.