أكبر تجمع عمالي في تونس احتجاجاً على انهيار القدرة الشرائية

أمين عام «اتحاد الشغل»: نرفض تكميم الأفواه والتضييق على الحريات النقابية

التجمع العمالي الحاشد الذي نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل يعد الأكبر من نوعه منذ أشهر (رويترز)
التجمع العمالي الحاشد الذي نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل يعد الأكبر من نوعه منذ أشهر (رويترز)
TT

أكبر تجمع عمالي في تونس احتجاجاً على انهيار القدرة الشرائية

التجمع العمالي الحاشد الذي نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل يعد الأكبر من نوعه منذ أشهر (رويترز)
التجمع العمالي الحاشد الذي نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل يعد الأكبر من نوعه منذ أشهر (رويترز)

نظّم الاتحاد العام التونسي للشغل، اليوم (السبت)، تجمعاً عمالياً حاشداً هو الأكبر من نوعه منذ أشهر؛ احتجاجاً على تعطل «الحوار الاجتماعي»، وانهيار القدرة الشرائية للتونسيين. وكانت المنظمة العمالية القوية، التي تقول إنها تضم نحو مليون عضو، قد دعت للتجمع العمالي «للدفاع عن الحوار الاجتماعي، وتنفيذ الاتفاقيات السابقة، ووقف انهيار القدرة الشرائية». وتجمع بضعة آلاف من النقابيين والعمال من مختلف جهات البلاد في ساحة القصبة، قرب مقر الحكومة بالعاصمة، رافعين شعارات تندد بتعطل الحوار الاجتماعي وتراجع القدرة الشرائية، وللدفاع عن الحق في النشاط النقابي. كما ردّد المحتجون، الذين رفعوا رايات «اتحاد الشغل»، شعارات غاضبة عدة، منها «الحق النقابي واجب... حق الإضراب واجب»، و«الاتحاد من حديد لا ترهيب لا تهديد»، و«لا خوف... لا رعب... السلطة ملك الشعب».

نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل في خطابه أمام التجمع العمالي (رويترز)

وندد نور الدين الطبوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل، في خطابه أمام التجمع العمالي بما تشهده البلاد في الفترة الأخيرة من «انتهاكات خطرة للحقوق والحريات النقابية، تجسّدت من خلال موجة الاعتقالات والمحاكمات، ومختلف أشكال التنكيل على خلفية ممارسة حقوقهم النقابية»، عادّاً التضييق على العمل النقابي «خرقاً من قبل الدولة التونسية للالتزامات بموجب مصادقاتها على المواثيق، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية». كما انتقد الطبوبي بشدة ما وصفه «التضييق على الحريات النقابية»، مشيراً إلى توقف الحوار الاجتماعي مع الحكومة «رغم أهميته الاقتصادية والاجتماعية وأيضاً السياسية». وتوترت علاقة الرئيس قيس سعيد مع «الاتحاد العام للشغل» بشكل كبير، بعد اعتقال قياديين نقابيين بارزين العام الماضي؛ بسبب إضرابات عن العمل.

موظفة ترفع لافتة للمطالبة بضمان الحق في الإضراب (رويترز)

وقال الطبوبي، أمام المئات من أنصاره وسط التجمع: «وطننا اليوم يئن، والبلاد في حالة كآبة... ولا نقبل تكميم الأفواه، وسياسة زرع الرعب والتخويف والتخوين، وتقسيم المجتمع»، معلناً عن اجتماع للهيئة الإدارية للاتحاد خلال أسبوع لإصدار قرارات، لم يفصح عن جوهرها. من جهتها، قالت رحمة عاتي قربع، الكاتب العام للاتحاد المحلي بالمحرس، التابع لصفاقس: «نشارك في الاحتجاج؛ بسبب عدم تنفيذ الاتفاقيات السابقة مع الحكومات المتعاقبة كلها... بعد أن تم ضرب الحق النقابي وحق التفاوض الاجتماعي، الذي يهم الشعب التونسي كافة... كما تراجعت القدرة الشرائية للتونسيين؛ بسبب استمرار غلاء الأسعار... والحكومة غير قادرة على السيطرة على الأسعار في وقت زاد فيه غياب عديد من المواد الغذائية والأدوية، وهو ما فاقم معاناة الشعب التونسي»، مضيفة أن الحكومة «ترفع شعار عدم رفع الدعم، لكن الحقيقة أن الدعم رُفع بشكل غير مباشر عن المواد كلها، رغم تدني الرواتب وارتفاع معدلات البطالة في البلاد».

عدد من النقابيين المشاركين في التجمع العمالي أكدوا أن نسبة المشاركة كانت قياسية في الاحتجاج (أ.ف.ب)

وراهنت قيادات «اتحاد الشغل» على ضمان مشاركة قياسية في هذا التجمع، الذي ينظّم بعد أشهر من تدهور العلاقة مع رئاستَي الجمهورية والحكومة، والذي دعا فيه الطبوبي السلطة السياسية لأن تلتقط بمفهوم إيجابي الإشارات التي قدمها «الاتحاد» في التجمع العمالي، وكشف عن برمجة لقاء إداري، الأسبوع المقبل، لتحديد خيارات «الاتحاد»، و«مواصلة النضال إذا لم يجد آذاناً مصغية من أجل تنقية المناخات المختلفة».

وقال الطبوبي في محاولة لتهدئة الأجواء، التي سادها التوتر خلال التظاهرة، إن تونس «لا يمكنها العيش في أجواء كلها حقد وكراهية وتقسيم للتونسيين... ونحن بحاجة إلى تضامن وطني، وخلق الثروة، والتوقف عن المناكفات السياسية التي أضرت بتونس». كما انتقد الطبوبي المشهد السياسي الحالي بقوله إنه «لا يمكن أن يكون هناك حق نقابي في ظل غياب الحقوق المدنية والسياسية»، في إشارة إلى إمكانية حرمان عدد من القيادات السياسية، المتهمين بالتآمر ضد أمن الدولة، من الترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية السنة الحالية، وموجة الاعتقالات في صفوف النقابيين، وإحالتهم على مجالس التأديب.

المظاهرة العمالية عرفت أيضاً مشاركة أعداد كبيرة من الجنس اللطيف (أ.ف.ب)

وفي مقابل دعوات ومطالب القيادات النقابية بتجاوز الخلافات مع السلطة القائمة، والعودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات، فإن السلطات التونسية لم تستجب، وفق عدد من المراقبين، إلى دعوات صفحات على «فيسبوك» محسوبة على أنصار الرئيس قيس سعيد، بالتضييق على الاجتماع العمالي، وتعطيل وصول النقابيين من الجهات المختلفة إلى العاصمة التونسية، والتهديد بإلقاء القبض على كل مَن يساعد النقابيين على الوصول إلى ساحة الحكومة بالقصبة.

وأكد عدد من النقابيين المشاركين في التجمع العمالي أن نسبة المشاركة كانت قياسية، وأن «الاتحاد» حافظ على دوره المركزي في تبني المطالب الاجتماعية، وعلى الرغم من ضعف موقف «اتحاد الشغل»، والانتقادات التي وُجّهت إليه؛ بسبب تجاوز الطبوبي لعهدتين في رئاسة «اتحاد الشغل»، وتنقيح محتوى الفصل 20 من القانون الداخلي للاتحاد حتى يتمكن من رئاسة المنظمة النقابية للمرة الثالثة على التوالي، وهو ما جعل عدداً من المنتمين إلى نقابة العمال يرفعون شكوى قضائية ضد الاتحاد؛ رفضاً لمواصلة الطبوبي على رأس اتحاد الشغل، واعتبار الخطوة «غير شرعية بعد التعسف في تنقيح القانون المنظم للترشحات»، وهي من بين أكثر نقاط الضعف التي بات «الاتحاد» يعاني منها في تعامله مع السلطة، بحسب مراقبين، حيث سجل تراجعاً كبيراً في إجراء تحالفات مع الأحزاب السياسية، خصوصاً اليسارية منها، علاوة على تقلص ضغطه على السلطة من أجل الاستجابة لعدد من الحقوق والمكاسب التي يطالب بها العمال.



​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
TT

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)

يأمل ليبيون في إخضاع متهمين بـ«ارتكاب جرائم» خلال السنوات التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي إلى «محاكمة عادلة وسريعة».

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، تحدث ضمن إحاطة أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، عن «خريطة طريق» لمحاكمة المتهمين في ليبيا من بينهم المتورطون في «المقابر الجماعية» في ترهونة (غرب البلاد).

وقفة احتجاجية لعدد من أهالي ضحايا ترهونة بغرب ليبيا (رابطة ضحايا ترهونة)

ورغم تعهد خان في إحاطته، بالعمل على «قدم وساق لتنفيذ خريطة طريق لاستكمال التحقيقات في جرائم حرب حتى نهاية 2025»، فإنه لم يوضح تفاصيلها، إلا أن عضو «رابطة ضحايا ترهونة» عبد الحكيم أبو نعامة، عبّر عن تفاؤل محاط بالتساؤلات على أساس أن «4 من المطلوبين للجنائية الدولية في جرائم حرب وقعت بالمدينة منذ سنوات لا يزالون خارج قبضة العدالة».

ويقصد أبو نعامة، في تصريح إلى «الشرق الأوسط» قائد الميليشيا عبد الرحيم الشقافي المعروف بـ«الكاني»، إلى جانب فتحي زنكال، ومخلوف دومة، وناصر ضو، فيما يخضع عبد الباري الشقافي ومحمد الصالحين لتصرف النيابة، بعد القبض على الأخير السبت.

ومن بين ملفات اتهام متنوعة في ليبيا، قفزت منذ أشهر إلى مقدمة أجندة المحكمة الدولية جرائم «مقابر جماعية» ارتكبت في ترهونة (غرب ليبيا) إبان سيطرة ما تعرف بـ«ميليشيا الكانيات» بين أبريل (نيسان) 2019 ويونيو (حزيران) 2020، علماً بأن الدائرة التمهيدية لـ«الجنائية الدولية» قرّرت رفع السرية عن ستة أوامر اعتقال لمتهمين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وينتاب من يتهمون بهذا الملف وأسر ضحايا في ترهونة، القلق مما يرونه «تسييس عمل المحكمة الدولية، وغياب الآلية الفعّالة لتنفيذ مذكرات القبض ضد المتهمين، في ظل وجودهم في بعض الدول»، وفق ما أفاد علي عمر، مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» لـ«الشرق الأوسط».

يُشار إلى أن خان، أبلغ مجلس الأمن الدولي عن اتفاقه مع النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور، على آلية جديدة للتعاون بين الطرفين، لكنه لم يكشف عن تفاصيلها.

إلى جانب مخاوف «التسييس»، يبدو أن تحديد المدعي العام للجنائية الدولية إطاراً زمنياً للانتهاء من التحقيقات نهاية العام المقبل، قد يكون مثار قلق أكبر لعائلات الضحايا.

ووفق عمر: «قد يفاقم الإفلات من العقاب ويشجع مرتكبي الجرائم الدولية على مواصلة أفعالهم»، مع إيحاء سائد لدى البعض «بعدم وجود نية لملاحقة مرتكبي الجرائم أو فتح جميع ملفات الجرائم التي تندرج تحت اختصاص المحكمة».

ومن بين الاتهامات التي تلاحق «ميليشيا الكانيات» كانت تصفية أغلب نزلاء سجن «القضائية»، و«الدعم المركزي» بترهونة، في 14 سبتمبر (أيلول) 2019، في رواية نقلتها «رابطة ضحايا ترهونة».

ويلاحظ متابعون، أن ظلال الانقسام السياسي انعكست على زيارة خان إلى طرابلس، وفق أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الواحد القمودي. وعلى نحو أكثر تفصيلاً، يشير مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» علي عمر، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن غياب التعاون من قِبل السلطات في شرق ليبيا وغربها، من بين عراقيل أخرى تقف أمام «نزاهة التحقيقات».

مقبرة جماعية مكتشفة بترهونة (غرب ليبيا) (هيئة التعرف على المفقودين في ليبيا)

في غضون ذلك، فرض الدور الروسي الزائد في ليبيا نفسه على إحاطة خان، أمام مجلس الأمن، بعدما شككت مندوبة روسيا في ولاية المحكمة على الملف الليبي، مذكرة بأن ليبيا «ليست طرفاً في نظام روما الأساسي».

وفي حين يستبعد أمين «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في ليبيا عبد المنعم الحر دوراً روسياً معرقلاً للمحاكمات، فإنه يتفق مع مندوبة روسيا في أن «الإحالة من جانب مجلس الأمن لم تعط المحكمة الجنائية الدولية ولاية مطلقة على ليبيا»، مشيراً إلى أنها «اقتصرت على جرائم حصلت قبل تاريخ 19 فبراير (شباط) 2011».

ويستند الحر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الذي أجاز «التحقيق في جريمة أو أكثر ارتكبت»، وهو «ما يجعل القضايا التي وقعت بعد هذا التاريخ خارج ولاية المحكمة».

وقد يبدو «التفاؤل محدوداً» بمثول المطلوبين في جرائم الحرب بليبيا أمام المحكمة في لاهاي، وفق «مدير منظمة رصد الجرائم»، لكنه يشير إلى مخرج من هذا المأزق، وهو «اتخاذ خطوات أكثر جرأة، تشمل دعماً دولياً لضمان استقلالية التحقيقات، ووضع آلية فعّالة لتنفيذ مذكرات القبض».

وعلى نحو يبدو عملياً، فإن أمين المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا يقترح «حلاً قانونياً بتشكيل محكمة خاصة مختلطة يترأسها قاض ليبي تضم في هيئتها قضاة ليبيين ودوليين، على غرار المحكمة الدولية التي تم إنشاؤها للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005».