تونس تطلق سراح قيادي باتحاد الشغل قبيل احتجاجات عارمة

نقابة العمال قالت إن الاعتقال له «دوافع سياسية محضة»

الطاهر المزي البرباري القيادي البارز باتحاد الشغل (الشرق الأوسط)
الطاهر المزي البرباري القيادي البارز باتحاد الشغل (الشرق الأوسط)
TT

تونس تطلق سراح قيادي باتحاد الشغل قبيل احتجاجات عارمة

الطاهر المزي البرباري القيادي البارز باتحاد الشغل (الشرق الأوسط)
الطاهر المزي البرباري القيادي البارز باتحاد الشغل (الشرق الأوسط)

قال الاتحاد العام التونسي للشغل، الجمعة، إنه تم الإفراج عن مسؤول كبير بأكبر نقابة عمالية في البلاد بعد أن قضى الليلة الماضية رهن التحفظ. وجاء الإفراج بعد أن ندد الاتحاد، الخميس، بقوة بقرار اعتقال المسؤول، وقال إن القرار له «دوافع سياسية محضة، ويهدف إلى ضرب الحق النقابي». ويأتي التحفظ على الطاهر المزي البرباري، الأمين العام المساعد والمسؤول عن القطاع الخاص في الاتحاد، قبل يومين من احتجاجات عارمة دعا إليها الاتحاد، ضد ما سماه «انتهاك الحقوق النقابية وتعطل الحوار الاجتماعي».

وذكر متحدث قضائي أن القاضي قرر الإفراج عن المزي لكنه أمر بمنعه من السفر. ومنذ العام الماضي، ألقت الشرطة القبض على أربعة مسؤولين نقابيين على الأقل. ودعت النقابة، التي قالت إنها لن تقبل الاعتداء على الحريات والحقوق النقابية، إلى احتجاج كبير في ساحة القصبة أمام مقر رئيس الوزراء، السبت، وهو أول احتجاج منذ شهور.

وخلف اعتقال المزي حالة غضب كبرى في صفوف القيادات النقابية، التي تستعد لتنظيم تجمع عمالي ضخم السبت بساحة الحكومة بالقصبة (وسط العاصمة)، للمطالبة بفتح حوار اجتماعي، والحفاظ على الحق النقابي، وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع الحكومات المتتالية، عادّة أنها محاولة للتأثير على نسبة المشاركة في هذه الوقفة الاحتجاجية.

مواطن تونسي يرفع قطعة خبز خلال مظاهرة نظمها اتحاد الشغل في مارس من السنة الماضية للمطالبة بتحسين الأجور (رويترز)

وندد الاتحاد بشدة بالاعتقال، إثر عقد اجتماع طارئ لمكتبه التنفيذي، وتضمن بيان صدر عن المركزية النقابية، ووقعه نور الدين الطبوبي، رئيس الاتحاد، دعوة فورية لحفظ «هذا الملف المفتعل الذي يهدف إلى ضرب الحق النقابي»، مؤكداً أن القرار «سياسيّ صرف، وهو يأتي ضمن سلسلة المحاكمات الجائرة التي استهدفت عدداً من النقابيين»، عادّاً الاعتقال «تصعيداً يهدف إلى محاولة الإرباك، وبث الرعب لضرب التحركات النقابية».

كما دعا المكتب التنفيذي النقابيين إلى المشاركة المكثفة في الاحتجاج المقرر السبت، دفاعاً عن الحوار الاجتماعي، وتطبيق الاتفاقيات الموقعة مع الحكومة، وتحسين المقدرة الشرائية، ورداً على المحاكمات الجائرة في حق النقابيين، وقدر عدد من المراقبين أن نسبة المشاركة في هذا التجمع العمالي ستكون «بمثابة مقياس لمدى شعبية الاتحاد، ولعلاقته المستقبلية مع السلطات التونسية».

من مظاهرة سابقة لاتحاد الشغل وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وتوترت علاقة الرئيس سعيد مع الاتحاد العام للشغل بعد اعتقال قياديين نقابيين العام الماضي، بسبب إضرابات عن العمل، وقال سعيد وقتها إن «الحق النقابي مضمون بالدستور، لكنه لا يمكن أن يتحول إلى مآرب سياسية لم تعد تخفى على أحد».

في السياق ذاته، كشفت قيادات حركة «النهضة» عن مساندتها للتحركات النقابية التي تعد لها المركزية النقابية، وحملت السلطة التونسية الحالية المسؤولية عما سمته «تصاعد التوتر بين الاتحاد والحكومة، بسبب غياب الحوار، وتباعد وجهات النظر والاختلاف حول الأولويات الوطنية»، مستهجنة في الوقت ذاته ما عدّته «غلبة الهاجس الانتخابي على خطاب السلطة التي لم تعد ترى في المطالب الاجتماعية والسياسية المشروعة للمواطنين إلّا تآمُراً وتواطُؤاً، في اتهامات تتكرر وتستعمل للهروب من تحمل المسؤولية، ومعالجة الأزمة العميقة التي يعيشها التونسيون سياسياً وحقوقياً واقتصادياً واجتماعياً، وخاصة معيشياً».



​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
TT

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)

يأمل ليبيون في إخضاع متهمين بـ«ارتكاب جرائم» خلال السنوات التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي إلى «محاكمة عادلة وسريعة».

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، تحدث ضمن إحاطة أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، عن «خريطة طريق» لمحاكمة المتهمين في ليبيا من بينهم المتورطون في «المقابر الجماعية» في ترهونة (غرب البلاد).

وقفة احتجاجية لعدد من أهالي ضحايا ترهونة بغرب ليبيا (رابطة ضحايا ترهونة)

ورغم تعهد خان في إحاطته، بالعمل على «قدم وساق لتنفيذ خريطة طريق لاستكمال التحقيقات في جرائم حرب حتى نهاية 2025»، فإنه لم يوضح تفاصيلها، إلا أن عضو «رابطة ضحايا ترهونة» عبد الحكيم أبو نعامة، عبّر عن تفاؤل محاط بالتساؤلات على أساس أن «4 من المطلوبين للجنائية الدولية في جرائم حرب وقعت بالمدينة منذ سنوات لا يزالون خارج قبضة العدالة».

ويقصد أبو نعامة، في تصريح إلى «الشرق الأوسط» قائد الميليشيا عبد الرحيم الشقافي المعروف بـ«الكاني»، إلى جانب فتحي زنكال، ومخلوف دومة، وناصر ضو، فيما يخضع عبد الباري الشقافي ومحمد الصالحين لتصرف النيابة، بعد القبض على الأخير السبت.

ومن بين ملفات اتهام متنوعة في ليبيا، قفزت منذ أشهر إلى مقدمة أجندة المحكمة الدولية جرائم «مقابر جماعية» ارتكبت في ترهونة (غرب ليبيا) إبان سيطرة ما تعرف بـ«ميليشيا الكانيات» بين أبريل (نيسان) 2019 ويونيو (حزيران) 2020، علماً بأن الدائرة التمهيدية لـ«الجنائية الدولية» قرّرت رفع السرية عن ستة أوامر اعتقال لمتهمين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وينتاب من يتهمون بهذا الملف وأسر ضحايا في ترهونة، القلق مما يرونه «تسييس عمل المحكمة الدولية، وغياب الآلية الفعّالة لتنفيذ مذكرات القبض ضد المتهمين، في ظل وجودهم في بعض الدول»، وفق ما أفاد علي عمر، مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» لـ«الشرق الأوسط».

يُشار إلى أن خان، أبلغ مجلس الأمن الدولي عن اتفاقه مع النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور، على آلية جديدة للتعاون بين الطرفين، لكنه لم يكشف عن تفاصيلها.

إلى جانب مخاوف «التسييس»، يبدو أن تحديد المدعي العام للجنائية الدولية إطاراً زمنياً للانتهاء من التحقيقات نهاية العام المقبل، قد يكون مثار قلق أكبر لعائلات الضحايا.

ووفق عمر: «قد يفاقم الإفلات من العقاب ويشجع مرتكبي الجرائم الدولية على مواصلة أفعالهم»، مع إيحاء سائد لدى البعض «بعدم وجود نية لملاحقة مرتكبي الجرائم أو فتح جميع ملفات الجرائم التي تندرج تحت اختصاص المحكمة».

ومن بين الاتهامات التي تلاحق «ميليشيا الكانيات» كانت تصفية أغلب نزلاء سجن «القضائية»، و«الدعم المركزي» بترهونة، في 14 سبتمبر (أيلول) 2019، في رواية نقلتها «رابطة ضحايا ترهونة».

ويلاحظ متابعون، أن ظلال الانقسام السياسي انعكست على زيارة خان إلى طرابلس، وفق أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الواحد القمودي. وعلى نحو أكثر تفصيلاً، يشير مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» علي عمر، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن غياب التعاون من قِبل السلطات في شرق ليبيا وغربها، من بين عراقيل أخرى تقف أمام «نزاهة التحقيقات».

مقبرة جماعية مكتشفة بترهونة (غرب ليبيا) (هيئة التعرف على المفقودين في ليبيا)

في غضون ذلك، فرض الدور الروسي الزائد في ليبيا نفسه على إحاطة خان، أمام مجلس الأمن، بعدما شككت مندوبة روسيا في ولاية المحكمة على الملف الليبي، مذكرة بأن ليبيا «ليست طرفاً في نظام روما الأساسي».

وفي حين يستبعد أمين «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في ليبيا عبد المنعم الحر دوراً روسياً معرقلاً للمحاكمات، فإنه يتفق مع مندوبة روسيا في أن «الإحالة من جانب مجلس الأمن لم تعط المحكمة الجنائية الدولية ولاية مطلقة على ليبيا»، مشيراً إلى أنها «اقتصرت على جرائم حصلت قبل تاريخ 19 فبراير (شباط) 2011».

ويستند الحر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الذي أجاز «التحقيق في جريمة أو أكثر ارتكبت»، وهو «ما يجعل القضايا التي وقعت بعد هذا التاريخ خارج ولاية المحكمة».

وقد يبدو «التفاؤل محدوداً» بمثول المطلوبين في جرائم الحرب بليبيا أمام المحكمة في لاهاي، وفق «مدير منظمة رصد الجرائم»، لكنه يشير إلى مخرج من هذا المأزق، وهو «اتخاذ خطوات أكثر جرأة، تشمل دعماً دولياً لضمان استقلالية التحقيقات، ووضع آلية فعّالة لتنفيذ مذكرات القبض».

وعلى نحو يبدو عملياً، فإن أمين المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا يقترح «حلاً قانونياً بتشكيل محكمة خاصة مختلطة يترأسها قاض ليبي تضم في هيئتها قضاة ليبيين ودوليين، على غرار المحكمة الدولية التي تم إنشاؤها للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005».