أنباء انتحار «طالبة العريش» تشغل المصريين

مدونون قالوا إنه تم «ابتزازاها» بنشر صور خاصة

مقر كلية الطب البيطري بجامعة العريش (من الصفحة الرسمية للجامعة على «فيسبوك»)
مقر كلية الطب البيطري بجامعة العريش (من الصفحة الرسمية للجامعة على «فيسبوك»)
TT

أنباء انتحار «طالبة العريش» تشغل المصريين

مقر كلية الطب البيطري بجامعة العريش (من الصفحة الرسمية للجامعة على «فيسبوك»)
مقر كلية الطب البيطري بجامعة العريش (من الصفحة الرسمية للجامعة على «فيسبوك»)

عاد اسم «نيرة» إلى واجهة الأحداث في مصر، إذ كان مقتل الطالبة الجامعية «نيرة أشرف» على يد زميلها قبل عامين هو الشغل الشاغل للمصريين آنذاك، لكن هذه المرة يطل الاسم بواقعة جديدة وبمشهد رحيل جديد، بعد ما أثير عن «واقعة انتحار» لطالبة جامعية تدعى نيرة صلاح، بالفرقة الأولى بكلية الطب البيطري في جامعة العريش بمحافظة شمال سيناء المصرية.

وتفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مع الواقعة، الخميس، وتصدر منصات «السوشيال ميديا» هاشتاغ (#حق_طالبة_العريش)، الذي يشير إلى «إقدام الطالبة على الانتحار بعد تعرضها للابتزاز الإلكتروني من جانب زملائها بالكلية، عبر تهديدها بنشر صور التقطت لها خلسة».

وخلال الساعات الماضية، حاولت التغريدات والتعليقات المتفاعلة مع «الهاشتاغ» إظهار تفاصيل الواقعة، وأسبابها وكواليسها، بنقل معلومات عن أصدقاء ومقربين للطالبة، في ظل غموض معظم جوانب الواقعة، خصوصاً مع عدم صدور بيان رسمي يُجلي أبعادها حتى كتابة تلك السطور.

واتفق كثير من المدونين على أن مشادة حدثت بين الطالبة نيرة صلاح (19 عاماً)، وطالبة أخرى، حيث تقيمان سويا في السكن الجامعي، «فقامت الأخيرة بالتقاط صور لها خلسة أثناء وجودها في دورة مياه، ثم أرسلتها لطلاب ذكور بالكلية، الذين قاموا بابتزاز الطالبة نيرة، وتهديدها بنشر صورها على مجموعة (واتس آب) تخص دفعة الفرقة الأولى، فلم تتحمل الضغوط، وأقدمت على الانتحار بتناول مواد سامة». كما تبنى آخرون رواية أخرى تفيد بـ«حصول زميلتها على الصور من هاتف الطالبة المنتحرة»، وروّج فريق ثالث لرواية تفند انتحارها، وتزعم أنها «ماتت مسمومة».

كما دأب كثير من المغردين على نشر صور وأسماء من قالوا إنهم متورطون في الواقعة، بهدف فضحهم والمطالبة بمحاسبتهم وعقابهم.

وتفاعل رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، مع الواقعة عبر حسابه في منصة «إكس»، معلقا: «دمك في رقبتهم».

ورصدت «الشرق الأوسط» قيام الكلية بنعي الطالبة، الاثنين الماضي، عبر حسابها على «فيسبوك»، قبل أن تقوم بحذفه، الخميس، أثناء كتابة هذه السطور، حيث قالت الكلية في نعيها: «تنعى أسرة كلية الطب البيطري عميدا ووكلاء وأعضاء هيئة التدريس وجميع العاملين بالكلية ببالغ الحزن والأسي الطالبة نيرة صلاح محمود عبد الرازق بكلية الطب البيطري بالفرقة الأولى، التي وافتها المنية، وتتقدم بخالص العزاء لأسرتها ولزملائها».

وزعمت بعض التغريدات أن «هناك تعليمات مشددة من إدارة الكلية لطلابها بعدم الحديث عن الواقعة في منصات التواصل الاجتماعي».

مقر كلية الطب البيطري بجامعة العريش (من الصفحة الرسمية للجامعة على «فيسبوك»)

إلى ذلك، أكد مصدر طبي في مستشفى العريش العام، وفق ما نشرته صحف محلية، أنه تم حضور الطالبة إلى المستشفى، وجرى نقلها إلى قسم الاستقبال نتيجة اضطراب في درجة الوعي وهبوط حاد في ضغط الدم، وضعف النبض بسبب «ادعاء تناول مادة سامة غير معلومة المصدر والكمية»، وتم إجراء الإسعافات الأولية للطالبة ودخول العناية المركزة، وتم إعطاؤها الأدوية المناسبة، إلا أنها توفيت نتيجة سوء حالتها.

وتبيّن الاختصاصية النفسية المصرية بمؤسسة ائتلاف «أولياء أمور مصر»، الدكتورة داليا الحزاوي، لـ«الشرق الأوسط»، أن الروايات المتداولة في حادثة الطالبة «نيرة» إن تبيّن صدقها، فإن «المتنمرين يعدون شخصيات مرضية سيكوباتية، تعاني من الاضطراب العاطفي، حيث حاولوا الاستمتاع بمضايقة الضحية والتلذذ بألمها، فلجأوا إلى تهديدها لغرس الخوف في الضحية، بما يشعرهم بالانتصار والقوة».

وترى الحزاوي أن الواقعة تدق ناقوس الخطر حول تلك الجرائم، التي كثرت في الفترة الأخيرة والتي وقع ضحيتها الكثير من الفتيات، مُطالبة بأهمية التوعية بالخطوات القانونية اللازمة في حالة التعرض للإساءة الإلكترونية.

وذكّرت واقعة طالبة العريش بواقعة أخرى شهدتها مصر قبل عامين، بانتحار الفتاة بسنت خالد (17 عاما)، التي عرفت باسم «فتاة الغربية»، حيث موطن إقامتها بمحافظة الغربية، بعد أن تم ابتزازها بصور مفبركة غير صحيحة، عُدلت على أحد برامج تعديل الصور، ومن ثم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الواقعة التي حُكم فيها بحبس 5 متهمين بالسجن لمدد مختلفة.

وبحسب حديث محمد اليماني، مؤسس مبادرة «قاوم» لمواجهة جرائم الابتزاز الإلكتروني، لـ«الشرق الأوسط»، فإن واقعة «طالبة العريش»، وفق الروايات المتداولة، هي صورة من صور جرائم الابتزاز الإلكتروني المتزايدة، حيث تعرضت الفتاة للتهديد وقررت الانتحار، مبينا أن هذا النوع من الجرائم ظاهرة موجود في مصر خلال السنوات الماضية، فرغم جهود مباحث الإنترنت التي تتواجد في كل مديرية أمن بالمحافظات المصرية، فإنه مستمر دون توقف.

ويوضح اليماني أن الابتزاز الإلكتروني يتواجد بأشكال مختلفة، وهناك تنوع كبير في أشكاله، ففي الفضاء الإلكتروني الجريمة مستباحة، وتمارس في أي بلد ومن أي مكان.


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد عز في لقطة من فيلم «فرقة الموت» (الشرق الأوسط)

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يبدو أن سحر الماضي دفع عدداً من صناع السينما المصرية إلى اللجوء لفترة الأربعينات من القرن الماضي بوصفها مسرحاً لأحداث أفلام جديدة.

داليا ماهر (القاهرة)
شمال افريقيا سيارة إطفاء تعمل بعد إخماد حريق كبير في الموسكي بوسط القاهرة (رويترز)

حرائق متكررة في وسط القاهرة تُثير جدلاً

أعاد الحريق الهائل الذي نشب في بنايتين بمنطقة العتبة في حي الموسكي وسط القاهرة، وتسبب في خسائر كبيرة، الجدل حول تكرار الحرائق في هذه المنطقة

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يتخوفون من غلاء أسعار السلع بعد رفع الوقود (الشرق الأوسط)

مصريون يترقبون تحركات حكومية لمواجهة الغلاء بعد رفع أسعار الوقود

وسط ترجيحات بزيادة جديدة على «أسعار السلع والمنتجات خلال الأيام المقبلة» عقب تحريك أسعار الوقود، يترقب مصريون «التحركات الحكومية لمواجهة موجة الغلاء المتوقعة».

محمد عجم (القاهرة)
شمال افريقيا مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)

الحكومة المصرية لتشديد عقوبات «سرقة الكهرباء»

وسط إجراءات مصرية مكثفة لاستمرار «تنفيذ خطة عدم قطع الكهرباء» في البلاد، تدرس الحكومة المصرية تشديد عقوبات «سرقة الكهرباء».

أحمد إمبابي (القاهرة )

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز