الرئيس التونسي يتهم لوبيات بـ«توزيع الأموال» لتأجيج الاحتجاجات

السلطات تعد العدة لتجمع عمالي ضخم ينظمه «اتحاد الشغل»

من احتجاجات سابقة نظمها اتحاد الشغل وسط العاصمة للمطالبة بتحسين الأجور (أ.ف.ب)
من احتجاجات سابقة نظمها اتحاد الشغل وسط العاصمة للمطالبة بتحسين الأجور (أ.ف.ب)
TT

الرئيس التونسي يتهم لوبيات بـ«توزيع الأموال» لتأجيج الاحتجاجات

من احتجاجات سابقة نظمها اتحاد الشغل وسط العاصمة للمطالبة بتحسين الأجور (أ.ف.ب)
من احتجاجات سابقة نظمها اتحاد الشغل وسط العاصمة للمطالبة بتحسين الأجور (أ.ف.ب)

قال الرئيس التونسي، قيس سعيد، ليلة (الأربعاء)، إن لوبيات (لم يحددها) توزع الأموال لتأجيج الاحتجاجات في البلاد.

وأفادت رئاسة الجمهورية التونسية في بيان بأن الرئيس سعيد تطرق خلال استقباله وزير الداخلية كمال الفقي، ومراد سعيدان المدير العام للأمن الوطني، وحسين الغربي المدير العام آمر الحرس الوطني، إلى «توزيع الأموال خلال هذه الأيام من قبل هذه اللوبيات في عدد من مدن البلاد للمشاركة في احتجاجات».

قيس سعيد في اجتماعه مع القيادات الأمنية (موقع الرئاسة)

وأضاف الرئيس سعيد موضحاً: «السيارات تم تسويغها، والمسالك تم تحديدها، والشعارات التي سيتم رفعها تم وضعها، ومع ذلك يقدم هؤلاء أنفسهم في ثوب الضحية، ويلبسون على عادتهم في ذلك الحق بالباطل، في تزييف الحقائق ونشر المغالطات وبث الفتن والإشاعات».

جاءت هذه الاتهامات بعد أن دعا الاتحاد العام التونسي للشغل إلى تجمع عمالي بعد غد السبت، احتجاجاً على تعطل الحوار الاجتماعي، وتراجع الحكومة عن اتفاقيات سابقة، وما وصفه بالتضييق على العمل النقابي.

كما أرجع «الاتحاد» دعوته للاحتجاج إلى تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين. كما تأتي بعد شهور من توتر علاقة الرئيس سعيد مع المنظمة العمالية القوية، التي تقول إنها تضم مليون عضو بعد اعتقال قياديين نقابيين، العام الماضي، بسبب إضرابات عن العمل، وأكدت مضيها قدماً لتنظيم التجمع العمالي الضخم للمطالبة بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع الحكومات المتتالية.

من مظاهرة سابقة ضد حكومة قيس سعيد بسبب غلاء الأسعار وقلة المعروض من الخبر في المتاجر (إ.ب.أ)

وغالباً ما يتهم الرئيس التونسي، الذي يحظى بصلاحيات سياسية واسعة بعد إعلان التدابير الاستثنائية في 25 من يوليو (تموز) 2021، معارضيه السياسيين والقيادات النقابية، وبعض منظمات المجتمع المدني، بالسعي لـ«تفجير الدولة والمجتمع». كما يتهم عدداً من الجمعيات بالتعامل مع الخارج والحصول على تمويلات أجنبية، في حين يقبع حالياً عدد من المعارضين، بينهم نشطاء سياسيون وحقوقيون وإعلاميون، في السجن بتهمة «التآمر على أمن الدولة»، قضى بعضهم فترة اعتقال تجاوزت السنة دون أن يخضعوا للمحاكمة.

نور الدين الطبوبي رئيس «اتحاد الشغل» يلقي كلمته (موقع «اتحاد الشغل»)

وبخصوص التحرك النقابي المبرمج يوم السبت، وسط تونس العاصمة، أكد نور الدين الطبوبي، رئيس «اتحاد الشغل»، أن الطرف النقابي «لا يطلب المستحيل، بل يطالب فقط بفتح الحوار الاجتماعي، بوصفه علامة من علامات رقي المجتمعات، كما يطالب باحترام الحق النقابي، الذي يمثل خطاً أحمر لا يمكن المساس به».

وقال الطبوبي في رد مباشر على الذين يتهمون نقابة العمال بتعطيل الإنتاج: «حتى لا يُلام الاتحاد لكونه يعطل الإنتاج من خلال الإضرابات، فقد اختار تنظيم التجمع العمالي يوم السبت، وهو يوم عطلة، لأن غايته التعبير عن رفض الاتحاد لخيارات غلق أبواب الحوار الاجتماعي، الذي يُعدّ مكسباً من المكاسب التي لا يمكن التنازل عنها».

وأضاف الطبوبي منتقداً المشهد السياسي بعد 25 يوليو 2021: «الحديث عن الديمقراطية غير منطقي في الوقت الذي يعاني فيه المواطن من ضعف القدرة الشرائية، ونقص المواد الأساسية، وضعف نسب الإقبال على الانتخابات، وهي مؤشرات لم تلتقطها السلطة السياسية»، مؤكداً أن تونس «باتت تعيش اليوم في مناخ من الغوغائية. والطبقة السياسية لم تتعظ بما حدث بعد الثورة... واغتنام هذه الفرصة من أجل التطوير والتجويد، ولم نتعظ جيداً بالتجارب السابقة لنتجاوز المعوقات».

الرئيس قيس سعيد اتهم القيادات النقابية بالسعي لـ«تفجير الدولة والمجتمع» (د.ب.أ)

ويرى مراقبون أن التجمع العمالي الضخم، المبرمج في ساحة القصبة، سيرفع حدة التوتر على مصراعيها بين الحكومة ونقابة العمال، وينبئ بمواجهة مباشرة بين الطرفين، كما حدث في 26 يناير (كانون الثاني) 1978، في ظل تبادل اللوم والاتهامات، عوض التعاون والتنسيق والتكامل؛ فاتحاد الشغل يتهم الحكومة، ومِن ورائها مؤسسة رئاسة الجمهورية، بتعطيل الحوار الاجتماعي، والتراجع عن تطبيق اتفاقيتين تعودان إلى عامَي 2021 و2022، بينما يتهم الرئيس الاتحاد بتغليب الجانب السياسي على الملفات النقابية، وتدخله في المشهد السياسي بما يوحي بأنه طرف أساسي في تحديد سياسة البلاد.

كما انتقدت القيادات النقابية، ومن بينها سامي الطاهري المتحدث باسم «اتحاد الشغل»، عزم الحكومة عرض النظامين العامين الأساسيين لأعوان الوظيفة العمومية والمنشآت العمومية والدواوين الحكومية على البرلمان، قبل استكمال التفاوض بين الطرفين الاجتماعيين، منتقداً التدهور السريع والمفزع للقدرة الشرائية للأجراء والمتقاعدين، وتأخر تعديل الأجر الأدنى المضمون.


مقالات ذات صلة

احتجاجات حول العالم تطالب بوقف الحرب في الشرق الأوسط

العالم متظاهرون في برشلونة يطالبون بـ«وقف الإبادة» 6 أكتوبر (إ.ب.أ)

احتجاجات حول العالم تطالب بوقف الحرب في الشرق الأوسط

خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في عدة مدن رئيسية بأنحاء العالم، السبت، للمطالبة بوقف إراقة الدماء بقطاع غزة ولبنان ومنطقة الشرق الأوسط.

شمال افريقيا من الاحتجاجات ضد الرئيس التونسي قيس سعيد في العاصمة تونس (إ.ب.أ)

تونس: احتجاجات جديدة ضد سعيد وسط تصاعد التوتر قبل الانتخابات

خرج المئات من التونسيين، الأحد، في مسيرة بالعاصمة، مواصلين الاحتجاجات ضد الرئيس قيس سعيد، للأسبوع الثاني على التوالي، متهمين إياه بتشديد قبضته على الحكم.

«الشرق الأوسط» (تونس)
أوروبا متظاهرون في مدينة بوخوم بغرب ألمانيا (أ.ب)

عشرات الآلاف يتظاهرون في ألمانيا للتحرك من أجل المناخ

نزل عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع في جميع أنحاء ألمانيا، الجمعة، للمطالبة بمزيد من العمل من أجل المناخ.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
أوروبا جندي بولندي من قوات حفظ السلام التي يقودها «الناتو» يقف عند المعبر الحدودي الرئيسي بين كوسوفو وصربيا في ميردار (رويترز)

كوسوفو تعيد فتح معبرين حدوديين مع صربيا

أعادت كوسوفو فتح معبرين مع صربيا السبت بعد إغلاقهما خلال الليل إثر تظاهرات على الجانب الصربي أدت إلى توقف حركة المرور، وفق ما أعلن وزير الداخلية الكوسوفي.

«الشرق الأوسط» (بريشتينا)
أوروبا متظاهر يحمل ملصقاً مكتوباً عليه «استقالة ماكرون والخيانة» خلال احتجاج رداً على دعوة من الحزب اليساري المتطرف الذي انتقد تعيين الرئيس لرئيس وزراء جديد محافظ هو ميشال بارنييه باعتباره استيلاء على السلطة في باريس... السبت 7 سبتمبر 2024 (أ.ب)

الآلاف يحتجون في فرنسا بعد تعيين ميشال بارنييه رئيساً للوزراء

نزل الآلاف إلى الشوارع في أنحاء فرنسا اليوم السبت للاحتجاج على قرار الرئيس إيمانويل ماكرون تعيين ميشال بارنييه المنتمي إلى تيار يمين الوسط رئيساً للوزراء.

«الشرق الأوسط» (باريس)

عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

عقبات عديدة على مدار عام حاصرت جهود الوسطاء خلال مساعيهم لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء أطول حرب بين إسرائيل و«حماس» التي بدأت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولا تزال مستمرة، وسط ترقب لانفراجة تنهي الأزمة التي طالت شظاياها دول أخرى في المنطقة، ومخاوف من اتساعها لحرب إقليمية.

الوساطة التي بدأت مع الساعات الأولى للحرب، تراوح مكانها منذ عدة أسابيع مع استمرار «التعنت الإسرائيلي»، ورغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في استمرار الحرب التي حوّلت مساحات شاسعة من القطاع الفلسطيني المحاصر إلى ركام.

وبحسب رصد «الشرق الأوسط» واجهت جهود الوسطاء عدة «تعقيدات» على مدار العام أبرزها، تمسك «حماس» في الأشهر الأولى من المفاوضات بوقف دائم لإطلاق النار، بجانب إصرار نتنياهو على السيطرة على «محور فيلادليفا» والجانب الفلسطيني من معبر رفح المتاخمين لحدود مصر بخلاف الرغبة المصرية، فضلاً على وضع شروط بخصوص عودة النازحين من الجنوب للشمال لم تقبلها «حماس».

تلك العقبات التي لم تحلها 4 مقترحات رئيسية قدمها الوسطاء على مدار عام، يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها قادت إلى «مسار معقد» بسبب تراخٍ أميركي في الضغط على نتنياهو. وتوقع الخبراء أن تستمر الأزمة بانتظار ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

دبابة إسرائيلية تعمل بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة (رويترز)

وبعد أن تسلمت إسرائيل 109 من رهائن كانوا لدى «حماس» بموجب هدنة أبرمها الوسطاء في 24 نوفمبر 2024 استمرت أسبوعاً، قلب نتنياهو الطاولة وعاد للحرب، «وكان كلما يقترب (الوسطاء) من اتفاق في غزة يواجهون سياسات إسرائيلية استفزازية لا تستهدف سوى مزيد من التصعيد»، وفق تصريحات صحافية لوزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، قبل شهر.

ومع قرب إبرام اتفاق تهدئة ثانٍ خلال محادثات شهدتها باريس في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، رفض نتنياهو الاتفاق بدعوى «وجود فجوات كبيرة» لم يحددها، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية وقتها، قبل أن يعتبر مطالب «حماس» «وهمية وغير جادة في حل وسط»، وذلك عقب مفاوضات استضافتها القاهرة في 13 فبراير (شباط) الماضي. كما لم تسفر محادثات «باريس 2» في نهاية فبراير الماضي، عن جديد، مع حديث إذاعة الجيش الإسرائيلي عن أن «(حماس) بعيدة عما ترغب إسرائيل بقبوله»، وكذلك لم تصل مفاوضات بالدوحة في 18 مارس (آذار) الماضي، لانفراجة، وتكرر التعثر في محادثات القاهرة في 7 أبريل (نيسان) 2024، مع تمسك «حماس» بوقف إطلاق دائم لإطلاق النار قبل إبرام أي تهدئة.

وباعتقاد الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، فإن «نتنياهو كان واضحاً منذ الشهور الأولى، في عرقلة المفاوضات تحت أي ذريعة، غير عابئ بوساطة واشنطن»، لافتاً إلى أن عدم الضغط الحقيقي من إدارة بايدن شجعه على الاستمرار في إشعال الحرب.

رد فعل فتاة فلسطينية بعد غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين قرب مخيم جباليا (أ.ف.ب)

ويتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والمحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، قائلاً: «ما أوصلنا لهذا المسار المعقد، هو التراخي الأميركي في الضغط على نتنياهو، الذي حرص على مواصلة الحرب لضمان البقاء السياسي، مما جعل التوصل لاتفاق صعباً، لا سيما بالأشهر الأولى».

وكان مايو (أيار) الماضي الأقرب لإبرام اتفاق، مع طرح الوسيط المصري مقترحاً يفضي لوقف دائم لإطلاق النار، غير أن نتنياهو هدد باجتياح رفح الفلسطينية، ومع قبول «حماس» بالمقترح المصري في الـ6 من الشهر ذاته، وحديث الرئاسة المصرية عن «تطورات إيجابية»، نفذ نتنياهو تهديده، واتهمته الدوحة في 14 من الشهر ذاته بـ«إدخال المفاوضات في طريق مسدود».

وعاد مسار المفاوضات سريعاً في 31 مايو الماضي بإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن خريطة طريق لوقف كامل وتام لإطلاق النار، وسط ترحيب من «حماس»، وتمسك نتنياهو باستمرار الحرب.

وتحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في أغسطس (آب) الماضي، عن أنها اطلعت على وثائق غير منشورة تظهر أن نتنياهو «يعرقل المفاوضات ووضع شروطاً جديدة قبل انعقاد محادثات روما، منها السيطرة على (محور فيلادلفيا)»، بينما نفى مكتب نتنياهو ذلك، وأرسل وفداً في محادثات استضافتها الدوحة في 16 من الشهر ذاته، أسفرت عن تقديم واشنطن مقترحاً جديداً بهدف سد الفجوات المتبقية، على أن تبحث في جولة بالقاهرة، ولم تذهب هي الأخرى لانفراجة.

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم نور شمس للاجئين بالقرب من مدينة طولكرم بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

وكانت تلك الشهور الأخرى، بحسب أنور، «دليلاً جديداً للتأكيد على مواصلة حكومة نتنياهو إفساد المفاوضات وانتهاج سياسة حافة الهاوية»، و«نتيجة تلك السياسة الإسرائيلية، تزايدت العقبات أمام التوصل لاتفاق»، وفق الرقب.

وأمام كل هذه المعوقات كان الدوران المصري والقطري بالمقابل يتمسكان باستمرار المفاوضات، وفق تأكيد وزير الخارجية المصري، في كلمة بالأمم المتحدة أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي تصريحات صحافية لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قبل أيام.

هذا التمسك بمواصلة المفاوضات، لا سيما من الوسيطين المصري والقطري، يعني أن «هناك ترقباً لانفراجة قد تأتي مع رفض جبهة لبنان فصل غزة عن أي اتفاق أو تسوية قد تتم، ومع تزايد الضغوط على نتنياهو لمنع اتساع الحرب»، بحسب أنور، الذي أشار إلى أن «فرص الانفراجة الكبرى ستكون بعد انتهاء الانتخابات الأميركية».

في المقابل، يعتقد الرقب أن فرص عقد اتفاق بغزة قبل الانتخابات الأميركية لا تتجاوز 10 في المائة، مع سعي نتنياهو للبقاء في «محور فيلادلفيا»، مرجحاً أن «تستمر الحرب عاماً جديداً حتى لو وصل رئيس أميركي جديد للحكم».