«الترضيات المالية»... سلاح حكومات ليبيا المتعاقبة لإنهاء الاحتجاجات

«حرس المنشآت» تراجع عن إغلاق مواقع نفطية بعد أن أمر الدبيبة بتحديد رواتبه

عبد الحميد الدبيبة أوقف احتجاجات منتسبي «حرس المنشآت النفطية» باللجوء إلى ترضيتهم والاستجابة لمطالبهم (حكومة الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة أوقف احتجاجات منتسبي «حرس المنشآت النفطية» باللجوء إلى ترضيتهم والاستجابة لمطالبهم (حكومة الوحدة)
TT

«الترضيات المالية»... سلاح حكومات ليبيا المتعاقبة لإنهاء الاحتجاجات

عبد الحميد الدبيبة أوقف احتجاجات منتسبي «حرس المنشآت النفطية» باللجوء إلى ترضيتهم والاستجابة لمطالبهم (حكومة الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة أوقف احتجاجات منتسبي «حرس المنشآت النفطية» باللجوء إلى ترضيتهم والاستجابة لمطالبهم (حكومة الوحدة)

احتوى رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، انتفاضة واحتجاجات منتسبي «حرس المنشآت النفطية» باللجوء إلى ترضيتهم والاستجابة لمطالبهم، وهو التصرف الذي عدّه سياسيون مشابهاً لتعامل الحكومات الليبية السابقة مع المحتجين، حيث كانت تلجأ هي الأخرى إلى احتوائهم بالمكافآت وزيادة مخصصاتهم المالية.

وكان منتسبو «حرس المنشآت» قد أغلقوا مصفاة الزاوية ومجمع مليتة النفطي، الأحد الماضي؛ للمطالبة بتسوية أوضاعهم الوظيفية، وبعد ساعات قليلة من ذلك أمر الدبيبة بتحديد رواتبهم، وفقاً لجدول الرواتب الموحد لمنتسبي الجيش، فتم العدول عن إغلاق النفط.

ورأى عضو مجلس النواب الليبي، صلاح أبو شلبي، أن مناخ الانقسام السياسي، وما أعقبه من ضعف في تفعيل قوة القانون «أدى إلى لجوء قطاعات مختلفة خلال السنوات الماضية إلى طرق غير مشروعة بهدف الحصول على حقوقهم الوظيفية، أو أي مكتسبات أخرى».

واتهم أبو شلبي الحكومات المتعاقبة على ليبيا بعد (ثورة) 17 فبراير (شباط) عام 2011 بتشجيع تلك الممارسات، وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «المسؤولين في أغلب تلك الحكومات كانوا يسارعون بتقديم الأموال أو التعهد بتقديمها لاحتواء أي غضب شعبي، أو احتجاج لفصيل مسلح يقدِم على قطع طرق رئيسية، أو التهديد بإغلاق منشأة نفطية»، لافتاً إلى أنهم «كانوا يتجاهلون مطالب قطاعات أخرى، سواء كانت مدنية أو عسكرية، لحقوقهم المكتسبة والشرعية؛ مما يدفع هذه القطاعات إلى الإضراب».

وتكرر على مدار سنوات العِقد الماضي قيام حراس المنشآت النفطية، وأيضاً أهالي المناطق القريبة من الحقول والموانئ النفطية، بمحاصرتها أو تعطيل العمل بها لأسباب مختلفة، من بينها المطالبة بزيادة أجورهم.

«حرس المنشآت» تراجع عن إغلاق مواقع نفطية بعد أن أمر الدبيبة بتحديد رواتبه (شركة البريقة لتسويق النفط)

وألقى عضو مجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، باللوم على مسؤول الدولة في تجدد الإضرابات؛ و«من ثم اضطرارهم إلى المسارعة لتهدئتها عبر تقديم ترضية مالية للمضربين، سواء بشكل مباشر، أو من خلال تسوية أوضاعهم الوظيفية».

ورأى معزب أن «الخطأ لا يقع على المتظاهرين بالدرجة الأولى، رغم لجوء بعضهم إلى طرق لا تراعي المحافظة على المال العام»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على المسؤولين، الذين لم يسارعوا منذ البداية لتفادي ظهور تلك الإضرابات، وذلك بتعديل الدرجات الوظيفية، والرواتب لقطاعات عدة، بما يكفل لهم العيش الكريم».

وتساءل معزب: «كيف يكون راتب قيادي بجهاز حرس المنشآت النفطية، ممن يضطلع بحماية مصدر الدخل الرئيسي لليبيا، في حدود 1800 دينار، أي مائتي دولار، في حين يقترب راتب بقية العناصر بالجهاز لألف دينار، أي 150 دولاراً؟ وماذا تحقق هذه الرواتب في ظل ارتفاع الأسعار؟، والأمر ذاته ينطبق على أساتذة الجامعات وقطاعات أخرى، نفذت إضرابات في الفترة الأخيرة لتحسين أوضاعهم».

وتعرضت الطريق الساحلية الرابطة بين شرق البلاد وغربها للإغلاق لأكثر من مرة بالسواتر الترابية، على يد مجموعات مسلحة بالغرب الليبي، وردد مراقبون حينها أن عودة الحركة بهذه الطريق اقترنت بتقديم حكومة الدبيبة المال لتلك المجموعات.

من جهته، سلط المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، الضوء على «كيفية تحول قرارات زيادة الرواتب، وصرف التعويضات والمنح إلى وسيلة يلجأ لها الأفرقاء المتصارعين على السلطة، شرقاً وغرباً؛ للحصول على رضاء الشارع المتذمر من مصادرتهم معاً لحقوقه في إجراء الانتخابات».

وعلى الرغم من تأكيده وجود مطالب مشروعة لبعض القطاعات المطالبة بزيادة الرواتب، فقد رأى محفوظ أن بعض الإضرابات تقع «بدافع ليّ ذراع الدولة كما هو الحال في إضرابات وقطع الطرق التي تنفذها تشكيلات مسلحة منفلتة». وحذّر من تداعيات «تزايد الإنفاق على مثل هذه الترضيات، وكيف ستشكل عبئاً على ميزانية البلاد؛ خاصة وأنها تتم في إطار رد فعل سريع من قِبل الحكومة دون دراسة».

محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير (الشرق الأوسط)

وفي خطاب رسمي وجّهه إلى رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، تساءل محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، عن كيفية زيادة المرتبات والمنح، التي أعلن عنها الدبيبة مؤخراً، في ظل تراجع حجم الإيرادات المتوقعة لعام 2024 إلى مستوى 115 مليار دينار.

وأضاف محفوظ لـ«الشرق الأوسط» أن «احتجاجات بعض المدن لم تكن تستهدف فقط الدعم المالي من الحكومتين المتنازعتين لتحسين أوضاعهم، بل استهدفت مطالب أخرى، من بينها توظيف أبنائهم بالقطاع الحكومي، أو لجبر ضرر ومظالم وقعت عليهم».


مقالات ذات صلة

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

شمال افريقيا عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

حذّر تقرير للأمم المتحدة من أن غياب المساءلة، والسنوات الطويلة من إفلات المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات المرتكبة في مدينة ترهونة الليبية

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

دخلت أزمة المصرف المركزي الليبي، مرحلة جديدة، السبت، وسط محاولة من حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، لاحتواء لانتقادات أميركية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح والمشري وستيفان ويليامز المبعوثة الأممية بالإنابة (المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي)

ليبيون يعلّقون آمالهم على تقارُب صالح والمشري لإحياء المسار الانتخابي

تدفع أزمة المصرف المركزي الليبي بإمكانية العودة إلى بحث العملية السياسية، في ظل عقد البعض آمالاً على عودة التقارب بين مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح وسفير الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا (حساب السفير على «إكس»)

«الأوروبي» يدعو قادة ليبيا إلى «خفض التوترات»... وتشغيل النفط

أطلقت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا عدداً من التحذيرات لقادة البلاد ودعتهم للتحاور والاستجابة لمبادرة الأمم المتحدة، كما شددت على ضرورة إعادة إنتاج وضخ النفط.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا طالبت لجنة الأزمات والطوارئ ببلدية زليتن المواطنين بالابتعاد عن مجرى الوادي (مديرية أمن طرابلس)

سيول جارفة تضرب مناطق متفرقة في ليبيا... وتنشر المخاوف

ضربت أمطار غزيرة وصلت إلى حد السيول مناطق عدة في شمال غربي ليبيا، وأعلن جهاز الإسعاف والطوارئ رفع درجة الاستعدادات وسط إنقاذ عائلات عالقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)
عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)
TT

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)
عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)

حذّر تقرير للأمم المتحدة من أن غياب المساءلة، والسنوات الطويلة من إفلات المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات المرتكبة في مدينة ترهونة الليبية بين عامي 2013 و2022 من العقاب، تهدد بالمزيد من حالة عدم الاستقرار والانقسام في البلاد.

واتهم التقرير، الذي وزعته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، مساء الجمعة، فصيل الكانيات، وهو مجموعة مسلّحة نشأت في 2011، مارَس سيطرة وحشية على ترهونة، المدينة التي يقطنها 150.000 نسمة تقريباً وتقع على بعد 90 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس، مشيراً إلى أن إدماج الكانيات في حكومة الوفاق السابقة، ثم لاحقاً في الجيش الوطني، وشكّل حاجزاً كبيراً أعاق تحقيق المساءلة والعدالة. ونتيجة لذلك، تردّد بعض السكان في المشاركة في التحقيقات والإبلاغ عن الجرائم خوفاً من الانتقام.

ونقل التقرير عن ستيفاني خوري، القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة، عدّها عدم معالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراء النزاع ودوافعه لن يؤدّي سوى إلى تأجيج دوامات العنف والانتقام السامة بين المجتمعات.

اجتماع عميد بلدية ترهونة مع المسؤولة الأممية (بلدية ترهونة)

وأوصى التقرير بتنفيذ عملية شاملة للعدالة الانتقالية والمصالحة، مع اتخاذ تدابير مجدية لتقصّي الحقائق، وتقديم تعويضات فعالة إلى الضحايا، بما في ذلك المساعدة القانونية ودعم الصحة النفسية، وضمانات عدم التكرار، التي ينبغي وضعها بالتشاور مع المتضررين مباشرة. كما دعا لاتخاذ تدابير صارمة لتحقيق المساءلة، من خلال التحقيقات ومحاسبة الجناة المزعومين، بما يتماشى مع المعايير الدولية.

وكان عميد بلدية ترهونة، محمد الكشر، وعدد من أعضاء رابطة ضحايا ترهونة، قد زاروا مع المسؤولة الأممية جورجيت غانيون، عدداً من مواقع المقابر الجماعية والسجون في ترهونة، بمناسبة اليوم العالمي للإخفاء القسري، ومتابعة ملف ضحايا العنف والقتل والمقابر التي ارتكبت بحق أهالي ترهونة وبعض المدن المجاورة.

في سياق غير متصل، تحدثت وسائل إعلام محلية عن نجاة ليبيين بأعجوبة، بعد أن جرفت مياه الفيضانات سيارتهم في ترهونة، بينما تعرضت مدينة الكفرة لإطفاء تام بسبب فصل محطة كهربائية، للحفاظ على معدات الشبكة العامة بتأثير الرياح والأمطار.

حكومة الوحدة خلال اجتماع متابعة تقلبات الطقس (حكومة الوحدة)

وأعلن الهلال الأحمر، مساء الجمعة، في ترهونة فتح الطريق الرابط بين بني وليد وترهونة، عقب إغلاقه لعدة ساعات، بسبب تزايد ارتفاع منسوب المياه في الطريق، فيما أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ في بني وليد، خروج السيل في وادي وشتاتة إلى الطريق، مع وجود ارتفاع في المياه في الوادي.

وكانت حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، قد طمأنت المواطنين بما وصفته بالجاهزية العالية للوزارات والأجهزة والمراكز في جميع مناطق ليبيا العالية لمواجهة أي ظروف جوية، أو تقلبات مناخية، وتوفير الإمكانيات اللازمة، مشيرة إلى أن اجتماعاً عُقد، مساء الجمعة بطرابلس، ضم كل الجهات المعنية، استهدف توحيد الجهود لضمان نجاح العمل وحماية المواطنين والممتلكات، في إطار تحديث الخطة الوطنية لمواجهة الطوارئ والكوارث الطبيعية.