مباحثات البرهان في العاصمة الليبية تؤكد تفعيل «الاتفاقيات المشتركة»

حكومة «الوحدة» لاحتواء إغلاق منشآت نفطية

المنفى مع البرهان في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفى مع البرهان في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

مباحثات البرهان في العاصمة الليبية تؤكد تفعيل «الاتفاقيات المشتركة»

المنفى مع البرهان في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفى مع البرهان في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)

أجرى رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي بدأ زيارة رسمية هي الأولى له إلى ليبيا، محادثات مع محمد المنفي رئيس «المجلس الرئاسي» الليبي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، تتعلق بالوضع السوداني والعلاقات الثنائية، بينما سعى الأخير لاحتواء غضب عناصر جهاز حرس المنشآت النفطية، بإصدار قرار يقضي بتحديد مرتباتهم، وفقاً لجدول المرتبات الموحد لمنتسبي الجيش الليبي.

وقال المنفي، إنه بحث مع البرهان «سُبل تعزيز العلاقات الثنائية الممتدة بين البلدين ودعمها وتطويرها بما يخدم شعبي ليبيا والسودان»، مشيراً إلى اتفاقهما على تبادل زيارات الوفود بين البلدين، وتفعيل الاتفاقيات الموقعة بينهما. كما تناولت المحادثات «القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما يؤدي إلى إحلال السلام والاستقرار في السودان والمنطقة».

البرهان والدبيبة

ونقل عن البرهان إشادته بما وصفه بـ«المواقف الإيجابية لليبيا تجاه السودان، التي عبر عنها المنفي في المحافل الإقليمية والدولية والداعية والداعمة لوحدة السودان وأمنه القومي واستقراره، ورفض التدخلات الخارجية السلبية في البلدين الشقيقين».

وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المنفي في طرابلس: «فرض علينا أن نتعاون ونرفع ما يعانيه أهلنا في الدولتين، وأن نعيد لهم الاستقرار، ونجعلهم يعيشون عيشة كريمة، من دون أي تدخلات من أطراف خارجية أو داخلية».

وتابع: «نستطيع بين الآليات المختلفة السابقة أن نديم هذه العلاقة ونبني عليها»، وشكر السلطات الليبية على استقبال عشرات الآلاف من النازحين السودانيين، ومعاملتهم معاملة الليبيين.

اجتماع الدبيبة مع البرهان (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

وقال الدبيبة إنه ناقش مع البرهان عدداً من الملفات الإقليمية والدولية المشتركة بين البلدين، بينما قال البرهان إن هدف زيارته الأساسي إلى ليبيا، هو «البناء على سابق التعاون والمحبة بين الشعبين».

في شأن آخر، أبلغ جهاز «حرس المنشآت النفطية» منتسبيه في بيان رسمي الاثنين، بتجهيز إدارته المالية لحوافز مرتب الشهر الماضي، ودعا المندوبين لتسلمها وتوزيعها، إيذاناً بانتهاء أزمة إغلاق عناصر الجهاز لبعض المواقع النفطية، احتجاجاً على تجاهل الحكومة أوضاعهم المالية.

وكانت رئاسة الجهاز هنأت مساء الأحد، في بيان مقتضب، بصدور قرار الدبيبة بمساواتهم بمرتبات عناصر الجيش الليبي، وتمنت أن يكون ذلك «حافزاً لهم لبذل مزيد من الجهد والعطاء في سبيل الوطن والمواطن»، كما شكرت كل من عمل في سبيل صدور هذا القرار وتمكين منتسبي الجهاز من نيل حقوقهم المالية.

ونفى عبد الرزاق الخرماني رئيس الجهاز، إغلاق أي منشأة نفطية في البلاد، مشيراً في تصريحات تلفزيونية مساء الأحد، إلى أنه «لم يأمر إطلاقاً بهذه الخطوة»، مشيداً بموقف الدبيبة وإيفائه بالوعود التي قدمها، ومعرباً عن امتنانه لهذه الخطوة التي تعزز الثقة بين الحكومة والجهاز.

وأكد أن «مجمع مليتة النفطي» عاد للعمل بشكل طبيعي بعد إغلاقه جزئياً، بسبب بعض المشاكل الفنية التي تم حلها. لكن معتصم مصطفى العضو بحراك الجهاز، أبلغ في المقابل، وسائل إعلام محلية، أن قرار الدبيبة «مخالف للقانون وغير مدروس، كون تبعيتهم لمؤسسة النفط»، معلناً الاستمرار في إغلاق حقول وخطوط النفط.

ميناء البريقة النفطي في مرسى البريقة على مسافة نحو 270 كيلومتراً غرب مدينة بنغازي بشرق ليبيا (غيتي)

وتحدث مهندس داخل «مجمع مليتة» عن سماع أصوات إطلاق نار أمام المجمع، بعد شائعات اتضح لاحقاً عدم صحتها، بشأن إصدار أوامر من رئاسة أركان الجيش، بفض اعتصام منتسبي «حرس المنشآت النفطية».

بدوره، نفى النائب العام صدور أمر بضبط وإحضار رئيسي «النقابة العامة للنفط»، وجهاز «حرس المنشآت النفطية»، أو تكليف قوة عسكرية من رئاسة الأركان للتوجه إلى مدن الزاوية ومصراتة وتأمين منشآت النفط.

في موازاة ذلك، قال مجلس الدولة إن النائب الأول لرئيسه مسعود عبيد، بحث مساء الأحد، مع المبعوث الألماني الخاص كريستيان بوك، آخر المستجدات السياسية الجارية في البلاد، والقوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة «6+6» المشتركة بين مجلسي «النواب» و«الدولة» وآلية تنفيذها لإنجاز الاستحقاق الانتخابي.

ونقل عن المبعوث الألماني استعداد بلاده لمساعدة الأطراف السياسية، وتقريب وجهات النظر فيما بينها، مشيداً «بدور مجلس الدولة من أجل الوصول إلى الانتخابات في أقرب الآجال».

وأعلن المجلس الرئاسي الاثنين، انطلاق أعمال مؤتمر «دعم عملية شاملة للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية»، برئاسة عبد الله اللافي عضو المجلس، ومشاركة بعثة الأمم المتحدة، وعدد من الخبراء الدوليين والمحليين والقانونيين وممثلين عن أسر الضحايا.

حقل بترول في مدينة راس لانوف شمال ليبيا (أ.ف.ب)

من جانبه، قال مستشار الأمن القومي الليبي إبراهيم بوشناف، إنه بحث مساء الأحد في بنغازي، مع سفير إيطاليا جيانلوكا البيريني، الوضع الليبي الراهن، ودور إيطاليا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية، وصولاً إلى إنهاء حالة الانقسام، وإتمام عملية الانتخابات.

وقدم بوشناف للوفد الإيطالي، رؤية المجلس وخطواته العملية لأجل حل الأزمة الليبية من خلال حوار ليبي تسهم فيه كل الأطراف، بما ينتج حكومة موحدة، تعمل على إجراء الاستفتاء على الدستور وإقامة الانتخابات الدائمة للبلد.

بدوره، أكد السفير الإيطالي تطابق وجهات النظر مع رؤية المجلس «في الخطوات العملية، التي يجب اتخاذها في الوقت الراهن بالعمل مع بعثة الأمم المتحدة»، مؤكداً أن بلاده «لن تألو جهداً في سبيل إنهاء حالة الانقسام الليبي».


مقالات ذات صلة

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

المشرق العربي 
من مخلفات اشتباكات عنيفة بين ميليشيات مسلحة وسط طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

هزّت انفجارات ضخمة مدينة زليتن الساحلية، الواقعة غرب ليبيا، إثر انفجار مخزن للذخيرة، تملكه ميليشيا «كتيبة العيان»، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث، الذي.

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا عناصر من شرطة جنوب أفريقيا (رويترز)

شرطة جنوب أفريقيا تعتقل 95 ليبياً بموقع يُشتبه بأنه قاعدة عسكرية

أعلنت شرطة جنوب أفريقيا اعتقال 95 ليبياً، الجمعة، في عملية دهم في مزرعة يبدو أنها حوّلت قاعدة للتدريب العسكري.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
شمال افريقيا هانيبال القذافي (أ.ف.ب)

مدافعون عن هانيبال القذافي يطالبون السلطات الليبية بـ«تدويل» قضيته

طالب ليبيون موالون لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي (الخميس) سلطات بلادهم بـ«التحرك العاجل» لإطلاق سراح نجله هانيبال، المعتقل في لبنان منذ قرابة 9 سنوات.

جمال جوهر (القاهرة)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز