ما التشكيلات المسلحة التي تعتزم «الوحدة» الليبية إخراجها من طرابلس؟

«مجزرة أبو سليم» أرغمت الحكومة على اتخاذ هذا القرار وسط تساؤلات عن إمكانية تحقيق ذلك

من اجتماع سابق في طرابلس للدبيبة مع حمزة آمر «اللواء 444 قتال» (حكومة الوحدة)
من اجتماع سابق في طرابلس للدبيبة مع حمزة آمر «اللواء 444 قتال» (حكومة الوحدة)
TT

ما التشكيلات المسلحة التي تعتزم «الوحدة» الليبية إخراجها من طرابلس؟

من اجتماع سابق في طرابلس للدبيبة مع حمزة آمر «اللواء 444 قتال» (حكومة الوحدة)
من اجتماع سابق في طرابلس للدبيبة مع حمزة آمر «اللواء 444 قتال» (حكومة الوحدة)

أجبرت المجزرة التي ارتُكبت في حي أبو سليم، الأسبوع الماضي، سلطات العاصمة الليبية على الاتجاه لإخراج الميليشيات من طرابلس وإعادتها إلى مقارها وثكناتها، وذلك في محاولة جديدة سبق أن خاضها المبعوث الأممي الأسبق إلى البلاد، الدكتور غسان سلامة، لكنها باءت بالفشل لأسباب عدة.

وأعلن عماد الطرابلسي، وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، في مؤتمر صحافي، مساء الأربعاء، أنه بعد مشاورات ومفاوضات، امتدت لأكثر من شهر، تم التوصل إلى «اتفاق مع الأجهزة الأمنية لإخلاء العاصمة بالكامل خلال المدة المقبلة»، والتي توقّع أن تكون بعد نهاية شهر رمضان.

عماد الطرابلسي وزير الداخلية بحكومة الدبيبة (مقطع فيديو للمؤتمر الصحافي)

واستيقظ ليبيون على جريمة مروعة، جرت وقائعها في حي أبو سليم، الواقع جنوب العاصمة طرابلس، الأحد الماضي، راح ضحيتها 10 أشخاص في ظروف غامضة. وفيما قال وزير الداخلية إنه «فتح تحقيقاً مباشراً في الجريمة»، وتعهد لأهالي الضحايا بمحاسبة كل من يثبت تورطه فيها، كشفت المجزرة عن تصاعد الصراع بين الميليشيات المسلحة بالعاصمة على توسيع نفوذها على الأرض.

عناصر أمنية تجوب الشوارع العامة بطرابلس لضمان استتباب الأمن (الشرق الأوسط)

وتحدث الطرابلسي عن 7 ميليشيات وصفها بـ«الأجهزة الأمنية»، وقال إنه جرى الاتفاق على إخراجها خلال الأيام الماضية من طرابلس. وعادة ما تطلق السلطات الرسمية مسمى «الأجهزة الأمنية» على «التشكيلات المسلحة». وهذه الأجهزة هي: «جهاز قوة الردع»، و«جهاز الأمن العام»، و«الشرطة القضائية»، و«جهاز دعم الاستقرار»، و«اللواء 444 قتال»، و«اللواء 111»، بالإضافة إلى «قوة دعم المديريات».

ويترأس «قوة الردع» التي تحدث عنها الطرابلسي، عبد الرؤوف كارة، ذو التوجه السلفي، وتتخذ «قوة الردع» من مجمع معيتيقة بطرابلس، الذي يضم المطار الدولي، مقراً لها، وتشرف على سجن يقبع فيه بقايا رموز نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، أشهرهم عبد الله السنوسي مدير الاستخبارات السابق.

ويتمتع كارة بعلاقة جيدة مع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وتمتلك قوته عدة وعتاداً كبيرين، وحلّت خلال السنوات التي تلت «ثورة 17 فبراير (شباط)» محل الشرطة الرسمية، لكن لاحقتها الانتقادات.

وحول مدى تقبّل قرار إخلاء طرابلس من التشكيلات، قال الوزير إن جميع قادة وأمراء هذه المجموعات «أبدوا تفهمهم ودعمهم لخطة الإخلاء، وبعد الانتهاء من طرابلس سيتم إخلاء كافة المدن من المظاهر والتشكيلات والبوابات المنتشرة لهذه المجموعات». وفيما أكد الوزير أن «هذه الخطة ليست موجهة ضد أحد»، استبعد مسؤول أمني سابق بغرب البلاد «تنفيذ هذا الاتفاق»، وأرجع ذلك إلى «قوة هذه المجموعات المسلحة التي تنطلق من وجودها في طرابلس».

ورأى المسؤول الأمني في حديث إلى «الشرق الأوسط» أنه «رغم الإغداق المالي الكبير على هذه التشكيلات من حكومة طرابلس فإن الأهم هو تفكيكها، وسحب سلاحها بشكل نهائي، وليس إبعادها عن طرابلس»، لافتاً إلى أن عديد الميليشيات «يتم إحضارها إلى طرابلس حال اندلاع أي اشتباكات مسلحة، كما وقع في السابق».

وبجانب «قوة الردع»، تحدث الطرابلسي عن «جهاز دعم الاستقرار»، الذي تأسس بموجب قرار حكومي في يناير (كانون الثاني) 2021، ويقوده عبد الغني الككلي، الشهير بـ«غنيوة»، الذي يعد أحد أكثر قادة الميليشيات نفوذاً في طرابلس.

وتعدّ منظمة العفو الدولية (أمنستي)، في تقرير سابق، أن الككلي تولى منصبه «على الرغم من تاريخ حافل بجرائم مشمولة في القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، ارتكبتها الميليشيات تحت قيادته، ووُثِّقت على نحو وافٍ».

وقالت المنظمة إنها سبق أن أرسلت إلى السلطات الليبية البلاغات التي تلقتها ضد الككلي، ونائبه السابق لطفي الحراري في 19 أبريل (نيسان) 2022، مُطالبة السلطات بإقالتهما من منصبيهما، «حيث يمكنهما ارتكاب انتهاكات أخرى، أو التدخل في التحقيقات، أو تمتّعهما بحصانة إلى حين انتهاء التحقيقات».

ونقلت منظمة العفو الدولية، عن ممثلين لوزارة الداخلية في طرابلس، أن أفراد جهاز دعم الاستقرار «يعترضون سبيل اللاجئين والمهاجرين في عرض البحر، ويقتادونهم إلى مراكز احتجاز تحت سيطرة الجهاز».

وشمل قرار الإبعاد عن طرابلس، الذي تحدث عنه وزير الداخلية، «اللواء 444 قتال» الذي تم تأسيسه عام 2019، ويتبع منطقة طرابلس العسكرية، ويتمتع قائده محمود حمزة بعلاقة جيدة بالدبيبة.

وسبق أن شهدت طرابلس اشتباكات دامية في منتصف أغسطس (آب) 2023، بين قوات حمزة وقوات كارة، أسفرت عن وقوع عديد القتلى بالعاصمة، على خلفية احتجاز حمزة من قبل «جهاز الردع»، قبل أن يتدخل الدبيبة للإفراج عنه، وإبرام صلح بين التشكيلين المسلحين.

وكان حمزة، الذي أمر الدبيبة بترقيته من رتبة عقيد إلى عميد، ملازماً في جهاز الشرطة، والتحق بـ«قوة الردع» بوصفه متحدثاً رسمياً لها، وأعقب ذلك بتأسيس كتيبة تحمل اسم «20 - 20» في معيتيقة بقيادته، بعد انفصاله عن قوة الردع ليترأس «اللواء 444 قتال».

وبذلت البعثة الأممية إلى ليبيا جهوداً سابقة لإخراج التشكيلات المسلحة من طرابلس، وتمكنت من إخراج بعضها خلال فترة غسان سلامة، لكن سرعان ما عادت مع تجدد الاشتباكات، والحرب التي شنها «الجيش الوطني» برئاسة المشير خليفة حفتر على طرابلس. وفي تلك الفترات رأى سلامة أن الميليشيات في طرابلس «قوّضت» عمل حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج.

كما تطرق الطرابلسي إلى «اللواء 111»، الذي يترأسه عبد السلام زوبي، وهو أحد أركان الغرفة الأمنية والعسكرية المشتركة التي شكلها الدبيبة «للدفاع عن المنطقة الغربية والجنوب الغربي»، وتضم 22 تشكيلاً مسلحاً، من بينهم «اللواء 444 قتال»، و«الكتيبة 166 للحماية والحراسة»، بالإضافة إلى «اللواء 111».

وتنتشر قوات اللواء في أحياء منطقة الهضبة، وطريق المطار والسواني ومحيط مطار طرابلس الدولي، وتتحدر عناصره من مدينة مصراتة، وكان يعرف في السابق باسم «الكتيبة 301 مشاة»، أو «لواء الحلبوص».

بعض عناصر «جهاز دعم المديريات» الذي ينشط في مكافحة الهجرة غير المشروعة (الشرق الأوسط)

أما «جهاز الشرطة القضائية»، الذي تحدث عنه الطرابلسي، فيتبع وزارة العدل بحكومة الدبيبة، ويرأسه أسامة انجيم، وهو يختص بحراسة وتأمين بعض السجون، من بينها «الجديدة» و«عين زارة». ورغم تبعيته لوزارة العدل، فإنه متحالف بقوة مع «جهاز الردع»، وقاتل إلى جانبه ضد «اللواء 444» خلال الاشتباكات التي وقعت بطرابلس في أغسطس 2023.

وفي الختام، يأتي «جهاز دعم المديريات»، الذي ينشط في مكافحة الهجرة غير المشروعة، و«جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية»، وهذا الأخير كان يترأسه الطرابلسي نفسه قبل تكليفه بوزارة الداخلية، من الفترة الممتدة ما بين 2018 وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وعندما كلّفه الدبيبة بوزارة الداخلية، خلفه شقيقه عبد الله الطرابلسي في قيادة الجهاز.


مقالات ذات صلة

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

المشرق العربي 
من مخلفات اشتباكات عنيفة بين ميليشيات مسلحة وسط طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

هزّت انفجارات ضخمة مدينة زليتن الساحلية، الواقعة غرب ليبيا، إثر انفجار مخزن للذخيرة، تملكه ميليشيا «كتيبة العيان»، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث، الذي.

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا عناصر من شرطة جنوب أفريقيا (رويترز)

شرطة جنوب أفريقيا تعتقل 95 ليبياً بموقع يُشتبه بأنه قاعدة عسكرية

أعلنت شرطة جنوب أفريقيا اعتقال 95 ليبياً، الجمعة، في عملية دهم في مزرعة يبدو أنها حوّلت قاعدة للتدريب العسكري.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
شمال افريقيا هانيبال القذافي (أ.ف.ب)

مدافعون عن هانيبال القذافي يطالبون السلطات الليبية بـ«تدويل» قضيته

طالب ليبيون موالون لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي (الخميس) سلطات بلادهم بـ«التحرك العاجل» لإطلاق سراح نجله هانيبال، المعتقل في لبنان منذ قرابة 9 سنوات.

جمال جوهر (القاهرة)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز