أعاد قرار السلطات التركية سحب الجنسية الممنوحة للقائم بأعمال المرشد العام لجماعة «الإخوان» في مصر، محمود حسين، طرح تساؤلات حول الملاذات البديلة لقيادات وعناصر الجماعة، في ظل التقارب المصري- التركي، واتخاذ أنقرة سلسلة من القرارات المتعلقة بضبط ملف المقيمين على أراضيها، والتي طالت عدداً من قيادات وعناصر «الإخوان» الذين كانت الأراضي التركية ملاذهم الأهم، منذ الإطاحة بحكم التنظيم في مصر عام 2013.
وحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن هناك كثيراً من الوجهات المحتمل أن يلجأ إليها قيادات وعناصر «الإخوان» في حال اضطروا لمغادرة الأراضي التركية، بعضها «ملاذات تقليدية» سبق لعناصر الجماعة اللجوء إليها منذ عقود، وأسسوا فيها «حواضن مستقرة»، وفي مقدمة هذه الملاذات بريطانيا وجنوب أفريقيا. إلا أن وجهات جديدة بدأت تظهر، من بينها بعض دول شرق أوروبا، أو دول أفريقية مثل أوغندا وكينيا، وحتى إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وصولاً إلى اكتساب بعض عناصر التنظيم جنسية دول الكاريبي التي تقدم تيسيرات تتعلق بالإقامة والجنسية، مقابل مبالغ مالية محددة.
وكان قرار السلطات التركية سحب الجنسية من محمود حسين الذي يتزعَّم ما تُعرَف بـ«جبهة إسطنبول» في «الإخوان»، وإلغاء جواز سفره وزوجته بسبب مخالفة شروط حصوله على الجنسية، قد أحدث ردود فعل واسعة في أوساط التنظيم والمقربين منه، وسط توقعات بأن يكون القرار مقدمة لإجراءات أخرى مشابهة، سواء لأسباب سياسية تتعلق بالتقارب التركي مع مصر، أو لاعتبارات داخلية ترتبط بإجراءات ضبط ملف المهاجرين والمقيمين على الأراضي التركية.
ومنذ منتصف العام الماضي، بدأت السلطات التركية حملة مداهمات واسعة النطاق، طالت عناصر من «الإخوان» المقيمين في البلاد، واحتجزت من لا يحمل أي هوية أو إقامة أو جنسية، كما طلبت من بعض عناصر الجماعة مغادرة أراضيها، ورفضت السلطات التركية منح الجنسية لنحو 12 عنصراً إخوانياً آخرين، كان من بينهم قادة بارزون في «الإخوان»، منهم الداعية وجدي غنيم الذي انتقد في تسجيل مصور القرار التركي.
وبينما ربطت تقارير إعلامية بين قرار سحب -أو تجميد- الجنسية التركية الممنوحة لمحمود حسين، وبين الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى القاهرة، والتي توَّجت مساراً من تحسن العلاقات بين البلدين بعد نحو عقد من التوتر، أفادت حسابات على منصات التواصل الاجتماعي قريبة من تنظيم «الإخوان» في تركيا، بأن قرار سحب الجنسية جاء ضمن قرارات مماثلة تتعلق بنحو 50 شخصاً من قيادات التنظيم، بعد أن تبين تلاعبهم بالشروط التي حصلوا وفقها على الجنسية التركية، عبر تملك العقارات بقيمة محددة بالدولار.
وأقرت الحكومة التركية عام 2022 قانوناً يسمح بمنح الجنسية مقابل شراء عقار لا يقل ثمنه عن 400 ألف دولار، أو إيداع مبالغ في البنوك التركية، شرط ألا يتم التصرف بالعقارات أو الودائع قبل 3 سنوات، وفي حالة بيع العقار لا يُباع إلا لمواطن تركي.
ورأى أحمد بان، الكاتب والباحث المتخصص في شؤون جماعات «الإسلام السياسي»، رئيس «مركز النيل للدراسات الاستراتيجية» بالقاهرة، أن السلطات التركية اكتشفت عملية تلاعب واضحة في إجراءات اكتساب الجنسية؛ حيث قام كثير من قيادات «الإخوان» بتدوير ملكية العقار فيما بينهم، عبر تسجيل إقامتهم على العقار نفسه، وهو ما عدَّته السلطات التركية تلاعباً، واتخذت إجراءات بشأنه منذ أغسطس (آب) الماضي. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن انتقال قيادات أو عناصر إخوانية بارزة من تركيا إلى ملاذات بديلة من شأنه أن يؤدي إلى «ارتباك تنظيمي» لجبهة إسطنبول التي تتنازع قيادة «الإخوان» مع «جبهة لندن» التي يتزعمها القيادي الإخواني صلاح عبد الحق؛ خصوصاً أن الحضور التنظيمي لجبهة إسطنبول التي يتزعمها محمود حسين، مرتبط بتسهيلات التمويل والتحرك التي تمنحها السلطات في أنقرة لقيادات هذه الجبهة على الأراضي التركية.
بدوره، وصف أحمد سلطان، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والتنظيمات المتطرفة، قرار سحب الجنسية من محمود حسين وبعض قيادات «الإخوان» في تركيا، بأنه «قرار قانوني وليس سياسياً»؛ مشيراً إلى أن قرارات مماثلة اتُّخذت بحق شخصيات سورية ومن جنسيات أخرى، ولم تقتصر على «الإخوان» من المصريين، وهو ما عدَّه امتداداً لحالة من التشدد الرسمي بشأن ملف الإقامات والجنسية، ومحاولة لمواجهة التلاعبات التي شهدها هذا الملف على مدى سنوات عدَّة.
ورجَّح سلطان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تظل تركيا «الملاذ الأكبر والأهم» لعناصر «الإخوان»، لافتاً إلى أن ما تقدمه تركيا من تسهيلات لعناصر الجماعة «لا يمكن أن يقارن بأي وجهة أخرى»؛ خصوصاً في ظل وجود تنسيقات واجتماعات متواصلة وغير معلنة مع قيادات تركية بارزة.
وأوضح أن هناك ملاذات تقليدية تلجأ إليها عناصر الجماعة عندما تواجه تضييقاً في بلدانها الأصلية، ومنها جنوب أفريقيا التي تقدم تسهيلات لإقامة كثير من عناصر وقيادات «الإخوان»، وأسس بعضهم هناك شركات ومؤسسات منذ سنوات طويلة، كما برزت في السنوات الأخيرة دول مثل البوسنة والهرسك، وكوسوفو؛ خصوصاً في ظل العلاقات الوطيدة بين تركيا وبين تلك الدول. وأضاف أن دولاً أوروبية عدة بدأت كذلك تظهر على خريطة اهتمامات عناصر التنظيم، منها نيوزيلاندا وأستراليا وكندا، واكتساب جنسية بعض دول الكاريبي، إضافة إلى فرنسا التي انتقل إليها الإعلامي الإخواني معتز مطر، بعد ترحيله من تركيا. إلا أن سلطان أشار إلى أن تلك الدول تمثل وجهات لقيادات الصف الأول والثاني من «الإخوان»، بينما يلجأ العناصر الأدنى في مستويات القيادة إلى دول مثل كينيا وأوغندا، وحتى إقليم «أرض الصومال» الذي بدأ يشهد انتقال كثير من عناصر التنظيم إليه في الآونة الأخيرة.
إلا أن سلطان استبعد انتقال عناصر من «الإخوان» إلى دول مثل ماليزيا أو أفغانستان؛ لافتاً إلى أن الأولى سلَّمت بعض العناصر الإخوانية إلى السلطات المصرية، بينما أبدت الثانية رفضاً للمشاركة في أي تحركات لتنظيمات، مفضلة التركيز على إعادة البناء الداخلي.
وحسب دراسة منشورة على موقع «المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب»، وهو مركز بحثي مقره بألمانيا، فقد بدأت الدول الأوروبية في تعديل استراتيجياتها في التعامل مع «الإخوان»، بعد عدة تحذيرات أوردتها تقارير أمنية واستخباراتية أوروبية، حذَّرت من خطر توغل التنظيم في المجتمعات الأوروبية.
وأفادت الدراسة بأن الإجراءات الأوروبية جاءت عقب تنامي الهجمات الإرهابية التي استهدفت عدة عواصم أوروبية في عام 2020، وأثبتت التحقيقات انتماء منفذيها لتنظيمات التطرف الإسلاموي في البلاد، كان أبرزها هجوم فيينا الذي وقع في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وهجمات نيس الفرنسية التي وقعت في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، بالإضافة لجريمة ذبح المدرس الفرنسي صامويل باتي في أكتوبر من العام نفسه.
واتخذت فرنسا في 18 مايو (أيار) الماضي قراراً ضد تمويل جماعة «الإخوان»، بينما كانت الحكومة البريطانية قد وجهت انتقادات بشكل واضح لـ«الإخوان»، وقالت في تقرير أعدته عام 2015، إن الارتباط بهذا التنظيم يعد «مؤشراً ممكناً على التطرف»، غير أن التقرير لم يوصِ بحظر الجماعة، وخلُص إلى أنه لا ينبغي تصنيفها منظمةً إرهابية.