بسبب استمرار حالة الجمود السياسي في ليبيا، بات عدد من السياسيين يتساءلون حول خيارات المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي لمواجهة «تصلب مواقف أفرقاء الأزمة»، الذين انتقدهم وحمّلهم مسؤولية عدم تمهيد الطريق أمام الانتخابات المنتظرة.
بداية، تحدّث عضو مجلس النواب الليبي، عمار الأبلق، عن إمكانية استفادة باتيلي من التحركات الإقليمية، التي جرت أخيراً بخصوص الملف الليبي، ومنها زيارة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى العاصمة القطرية، واجتماع الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان، والمصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، الأسبوع الماضي.
وقال الأبلق لـ«الشرق الأوسط» إن واشنطن «تراقب عن كثب هذه التحركات واللقاءات، التي تتم بين الحلفاء الإقليميين لأفرقاء ليبيا، وقد تدفع بتسريع جهودهم للتوصل لحكومة جديدة موحدة، لكن تحت غطاء البعثة الأممية»، مشيراً إلى أنه «في حال تعثر مسار الجهود الإقليمية، فإن باتيلي يمكنه العودة لمقترحه الرئيسي بإيجاد لجنة موسعة، على غرار (ملتقى الحوار السياسي)، الذي رعته المبعوثة الأممية السابقة ستيفاني وليامز».
وأوضح أنه «إلى جانب ممثلي الأطراف الرئيسية الخمسة، فإن باتيلي قد يدعو ممثلين مستقلين من الأحزاب والقوى المدنية، فتكون لهؤلاء الكفة الوازنة في وضع ملامح خريطة المرحلة المقبلة، التي سيتقدمها أيضاً تشكيل حكومة موحدة».
وهذه الأطراف هي القائد العام لـ«الجيش الوطني» خليفة حفتر، ومحمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إلى جانب عقيلة صالح ومحمد تكالة رئيسي مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة».
وفي مقابل الآراء، التي تتهم باتيلي بالانحياز لأحد أفرقاء الصراع على السلطة في البلاد، رأى الأبلق أن «تكرار المبعوث لانزعاجه من مواقف الأفرقاء الليبيين يستهدف مناشدة دعم الدول الغربية الكبرى، المتدخلة بقوة في المشهد الليبي، كونها مَن تملك وحدها مفاتيح حل الأزمة عبر ممارسة ضغط أكبر على هؤلاء الأفرقاء».
وانتهى الأبلق مذكّراً بشكاوى 8 من المبعوثين السابقين لباتيلي من «تعنت القوى الليبية، ووجود فجوة بين تصريحاتهم الداعية للإسراع بالانتخابات، ومواقفهم المعرقلة لها».
من جهته، رأى عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن الأحداث الراهنة، خصوصاً ازدياد القلق الأميركي من توسع نفوذ كل من روسيا والصين «قد توفر أداة جيدة لباتيلي خلال المرحلة الراهنة إذا ما نجح في توظيفها». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن جعبة باتيلي «لم تفرغ بعد؛ وباعتقادي بأنه يمكنه اللعب على وتر إدراك واشنطن لتزايد الغضب تجاهها، بسبب ما آلت إليه أحوال بعض بلدان القارة الأفريقية والمنطقة العربية عموماً، وكيف تحاول إيقاف توسع نفوذ كل من روسيا والصين بتلك القارة السمراء».
ووفقاً لرؤية التكبالي «فقد تتحول التخوفات الأميركية لأداة ضغط قوية في يد باتيلي لمواجهة الأفرقاء الليبيين»، موضحاً أنه «رغم انشغال أميركا بالصراع في قطاع غزة، فإنها قد تدعم أي مبادرة جديدة يتقدم بها باتيلي، ويمكنه حينذاك تجاهل الأفرقاء، أو تهميش دورهم عبر الدعوة لعقد مؤتمر جامع لفئات وشرائح عدة بالساحة الليبية».
وخلال مقابلة صحافية أُجريت معه أخيراً، حذّر باتيلي من تهديد «الانقسامات الحالية لوحدة ليبيا واستقرارها»، مشدداً على أنه «لم يعد مقبولاً اليوم أن يشترط أي طرف البقاء في منصبه؛ لأن من شأن ذلك أن يؤجج الصراع، أو يشعل فتيل الحرب، ومن المؤسف القول إن هذا الاحتمال لم يعد مستبعداً في ليبيا اليوم».
غير أن الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف»، جلال حرشاوي، يختلف مع الطرح السابق، مستبعداً أن يقدم باتيلي على طرح أي مبادرة جديدة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن باتيلي «يأمل فقط في أن تساعده الدول الغربية على إيجاد حد للوضع الراهن... ومن المحتمل أن تنظم فرنسا مؤتمراً حول الوضع في ليبيا، والأهم من ذلك قد تبدأ تركيا في ممارسة الضغط على الدبيبة، كونها الطرف الوحيد القادر على تسهيل التغيير بطرابلس».
بدوره، انتقد رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، «عدم مسارعة باتيلي بطرح مبادرة جديدة مع بداية رصده مؤشرات فشل (الطاولة الخماسية)، جراء تعنت الأطراف المشارِكة بها، بدلاً من استنزاف الوقت الذي استفادت منه بالفعل بعض الأطراف».
ورأى زهيو، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تعنت الأطراف الليبية ليس بالأمر الجديد، وكان على باتيلي الاستعداد للتعاطي معه»، لكنه قال إن البعثة الأممية في النهاية «معبر عن مواقف ورغبات دول كبرى». ورجح أن تدفع بعض التغييرات الراهنة في مواقف تلك الدول باتجاه مشروع معالجة الانسداد الراهن بالأزمة في ليبيا، التي ستحرص على أن يكون متضمناً ما يحفظ مصالحها بالساحة الليبية، التي ظلت مسرحاً لصراعاتها على مدار أكثر من عقد.