لماذا لم تنجح الجهود الليبية والأوروبية في وقف الهجرة غير النظامية؟

سفير «الاتحاد» يبحث مع سلطات طرابلس دعم عمليات «الترحيل الطوعي»

مهاجرون سوادنيون وتشاديون تم ضبطهم في أوقات سابقة بغرب ليبيا (وزارة الداخلية)
مهاجرون سوادنيون وتشاديون تم ضبطهم في أوقات سابقة بغرب ليبيا (وزارة الداخلية)
TT

لماذا لم تنجح الجهود الليبية والأوروبية في وقف الهجرة غير النظامية؟

مهاجرون سوادنيون وتشاديون تم ضبطهم في أوقات سابقة بغرب ليبيا (وزارة الداخلية)
مهاجرون سوادنيون وتشاديون تم ضبطهم في أوقات سابقة بغرب ليبيا (وزارة الداخلية)

تفرض العمليات المتكررة لضبط أعداد من المهاجرين غير النظاميين داخل ليبيا، أو توقيفهم وإعادتهم من البحر المتوسط، أسئلة كثيرة تتعلق بمدى حقيقة الجهود المبذولة للحد من تسرّبهم إلى أوروبا، وما الأسباب التي تقف وراء استمرار تدفق مجموعات من المهاجرين عبر الحدود الليبية المترامية؟

جانب من عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين بغرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

وأعلنت السلطات المعنية بالهجرة غير المشروعة في ليبيا، خلال الأسبوعين الماضيين، ضبط مجموعات من المهاجرين كانوا يستعدون للهجرة إلى أوروبا عبر سواحل من بينها صبراتة (غرب ليبيا)، كما كشفت عن «تحرير» العشرات من المهاجرين الذين كانوا مخطوفين في «مخازن وزنازين سرية» تديرها عصابات للاتجار بالبشر.

وتحدث مسؤول أمني كبير سابق بغرب ليبيا عن «جهود تبذلها الأجهزة الرسمية المعنية بمكافحة الهجرة»، لكنه «استبعد وقف تدفق المهاجرين إلى بلاده من دول الجوار، وتهريبهم إلى الشواطئ الأوروبية؛ وأرجع ذلك لأسباب عدة». واتهم في حديث إلى «الشرق الأوسط»، «شخصيات مرموقة؛ وجهات أمنية وعسكرية»، في غرب ليبيا وشرقها من دون أن يسميها، وقال إنهم «يتربحون من وراء الاتجار بالمهاجرين الذين يُسمح لهم بشكل أو بآخر، بعبور الحدود». وأضاف متسائلاً: «ما الذي يُجبر هؤلاء المنتفعين على التخلي عن أنشطتهم التي تدرّ عليهم الملايين، منذ الإطاحة بالنظام السابق؟».

ضبط مهاجرين غير نظاميين في مدينة زوارة غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة عبر مكتبها في ليبيا، الاثنين، اعتراض وإعادة 74 مهاجراً من البحر إلى ليبيا، في الفترة من 11 إلى 17 فبراير (شباط) الحالي. وفي نهاية الأسبوع الماضي، تحدثت أيضاً عن إنقاذ وإعادة 442 مهاجراً إلى ليبيا، وبذلك ترتفع الحصيلة إلى 1004 مهاجرين غير نظاميين منذ بداية العام الحالي، وفقاً للمنظمة.

وقضت أعلى محكمة استئناف في إيطاليا، الأحد، «بعدم قانونية إعادة المهاجرين» من عرض البحر إلى ليبيا، وذلك في حكم حظي بإشادة منظمات خيرية وجماعات حقوقية.

وأيدت بحسب وكالة «رويترز»، إدانة ربان زورق القطر الإيطالي «أسو 28» الذي أنقذ 101 مهاجر في 2018 من زورق مطاطي وأعادهم إلى ليبيا.

وذكرت المحكمة أن الإنقاذ جرى في المياه الدولية على بعد نحو 105 كيلومترات عن ليبيا، وأن نساء حوامل وأطفالاً كانوا بين المهاجرين.

وتحدث طارق لملوم الحقوقي الليبي، رئيس مؤسسة «بلادي لحقوق الإنسان»، عن «ازدياد المجموعات المسلحة التي تمارس عمليات تهريب المهاجرين».

مهاجرون جرى اعتراضهم من قبل خفر السواحل التونسي في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

ورأى لملوم في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن «عمليات التهريب في ليبيا أصبحت تشهد تسهيلاً كبيراً جداً، ومع الأسف (الغالبية) متورطة في ذلك، سواء كان من الغرب أو المنطقة الوسطى أو الشرق»، لافتاً إلى أن تهريب المهاجرين «يزداد في مناطق زوارة وصبراتة التي تكثر فيها مخازن البشر وتعلم الأجهزة الأمنية مكانها، لكن يظل موعد الإعلان عنها وكشفها وضبط من فيها، يرتبط بسياسة هذه الأجهزة... وهي للأسف حكومية».

وصبراتة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، غرب العاصمة طرابلس بنحو 70 كيلومتراً، تعد من أهم نقاط انطلاق المهاجرين غير النظاميين إلى دول أوروبا، بجانب مدن أخرى مثل الزاوية وزوارة والقرة بوللي، شرق وغرب العاصمة.

وأشار لملوم إلى نقطة ثانية تتعلق بمدى نفوذ من يديرون عمليات التهريب في ليبيا، وقال: «أحياناً يقف الخوف عائقاً أمام الكشف عن المخازن التي تضم المهاجرين، لكن في المقابل تتم مداهمة المخازن التي تمتلكها عائلات أو قبائل ليس لها نفوذ».

وأفادت منظمة «أطباء بلا حدود»، الأحد، بأنه جرى إنقاذ أكثر من 80 مهاجراً، توفي اثنان وفقد 3 آخرون، بعد عمليات إنقاذ في البحر المتوسط قبالة ساحل ليبيا.

وزير الداخلية بحكومة "الوحدة" الليبية عماد الطرابلسي مستقبلاً سفير الاتحاد الأوروبي أورلاندو (من مقطع فيديو وزارة الداخلية)

وقالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إن الوزير عماد الطرابلسي، بحث مع سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا نيكولا أورلاندو، في آفاق التعاون الأمني بين الوزارة وبعثة الاتحاد حول ملف الهجرة غير المشروعة.

وأضافت الوزارة في تصريح صحافي، الاثنين، أن اللقاء تضمن أيضاً مناقشة بعض المواضيع الفنية المتعلقة بدعم الاتحاد الأوروبي لعمليات «الترحيل الطوعي» للمهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم، بالإضافة إلى دعم جهود الوزارة في تأمين الحدود الجنوبية للدولة الليبية.

ويشار إلى أن الدبيبة طرح في مؤتمر دولي للتنمية والهجرة بروما في يوليو (تموز) الماضي، رؤية حكومته لحلحلة ملف الهجرة، والمبنية على 3 مبادئ رئيسية؛ تأتي في مقدمتها إقامة شراكة متوازنة بين الدول المعنية في هذا الملف، وعدم اقتصارها على التعاون الثنائي للدول. والمبدأ الثاني هو رفض توطين هؤلاء المهاجرين في بلدان العبور، مؤكداً أن هذا النهج «يتعارض مع السيادة الوطنية لهذه الدول ومع الأمن الاجتماعي فيها».

والمبدأ الثالث، ينطلق بحسب رؤية الدبيبة، من «المقاربة العادلة والشاملة لملف الهجرة، بحيث لا يتم تركيز المعالجة على البحر المتوسط فقط، وإنما على بلدان المصدر والعبور والمقصد، لضمان تقاسم هذه الأعباء بعدالة».

كتيبة عسكرية تضبط مهاجرين غير نظاميين أثناء تسللهم إلى غرب ليبيا (أرشيفية - الكتيبة 17)

وبدأت إيطاليا وحكومات أوروبية أخرى في اتخاذ موقف متشدد على نحو مزداد تجاه الهجرة خلال السنوات الأخيرة، وسط ازدياد الدعم للأحزاب اليمينية التي ترغب في فرض قيود مشددة على الوافدين بحراً من شمال أفريقيا.

وتعد الرحلة من ليبيا إلى إيطاليا أحد أكثر المسارات المستخدمة في الهجرة عبر البحر.

وبموجب القانون الدولي الإنساني، لا يُسمح بإعادة المهاجرين قسراً إلى بلدان يواجهون فيها إساءة المعاملة على نحو خطير، ووُثقت حالات كثيرة من إساءة التعامل مع المهاجرين على نطاق واسع في ليبيا.


مقالات ذات صلة

مقتل 7 مهاجرين في انهيار بناية غرب العاصمة الليبية

شمال افريقيا الدبيبة في موقع انهيار البناية في جنزور غرب طرابلس (حكومة «الوحدة»)

مقتل 7 مهاجرين في انهيار بناية غرب العاصمة الليبية

قال الهلال الأحمر الليبي، إن فرق الإنقاذ التابعة له تواصل جهودها المكثفة للبحث عن ناجين تحت الأنقاض، بعد سقوط عقار في مدينة جنزور غرب طرابلس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا أعيان ومشايخ الزنتان طالبوا الدبيبة بسرعة الإفراج عن العميد مصطفى الوحيشي (الوحدة)

الزنتان تُصعّد ضد «الوحدة» الليبية بعد خطف مسؤول في الاستخبارات

طالبت مدينة الزنتان بسرعة الإفراج عن العميد مصطفى الوحيشي مدير إدارة الأمن بجهاز الاستخبارات العامة الذي «خطفه» مجهولون في طرابلس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا قبيل انطلاق الرالي الصحراوي في الجفرة الليبية (اللجنة المنظمة)

انفجار لغم بمشاركين في رالي للسيارات بليبيا... و4 إصابات

الحدث رسالة محبّة لشباب العالم، ودعوة لكل الليبيين بأنّ الجفرة تُجدّد النداء للالتقاء على أرضها من أجل الحوار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة ورئيس أركان قواته (حكومة «الوحدة»)

مجهولون في طرابلس يخطفون عميداً بالاستخبارات الليبية

أدان أعضاء جهاز الاستخبارات الليبي، التابع لإدارة الأمن المركزية بغرب البلاد، واقعة خطف العميد مصطفى الوحيشي، وهو في طريقه إلى منزله بعدما فرغ من عمله.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عماد الطرابلسي وزير داخلية «الوحدة» المكلف (من مقطع فيديو)

ليبيا: «صراع قوة» بين الدبيبة وميليشيات «متمردة» يلهب أجواء طرابلس

عكست تصريحات وزير الداخلية بحكومة الدبيبة، جانباً مما يجري في الكواليس من أزمة مكتومة مع تشكيلات مسلحة دفعته للقول: «لدي القوة لشنّ معركة وتخرب على الكل».

جمال جوهر (القاهرة)

مقتل 7 مهاجرين في انهيار بناية غرب العاصمة الليبية

الدبيبة في موقع انهيار البناية في جنزور غرب طرابلس (حكومة «الوحدة»)
الدبيبة في موقع انهيار البناية في جنزور غرب طرابلس (حكومة «الوحدة»)
TT

مقتل 7 مهاجرين في انهيار بناية غرب العاصمة الليبية

الدبيبة في موقع انهيار البناية في جنزور غرب طرابلس (حكومة «الوحدة»)
الدبيبة في موقع انهيار البناية في جنزور غرب طرابلس (حكومة «الوحدة»)

بدأت السلطات القضائية في العاصمة الليبية التحقيق في انهيار بناية بمنطقة جنزور، الواقعة غرب طرابلس، والتي خلفت 7 قتلى على الأقل، جميعهم من العمالة الوافدة.

وعقب انهيار البناية المكونة من 3 طوابق في جنزور، مساء الخميس، سارعت الأجهزة المختلفة وعدد من المسؤولين، من بينهم عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إلى مكان الحادث لتفقد أحوال المصابين.

فرق الإنقاذ تبحث عن ناجين بعد انهيار بناية من 3 طوابق غرب طرابلس (الهلال الأحمر)

وقال مركز طب الطوارئ والدعم، الجمعة، إن فريقه انتشل بالتعاون مع باقي الأجهزة المعنية 7 جثث، إضافة إلى إنقاذ شخصين كانا على قيد الحياة من موقع العمارة السكنية؛ إذ تبيّن أن جميع الضحايا من العمالة الوافدة.

وأشار المركز إلى أن هذه الإحصائية أولية، وسيتم تأكيد الأعداد النهائية بعد التنسيق مع الجهات المختصة، داعياً المواطنين إلى الابتعاد عن موقع الحادث حفاظاً على سلامتهم، ولتمكين فرق الطوارئ من أداء مهامها بشكل آمن وسريع.

بدوره، كلّف رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، رئاسة حكومة «الوحدة» ووزارة داخليته بالتحقيق في الملابسات، التي أدت إلى انهيار العقار، الذي تُشير التقارير إلى أنه حديث الإنشاء.

وفيما طالب المنفي، الذي تقدّم بالتعازي لأسر الضحايا، باتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على أرواح المواطنين، دعا المجلس الأعلى للدولة، برئاسة خالد المشري، الجمعة، الجهات المختصة لإجراء تحقيق «شامل»، ومحاسبة «المقصرين»؛ من أجل «ضمان عدم تكرار هذه الحوادث، والحفاظ على سلامة المواطنين وأرواحهم وممتلكاتهم».

من عمليات البحث عن ناجين بعد انهيار البناية (الهلال الأحمر)

من جانبه، قال الهلال الأحمر الليبي إن فرق الإنقاذ التابعة له تُواصل جهودها المكثفة للبحث عن ناجين تحت الأنقاض، لافتاً إلى أن المتطوعين يعملون على تقديم الدعم والمساعدة، و«نسعى جاهدين للوصول إلى أي شخص قد يكون بحاجة إلى المساعدة».

ودخلت المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا على خط الحادثة، وقالت إن البناية كانت تأوي مهاجرين أفارقة -لم تُحدد جنسياتهم- مشيرة إلى أن القتلى السبعة بينهم نساء وأطفال، كما تم إنقاذ آخرين.

وأعربت المنظمة الدولية عن تعازيها لأسر الضحايا، وتقديرها لفرق البحث والإنقاذ (SAR)، والمتطوعين على «جهودهم الدؤوبة»، مبدية استعدادها «لتقديم المساعدة للمهاجرين المتضررين، ودعم السلطات والشركاء المشاركين في عمليات البحث والإنقاذ».

وسبق أن أحصى رئيس المنظمة الدولية للهجرة، أنطونيو فيتورينو، عدد المهاجرين بمراكز الاحتجاز الرسمية في ليبيا، بـ5 آلاف فرد، لكن هذا العدد لا يُمثل سوى جزء بسيط من المحتجزين بالبلاد، سواء أكانوا طلقاء أم مغيبين في سجون سرية.

وتقول المنظمة الدولية للهجرة إنها ساعدت منذ عام 2015 نحو 80 ألف مهاجر على «العودة الطوعية» من ليبيا إلى بلدانهم الأم بصورة «آمنة وكريمة»، عبر برنامج العودة الطوعية الإنسانية، ورأت أن هذه المبادرة قدمت طوق نجاة بالغ الأهمية للمهاجرين، الذين تقطعت بهم السبل من أكثر من 49 جنسية مختلفة من أفريقيا وآسيا، والذين يرغبون في العودة إلى أوطانهم، وإعادة بناء حياتهم من جديد.