مقديشو ترهن التفاوض مع إثيوبيا بالتراجع عن اتفاقية «أرض الصومال»

تعهدت بـ«خطوات موازية» لمواجهة «أطماع» أديس أبابا

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)
الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)
TT

مقديشو ترهن التفاوض مع إثيوبيا بالتراجع عن اتفاقية «أرض الصومال»

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)
الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

رهنت مقديشو التفاوض مع أديس أبابا بالتراجع عن اتفاقية «أرض الصومال». وتعهد الصومال، الثلاثاء، بـ«خطوات موازية» لمواجهة «أطماع» إثيوبيا. جاءت التصريحات الصومالية بعد أيام من إشارات «تهدئة» إثيوبية إلى الصومال، حيث قال رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الأسبوع الماضي، إن بلاده «ليس لديها أي نية لإيذاء الصومال»، وأضاف أن «الصداقة بين البلدين عميقة لدرجة أن أديس أبابا لا ترغب في أن تلحق أي ضرر بمقديشو»، وشدد حينها على أن «بلاده لم تقم بغزو دولة في تاريخها»، بحسب «وكالة الأنباء الإثيوبية».

ووقّعت إثيوبيا في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» - غير المعترف به دولياً - تحصل بموجبه إثيوبيا، الدولة الحبيسة، على حق إنشاء ميناء تجاري وقاعدة عسكرية في مدخل البحر الأحمر، بطول 20 كيلومتراً بالإيجار لمدة 50 عاماً، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، وهي المذكرة التي سببت توتراً في العلاقات ما بين مقديشو وأديس أبابا خلال الفترة الماضية، ودفعت الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى توقيع قانون يُلغي ما جاء فيها، وهو القانون الذي تضامنت معه جامعة الدول العربية في حينه، وعدّت مذكرة التفاهم «باطلة وغير مقبولة».

رئيس الوزراء الإثيوبي خلال مراسم التوقيع مع رئيس «أرض الصومال» موسى بيهي عبدي بأديس أبابا في يناير الماضي (رويترز)

وأكد القائم بأعمال وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي، علي محمد عمر، الثلاثاء، أن «الحكومة الصومالية سوف تتخذ (خطوات موازية) من أجل الرد على (الأطماع) الإثيوبية». وشدد عمر، وفقاً لما أوردته «وكالة الأنباء الصومالية» (صونا)، الثلاثاء، على رفض الحكومة الصومالية القاطع لـ(الأطماع) الإثيوبية في انتهاك سيادة البلاد»، مشيراً إلى أن «الموقف الإثيوبي من الاتفاقية الباطلة يبدو أضعف من قبل، حيث أرسلت وسطاء دوليين وإقليميين من أجل التفاوض مع الحكومة الفيدرالية حيال ذلك».

وقال القائم بأعمال وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي، إن الحكومة الصومالية «لن تقبل التفاوض مع إثيوبيا إلا في حال تراجعها عن تنفيذ الاتفاقية الباطلة مع إدارة (أرض الصومال)».

و«أرض الصومال»، هي محمية بريطانية سابقة، أعلنت استقلالها عن الصومال عام 1991، لكن لم يعترف بها المجتمع الدولي. وتهدف إثيوبيا الحبيسة، عبر الاتفاق، إلى الحصول على منفذ بحريّ، بعد أن فقدت منفذها إثر استقلال إريتريا عام 1993، لكن الاتفاق واجه رفضاً دولياً؛ إذ دعت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومصر، وتركيا، إلى احترام سيادة الصومال.

ودعمت جامعة الدول العربية، الصومال، وعقدت اجتماعاً طارئاً على مستوى وزراء الخارجية، الشهر الماضي، خلص إلى «إدانة ورفض مذكرة التفاهم». ووصف الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الاتفاق حينها بأنه «انقلاب صارخ» على الثوابت العربية والأفريقية، و«مخالفة واضحة» للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية النافذة.

أبو الغيط خلال لقائه الرئيس الصومالي بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة الشهر الماضي (جامعة الدول العربية)

كما أبدت مصر رفضاً حاسماً للاتفاق الإثيوبي مع «أرض الصومال»، وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه ونظيره الصومالي، الشهر الماضي، أن الصومال دولة عربية، وله حقوق، طبقاً لميثاق الجامعة العربية، في الدفاع المشترك ضد أي تهديد له. وأضاف أن «القاهرة لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو المساس بأمنه، قائلاً: «محدش (لا أحد) يجرب مصر ويحاول (أن) يهدد أشقاءها، خاصة لو أشقاؤها طلبوا منها الوقوف معهم».

الرئيسان المصري والصومالي خلال جلسة مباحثات بالقاهرة الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

والأسبوع الماضي، قال الرئيس الصومالي إنه «يُمكن إجراء مفاوضات مع إثيوبيا في حال تراجعها عن تنفيذ الاتفاقية الباطلة». وأضاف في تصريحات نقلتها «وكالة الأنباء الصومالية»، أن «الصومال وإثيوبيا بلدان جاران تجمعهما مصالح مشتركة على مختلف الأصعدة؛ لكن لا يمكن القبول بانتهاك سيادة الدولة الصومالية».

وقبل أيام، أكد وزير الداخلية والشؤون الفيدرالية والمصالحة بالصومال، أحمد معلم الفقي، حسب ما أوردت وكالة «أنباء العالم العربي»، أن «بلاده لن تسمح لإثيوبيا بإنشاء قاعدة عسكرية في إقليم (أرض الصومال)»، لافتاً إلى أن «هذا الأمر يُشكل انتهاكاً صارخاً لوحدة الصومال وسيادته، ويضر أيضاً بمصالح شركاء الصومال»، موضحاً أن «الصومال لن يجلس، ولن يتفاوض مع إثيوبيا ما دامت هي متمسكة بالمذكرة (غير القانونية)؛ لكن في حال سحبت هذه المذكرة سنتفاوض». وقال إن «أرضنا غير قابلة للمساومات وكذلك بحرنا، لكن فيما يتعلق بالقضايا الأمنية والاقتصادية فمجال التفاوض مفتوح».


مقالات ذات صلة

ترمب لاعتماد «الخليج العربي» رسمياً داخل الولايات المتحدة

الولايات المتحدة​ مسابقة للصيد التقليدي للأسماك في قطر على ضفاف الخليج العربي (أ.ف.ب)

ترمب لاعتماد «الخليج العربي» رسمياً داخل الولايات المتحدة

يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الإعلان خلال زيارته المرتقبة إلى منطقة الشرق الأوسط الأسبوع المقبل اعتماد تسمية «الخليج العربي» بدلاً من تسمية الخليج الفارسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الخليج دول الخليج دعت الى ضبط النفس وتغليب الحوار واستئناف المفاوضات العاجلة بين باكستان والهند (الشرق الأوسط)

دول الخليج تطالب بإيجاد حل سلمي لقضية «جامو وكشمير»

طالبت دول الخليج، السبت، المجتمع الدولي بتعزيز جهوده لإيجاد حل سلمي لقضية «جامو وكشمير»، وفق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا من اجتماع أعضاء اتحاد البرلمانات العربية (البرلمان الجزائري)

الجزائر تطالب بتحرك برلماني عربي تجاه «القضايا المصيرية»

أكدت الجزائر أن البلدان العربية بحاجة إلى «تحرك مشترك تتكامل فيه الأدوار تجاه القضايا المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
تحليل إخباري القادة والزعماء العرب المشاركون في «قمة القاهرة الطارئة» مارس الماضي (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري «قمة بغداد»... تحديات وملفات «شائكة» على مائدة القادة العرب

وسط ظروف إقليمية وُصفت بـ«الصعبة»، تتوجه الأنظار حالياً نحو العراق الذي سيستضيف في 17 مايو الحالي، فعاليات الدورة الـ34 لاجتماعات مجلس جامعة الدول العربية.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (أ.ب)

موريتانيا تتراجع في المؤشر الدولي لحرية الصحافة

سجل المؤشر العالمي لتصنيف حرية الصحافة في العالم تراجع موريتانيا بـ17 نقطة عما كانت عليه العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (نواكشوط)

«كفيف» بنغازي الليبية... أشهر فني تصليح أجهزة كهربائية ملهماً لفاقدي البصر

فاروق سعيد ابن بنغازي الليبية يبرع في إصلاح أجهزة الغسالات والثلاجات بفضل دأبه وحرصه على التعلم المستمر عبر التطبيقات الصوتية (رويترز)
فاروق سعيد ابن بنغازي الليبية يبرع في إصلاح أجهزة الغسالات والثلاجات بفضل دأبه وحرصه على التعلم المستمر عبر التطبيقات الصوتية (رويترز)
TT

«كفيف» بنغازي الليبية... أشهر فني تصليح أجهزة كهربائية ملهماً لفاقدي البصر

فاروق سعيد ابن بنغازي الليبية يبرع في إصلاح أجهزة الغسالات والثلاجات بفضل دأبه وحرصه على التعلم المستمر عبر التطبيقات الصوتية (رويترز)
فاروق سعيد ابن بنغازي الليبية يبرع في إصلاح أجهزة الغسالات والثلاجات بفضل دأبه وحرصه على التعلم المستمر عبر التطبيقات الصوتية (رويترز)

يشتهر فاروق سعيد، في مدينة بنغازي الليبية، بإصلاح الأجهزة الكهربائية، لكن هذا ليس وحده ما يجذب الزبائن إليه ويكسبه ثقتهم... إذ يعدّه كثير منهم نموذجاً ملهماً يستحق التشجيع والدعم بفضل مهارته الفنية ومسيرته الإنسانية التي تُجسد رحلة تحدٍّ للإعاقة البصرية.

ورغم أنه كفيف، يبرع سعيد في إصلاح أجهزة الغسالات والثلاجات بفضل دأبه وحرصه على التعلُّم المستمر عبر التطبيقات الصوتية، وإتقان استخدام الأدوات الإلكترونية الحديثة مثل الأفوميتر الصوتي.

وهو يعمل على إصلاح جهاز كهربائي في بنغازي (رويترز)

لكن هذه الرحلة لم تكن ممهدة منذ البداية؛ لأن صاحبها عانى من انتكاسات متعددة شكَّل كل منها نقطة تحول في مشواره، حتى استطاع أن ينجو بنفسه، ويمد يد المساعدة إلى غيره من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

يقول سعيد إنه لم يكن كفيفاً عندما ولد عام 1968، لكن بصره خفت تدريجياً وهو في المدرسة، حتى لم يعد قادراً على رؤية الكتابة، فطُرد من التعليم وهو بالصف الثاني الابتدائي، الأمر الذي ترك في نفسه جرحاً غائراً.

يصلح غسالة كهربائية في بنغازي في ليبيا (رويترز)

وفي ورشة كهرباء بسيطة يعمل فيها والده، وضع الفتى يده على أول الطريق وتحسَّس خطاه، فتعلم إصلاح الأجهزة بالاعتماد على حواسه التي تحوَّلت إلى أدوات عمل لا تخطئ.

فقد بصره خلال طفولته (رويترز)

ولاحقاً، اقترن سعيد بزوجة كفيفة أنجب منها 4 أبناء، بينهم 3 مكفوفين، وهو ربما ما جعله يفكر أكثر في مساعدة غيره من فاقدي البصر وتعليمهم مهارات كسب العيش.

فاروق يدرب شخصاً كفيفاً آخر على مبادئ النجارة في مقر جمعية المكفوفين في بنغازي (رويترز)

وفي حي سيدي حسين في بنغازي، وجد الفني الماهر المظلة التي يستطيع من خلالها توسيع الدائرة وتعميم الفائدة، فبرزت موهبته في التدريب، وأثبت أنه ليس مدرباً عادياً، لأن تلامذته جميعاً من المكفوفين الذين ضاقت بهم السبل، فكان لهم المعلم والصديق.

ولعبت الجمعية، التي تأسست عام 1961، دوراً ملموساً خلال العقود الماضية في تأهيل وإعداد المئات من المكفوفين لسوق العمل، رغم شح مواردها وضعف إمكاناتها.

يدرب المكفوفين على صنع قوالب الجبس في مقر جمعية المكفوفين في بنغازي (رويترز)

لكن مع اقترابه من سن الستين، يُصرُّ سعيد على ترك أثر عميق في محيطه، ويحلم بإنشاء ورشة متكاملة قوامها من المكفوفين فقط، ليُساعدهم على بناء حياتهم وفتح آفاق جديدة.

ويعدّ أن «الدولة لم تقدم شيئاً» للمكفوفين، لكنه يكاد يكون واثقاً بقدرته على إمداد غيره بالمساعدة التي لم تتوفر له في الصغر.