لماذا أصبحت أوروبا تولّي وجهها صوب موريتانيا؟

بوابة المهاجرين السريين إلى إسبانيا باتت مصدر قلق للاتحاد الأوروبي

الرئيس الموريتاني خلال استقباله الخميس رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ف.ب)
الرئيس الموريتاني خلال استقباله الخميس رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ف.ب)
TT

لماذا أصبحت أوروبا تولّي وجهها صوب موريتانيا؟

الرئيس الموريتاني خلال استقباله الخميس رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ف.ب)
الرئيس الموريتاني خلال استقباله الخميس رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ف.ب)

واقع جديد جعل الاتحاد الأوروبي مضطراً لتوجيه بوصلته خلال الفترات الأخيرة نحو موريتانيا، الواقعة في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً مع ازدياد أعداد المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، والذين يتخذون من الشواطئ الموريتانية بوّابتهم نحو «جنة الأحلام» بالنسبة لهم. وعلى مدى عقود، كان المهاجرون الأفارقة يعبرون إلى أوروبا عبر الساحل الموريتاني، لكن بمعدلات منخفضة مقارنة مع نقاط العبور الأخرى كالمغرب وتونس وليبيا؛ غير أن تشديد تلك الدول إجراءاتها، وتضييق الخناق على هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، جعل المهرّبين يعيدون إحياء طريق الهجرة غير الشرعية من موريتانيا.

محادثات الرئيس الموريتاني مع بيدرو سانشيز وأورسولا فون دير لاين ركزت على سبل وقف الهجرة السرية نحو إسبانيا (أ.ف.ب)

وهناك عامل آخر أدى إلى ازدياد أعداد المهاجرين القادمين عبر الشواطئ الموريتانية، وهو تفاقم الوضع الأمني المتردي في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً في مالي وبوركينا فاسو والنيجر؛ لذلك فإن أغلب المهاجرين يحملون جنسيات تلك الدول. ووفقاً لوكالة «فرونتكس» للحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن الهجرة غير الشرعية ارتفعت من غرب أفريقيا بأكثر من 10 أمثال على أساس سنوي في يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث وصل أكثر من 7 آلاف مهاجر إلى إسبانيا الشهر الماضي على متن قوارب، 83 في المائة منها قادمة من سواحل موريتانيا.

ويبدو أن هذه الأرقام جعلت رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، يحزمان حقائبهما ليتجها إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط، الخميس، في زيارة يسعيان خلالها إلى تجديد الشراكة مع الحكومة الموريتانية، بهدف مضاعفة جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية.

* شراكة جديدة

عقد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الجمعة، اجتماعاً مشتركاً مع رئيسة المفوضية ورئيس وزراء إسبانيا، هيمن عليه ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية، حيث تعهّد الأوروبيون بتقديم مساعدات مقدارها 210 ملايين يورو لموريتانيا، دعماً لجهودها الرامية للحد من تدفق المهاجرين إلى جزر الكناري الإسبانية.

حرس السواحل الإسبانية خلال اعتراضه قارباً يقل عشرات المهاجرين الذين انطلقوا من سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)

ووفق رئاسة الجمهورية الموريتانية، فقد تناولت المحادثات العلاقات الثنائية بين البلدين من جهة، وعلاقات موريتانيا مع الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. كما تطرّق اللقاء إلى تعميق التعاون في مختلف المجالات. ووفقاً لتصريحات مسؤولين إسبان لوسائل إعلام، فقد أقرّت حكومة بلدهم بأهمية موريتانيا الاستراتيجية لأوروبا، في ظل ازدياد ضغوط الهجرة، وتفاقُم حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي. وعقب محادثات مع الرئيس الموريتاني، أعلنت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سيضاعف دعمه للأمن الموريتاني ليصل إلى 40 مليون يورو خلال هذا العام، قائلة: «نعملُ على تعزيز شراكتنا في مجال الأمن، لأن الوضعية في منطقة الساحل شديدة الهشاشة، وموريتانيا تلعب دوراً أساسياً في استقرار المنطقة». وتشمل هذه المساعدات الجديدة الدعم العسكري عبر تجهيز وحدة لمكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود الشرقية، وتكوين ضباط كلية الدفاع في العاصمة نواكشوط. يقول الصحافي الموريتاني، محمد الأمين ولد خطاري، المتخصص في الشؤون الإسبانية، إن المخاطر المُحدِقة بموريتانيا نتيجة النزوح من منطقة الساحل إليها، بوصفها بوابة المهاجرين إلى أوروبا، جعلها مصدر قلق لإسبانيا وللاتحاد الأوروبي. وأوضح في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي» أن ازدياد أعداد المهاجرين القادمين من سواحل موريتانيا في الأشهر الأخيرة «أرغم رئيس وزراء إسبانيا ورئيسة المفوضية الأوروبية على زيارة نواكشوط لمناقشة ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية». ومن جانبه، رأى الصحافي الموريتاني، سيدي المختار ولد سيدي، أن تدفق آلاف المهاجرين إلى موريتانيا، بوصفها نقطة عبور رئيسية إلى أوروبا، «مسألة خطيرة، خصوصاً أنه لا يوجد حل نهائي فيما يتعلق بإعادة المهاجرين إلى دولهم الأصلية»، وفق وصفه. وقال إن الاتحاد الأوروبي مُطالب بدعم الدول التي تُصنّف محطات عبور لمواجهة هذه الظاهرة، عبر دعم قدرات التصدي للمهاجرين المتوجهين إلى أوروبا، والتكفُّل بمن يتم توقيفهم وإنقاذهم، إضافة إلى الدعم اللوجيستي والفني.

* عبء ثقيل

ترتبط موريتانيا وإسبانيا باتفاقات تعاون في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، تعززت مع توقيع البلدين شراكة أمنية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تُمكّن نواكشوط من الحصول على وسائل لوجيستية وتقنية في المجال الأمني، لمساعدتها في التصدي للظاهرة، ومحاربة التهريب بكل صوره والجريمة المنظّمة. لكن موريتانيا ترى أن هذه الاتفاقات غير كافية في ظل الجهود التي تبذلها، والعبء الثقيل المُلقى على عاتقها، بوصفها خط دفاع أول في وجه الهجرة غير الشرعية من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء إلى إسبانيا، وفقاً لما تظهره الأرقام. وكانت الحكومة الموريتانية قد عبّرت في اجتماع عقدته مع وفد من الاتحاد الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن قلقها من ازدياد أعداد المهاجرين إلى أراضيها. ووفقاً لبيان نشرته وزارة الداخلية الموريتانية في 14 من ديسمبر الماضي، فإن التحديات التي تواجهها الحكومة الموريتانية «تتجلى في حجم الضغط على الخدمات وفرص العمل والموارد الطبيعية».

يقصد عشرات المهاجرين الأفارقة موريتانيا للانطلاق من سواحلها نحو إسبانيا (الشرق الأوسط)

وقال ولد خطاري إن من جملة التحديات التي تواجهها موريتانيا، «كثافة الهجرة غير الشرعية، وما يشكله ذلك من ضغط على الخدمات، وهو ما كان محل نقاش في الأشهر الماضية، في المكالمة الأخيرة التي أجراها رئيس وزراء إسبانيا مع الرئيس الموريتاني عندما اتفقا على زيارة اليوم». وأعدت موريتانيا خطة للطوارئ تهدف إلى التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز صمود اللاجئين ودمجهم في المجتمع، حيث تستضيف 120 ألف لاجئ من مالي، يُشكّلون تحدياً كبيراً للدولة في مجالي الاستجابة الإنسانية والتنموية. وتتضمن الخطة المتعددة الأبعاد التي أعدتها الحكومة تمكين الوافدين الجدد من التمتع بالحماية، وضمان الحصول على المساعدة للفئات الأكثر ضعفاً، مع الوضع في الحسبان احتياجات المجتمعات المضيفة.

وكان وزير الاقتصاد والتنمية المستدامة في موريتانيا، عبد السلام محمد صالح، قد قال في وقت سابق إن هذه الخطة «تعطي الأولوية لمقاربة تُشرك اللاجئين من خارج مخيم أمبره، ما سيسهم في تسهيل دمج اللاجئين الجدد في المجتمعات المضيفة، وتقليل اعتمادهم على المساعدات الإنسانية، وتعزيز التماسك الاجتماعي». مضيفاً أن «عملاً بهذا الحجم يستدعي تضافر الجهود لتوفير موارد مالية لا تقلّ عن 12.3 مليون دولار أميركي لتغطية حاجيات الحماية الاجتماعية، والأمن الغذائي والصحة والتعليم والمياه الصالحة للشرب، إضافة إلى دعم فني يواكب مختلف مراحل تنفيذ هذه الخطة».



«فتح» لـ«الشرق الأوسط»: إعلان تشكيل لجنة إدارة غزة «محتمل قريباً»

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«فتح» لـ«الشرق الأوسط»: إعلان تشكيل لجنة إدارة غزة «محتمل قريباً»

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا بقطاع غزة (أ.ف.ب)

قال المتحدث باسم حركة «فتح»، عبد الفتاح دولة، إن إعلان تشكيل لجنة إدارة قطاع غزة «محتمل قريباً»، مشدداً على أهمية أن يكون التشكيل المرتقب وفق الرؤية الفلسطينية.

وأضاف دولة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الاثنين: «يجري الحديث عن قرب الإعلان عن لجنة التكنوقراط ضمن ترتيبات المرحلة المقبلة لقطاع غزة، ونأمل أن يأتي ذلك وفق الرؤية الفلسطينية التي تم التوافق عليها واعتمادها عربياً وإسلامياً، ووجدت قبولاً دولياً، باعتبارها الضمانة الحقيقية لإنجاح خطة الإعمار وصون السيادة الوطنية».

وشدد على أن «غزة جزء لا يتجزأ من جغرافيا الدولة الفلسطينية، صاحبة الولاية السياسية والقانونية والإدارية على أبناء شعبنا في الضفة وغزة والقدس».

يأتي ذلك بينما يترقب الفلسطينيون الانتقال إلى المرحلة الثانية والأكثر تعقيداً من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والمبرم في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

صورة أرشيفية للرئيس الفلسطيني محمود عباس ونائبه حسين الشيخ (مواقع حركة «فتح»)

وعن موعد الإعلان عن تشكيل اللجنة قال المتحدث باسم «فتح»: «لا يمكن تحديد تاريخ دقيق للإعلان، والموعد يظل مرهوناً بثبات الفصائل على ما تم التوافق عليه، وتوفير الضمانات، والاتفاق على المرجعية والصلاحيات وآليات الربط بالحكومة الفلسطينية، وعلى طبيعة الموقف الأميركي من اللجنة ومدى انسجامه مع الرؤية الفلسطينية، لذلك يمكن القول إن الإعلان محتمل قريباً».

واستطرد: «لا يمكن تحديد موعد محدد إلى حين صدور اتفاق موثّق ورسمي».

وواصل حديثه قائلاً: «لن يقبل شعبنا بأي حلول مجتزأة أو ترتيبات مؤقتة تنتقص من حقوقه أو تضعه تحت وصاية أو انتداب جديد؛ فدماء شعبنا وتضحياته لا يمكن أن تُترجم إلا إلى حرية، وتقرير مصير، ودولة كاملة السيادة».

وكانت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية قد نقلت، الاثنين، عن عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، باسم نعيم، أن حركته والسلطة الفلسطينية توافقتا على رئيس اللجنة التكنوقراطية الجديدة. ولفتت الوكالة إلى أن رئيس اللجنة هو وزير فلسطيني من غزة يعيش في الضفة الغربية، يُعتقد أنه وزير الصحة ماجد أبو رمضان.

وتعليقاً على ذلك، أكد دولة: «لا علم لدينا حتى اللحظة عن اتصالات جديدة في هذا الملف، وربما ما يجري الحديث عنه يعود إلى تفاهمات سابقة».

وانتقد المتحدث باسم حركة «فتح» ما وصفه بأنه «تغير» بخطاب حركة «حماس» في هذا الملف، قائلاً: «كانت حركة (حماس) قد وافقت قبل نحو عام على تشكيل لجنة إدارية من التكنوقراط يرأسها وزير في الحكومة الفلسطينية من قطاع غزة، وقد جرى تبنّي هذا الطرح في القمة العربية - الإسلامية الطارئة ضمن خطة الإعمار والتعافي المبكر، ثم أكدّت (حماس) موافقتها على ذلك أخيراً خلال لقاءات جرت في القاهرة مع نائب الرئيس حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج».

وتابع: «لكن لاحقاً صدر بيان عن (حماس) وعدد من الفصائل أعلنوا فيه قبولهم بتشكيل لجنة إدارية، من دون الإشارة إلى أن رئيسها وزير من الحكومة الفلسطينية أو أن مرجعيتها هي الحكومة نفسها، وهو ما نتمسك به حرصاً على عدم تكريس الانقسام أو فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية بما فيها القدس، باعتبارها وحدة جغرافية وسياسية واحدة تمثل أسس الدولة الفلسطينية».

وقال: «المواقف المبنية على تفاهمات يجب أن تبقى ثابتة، بينما نلحظ تغيراً في خطاب قيادة (حماس) بهذا الشأن».

وفي أكتوبر الماضي، عادت خلافات فلسطينية للواجهة حول رئاسة اللجنة التي يُفترض أن تحكم قطاع غزة بعد أن سربت وسائل إعلام إسرائيلية أن الفصائل الفلسطينية اتفقت على تعيين أمجد الشوا، رئيس شبكة منظمات المجتمع المدني في غزة، رئيساً للجنة الإدارية.

لكن مصادر في حركة «فتح» قالت لـ«الشرق الأوسط» وقتها إنها «متمسكة بتعيين وزير من الحكومة الفلسطينية رئيساً للجنة الإدارية في قطاع غزة، باعتبار أن السلطة الفلسطينية هي صاحبة الولاية السياسية والقانونية على قطاع غزة». وحينها أكدت المصادر أن وزير الصحة هو مرشح السلطة لإدارة غزة.


مباحثات بين السيسي وحفتر تركز على السودان والحدود البحرية و«المرتزقة»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلاً القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي بحضور نجليه صدام وخالد حفتر الاثنين (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلاً القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي بحضور نجليه صدام وخالد حفتر الاثنين (الرئاسة المصرية)
TT

مباحثات بين السيسي وحفتر تركز على السودان والحدود البحرية و«المرتزقة»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلاً القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي بحضور نجليه صدام وخالد حفتر الاثنين (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلاً القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي بحضور نجليه صدام وخالد حفتر الاثنين (الرئاسة المصرية)

فرضت ملفات عدة و«تحديات مشتركة» نفسها على اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والمشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي، الاثنين، تصدرها الانتخابات العامة المؤجلة، و«المرتزقة» والمقاتلون الأجانب، بالإضافة إلى الحدود البحرية المشتركة، والوضع في السودان.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلاً القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي بحضور نجليه صدام وخالد حفتر الاثنين (الرئاسة المصرية)

واستقبل السيسي حفتر في القاهرة، في زيارة يراها خالد الترجمان المحلل السياسي الليبي، رئيس مجموعة العمل الوطني أنها تكتسب أهمية خاصة لكونها تأتي في ظروف مهمة للغاية تمر بها البلاد.

وقال السفير محمد الشناوي المتحدث باسم الرئاسة المصرية إن الرئيس السيسي شدد على «دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها». وفيما ثَمَّن «الدور المحوري للقيادة العامة للجيش الليبي في هذا الإطار»، أكد «ضرورة التصدي لأي تدخلات خارجية والعمل على إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا». وأضاف المتحدث أن السيسي «جدد تأكيده على دعم مصر للمبادرات والجهود كافة الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية؛ ولا سيما تلك التي تستهدف إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن».

وشدد السيسي على «التزام مصر بمواصلة تقديم جميع أشكال الدعم والمساندة للجيش والمؤسسات الوطنية الليبية؛ في إطار العلاقات الأخوية التاريخية التي تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين، وسط تأكيد على عمق العلاقات المصرية الليبية وخصوصيتها».

توافق السيسي وحفتر في ملف الحدود البحرية المشتركة بما يحقق مصلحة البلدين (الرئاسة المصرية)

وتطرقت المباحثات، التي حضرها اللواء حسن رشاد، رئيس جهاز الاستخبارات العامة، والفريق أول صدام حفتر نائب القائد العام، والفريق أول خالد حفتر، رئيس الأركان العامة لـ«الجيش الوطني»، إلى تطورات ملف ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين البلدين.

وأشار المتحدث إلى «توافق الجانبين في ملف ترسيم الحدود البحرية، وأهمية استمرار التعاون المشترك بما يحقق مصلحة البلدين دون إحداث أي أضرار؛ وفقاً لقواعد القانون الدولي».

وكان الرئيس المصري أصدر قراراً في ديسمبر (كانون الأول) 2022 بتحديد الحدود البحرية الغربية للبلاد في البحر المتوسط. ونشرت الجريدة الرسمية نص القرار، الذي تضمن قوائم الإحداثيات الخاصة بالحدود، إضافة إلى إخطار الأمين العام للأمم المتحدة بالقرار والإحداثيات المحددة.

وتتواصل إشكالية الحدود البحرية بين ليبيا ومصر واليونان، بالإضافة إلى تركيا.

السيسي مصطحباً حفتر داخل القصر الجمهوري الاثنين (الرئاسة المصرية)

وكانت مصر أبدت في مذكرة «رفضها القاطع لسلسلة من الإجراءات والاتفاقيات البحرية الليبية»، وبالمثل رفعت ليبيا مذكرة احتجاجية إلى الأمم المتحدة، وعدَّت اتفاقية عام 2020 لترسيم الحدود بين اليونان ومصر «ملغاة وباطلة لتعارضها مع القانون الدولي، وقانون البحار».

ووقّعت مصر في أغسطس (آب) 2020 اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع اليونان، تضمَّن تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين، بعد مناقشات ومفاوضات موسَّعة استمرت سنوات كثيرة بين مسؤولي البلدين، وهو الاتفاق الذي رفضته تركيا في حينه.

وأعرب المشير حفتر عن تقديره لـ«الدور المحوري» الذي تلعبه مصر، والقيادة السياسية في استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، والدعم الدائم الذي تقدمه للشعب الليبي منذ بداية الأزمة، مؤكداً حرصه على مواصلة التنسيق وتبادل الرؤى مع الرئيس المصري إزاء مختلف التطورات على الساحتين الليبية والإقليمية.

ويرى الترجمان في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن زيارة حفتر تأتي في إطار «تبادل المواقف المتعلقة بالأزمة الليبية، وأيضاً الأوضاع الإقليمية، بما فيها الموقف مما يجري بالسودان الشقيق في ظل عملية نزوح واسعة إلى ليبيا». وذهب إلى أن مصر «كانت السند الحقيقي لليبيا في محاربة الإرهاب والانتصار عليه، كذلك هي السند الآن في إعادة البناء من خلال شركاتها التي تعمل على إعادة البناء في مدن ليبيا»، لافتاً إلى أن «مصر مهتمة بأمنها الإقليمي؛ وليبيا هي امتداد طبيعي للأمن القومي المصري، وبالمثل فإن مصر هي امتداد طبيعي لأمن بلادنا».

وكانت الأوضاع المحيطة بدولتي مصر وليبيا حاضرة في مباحثات السيسي وحفتر، وأوضح المتحدث أن اللقاء تناول مستجدات الأوضاع الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، والتحديات التي تواجه البلدين، ولا سيما التطورات في السودان.

ونقل المتحدث أن الجانبين «توافقا على أهمية تكثيف الجهود الدولية والإقليمية للتوصل إلى تسوية سلمية تحفظ استقرار السودان وسيادته ووحدة أراضيه؛ وتم التأكيد في هذا الصدد على أن استقرار السودان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي لمصر وليبيا».

ويتمثل الموقف الرسمي المصري في التمسك بالحل السياسي الليبي - الليبي دون أي إملاءات أو تدخلات خارجية في سبيل وحيد لاستعادة الأمن والاستقرار في البلاد، وهو ما عكسه وزير الخارجية بدر عبد العاطي في لقائه الأخير بالمبعوثة الأممية هانا تيتيه بالقاهرة.

ودائماً ما تؤكد مصر على أهمية المضي قدماً في تنفيذ ركائز «خريطة الطريق» الأممية؛ وفي مقدمتها تشكيل «حكومة جديدة موحدة» تتولى الإعداد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة في أقرب وقت ممكن، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالإطار الزمني المعلن للحفاظ على مصداقية العملية السياسية.

وأجرى نجلا حفتر زيارات إلى مصر مؤخراً. وشارك خالد حفتر في فعاليات المعرض الدولي للصناعات الدفاعية والعسكرية «إيديكس 2025» بالقاهرة منتصف الأسبوع الماضي.


«المفوضية الليبية» تصدر 3 لوائح تنظيمية تمهيداً للانتخابات  

رئيس مفوضية الانتخابات الليبية عماد السايح يستقبل المكلّف بتسيير المجلس الوطني للحريات العامة بالبلاد الاثنين (المفوضية)
رئيس مفوضية الانتخابات الليبية عماد السايح يستقبل المكلّف بتسيير المجلس الوطني للحريات العامة بالبلاد الاثنين (المفوضية)
TT

«المفوضية الليبية» تصدر 3 لوائح تنظيمية تمهيداً للانتخابات  

رئيس مفوضية الانتخابات الليبية عماد السايح يستقبل المكلّف بتسيير المجلس الوطني للحريات العامة بالبلاد الاثنين (المفوضية)
رئيس مفوضية الانتخابات الليبية عماد السايح يستقبل المكلّف بتسيير المجلس الوطني للحريات العامة بالبلاد الاثنين (المفوضية)

في تصعيد مزدوج ومتزامن في ليبيا، طالب مجلس الدولة من البرلمان حسم ملف إعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات، بينما اتخذت الأخيرة خطوة من شأنها التمهيد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، تزامناً مع تجدد الخلاف داخل مجلس النواب بين رئيسه عقيلة صالح ونائبيه.

السايح في مؤتمر سابق بطرابلس (المفوضية)

وأصدرت مفوضية الانتخابات، الاثنين، 3 لوائح تنظيمية رئيسية تمهيداً لإجراء انتخابات رئيس الدولة ومجلس الأمة في منتصف أبريل (نيسان) المقبل، تتعلق بالطعون والمنازعات الانتخابية لمجلس الأمة، ولائحة انتخاب رئيس الدولة، إضافة إلى لائحة تحديث سجل الناخبين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

كما أعلنت المفوضية انتهاءها من إعداد الميزانية التقديرية الكاملة للعملية الانتخابية، مشيرة إلى أنها بصدد إحالتها فوراً إلى مجلس النواب للاعتماد، ومؤكدة أنها ماضية في تنفيذ القوانين المحالة إليها منذ عام 2023 مهما كانت العقبات، وداعية جميع الأطراف السياسية إلى تحمل مسؤولياتها وتسخير الإمكانات لإنجاح هذا الاستحقاق الوطني.

وبهذه الخطوات التنفيذية، تكون المفوضية قد وضعت الكرة رسمياً في ملعب مجلسي النواب و«الدولة» والمجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة» المؤقتة، في خيار يعني إما التعاون الفوري وإما تحمل مسؤولية التأجيل أمام الشعب الليبي.

بدوره، جدد مجلس الدولة اتهامه العلني إلى مجلس النواب بتعمد تعطيل إعادة تشكيل مجلس إدارة مفوضية الانتخابات، رغم إحالة القوائم النهائية للمرشحين، بمَن فيهم رئيس المفوضية، إلى النواب منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأكد مجلس الدولة، في بيان مساء الأحد، أنه «نفذ التزامه كاملاً وفق آلية اتفاق بوزنيقة والمادة (15) من الاتفاق السياسي الليبي؛ وأبدى مرونة مع كل الصيغ التوافقية الأخيرة بحضور بعثة الأمم المتحدة، بينما لم يقم مجلس النواب حتى الآن بأي خطوة لاستكمال الإجراءات من جانبه».

مجلس الدولة خلال جلسته بالعاصمة طرابلس الأحد (المجلس)

وبعدما أشار مجلس الدولة إلى الاتفاق النهائي للجنة المشتركة مع «النواب» بشأن آلية اختيار شاغلي المناصب السيادية، وعلى رأسها منصب رئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، دعا نظيره في مجلس النواب إلى الإسراع في استكمال الخطوة المتبقية.

وحذر من أن أي تأخير إضافي يشكل خطراً حقيقياً على مسار التسوية السياسية برمتها، وجدد جاهزيته الفورية لاستئناف الإجراءات فور تحرك النواب، بهدف توحيد المؤسسات وتعزيز شرعيتها وتهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات شاملة وشفافة.

ويأتي هذا البيان في ظل استمرار الخلاف بين مجلسي النواب و«الدولة» حول آليات وشروط اختيار شاغلي المناصب السيادية، وعلى رأسها إدارة مفوضية الانتخابات التي تعتبر البوابة الوحيدة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتعثرة منذ عام 2021.

ويبقي استمرار تجميد هذا الملف البلاد في حالة الانقسام المؤسسي، ويعزز استمرار السلطتين التنفيذيتين المتنافستين في شرق البلاد وغربها.

وكان مجلس الدولة قد خصص جلسة عقدها برئاسة محمد تكالة بمقره في العاصمة طرابلس، لمناقشة نتائج عمل لجنة المناصب السيادية وبحث تطورات الأزمة الاقتصادية الراهنة.

في المقابل، وفي تصعيد جديد للخلافات المتفاقمة داخل مجلس النواب بين رئيسه عقيلة صالح ونائبيه الأول فوزي النويري والثاني مصباح دومة، انتقد الأخير التصريحات الأخيرة المنسوبة إلى مسؤولين يونانيين وإلى صالح خلال زيارته الأخيرة إلى أثينا، معتبراً إياها «تدخلاً مرفوضاً في الشأن الداخلي الليبي ومساً بسيادتها الوطنية».

وأكد دومة، في بيان مساء الأحد، أن ليبيا «دولة ذات سيادة لا تقبل أي إملاءات خارجية، وأن قراراتها المتعلقة بالاتفاقيات الدولية تتخذ عبر مؤسساتها الشرعية، معلناً رفضه لأي توجيهات تصدرها دول أخرى بشأن المصادقة على الاتفاقيات أو إلغائها».

وشدد على أن حل الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية يجب أن يتم عبر الأطر القانونية الدولية، وليس عبر التصريحات الإعلامية، داعياً الجانب اليوناني إلى احترام سيادة ليبيا ووقف التدخل في شؤونها السياسية.

لكن عضوي مجلس النواب سعيد امغيب ومنتصر الحاسي، اللذين رافقا صالح في زيارته لليونان، اعتبرا أن تصريحات دومة «محض ادعاءات لا تمت للحقيقة بصلة»، وشهدا في بيان بأن صالح «حرص على التأكيد الواضح لليونانيين بأن ليبيا دولة ذات سيادة ولا تقبل أي تدخل أو إملاءات خارجية، وأن الوفاء للأصدقاء لا يعني المساس بسيادتنا أو استقلال قرارنا الوطني».

وكان رئيس البرلمان اليوناني نيكيتاس كاكلامانيس قد مارس خلال اجتماعه مع صالح، الخميس الماضي، ضغطاً علنياً ومباشراً، معتبراً أن «مذكرة التفاهم التركية الليبية لعام 2019 يجب ألا يصدّق عليها البرلمان الليبي مطلقاً، بل يتعين في مرحلة تالية إلغاؤها كلياً»، مؤكداً أن هذا الإلغاء «يصب أولاً وقبل كل شيء في مصلحة ليبيا نفسها ثم في مصلحة اليونان».

ورد صالح بالتأكيد على أن هذه المذكرة «لم تحصل حتى الآن على موافقة مجلس النواب، وهي موافقة شرط دستوري إلزامي لكي تدخل حيز التنفيذ»، كما أبدى انفتاحاً على تشكيل لجان فنية مشتركة مع اليونان لترسيم الحدود البحرية، وهو ما فسرته أثينا على أنه تأكيد ضمني على بطلان المذكرة عملياً، بينما اعتبره الجانب التركي وأنصاره في ليبيا مجرد تكرار لموقف قديم دون التزام صريح بالإلغاء الكامل.

وفي السياق ذاته، اتهم النويري صالح برفض ضريبة الدولار على الليبيين بالمخالفة للقانون، مؤكداً خلال مشاركته في ندوة القطاع المصرفي بطرابلس أن صالح «تجاهل آراء المختصين الذين طلب مشورتهم».

ودأب نائبا صالح مؤخراً على إصدار بيانات رسمية تتعارض مع مواقفه وتناقضها بشكل علني، ما يعني فعلياً انشقاقاً داخل رئاسة المجلس لأول مرة في تاريخه منذ عام 2014.

ويتمحور الخلاف الأساسي حول الصلاحيات الداخلية وآليات اتخاذ القرار، حيث يتهم النائبان صالح بـ«احتكار القرارات» و«عدم الالتزام بالنظام الداخلي».