لماذا أصبحت أوروبا تولّي وجهها صوب موريتانيا؟

بوابة المهاجرين السريين إلى إسبانيا باتت مصدر قلق للاتحاد الأوروبي

الرئيس الموريتاني خلال استقباله الخميس رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ف.ب)
الرئيس الموريتاني خلال استقباله الخميس رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ف.ب)
TT

لماذا أصبحت أوروبا تولّي وجهها صوب موريتانيا؟

الرئيس الموريتاني خلال استقباله الخميس رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ف.ب)
الرئيس الموريتاني خلال استقباله الخميس رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ف.ب)

واقع جديد جعل الاتحاد الأوروبي مضطراً لتوجيه بوصلته خلال الفترات الأخيرة نحو موريتانيا، الواقعة في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً مع ازدياد أعداد المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، والذين يتخذون من الشواطئ الموريتانية بوّابتهم نحو «جنة الأحلام» بالنسبة لهم. وعلى مدى عقود، كان المهاجرون الأفارقة يعبرون إلى أوروبا عبر الساحل الموريتاني، لكن بمعدلات منخفضة مقارنة مع نقاط العبور الأخرى كالمغرب وتونس وليبيا؛ غير أن تشديد تلك الدول إجراءاتها، وتضييق الخناق على هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، جعل المهرّبين يعيدون إحياء طريق الهجرة غير الشرعية من موريتانيا.

محادثات الرئيس الموريتاني مع بيدرو سانشيز وأورسولا فون دير لاين ركزت على سبل وقف الهجرة السرية نحو إسبانيا (أ.ف.ب)

وهناك عامل آخر أدى إلى ازدياد أعداد المهاجرين القادمين عبر الشواطئ الموريتانية، وهو تفاقم الوضع الأمني المتردي في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً في مالي وبوركينا فاسو والنيجر؛ لذلك فإن أغلب المهاجرين يحملون جنسيات تلك الدول. ووفقاً لوكالة «فرونتكس» للحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن الهجرة غير الشرعية ارتفعت من غرب أفريقيا بأكثر من 10 أمثال على أساس سنوي في يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث وصل أكثر من 7 آلاف مهاجر إلى إسبانيا الشهر الماضي على متن قوارب، 83 في المائة منها قادمة من سواحل موريتانيا.

ويبدو أن هذه الأرقام جعلت رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، يحزمان حقائبهما ليتجها إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط، الخميس، في زيارة يسعيان خلالها إلى تجديد الشراكة مع الحكومة الموريتانية، بهدف مضاعفة جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية.

* شراكة جديدة

عقد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الجمعة، اجتماعاً مشتركاً مع رئيسة المفوضية ورئيس وزراء إسبانيا، هيمن عليه ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية، حيث تعهّد الأوروبيون بتقديم مساعدات مقدارها 210 ملايين يورو لموريتانيا، دعماً لجهودها الرامية للحد من تدفق المهاجرين إلى جزر الكناري الإسبانية.

حرس السواحل الإسبانية خلال اعتراضه قارباً يقل عشرات المهاجرين الذين انطلقوا من سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)

ووفق رئاسة الجمهورية الموريتانية، فقد تناولت المحادثات العلاقات الثنائية بين البلدين من جهة، وعلاقات موريتانيا مع الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. كما تطرّق اللقاء إلى تعميق التعاون في مختلف المجالات. ووفقاً لتصريحات مسؤولين إسبان لوسائل إعلام، فقد أقرّت حكومة بلدهم بأهمية موريتانيا الاستراتيجية لأوروبا، في ظل ازدياد ضغوط الهجرة، وتفاقُم حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي. وعقب محادثات مع الرئيس الموريتاني، أعلنت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سيضاعف دعمه للأمن الموريتاني ليصل إلى 40 مليون يورو خلال هذا العام، قائلة: «نعملُ على تعزيز شراكتنا في مجال الأمن، لأن الوضعية في منطقة الساحل شديدة الهشاشة، وموريتانيا تلعب دوراً أساسياً في استقرار المنطقة». وتشمل هذه المساعدات الجديدة الدعم العسكري عبر تجهيز وحدة لمكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود الشرقية، وتكوين ضباط كلية الدفاع في العاصمة نواكشوط. يقول الصحافي الموريتاني، محمد الأمين ولد خطاري، المتخصص في الشؤون الإسبانية، إن المخاطر المُحدِقة بموريتانيا نتيجة النزوح من منطقة الساحل إليها، بوصفها بوابة المهاجرين إلى أوروبا، جعلها مصدر قلق لإسبانيا وللاتحاد الأوروبي. وأوضح في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي» أن ازدياد أعداد المهاجرين القادمين من سواحل موريتانيا في الأشهر الأخيرة «أرغم رئيس وزراء إسبانيا ورئيسة المفوضية الأوروبية على زيارة نواكشوط لمناقشة ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية». ومن جانبه، رأى الصحافي الموريتاني، سيدي المختار ولد سيدي، أن تدفق آلاف المهاجرين إلى موريتانيا، بوصفها نقطة عبور رئيسية إلى أوروبا، «مسألة خطيرة، خصوصاً أنه لا يوجد حل نهائي فيما يتعلق بإعادة المهاجرين إلى دولهم الأصلية»، وفق وصفه. وقال إن الاتحاد الأوروبي مُطالب بدعم الدول التي تُصنّف محطات عبور لمواجهة هذه الظاهرة، عبر دعم قدرات التصدي للمهاجرين المتوجهين إلى أوروبا، والتكفُّل بمن يتم توقيفهم وإنقاذهم، إضافة إلى الدعم اللوجيستي والفني.

* عبء ثقيل

ترتبط موريتانيا وإسبانيا باتفاقات تعاون في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، تعززت مع توقيع البلدين شراكة أمنية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تُمكّن نواكشوط من الحصول على وسائل لوجيستية وتقنية في المجال الأمني، لمساعدتها في التصدي للظاهرة، ومحاربة التهريب بكل صوره والجريمة المنظّمة. لكن موريتانيا ترى أن هذه الاتفاقات غير كافية في ظل الجهود التي تبذلها، والعبء الثقيل المُلقى على عاتقها، بوصفها خط دفاع أول في وجه الهجرة غير الشرعية من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء إلى إسبانيا، وفقاً لما تظهره الأرقام. وكانت الحكومة الموريتانية قد عبّرت في اجتماع عقدته مع وفد من الاتحاد الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن قلقها من ازدياد أعداد المهاجرين إلى أراضيها. ووفقاً لبيان نشرته وزارة الداخلية الموريتانية في 14 من ديسمبر الماضي، فإن التحديات التي تواجهها الحكومة الموريتانية «تتجلى في حجم الضغط على الخدمات وفرص العمل والموارد الطبيعية».

يقصد عشرات المهاجرين الأفارقة موريتانيا للانطلاق من سواحلها نحو إسبانيا (الشرق الأوسط)

وقال ولد خطاري إن من جملة التحديات التي تواجهها موريتانيا، «كثافة الهجرة غير الشرعية، وما يشكله ذلك من ضغط على الخدمات، وهو ما كان محل نقاش في الأشهر الماضية، في المكالمة الأخيرة التي أجراها رئيس وزراء إسبانيا مع الرئيس الموريتاني عندما اتفقا على زيارة اليوم». وأعدت موريتانيا خطة للطوارئ تهدف إلى التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز صمود اللاجئين ودمجهم في المجتمع، حيث تستضيف 120 ألف لاجئ من مالي، يُشكّلون تحدياً كبيراً للدولة في مجالي الاستجابة الإنسانية والتنموية. وتتضمن الخطة المتعددة الأبعاد التي أعدتها الحكومة تمكين الوافدين الجدد من التمتع بالحماية، وضمان الحصول على المساعدة للفئات الأكثر ضعفاً، مع الوضع في الحسبان احتياجات المجتمعات المضيفة.

وكان وزير الاقتصاد والتنمية المستدامة في موريتانيا، عبد السلام محمد صالح، قد قال في وقت سابق إن هذه الخطة «تعطي الأولوية لمقاربة تُشرك اللاجئين من خارج مخيم أمبره، ما سيسهم في تسهيل دمج اللاجئين الجدد في المجتمعات المضيفة، وتقليل اعتمادهم على المساعدات الإنسانية، وتعزيز التماسك الاجتماعي». مضيفاً أن «عملاً بهذا الحجم يستدعي تضافر الجهود لتوفير موارد مالية لا تقلّ عن 12.3 مليون دولار أميركي لتغطية حاجيات الحماية الاجتماعية، والأمن الغذائي والصحة والتعليم والمياه الصالحة للشرب، إضافة إلى دعم فني يواكب مختلف مراحل تنفيذ هذه الخطة».



عودة هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر تُعمق أزمة قناة السويس

سفينة شحن أثناء عبورها قناة السويس نهاية الشهر الماضي (الموقع الإلكتروني للقناة)
سفينة شحن أثناء عبورها قناة السويس نهاية الشهر الماضي (الموقع الإلكتروني للقناة)
TT

عودة هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر تُعمق أزمة قناة السويس

سفينة شحن أثناء عبورها قناة السويس نهاية الشهر الماضي (الموقع الإلكتروني للقناة)
سفينة شحن أثناء عبورها قناة السويس نهاية الشهر الماضي (الموقع الإلكتروني للقناة)

تعمق عودة هجمات جماعة الحوثيين اليمنية على سفن بالبحر الأحمر أزمة قناة السويس المصرية التي تراجعت إيراداتها بسبب التوترات في منطقة باب المندب، وفق خبراء ومراقبين.

فبعد فترة من الهدوء، نفذت الجماعة اليمنية هذا الأسبوع هجمات على سفينتي شحن في البحر الأحمر، ما أسفر عن مقتل أربعة على الأقل من الطاقمين، وإصابة آخرين.

وبعودة هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر، تستمر أزمة الملاحة في قناة السويس، وفق عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع» وليد جاب الله الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «الاستهداف المستمر للسفن المارة بالمجرى الملاحي يفاقم من خسائر قناة السويس، ويمنع عودة حركة الملاحة بها إلى طبيعتها».

السفينة اليونانية «ماجيك سيز» لحظة تفجيرها من قِبَل الحوثيين في البحر الأحمر (إ.ب.أ)

وتشكو الحكومة المصرية من تأثيرات اقتصادية بسبب التوترات في المنطقة، وأكدت في أكثر من مناسبة تأثر إيرادات قناة السويس بالاضطرابات في البحر الأحمر، وهجمات الحوثيين على السفن المارة بمضيق باب المندب منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وقالت الحكومة إن خسائر القناة بلغت نحو 7 مليارات دولار العام الماضي.

استمرار المعاناة

يقول جاب الله: «لا تزال قناة السويس تعاني نتيجة الهجمات السابقة للجماعة اليمنية على السفن المارة بمضيق باب المندب، والتي دفعت شركات الشحن العالمية لتغيير وجهتها لطرق بديلة».

وأضاف: «التطورات الإقليمية سبب رئيس في استمرار خسائر قناة السويس»، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية تتعامل مع تلك المتغيرات بالتواصل المباشر مع التوكيلات الملاحية العالمية، و«تقديم عروض وحوافز للمرور عبر المجرى الملاحي للقناة».

وفي منتصف مايو (أيار) الماضي، قررت هيئة قناة السويس تقديم حوافز وتخفيضات بنسبة 15 في المائة على رسوم عبور سفن الحاويات ذات الحمولة الصافية 130 ألف طن أو أكثر (محملة أو فارغة) لمدة 90 يوماً.

ويقول عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع» إن مصر «اختارت الصمود في مواجهة التداعيات المستمرة لهجمات الحوثيين على حركة العبور بقناة السويس».

وأشار إلى أن إدارة القناة عملت على تطوير وزيادة القطع البحرية «بما يساهم في مضاعفة أعداد السفن المارة، وتقليل زمن العبور، والتعامل مع أي مشكلات ملاحية»، إلى جانب العمل على ضخ استثمارات جديدة، وتقديم حوافز لشركات الشحن العالمية.

استحداث عوامل جذب

وناقش رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، مع رئيس غرفة الملاحة بالإسكندرية، محمد المصيلحي، ورئيس الخط الملاحي التركي (ألكور)، علي بكمزجي «آليات جذب ناقلات البترول وسفن الصب الجاف العاملة بين أوروبا وآسيا، والعودة للعبور من قناة السويس مرة أخرى»، وفق إفادة لقناة السويس، الأربعاء.

رئيس هيئة قناة السويس خلال لقائه رئيس الخط الملاحي التركي (ألكور) (هيئة قناة السويس)

وأكد رئيس هيئة القناة الحرص على التشاور المباشر مع العملاء، والتعامل بمرونة من المتغيرات المتسارعة في سوق النقل البحري، وتطورات الأوضاع في المنطقة.

وقال: «قناة السويس نجحت في استحداث عوامل جذب لتشجيع عبور السفن عبر القناة رغم التحديات الراهنة، بإضافة حزمة من الخدمات الملاحية واللوجستية التي لم تكن تقدم من قبل».

ويأتي استئناف هجمات الحوثيين ضد السفن المارة بالبحر الأحمر بعد أن توصلت الجماعة في مايو (أيار) الماضي لاتفاق لوقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة بوساطة عُمانية لضمان حركة الملاحة في البحر الأحمر.

وأدانت الولايات المتحدة هجمات الحوثيين الأخيرة، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، تامى بروس، في إفادة يوم الأربعاء، إن هذا يُعد «عملاً إرهابياً غير مبرر»، وأشارت إلى أن الحادث «يُبرز التهديد المستمر الذي يشكله الحوثيون على حرية الملاحة والأمن البحري والاقتصادي في المنطقة».