الجزائر وإسبانيا لبحث استئناف التجارة وأزمة الهجرة السرية

زيارة ألباريس تعد خطوة إضافية لطي خلاف حاد مع مدريد يخص نزاع الصحراء

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية إسبانيا في 30 سبتمبر 2021 (وكالة الأنباء الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية إسبانيا في 30 سبتمبر 2021 (وكالة الأنباء الجزائرية)
TT

الجزائر وإسبانيا لبحث استئناف التجارة وأزمة الهجرة السرية

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية إسبانيا في 30 سبتمبر 2021 (وكالة الأنباء الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية إسبانيا في 30 سبتمبر 2021 (وكالة الأنباء الجزائرية)

أكدت مصادر جزائرية قريبة من الحكومة أن محادثات مهمة ستجمع وزير خارجية إسبانيا، خوسيه مانويل ألباريس، مع المسؤولين الجزائريين الاثنين المقبل، تخص استئناف التجارة بشكل كامل بين البلدين، إثر طي أزمتهما السياسية قبل مدة قصيرة. كما ستتناول، حسب المصادر ذاتها، الهجرة السرية، ونزاع الصحراء، والأوضاع السياسية والأمنية المضطربة في الساحل، والحالة الإنسانية المأساوية لسكان غزة في ضوء استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع.

الوزير الأول الجزائري السابق مع وزيرة التحول البيئي الإسبانية بالجزائر في 27 أكتوبر 2021 (الشرق الأوسط)

وأعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، مساء أمس الخميس، أن ألباريس سيزور الجزائر بناء على دعوة من وزير خارجيتها أحمد عطاف، من دون تقديم تفاصيل عن مدة الزيارة وفحواها، فيما رجحت مصادر رسمية جزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون سيخص المسؤول الإسباني باستقبال، أو على الأقل رئيس حكومته نذير العرباوي، مؤكدة أن «عدة ملفات ستطرح للنقاش بين ألباريس وعطاف، أبرزها عودة التجارة البينية إلى ما كانت عليه قبل مارس (آذار) 2022، وقضية الصحراء التي كانت موضع خلاف بين البلدين، زيادة على الأوضاع في مالي التي تشكل مصدر قلق للجارين المتوسطيين، والحرب المفروضة على سكان غزة من طرف إسرائيل، حيث تتقاسم الجزائر وإسبانيا عدة مواقف متشابهة، أبرزها ضرورة وقف العدوان فورا، ودخول المساعدات لسكان القطاع».

الوزير الأول الجزائري السابق مع رئيس الحكومة الإسبانية الحالي بالجزائر في 8 أكتوبر 2020 (رئاسة الحكومة الجزائرية)

وظهرت بوادر انفراجة في العلاقات بين البلدين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إثر عودة السفير الجزائري إلى مدريد بعد 20 شهرا من تاريخ سحبه. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي استأنفت شركة الطيران الحكومية الجزائرية رحلاتها نحو المدن الرئيسية الإسبانية، بعد توقفها لشهور طويلة.

أما عن سبب الأزمة مع إسبانيا، حسبما أعلنته الجزائر، فهو إعلان رئيس حكومتها بيدرو سانشيز في رسالة إلى ملك المغرب، محمد السادس، في مارس (آذار) 2022 دعم بلاده مشروع الحكم الذاتي بخصوص الصحراء، عادا أنه «الحل الأمثل للأزمة». ونتيجة لذلك ثارت ثائرة الجزائر ضد هذا الموقف الذي عدته «خروجا عن الحياد»، إزاء الملف الذي يسبب قطيعة بين الجزائر والرباط منذ سنين طويلة، وعلّقت «معاهدة الصداقة» مع مدريد التي تعود إلى 2002.

خسائر كبيرة لحقت بالتجارة البينية جراء القطيعة السياسية (صورة لميناء الجزائر العاصمة)

وإثر سحب السفير، أوقفت الجزائر كل مبادلاتها التجارية مع إسبانيا، وهو ما ألحق خسائر مالية كبيرة بعشرات المؤسسات الإسبانية، التي تبيع حجما كبيرا من السلع والمنتجات إلى الجزائر، كما أحدث الوضع الجديد ندرة حادة لبعض المواد بالسوق الجزائرية. علما أن قيمة البضائع الإسبانية المصدرة إلى الجزائر كانت في حدود 3 مليارات يورو، قبل الأزمة السياسية غير المسبوقة بين البلدين. واستثني الغاز من القطيعة التجارية، وذلك لارتباط البلدين بعقود طويلة المدى تخص بيع الطاقة.

وقبل أسابيع قليلة، صرح عطاف لوسائل إعلام بأن سبب نهاية الجفاء مع إسبانيا «يتمثل في وجود تغيير في موقف مدريد بخصوص القضية الصحراوية»، وأشار إلى الخطاب الذي ألقاه سانشيز بالجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث أكد أن إسبانيا «تؤيد تماماً عمل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة (إلى الصحراء)، وهو العمل الذي نعده حاسماً للغاية». وشدد على أن حكومته «ستواصل دعم سكان الإقليم في مخيمات اللاجئين كما فعلت دائماً». وبالنسبة للجزائريين كان «عدم تأكيد سانشيز على دعم مقترح الحكم الذاتي للصحراء في خطابه بمثابة عدول عن الموقف السابق، أو تليينه على الأقل».

كما نقل عن الرئيس الجزائري قوله في اجتماع لوزرائه عقد في سبتمبر الماضي أن إسبانيا «بدأت في العودة إلى القرار الأوروبي بشأن قضية الصحراء»، ويتمثل في «دعم جهود منظمة الأمم المتحدة لصالح مسار سياسي، قصد التوصل لحل سياسي عادل ودائم، ومقبول من جميع الأطراف».



الجزائر تطلب من فرنسا «تحسين ظروف» رعاياها المهاجرين

وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)
وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)
TT

الجزائر تطلب من فرنسا «تحسين ظروف» رعاياها المهاجرين

وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)
وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)

أبعدت الجزائر منذ بداية العام الحالي 80 ألف مهاجر غير نظامي من أراضيها، يتحدر معظمهم من منطقة جنوب الصحراء، وحثَّت السلطات الفرنسية على «الاعتناء» بملايين المهاجرين الجزائريين، على أساس أنهم يعانون من «التمييز والإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية».

وعرض وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد، خلال أشغال اجتماع وزراء داخلية «مجموعة الـ7» التي اختتمت أمس الجمعة، بمدينة ميرابيلا جنوب إيطاليا، خطة بلاده لمواجهة الهجرة السرية، مؤكداً على «خطورة الترابط الوثيق بين هذه الظاهرة وأشكال الإرهاب، والإجرام العابر للحدود، والنشاطات العدائية والمجرَّمة قانونًا»، وفق ما نشرته وزارة الداخلية على حسابها بالإعلام الاجتماعي.

وزير داخلية الجزائر مع مديرة المنظمة الدولية للهجرة في اجتماع وزراء داخلية «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)

وأكد مراد في كلمته، أن «المتابع للظاهرة في وقتنا الحاضر، يلاحظ أن الهجرة أصبحت مرتبطة اليوم بتدفقات من المهاجرين غير النظاميين، نتيجة انعدام الاستقرار بدول المصدر، وتدهور الأوضاع الأمنية بها، والتي تضاف إلى ضعف بنيتها التنموية»، مبرزاً أن بلاده «تواجه تحديات كبيرة في مجال الهجرة منذ سنوات عدَّة، تطورت مؤخراً بشكل متسارع ومعقد».

وحسب مراد، فقد اتبعت الحكومة الجزائرية «نظرة منهجية وموضوعية» في التعامل مع مشكلة الهجرة غير الشرعية، وتحدث عن «وضع خطط عمل تشمل الأبعاد القانونية والإنسانية والاقتصادية، تعكس وعينا بحجم هذه الرهانات والمخاطر التي تحيط بنا». وقال بهذا الخصوص، إن هذه المقاربة «سمحت منذ بداية سنة 2024 بترحيل ما يعادل 80 ألف مهاجر غير نظامي، كما مكنت من تفكيك عدد هائل من الشبكات الإجرامية الخطيرة متعددة الجنسيات، وهي جهود استدعت تسخير إمكانات مادية وبشرية معتبرة».

وزير داخلية إيطاليا مع نظيره الجزائري خلال أشغال اجتماع وزراء داخلية «مجموعة الـ7» بمدينة ميرابيلا جنوب إيطاليا (إ.ب.أ)

ولم يذكر الوزير جنسيات المهاجرين الذين رحَّلتهم الجزائر، في حين جاء في تقارير «المنظمة الدولية للهجرة» حول هذه القضية، أن غالبيتهم من النيجر.

وأشاد مراد بـ«بوتيرة التعاون والتنسيق مع المنظمات الأممية الناشطة في المجال، على غرار المنظمة الدولية للهجرة، ما سمح بتحقيق نتائج إيجابية، من خلال تسهيل عودة آلاف المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم الأصلية منذ بداية السنة الحالية»، مشدداً على أن معالجة هذه الظاهرة ذات الآثار متعددة الأبعاد: «لا يمكن أن تقتصر على تدابير ظرفية، وإنما يتطلب ذلك رؤية شاملة ومندمجة ومنسقة وتضامنية، تُعنى أساساً بمعالجة الأسباب الجذرية للظاهرة، وذلك عبر توفير عوامل الأمن والاستقرار، ودعم التنمية بالدول مصدر الهجرة».

مهاجرون غير نظاميين من النيجر على حدود الجزائر (حسابات ناشطين في غوث المفقودين)

كما تحدث الوزير الجزائري -ضمناً- عن خلاف بلاده مع فرنسا التي تطالبها باستعادة آلاف من مهاجريها السريين، مؤكداً بهذا الخصوص أن «بحث المسائل المتعلقة بالهجرة لا بد من أن يولي كذلك العناية لظروف جاليتنا المقيمة بالخارج»، ويقصد بذلك أن المهاجرين النظاميين الجزائريين في فرنسا يواجهون العنصرية والتمييز في الشغل، ومشكلات أخرى متصلة بـ«لمّ الشمل العائلي»، وهي مسائل يضبطها اتفاق فرنسي- جزائري تم إبرامه عام 1968، وحالياً تسعى الحكومة اليمينية الجديدة لمراجعته، بحجة أنه «لا يساعد على إنجاح خطط الحد من الهجرة إلى فرنسا».

دورية لخفر السواحل الجزائري في البحر المتوسط (وزارة الدفاع الجزائرية)

وأوضح مراد في هذا السياق أن الجزائر «تهيب بشركائها تعزيز جهود مكافحة مظاهر التطرف والتمييز، والإسلاموفوبيا، وخطاب الكراهية تجاه جاليتنا، بما يضفي على محيطنا الجهوي والعالمي السكينة المنشودة، في ظل اندماج أمثل وتعايش إيجابي».

وكانت وزارة الداخلية الفرنسية قد أعلنت مطلع 2024 أنها رحَّلت أكثر من 2500 جزائري عام 2023، من ضمن 17 ألف مهاجرين أبعدتهم بسبب أوضاعهم غير القانونية؛ مؤكدة أن عدد الجزائريين الذي أصدرت بحقهم قرارات بالإبعاد زاد بنسبة 36 في المائة منذ 2022 (انتقل من 1882 إلى 2562).