«حرب غزة»: مفاوضات القاهرة تنشد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب

وفد «حماس» بدأ اجتماعاته بمصر وسط رفض نتنياهو وتحفُّظ بلينكن

صبي يحمل كيساً مملوءاً بمواد انتُشلت من أنقاض مدرسة ثانوية مدمرة بمخيم «النصيرات» للاجئين الفلسطينيين (أ.ف.ب)
صبي يحمل كيساً مملوءاً بمواد انتُشلت من أنقاض مدرسة ثانوية مدمرة بمخيم «النصيرات» للاجئين الفلسطينيين (أ.ف.ب)
TT

«حرب غزة»: مفاوضات القاهرة تنشد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب

صبي يحمل كيساً مملوءاً بمواد انتُشلت من أنقاض مدرسة ثانوية مدمرة بمخيم «النصيرات» للاجئين الفلسطينيين (أ.ف.ب)
صبي يحمل كيساً مملوءاً بمواد انتُشلت من أنقاض مدرسة ثانوية مدمرة بمخيم «النصيرات» للاجئين الفلسطينيين (أ.ف.ب)

برعاية مصرية – قطرية، بدأت في القاهرة (الخميس) جولة جديدة من المفاوضات، من أجل «هدنة» في قطاع غزة، بمشاركة وفد من حركة «حماس»، سعياً للتوصل إلى «صيغة نهائية» لاتفاق يقود إلى وقف للقتال في القطاع، وتبادل للأسرى بين إسرائيل وفصائل المقاومة.

وأعلنت «حماس»، صباح الخميس، أن وفداً من الحركة وصل إلى القاهرة، لاستكمال المحادثات الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، والمقترح الخاص باتفاق تبادل المحتجزين. ونشرت «حماس» بياناً قالت فيه إن نائب رئيس الحركة في غزة، خليل الحية، يرأس وفدها إلى القاهرة.

كان القيادي في الحركة، أسامة حمدان، قد قال في مؤتمر صحافي ببيروت، الأربعاء، إن الزيارة تأتي «في إطار متابعة ما قدمناه من أفكار، وفي إطار حرصنا على تحقيق أفضل النتائج بما يخدم مصالح الفلسطينيين ويوقف معاناتهم ويخفف آلامهم». فيما أكد مصدر مصري مسؤول، لقناة «القاهرة الإخبارية»، أن مصر تبذل قصارى جهدها للتوصل إلى هدنة بقطاع غزة، والإفراج عن الأسرى والمحتجزين وإنهاء الأزمة الإنسانية بالقطاع، مشيراً إلى أن «مصر تدعو الأطراف كافة لإبداء المرونة اللازمة للوصول إلى تهدئة بقطاع غزة».

تأتي جولة التفاوض الراهنة، في أعقاب تسليم حركة «حماس» ردها على الاتفاق الإطاري المقترح بناءً على «اجتماعات باريس» الشهر الماضي.

ووفقاً لمصادر مقربة من «حماس» ولوثيقة اطّلعت عليها وكالة «رويترز»، فقد وافقت الحركة على إطار اتفاق للتوصل إلى هدنة تامة ومستدامة على 3 مراحل، تستمر كل منها 45 يوماً، وتشمل التوافق على تبادل الأسرى وجثامين الموتى، وإنهاء الحصار، وإعادة الإعمار. وطالبت «حماس» بأن يُنتهى من مباحثات التهدئة التامة قبل بدء المرحلة الثانية، وضمان خروج القوات الإسرائيلية خارج حدود القطاع، وبدء عملية الإعمار.

وحسب المصادر ذاتها، عرضت حركة «حماس» في المرحلة الأولى إطلاق المحتجزين الإسرائيليين من النساء والأطفال والمسنين والمرضى مقابل 1500 أسير، بينهم 500 من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية، إضافةً إلى جميع النساء والأطفال وكبار السن في سجون الاحتلال. كما اشترطت الحركة «وقفاً كاملاً» للعمليات العسكرية من الجانبين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق السكنية بجميع مناطق القطاع، وإدخال ما لا يقل عن 500 شاحنة يومياً من المساعدات والوقود، إلى كل مناطق قطاع غزة خلال المرحلة الأولى.

مبانٍ مدمَّرة شمال غزة بعد قصف إسرائيلي في وقت سابق (أ.ف.ب)

ردود فعل متباينة

وأثار رد «حماس» ردود فعل متباينة، فبينما وصفت مصر وقطر في تصريحات لمسؤولين بارزين بهما الرد بأنه كان «إيجابياً»، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأربعاء، قبيل مغادرته المنطقة بعد انتهاء جولته الخامسة بها منذ اندلاع الحرب الراهنة في غزة، إن رد «حماس» على مقترح التهدئة «يُمهد للتوصل إلى اتفاق»، وأضاف: «هناك أمور لا يمكن قبولها في رد (حماس)؛ لكننا نجد فرصة في الرد من أجل المضي في المفاوضات».

في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رفضه مطالب «حماس»، التي أوردتها ضمن ردها على مقترح باريس، مؤكداً عزمه «القضاء الكامل على الحركة في غزة». وقال نتنياهو في مؤتمر صحافي، الأربعاء، إنه «يجب أن تكون هناك مفاوضات عبر وسطاء، لكن ليس في ضوء رد (حماس)»، مضيفاً أن مواصلة الضغط العسكري «شرط أساسي، وأيضاً عدم الاستسلام لمطالب (حماس)».

موقف صعب

ويرى خبير الشؤون الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، سعيد عكاشة، أن المفاوضات بشأن التوصل إلى تهدئة في قطاع غزة «سوف تستمر حتى التوصل إلى نتائج»، مشيراً إلى أن صعوبة الموقف على الأرض في قطاع غزة «تفرض على جميع الأطراف المضي قدماً نحو البحث عن حل».

وأضاف عكاشة لـ«الشرق الأوسط» أن «حماس» تعاملت مع مقترحات «اجتماع باريس» على أنها محاولة لإحراجها أمام العالم وإظهارها على أنها «الطرف المُعرقل للحل»، فقدمت مقترحات لا يُمكن لإسرائيل قبولها، سواء فيما يتعلق بالوقف الكامل للحرب، أو استعادة الموقف في المسجد الأقصى، أو الإفراج عن سجناء أمنيين من ذوي المحكوميات الثقيلة، لكن في المقابل إسرائيل لديها من أدوات الدعاية والتأثير في الرأي العام العالمي ما يجعلها تروّج روايتها، وتُظهر «حماس» على أنها التي لا تريد حلاً للأزمة.

لكنّ أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، يرى في المقابل أن رد «حماس» كان «براغماتياً»، وقدم الكثير من التنازلات التي لم يكن أحد يتوقع أن تقدمها الحركة، ومنها الإشارة إلى عودة الأمور إلى سابق وضعها قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رغم كل ما تم تقديمه من تضحيات إنسانية ومادية هائلة من جانب أهالي القطاع. وأعرب الرقب لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاده أن «حماس» لن تقدم مزيداً من التنازلات خلال جولة التفاوض الراهنة، لأن ما تضمّنه ردها «كان أقصى ما يمكن تقديمه»، مشيراً إلى أن إسرائيل هي «من تريد أن يمتد أمد الحرب، ظناً أن ذلك يُبرد الأمور، فضلاً عن استخدام الضغط الميداني لمحاولة إحراز نصر معنوي».

إخلاء سكان مخيمي «النصيرات» و«البريج» للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

هامش المناورة

وبشأن هامش المناورة والتعديل المتاح أمام جولة التفاوض الراهنة في القاهرة. قال عكاشة إن «الهامش المتاح قد يتعلق بعدد السجناء الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم في ضوء تضاعف أعداد هؤلاء السجناء لدى إسرائيل خلال الأشهر الماضية»، مضيفاً أن الإسرائيليين يتعاملون مع الحرب على أنها «حرب وجود» وبالتالي يتمسكون بعدم تقديم تنازلات أو الرضوخ لضغوط، حتى وإن كانت من جانب حلفائهم الأميركيين، وأشار إلى أن «المفاوض المصري سيتعامل مع تحديات كثيرة، منها الوضع الميداني السيئ لـ(حماس) وعدم قدرتها على تغيير الواقع على الأرض بأدواتها المتاحة، واستمرار تفاقم الوضع الإنساني».

ورأى الرقب أن إعادة صياغة المراحل وربما المدد الزمنية، إضافةً إلى الاكتفاء بخروج قوات الاحتلال من عمق المدن وليس كل أراضي قطاع غزة «يُمكن أن تكون محل تفاوض في الجولة الراهنة من المفاوضات»، وهو ما يتوافق مع المقترح المصري الذي سبق طرحه، وتلكأت «حماس» في القبول به، وفق رأيه.

كان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، قد أشار إلى أن مصر طرحت منذ فترة قريبة إطار مقترح لمحاولة تقريب وجهات النظر بين كل الأطراف المعنية، سعياً وراء حقن الدماء الفلسطينية، ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإعادة السلام والاستقرار إلى المنطقة.

وقادت مصر مع قطر وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، جهود الوساطة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بهدف التوصل إلى وقف للقتال في قطاع غزة وتبادل للأسرى، ونجحت الوساطة في وقف القتال لمدة أسبوع في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وخرج بموجب تلك الهدنة ما يزيد على 100 من المحتجزين الإسرائيليين بالقطاع، مقابل الإفراج عن 300 من السجناء الفلسطينيين لدى قوات الاحتلال.

من جهة أخرى، قال مصدر فلسطيني رفيع المستوى، الأربعاء، إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يعتزم التوجه إلى العاصمة القطرية الدوحة، الأحد القادم. وأضاف أنه لا يوجد على جدول لقاءات الرئيس أي ترتيبات لمقابلة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، لكنه «لم يستبعد إجراء لقاءات مع قادة الحركة خلال الزيارة».


مقالات ذات صلة

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

تحليل إخباري يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات حول التنفيذ.

محمد محمود (القاهرة)
العالم العربي فلسطينيون أمام معبر رفح من جهة قطاع غزة في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

معبر رفح وجبهتها يُسخّنان ملف غزة

أعاد خلاف مصري – إسرائيلي حول فتح معبر رفح وهجوم لمسلحين يُرجح أنهم من «حماس» ضد قوات جيش الاحتلال في الجبهة ذاتها، تسخين ملف غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة – تل أبيب) محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي أطفال فلسطينيون يستدفئون بالنار في خان يونس (رويترز) play-circle 00:36

5 قتلى وعشرات المصابين في غارات إسرائيلية على خان يونس

قُتل 5 فلسطينيين على الأقل وأصيب آخرون، مساء الأربعاء، في قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على جنوب وشرق قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي تركيب فني لصورة للقيادي الفلسطيني المعتقل لدى إسرائيل مروان البرغوثي في مسقط رأسه قرية كوبر في الضفة الغربية شمال رام الله 27 نوفمبر 2025 (أ.ب)

200 من مشاهير العالم يطالبون بالإفراج عن مروان البرغوثي

دعا أكثر من 200 من المشاهير، بينهم كتاب وممثلون وموسيقيون، في رسالة مفتوحة، الأربعاء، إسرائيل إلى إطلاق سراح السياسي المعتقل مروان البرغوثي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز) play-circle

غوتيريش: «أسباب قوية» للاعتقاد بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الأربعاء، إن هناك «خطأ جوهرياً» في الكيفية التي أدارت بها إسرائيل عمليتها العسكرية في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.