دخلت تونس رسميا مطلع الشهر الحالي مرحلة جديدة من «حالة الطوارئ» الأمنية تقرر تمديدها حتى آخر أيام العام الحالي، أي إلى مرحلة ما بعد تنظيم الدورة الجديدة من الانتخابات الرئاسية المبرمجة في الخريف المقبل.
وبررت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» القرار الرئاسي الأمني الجديد بالتوجهات التي اعتمدتها رئاسة الجمهورية منذ قرارات 25 يوليو (تموز) 2021، وبينها «إنقاذ البلاد من الخطر الداهم».
مخاطر الانهيار الأمني
ورغم التحفظات الصادرة عن بعض الأطراف النقابية والسياسية المعارضة للإجراءات الأمنية الاستثنائية التي اتخذتها السلطات الأمنية والقضائية خلال العامين الماضيين، فإن الرئيس التونسي قيس سعيد وأنصاره يفسرون «الاستنفار الأمني» وإحالة عشرات المشتبه فيهم على المحاكم بـ«خطورة قضايا التآمر على امن الدولة والفساد»، التي تقوم مصالح وزارتي العدل والداخلية بالتحقيق فيها «لإنقاذ البلاد من مخاطر الانهيار الأمني والاقتصادي والعنف والفوضى والانفجارات الاجتماعية العنيفة ومن انتشار الجريمة المنظمة والتهريب والإرهاب».
وأعلن الرئيس التونسي والمقربون منه خلال زيارات لوزارة الداخلية ومؤسسات أمنية تابعة لها أن على رأس أوليات الدولة اليوم «فرض سلطات الدولة الموحدة في كل القطاعات وفي كامل البلاد» والقطع مع غلطات العقود الماضية التي سجلت فيها صراعات سياسية عقيمة على السلطة ومخالفات بالجملة للقوانين من قبل «الفاسدين» و«المتورطين في الإرهاب والمخدرات» وانتهاكات لسيادة الدولة، وانتشر فيها الفساد والتهريب والتهرب الجبائي.
صلاحيات استثنائية
وحسب القانون التونسي فإن قرار وضع البلاد في «حالة طوارئ» يمنح وزارة الداخلية صلاحيات واسعة واستثنائية، بينها الحق في توقيف شخصيات متشبه في تهديدها للأمن القومي. كما يحق لهم منع الاجتماعات والمظاهرات وحظر التجوال، وتفتيش المحلات ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية.
وحسب القانون نفسه تسند سلطة إصدار مثل هذه القرارات إلى وزير الداخلية أو المحافظين (الولاة)، باعتبار مسؤولياتهم الأمنية وطنيا وجهويا، حسب تقديراتهم للمخاطر الأمنية و«الخطر الداهم» ولمصلحة البلاد.
وتمنح هذه الصلاحيات الأمنية دون الحاجة إلى الحصول على إذن مسبق من القضاة والمحاكم.
لذلك تحفظ عليها بعض الحقوقيين منذ بدء العمل بقانون الطوارئ الأول الذي صدر عقب الأحداث الدامية والاضطرابات الاجتماعية العنيفة التي شهدتها تونس في يناير (كانون الأول) 1978، وتسببت في سقوط مئات القتلى والجرحى وفي تدخل قوات الجيش دعما لقوات الأمن.
وتنتقد شخصيات من المعارضة والمنظمات النقابية والحقوقية قرارات فرض حالة الطوارئ منذ يوم سقوط حكم الرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011. كما انتقدوا العودة إلى تمديدها من قبل كل الحكومات مرارا منذ الهجمات الإرهابية التي استهدفت في 2015 قوات أمن مدنية وعسكرية وحافلة تابعة للأمن الرئاسي غير بعيد عن المقر المركزي لوزارة الداخلية في قلب العاصمة تونس. كما استهدفت الهجمات الإرهابية في الفترة نفسها مؤسسات سياحية وثقافية في العاصمة تونس والقطب السياحي في ساحل مدينة سوسة الواقعة على مسافة 140 كلم جنوبي العاصمة.
عشرات القتلى بين المدنيين والعسكريين
وكانت تونس شهدت خلال العشرية الماضية أعمالا إرهابية سقط فيها عشرات القتلى والجرحى من بين الأمنيين والعسكريين والسياح الأجانب والمدنيين التونسيين، في العاصمة تونس وأخرى في المحافظات الغربية والجنوبية الحدودية مع الجزائر وليبيا وفي المنطقة السياحية في الساحل التونسي.
وتعد السلطات أن فرض «حالة الطوارئ» وتوسيع الصلاحيات الأمنية والسياسية لوزير الداخلية والولاة ساعدا البلاد في التحكم في الأوضاع وفي الحد من مخاطر الهجمات الإرهابية ومن عمليات عصابات الجريمة المنظمة، وبينها عصابات تهريب الأموال والسلع والمهاجرين غير النظاميين والمخدرات.
توقيفات
في سياق متصل كشفت بيانات رسمية جديدة أصدرتها السلطات الأمنية والإدارة العامة للحرس الوطني أمس وأول من أمس عن نجاح قوات الأمن التونسية في توقيف عشرات المتهمين في قضايا أمنية متفرقة في عدة مدن وفي مختلف المحافظات.
وأوضحت البيانات أن التوقيفات شملت عشرات المهاجرين غير النظاميين المحليين والأجانب و«عصابات مختصة التهريب» وأخرى في «صنع قوارب المهربين» بطرق غير قانونية، فضلا عن المتورطين في قضايا المخدرات.
وحسب المصادر فإن هذه التوقيفات شملت خاصة محافظات الجنوب والوسط ومنطقة صفاقس، أي الجهات التي يستخدمها المهاجرون غير النظاميين أكثر من غيرها لأنها الأقرب إلى سواحل إيطالية وتحديدا إلى جزيرة لمبدوزة، التي يمكن الوصول إليها في أقل من ساعتين على متن «بواخر صيد تقليدية».