باحثة ليبية ترصد تاريخ الهجرة بين بلدها وإيطاليا على مدى 100 عام

مهاجرون غير شرعيين ينتظرون ترحيلهم إلى بلدانهم داخل أحد مراكز الاحتجاز في طرابلس (أرشيفية-أ.ف.ب)
مهاجرون غير شرعيين ينتظرون ترحيلهم إلى بلدانهم داخل أحد مراكز الاحتجاز في طرابلس (أرشيفية-أ.ف.ب)
TT

باحثة ليبية ترصد تاريخ الهجرة بين بلدها وإيطاليا على مدى 100 عام

مهاجرون غير شرعيين ينتظرون ترحيلهم إلى بلدانهم داخل أحد مراكز الاحتجاز في طرابلس (أرشيفية-أ.ف.ب)
مهاجرون غير شرعيين ينتظرون ترحيلهم إلى بلدانهم داخل أحد مراكز الاحتجاز في طرابلس (أرشيفية-أ.ف.ب)

عبر كتابها الجديد «ليبيا... صندوق رمل أم بوابة المتوسط؟»، رصدت الباحثة الليبية الدكتورة ريم البركي أبرز التحولات في ملف الهجرة غير النظامية بين ليبيا وإيطاليا على مدار 100 عام، وسلطت الضوء على هذا الملف المثير للجدل.

وعمدت البركي إلى المقارنة بين إيطاليا الماضي، الدولة الطاردة للسكان، وإيطاليا الحاضر، التي أصبحت قبلةً لكل من يبحث عن النجاة من ظلم أو فقر، كما تطرقت لماضي ليبيا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأوضحت كيف تحولت الدولة الليبية إلى بوابة للبحر المتوسط كدولة عبور.

عمدت البركي إلى المقارنة بين إيطاليا الماضي كدولة طاردة للسكان وإيطاليا الحاضر

الكتاب الذي يقع في نحو 450 صفحة ومكون من 4 أبواب، هي: «العلاقة الإيطالية الليبية: حقيقة معقدة، وقضية الهجرة بين إيطاليا وليبيا، وصورة المهاجر، ثم دراسة ميدانية لمدينة سبها»، سلط الضوء في بابه الأول على العلاقات بين ليبيا وإيطاليا قبل عام 1911، ثم تطرق للعلاقات بين البلدين منذ عام 1911 حتى حقبة العقيد الراحل معمر القذافي، وبعد ذلك ترصد كيف أصبح النفط نقطة تحول في المشهد، وتحلل ما حدث أخيراً في «الربيع العربي»، وتأثير ذلك على ليبيا وإيطاليا.

أما في الباب الثاني، فتناقش البركي تحول إيطاليا من بلد للنازحين إلى قبلة للمهاجرين، ثم تستعرض علاقة ليبيا بقضية المهاجرين، وبعد ذلك ترصد معاهدة الصداقة الإيطالية - الليبية لعام 2008.

مهاجرون خلال محاولتهم الوصول إلى السواحل الأوروبية عبر قوارب الموت (أ.ب)

وفي الباب الثالث من الكتاب، ترصد ريم صورة المهاجر في إيطاليا، ثم تتطرق للتوظيف السياسي لظاهرة الهجرة في ليبيا وإيطاليا، وتكلمت عن المهربين و«الإرهابيين» في حرب طرابلس، وعن التدخل التركي، ومحاولة سرقة لقب «الشريك الأهم» من إيطاليا.

وأوضحت الباحثة فى الباب الأخير من الكتاب، الذي يضم «الدراسة الميدانية» من مدينة سبها، أسباب الدراسة والمنهجية والرحلة، ثم تحكي عن دور المنظمات الدولية، وأزمة تعليم أبناء المهاجرين، وتصف للقارئ حتى حال المهاجرين في مراكز الاحتجاز، وفي النهاية تقدم استنتاجاتها... واستحقت الباحثة عن هذه الرسالة درجة الدكتوراه.

ويستعرض الكتاب الأحداث السياسية التي وقعت في ليبيا وإيطاليا على مدار قرن كامل، فضلاً عن القوانين التي جرت صياغتها في كل من الدولتين لضبط فوضى الهجرة غير المشروعة، ومدى توافق تلك القوانين مع التشريعات الدولية والمواد التي تضمن للإنسان حقه في الحياة والكرامة.

كما تطرق للتحولات السياسية التي حدثت في إيطاليا على مدار العقود الماضية، وكيف أثر تغير الفصيل الحاكم في روما على مسار قضية الهجرة غير المشروعة.

الباحثة الليبية الدكتورة ريم البركي (الشرق الأوسط)

وحصلت الدكتورة ريم رجب البركي، من مواليد مدينة بنغازي، في 31 مارس (شباط) 1989، على الماجستير في الدراسات الأفريقية من جامعة دالارنا في السويد سنة 2015، ثم ماستر مهني في العلاقات الدولية والإعلام من «الجمعية الإيطالية للمنظمات الدولية» (SIOI)، أحد أهم مراكز تأهيل القادة الشباب في أوروبا سنة 2016، ثم ماجستير في العلاقات الدولية والتعاون الإنمائي من جامعة بيروجيا للأجانب سنة 2017، ثم ماجستير من جامعة سابينسا الإيطالية العريقة في الجيوبوليتك والأمن العالمي سنة 2018، ثم الدكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية من جامعة بيروجيا للأجانب، في يناير (كانون الثاني) 2022.


مقالات ذات صلة

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

شمال افريقيا المفوضية العليا للانتخابات حسمت الجدل حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

حسمت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا الجدلَ حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

تتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».