«محادثات سرية» لأول مرة بين رئيس «الوحدة» الليبية وحفتر

تزامناً مع دعوات أممية للحل السياسي... ومطالب أميركية بضرورة تأمين المطارات

لقاء باتيلي وسفير إيطاليا (المبعوث الأممي)
لقاء باتيلي وسفير إيطاليا (المبعوث الأممي)
TT

«محادثات سرية» لأول مرة بين رئيس «الوحدة» الليبية وحفتر

لقاء باتيلي وسفير إيطاليا (المبعوث الأممي)
لقاء باتيلي وسفير إيطاليا (المبعوث الأممي)

بينما تتسارع الدعوات الأممية للجهات الفاعلة والمؤسسات الليبية الرئيسية للاجتماع، بهدف الاتفاق على «حل شامل» للأوضاع الراهنة في البلاد، ومطالب أميركية بـ«ضرورة تأمين المطارات الليبية»، أكد عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الليبية «المؤقتة»، للمرة الأولى، إجراء «محادثات سرية» مع المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، المتمركز في شرق البلاد. وقال الدبيبة في تصريحات، مساء أمس (الجمعة)، تداولتها وسائل إعلام محلية، إن ممثلين عنه اجتمعوا مع ممثلي حفتر في الإمارات؛ لبحث سبل التعاون.

عبد الحميد الدبيبة أكد إجراء «محادثات سرية» مع المشير خليفة حفتر (الوحدة)

وأوضح الدبيبة أن هذا الأمر لا تختص به الإمارات فقط، بل عديد من الدول التي تسعى لإحداث توافق بين الأطراف الليبية. وقال بهذا الخصوص: «نحن لا نغلق على أنفسنا، بل ندعم أي تقريب لوجهات النظر بين الطرفين»، مشيراً إلى استمرار خلافه مع حفتر، دون الخوض في مزيد من التفاصيل.

ودافع الدبيبة مجدداً عن نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية المقالة من منصبها، على خلفية اجتماعها المثير للجدل في إيطاليا مع وزير الخارجية الإسرائيلي في وقت سابق. وادّعى الدبيبة مجدداً عدم علمه المسبق بالاجتماع. وقال إنه «طُلب من المنقوش أن تحضر هذا الاجتماع في إيطاليا، وتم اللقاء»، من دون أن يوضّح ما الجهات، التى أمرت المنقوش بالمضي قدماً في هذا اللقاء، الذي أثار عاصفة انتقادات محلية. لكن الدبيبة، الذي أوضح أنه «لم يعاقب المنقوش ويتفهم لقاءها وزير خارجية إسرائيل»، عدّ أنه «تم بشكل عفوي بحكم نشأة المنقوش خارج ليبيا».

من لقاء سابق بين المشير حفتر وباتيلي (البعثة)

في غضون ذلك، جدد عبد الله باتيلي، رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، دعوته الجهات الفاعلة والمؤسسات الليبية الرئيسية، للاجتماع والاتفاق على حل شامل. وأوضح أن اجتماعه، مساء أمس (الجمعة)، في طرابلس مع جيانلوكا ألبريني، السفير الإيطالي لدى ليبيا، استعرض التطورات السياسية الراهنة في البلاد.

من جهة ثانية، أعلنت مصلحة المطارات بوزارة المواصلات في حكومة الدبيبة، اليوم (السبت)، إعادة فتح الملاحة الجوية بمطار معيتيقة في العاصمة طرابلس، بعد نجاح الفرق الفنية في إزاحة طائرة لجهاز الإسعاف، خرجت عن مسارها بمهبط المطار، اليوم (السبت). وتمّ تحويل الرحلات إلى مطار مصراتة بغرب البلاد؛ بسبب ما وصفته وسائل إعلام محلية بـ«هبوط خاطئ للطائرة وانفجار إطارها».

بدوره، أعلن ريتشارد نورلاند، المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، مساء أمس (الجمعة)، تقديم بلاده 4.5 مليون دولار لمطار سبها بالجنوب الليبي، عبر برنامج «أمن الطيران والمطارات» بليبيا، التابع لمكتب مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأميركية. وأدرج نورلاند اجتماعه رفقة جوشوا هاريس نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، وجيريمي برنت القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا، مع وكيل وزارة المواصلات بحكومة الدبيبة لشؤون النقل الجوي، فى إطار تأكيد «دعم الولايات المتحدة تعزيز قطاع الطيران المدني الليبي، وأمن المطارات، بهدف بناء روابط ليبيا داخلياً، ومع باقي العالم».

وقال بيان للسفارة الأميركية إن هذا التمويل الإضافي «سيدعم جهود تعزيز الاستقرار في جنوب ليبيا، ويخلق مزيداً من الفرص الاقتصادية، كما سيمكّن مطار سبها من توسيع عملياته بوصفه مركزاً للطيران»، مشيراً إلى تخصيص الولايات المتحدة أكثر من 20 مليون دولار لأمن المطارات في ليبيا منذ عام 2018، بالإضافة إلى حضور نحو 3 آلاف مسؤول من المطارات الليبية دورات تدريبية ممولة من الولايات المتحدة، من بينهم 300 امرأة.

اجتماع الصديق الكبير مع الوفد الأميركي (مصرف ليبيا المركزي)

من جهته، قال الصديق الكبير، محافظ مصرف ليبيا المركزي، إنه ناقش مع الوفد الأميركي، مسار عملية توحيد المصرف والجهود المبذولة مع اللجنة المالية بالبرلمان، وبقية مؤسسات الدولة لإعداد قانون ميزانية موحدة للعام الحالي، مشيراً إلى مناقشة استمرار جهود الشفافية والإفصاح وترشيد الإنفاق، وكذلك دور المصرف في إعادة إعمار مدينة درنة والمناطق المتضررة، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة.

ونقل الصديق عن تشارلز صليبا، سفير مالطا لدى ليبيا، الذي التقاه، مساء أمس (الجمعة)، في طرابلس رغبة شركات بلاده في العودة لاستئناف نشاطاتها في ليبيا، والمشاركة في المشروعات المختلفة، واستعداد البنوك في مالطا للتعامل مع البنوك الليبية، لافتاً إلى أنهما بحثا آخر مستجدات عملية توحيد المصرف.

إلى ذلك، نقل محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، عن السفراء الجدد لموريتانيا والنمسا وكوريا خلال اعتمادهم، اليوم (السبت)، في طرابلس أهمية توطيد العلاقات المشتركة، وإشادتهم بما وصفوه بـ«جهود المنفي الحثيثة من أجل تحقيق السلام والاستقرار، والتنمية في كل أنحاء ليبيا».

المنفي يلتقي سفير موريتانيا الجديد (المجلس الرئاسي)

من جهة أخرى، عدّ حفتر أن حماية المواطن الليبي في الداخل والخارج من أولوياته، وذلك خلال تفقده رفقة أسامة حماد، رئيس حكومة الاستقرار «الموازية»، مشروعات الإعمار في مدينة درنة، التي يُنفذها «صندوق إعمار المناطق المُتضررة». وأصدر حفتر قرارات عدة، من بينها حل «إدارة مكافحة التسلل والتهريب»، وضم قواتها كلها من مهمات وآليات وأسلحة وذخائر، إلى «هيئة السيطرة»، وإعادة تمركز بعض الوحدات العسكرية بمنطقتي الشاطئ والقرضة. كما عيّن مهند مصطفى آمراً للواء الأول مشاة، التابع لأركان الوحدات الأمنية، بقيادة نجله خالد، بعدما قرر ضم «الكتيبة 206 ب» التابعة لأركان القوات البرية، برئاسة نجله صدام، إلى «الكتيبة 519 مشاة»، بالإضافة إلى تعيين 7 ضباط جدد أمراء لكتائب «اللواء 155 مشاة».


مقالات ذات صلة

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

المشرق العربي 
من مخلفات اشتباكات عنيفة بين ميليشيات مسلحة وسط طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

هزّت انفجارات ضخمة مدينة زليتن الساحلية، الواقعة غرب ليبيا، إثر انفجار مخزن للذخيرة، تملكه ميليشيا «كتيبة العيان»، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث، الذي.

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا عناصر من شرطة جنوب أفريقيا (رويترز)

شرطة جنوب أفريقيا تعتقل 95 ليبياً بموقع يُشتبه بأنه قاعدة عسكرية

أعلنت شرطة جنوب أفريقيا اعتقال 95 ليبياً، الجمعة، في عملية دهم في مزرعة يبدو أنها حوّلت قاعدة للتدريب العسكري.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
شمال افريقيا هانيبال القذافي (أ.ف.ب)

مدافعون عن هانيبال القذافي يطالبون السلطات الليبية بـ«تدويل» قضيته

طالب ليبيون موالون لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي (الخميس) سلطات بلادهم بـ«التحرك العاجل» لإطلاق سراح نجله هانيبال، المعتقل في لبنان منذ قرابة 9 سنوات.

جمال جوهر (القاهرة)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز