كيف تُعزز «محطة الضبعة» التعاون المصري - الروسي في الطاقة النووية؟

السيسي وبوتين دشَّنا الوحدة الرابعة «افتراضياً»

القادة الأفارقة خلال القمة الأولى في سوتشي مع الرئيس الروسي بوتين يوليو الماضي (الرئاسة الروسية)
القادة الأفارقة خلال القمة الأولى في سوتشي مع الرئيس الروسي بوتين يوليو الماضي (الرئاسة الروسية)
TT

كيف تُعزز «محطة الضبعة» التعاون المصري - الروسي في الطاقة النووية؟

القادة الأفارقة خلال القمة الأولى في سوتشي مع الرئيس الروسي بوتين يوليو الماضي (الرئاسة الروسية)
القادة الأفارقة خلال القمة الأولى في سوتشي مع الرئيس الروسي بوتين يوليو الماضي (الرئاسة الروسية)

دشن الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، «افتراضياً»، الثلاثاء، الوحدة الرابعة في محطة الضبعة النووية، الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وشهدا بدء صب الخرسانة بقاعدة الوحدة. الأمر الذي عدّه خبراء «تعزيزاً للتعاون بين البلدين» عبر ما سموها «شراكة القرن».

وقال السيسي، في كلمته خلال الاحتفال الذي أُقيم عبر تقنية «الفيديو كونفرنس»، إن «بلاده تكتب تاريخاً جديداً من خلال تحقيق حلم المصريين بمحطة للطاقة النووية»، مؤكداً أن «المشروع إنجاز آخر في ملف التعاون الثنائي مع روسيا»، واصفاً المشروع بأنه «صفحة جديدة من علاقات التعاون مع موسكو».

ومحطة الضبعة هي أول منشأة نووية في مصر، وتقع في محافظة مطروح على سواحل البحر الأبيض المتوسط، على بُعد نحو 300 كيلومتر شمال غربي القاهرة.

وتعاقدت مصر مع شركة «روسآتوم» الحكومية الروسية عام 2015 لإنشاء محطة نووية بمدينة الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تضم أربعة مفاعلات من الجيل «+3» العاملة بالماء المضغوط، بقدرة إجمالية 4800 ميغاواط بواقع 1200 ميغاواط لكل منها، وبتكلفة تصل إلى 30 مليار دولار، 85 في المائة منها يتم تمويله عبر قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار. ويشمل الاتفاق توفير روسيا خدمات الدعم الفني والصيانة والتكوين لمدة 10 سنوات.

وقال الرئيس المصري، الثلاثاء، إن «مشروع صب الوحدة الرابعة يسمح لبلاده بالبدء في المرحة التالية في بناء المفاعلات النووية». وأشار إلى أن «ما يشهده العالم، من أزمة في إمدادات الطاقة العالمية، يؤكد أهمية القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته القاهرة بإحياء البرنامج النووي السلمي لإنتاج الطاقة الكهربائية، كونه يسهم في توفير إمدادات طاقة آمنة ورخيصة وطويلة الأجل، ويقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ويجنّب البلاد تقلبات أسعاره».

وأكد السيسي أن «إضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة الذي تعتمد عليه بلاده لإنتاج الكهرباء تكتسب أهمية حيوية، للوفاء بالاحتياجات المتزايدة من الكهرباء اللازمة لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتسهم في زيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة، بما يحقق الاستدامة البيئية والتصدي لتغير المناخ».

وتعاني مصر نقصاً في الطاقة الكهربائية، مما دفع الحكومة المصرية إلى اتخاذ قرارات بتخفيف الأحمال، وقطع الكهرباء عن أحياء سكنية لمدد وصلت إلى ساعتين يومياً وفق جداول زمنية معلنة. وقال الرئيس المصري إن «هذا الحدث (صب خرسانة الوحدة الرابعة من المفاعل النووي) يعكس مدى الجهود المبذولة من كلا الجانبين (روسيا ومصر)، للمضيّ قدماً نحو تنفيذ مشروع مصر القومي، بإنشاء المحطة النووية بالضبعة»، مشيراً إلى أن «المشروع يسير بوتيرة أسرع من المخطط الزمني المقرر، متخطياً حدود الزمان، ومتجاوزاً كل المصاعب، ليعكس الأهمية البالغة التي توليها بلاده لقطاع الطاقة، إيماناً بدوره الحيوي، بوصفه محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي، وإحدى ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفق (رؤية مصر 2030)». ووجه الرئيس المصري الشكر إلى نظيره الروسي وإلى العاملين بالمشروع من البلدين.

تركيب مصيدة قلب المفاعل في نوفمبر الماضي (هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر)

وتعد عملية صب البلاطة الخرسانية التي ستُستخدم أساساً للوحدة الرابعة من المحطة النووية، للطاقة النووية، نهاية لمرحلة التحضير وانتقالاً لبدء المرحلة الأساسية من المشروع.

من جانبه، أكد بوتين أن «محطة الضبعة النووية تمثل تتويجاً للتعاون بين القاهرة وموسكو، وسوف تسهم في تطوير الاقتصاد المصري وتعزيز الصناعات الحديثة». وأضاف في كلمته عبر «الفيديو كونفرنس»، الثلاثاء، أن «التبادل التجاري مع مصر يشهد تطوراً كبيراً، وهناك شراكة في مشروعات عديدة في مجالات الطاقة والزراعة»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة النووية تعد أهم المشاريع بين البلدين وستعزز مجال الطاقة».

وأوضح بوتين أن «مصر تعد شريكاً استراتيجياً لبلاده». ووجه الرئيس الروسي الدعوة إلى نظيره المصري لحضور قمة مجموعة «بريكس» المقررة في مدينة قازان الروسية في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، حسبما ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء.

وشهدت الفترة الأخيرة إعلان شركة «روسآتوم» الروسية افتتاح فرع لها في القاهرة. وقال المدير الإقليمي لمكتبها في مصر، مراد أصلانوف، حينذاك: «أطلقت الشركة مبادرة مشروع واسع النطاق لتوحيد البنية التحتية لمشاريعها في الخارج، إذ جرى دمج جميع مكاتبها الخارجية في مصر». وتعد محطة الضبعة المشروع «الأكبر» للشركة في أفريقيا.

وعدّت أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة د.نورهان الشيخ، تدشين السيسي وبوتين المحطة الرابعة من المشروع «تعزيزاً للشراكة بين البلدين»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «(محطة الضبعة) مشروع ضخم يطلق عليه اسم (شراكة القرن) بين موسكو»، موضحةً أن «هناك جوانب عدة للشراكة المصرية - الروسية، ويُعد مشروع الضبعة عمودها الفقري، لأنه يستمر لمدة مائة عام، ويكفل استمرار التعاون بين البلدين قرناً من الزمان»، مشيرةً إلى أنه «رغم التطورات الإقليمية والدولية من الحرب في أوكرانيا إلى الحرب في غزة، استمرّ تنفيذ المشروع وفقاً للجداول الزمنية المعدَّة سلفاً، وبالشروط الفنية المطلوبة مما يؤكد عزم البلدين على تنفيذه وتعزيز آليات التعاون».


مقالات ذات صلة

مصر والأردن والعراق لتوسيع الشراكة في «النقل البحري»

شمال افريقيا محادثات وزراء النقل في مصر والأردن والعراق بالإسكندرية (النقل المصرية)

مصر والأردن والعراق لتوسيع الشراكة في «النقل البحري»

تعزز مصر والأردن والعراق شراكتها في مجال النقل البحري، من خلال التوسع في الخطوط الملاحية وأعمال شركة «الجسر العربي» للملاحة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مباحثات بين الوفد المصري برئاسة السفير إيهاب عوض والوفد التركي برئاسة السفيرة إليف أولغن بمشاركة السفير التركي في القاهرة صالح موتلو شن (الخارجية المصرية)

مشاورات مصر وتركيا بشأن أفريقيا وليبيا... «مساحات تفاهم وتعاون مشترك»

مشاورات دبلوماسية مصرية - تركية بشأن الوضع بالصومال ومنطقة القرن الأفريقي وليبيا في إطار السعي للتوصل لتفاهمات وتعاون مشترك بتلك المناطق

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة ملتقطة في 18 سبتمبر 2024 بالعاصمة المصرية القاهرة يظهر فيها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال مؤتمر صحافي بقصر التحرير (د.ب.أ)

وزير خارجية مصر: نجري اتصالات يومية لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان

كشف وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي الأربعاء عن اتصالات يومية مع كل الأطراف الدولية والإقليمية لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان المصري محمود عبد العزيز (فيسبوك)

مصريون يتذكرون أعمال «الساحر» محمود عبد العزيز في ذكرى رحيله الثامنة

مع حلول الذكرى الثامنة لرحيل الفنان المصري محمود عبد العزيز الشهير بـ«الساحر»، احتفل محبوه على «السوشيال ميديا»، الثلاثاء، بتداول مشاهد من أعماله الفنية.

رشا أحمد (القاهرة )
المشرق العربي مركبة عسكرية إسرائيلية تعمل أثناء مداهمة إسرائيلية في طوباس بالضفة الغربية المحتلة 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

مصر تدين تصريحات سموتريتش: إصرار إسرائيلي على تبني سياسة الغطرسة

أدانت مصر بـ«أشد العبارات التصريحات المتطرفة لبتسلئيل سموتريتش الداعية إلى فرض السيادة الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

​ما سر خلاف الجيش السوداني و«الدعم السريع» حول معبر «أدري»؟

سودانيات ينتظرن في طابور للحصول على مساعدات بمدينة أدري التشادية بعد فرارهن من دارفور (رويترز)
سودانيات ينتظرن في طابور للحصول على مساعدات بمدينة أدري التشادية بعد فرارهن من دارفور (رويترز)
TT

​ما سر خلاف الجيش السوداني و«الدعم السريع» حول معبر «أدري»؟

سودانيات ينتظرن في طابور للحصول على مساعدات بمدينة أدري التشادية بعد فرارهن من دارفور (رويترز)
سودانيات ينتظرن في طابور للحصول على مساعدات بمدينة أدري التشادية بعد فرارهن من دارفور (رويترز)

أعلنت الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية عاصمة مؤقتة، الاستجابة لمطلب تمديد فتح معبر «أدري» الحدودي مع دولة تشاد، لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى المستحقين، وتنسيق عمل المعبر بالتعاون مع المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.

لكن المعبر الحدودي الحيوي الواقع بين ولاية غرب دارفور السودانية، ومدينة أدري التشادية التي يحمل المعبر اسمها، تسيطر عليه فعلياً قوات «الدعم السريع» التي تحارب الجيش، وهو واحد من 3 معابر على الحدود السودانية - التشادية التي يبلغ طولها 1400 كيلومتر من جهة الغرب.

وقال رئيس «مجلس السيادة السوداني» الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان في تغريدة على حسابه في منصة «إكس»، الأربعاء، إن حكومة السودان «قررت وبناءً على توصية الملتقى الثاني للاستجابة الإنسانية واللجنة العليا للشؤون الإنسانية، تمديد فتح معبر أدري بدءاً من 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024».

وكانت السلطات السودانية التي يقودها البرهان، وافقت في 15 أغسطس (آب) الماضي، على فتح معبر «أدري» لمدة ثلاثة أشهر تنتهي الجمعة، استجابة لاتفاق سوداني - أممي، بهدف تسهيل دخول حركة الإمدادات الإنسانية للبلاد التي يواجه نحو نصف سكانها نذر مجاعة ناتجة عن الحرب.

مهم للبلدين

وفي المقابل أثار قرار فتح المعبر حفيظة قوات «الدعم السريع» التي تسيطر على المعبر، ووصف مستشار قائد القوات تطبيق القرار بـ«المزايدة السياسية»، وعدّه «مناورة سياسية» للتغطية على رفض قائد الجيش للمفاوضات التي كانت تجري في جنيف آنذاك، كما عدّه «عطاءً ممن لا يملك»، استناداً على أن المعبر يقع تحت سيطرة قواته.

ويُمثل معبر أدري رابطاً اقتصادياً وثقافياً بين تشاد وإقليم دارفور السوداني، وتعتمد عليه التجارة الثنائية بين البلدين، لكون تشاد «دولة مغلقة» من دون شواطئ بحرية، كما تعتمد عليه حركة السكان والقبائل المشتركة بين البلدين، ويلعب موقعه الجغرافي دوراً مهماً في تسهيل عمليات نقل المساعدات الإنسانية، وهو المعبر الوحيد الآمن بين البلدين.

سبب أزمة المعبر

وتعقدت قضية معبر أدري بسبب الاتهامات التي وجهتها الحكومة السودانية باستمرار، بأنه يمثل ممراً لنقل الأسلحة والإمداد اللوجيستي لقوات «الدعم السريع» من تشاد التي تتهمها بالضلوع في مساندة قوات «الدعم السريع»، لكن الأخيرة ترد بأن الحدود بين تشاد ودارفور مفتوحة وتقع تحت سيطرتها، ولا تحتاج لاستخدام «أدري» إن كانت مزاعم الجيش السوداني صحيحة.

سودانيات ينتظرن في طابور للحصول على مساعدات بمدينة أدري التشادية بعد فرارهن من دارفور (رويترز)

ومع ذلك تتمسك قوات «الدعم السريع» بإدخال المساعدات عبر معبر أدري على الحدود مع تشاد، بينما ترى الحكومة أن هناك معابر أخرى، عبر الحدود مع مصر وعبر جنوب السودان، إضافة إلى معابر أخرى عبر الحدود مع تشاد نفسها، لكنها رضخت للضغوط الدولية والإقليمية، رغم شكوكها القوية حول استخدامه لأغراض غير إنسانية.

وتطلّب فتح المعبر في أغسطس الماضي، وفقاً للاتفاق مع الأمم المتحدة، إنشاء «آلية مشتركة» لتسهيل إجراءات مراقبة المنقولات، وتسريع منح أذونات المرور لقوافل المساعدات الإنسانية.