تستجوب محكمة الجنح بالعاصمة الجزائرية، غداً الأحد، عشرات المسؤولين من وزارة المؤسسات المصغرة بتهمة «الفساد». وكان وزير القطاع السابق، نسيم ضيافات، المتهم في القضية، قد نفى أي مسؤولية له في «تبديد المال العام» عندما وقف أمام القاضي يوم الخميس، علماً بأن بعض أفراد عائلته متهمون أيضاً، من بينهم زوجته وشقيقاه.

يولي الإعلام المحلي أهمية كبيرة لقضية ضيافات، لأنه أول وزير في عهد الرئيس عبد المجيد تبون يتابع بتهمة «الفساد»، كما أنه عضو في أول حكومة تشكلت بعد انتخابات الرئاسة التي جرت في 12 من ديسمبر (كانون الأول) 2019، بقيادة الوزير الأول عبد العزيز جراد.
ويتضمن الملف وقائع فساد تخص الوزير السابق شخصياً، تتعلق بـ«استغلال النفوذ، الذي يتيحه المنصب، من أجل حصول أفراد من عائلته على مشروعات وصفقات حكومية درت عليهم أرباحاً». كما اتهم بـ«المبالغة في إنفاق المال العام، وتبذيره من أجل التقرب من المسؤولين الحكوميين»، وبخصوص هذه التهمة تحديداً، تناول القاضي مجسماً يخص سيف الأمير عبد القادر الجزائري، رمز المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في القرن الـ19، مؤكداً أن المبلغ الذي دفعه الوزير للمؤسسة التي أنجزته «كبير وغير مبرر». وقد تم تقديمه هدية لمسؤولين بارزين في احتفالات ثورة التحرير (1954-1962).

غير أن ضيافات (40 سنة) زعم أن «مثل هذه الهدايا سُنة محمودة، دأبت عليها الدولة في المناسبات الكبيرة»، لكن القاضي بدا غير مقتنع بمبرراته. كما أنكر ضيافات تهمة «الفساد» التي تلاحقه، مؤكداً أنه «كان ينفذ أوامر وتعليمات الوزير الأول (الأسبق عبد العزيز جراد)، في إطار تشجيع المستثمرين الشباب، وكل الإجراءات والتدابير التي صدرت من وزارتي، جاءت ضمن هذا التوجه، وتمت بعلمه وموافقته».

ويرتقب أن يقف غداً أمام القاضي بـ«محكمة سيدي امحمد» الابتدائية، 38 مديراً وموظفاً حكومياً ينتمون لوزارة المؤسسات المصغرة، والأجهزة التي تتبع لها، من بينهم 4 مديرين مركزيين بالوزارة، وعدد من مسؤولي «الشركة الجزائرية لإنشاء المنجزات والهياكل المعدنية»، و«الوكالة الوطنية لدعم وترقية المقاولاتية». وهذان الجهازان يعدان خزاناً كبيراً للمشروعات الصغيرة، التي تمنح لصغار المقاولين بغرض إطلاق شركات. وقد استحدثتهما السلطات لإحداث حركية في الاقتصاد، عبر إنشاء مئات المؤسسات الصغيرة، ووضعت في ميزانيتيهما أموالاً ضخمة «أسالت لعاب المتهمين»، وفق ما جاء في لائحة المدعي العام.
وبدأ التحقيق في القضية بعد إقالة ضيافات في تعديل حكومي، جرى في الثامن من سبتمبر (أيلول) 2022، وأودع قاضي التحقيق لدى «محكمة سيدي امحمد»، الوزير، الحبس الاحتياطي بداية أبريل (نيسان) 2023. ولقي المصير نفسه خمسة مسؤولين حكوميين آخرين، فيما وضعت زوجة الوزير وشقيقتان له، وزوجة أحدهما في الرقابة القضائية، بعد اتهامهم بـ«الفساد».
ووفق التحقيق الذي أجرته فرقة من الشرطة مختصة في محاربة الفساد والإجرام المالي، حصل أفراد عائلة الوزير على مشروعات مكنت مؤسساتهم الصغيرة من تحقيق أرباح مهمة. وتم ذلك، حسب التحقيق، بفضل توسط ضيافات لدى مسؤولي «شركة الهياكل المعدنية،» و«وكالة ترقية المقاولاتية». ووضع قاضي التحقيق العشرات من مسؤولي هذين الجهازين تحت إجراءات الرقابة القضائية مرفقة بالمنع من مغادرة التراب الوطني.

وبعد استقالة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من أبريل (نيسان) 2019، تحت ضغط الشارع، شنت السلطات حملة اعتقالات وسجن، طالت عدداً كبيراً من كبار المسؤولين المدنيين بتهمة «الفساد»، من بينهم ثلاثة رؤساء حكومات سابقين. ووفق الصحافة، تابع القضاء أكثر من 30 وزيراً، كما تم سجن العديد من المسؤولين بالجيش، بالتهمة ذاتها، منهم رئيسا جهاز الأمن الداخلي الجنرال بشير طرطاق، والجنرال واسيني بوعزة، وقائد سلاح الدرك الجنرال مناد نوبة.




